أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - العراق: تصادم القبيلة والأصولية الوافدة















المزيد.....

العراق: تصادم القبيلة والأصولية الوافدة


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1477 - 2006 / 3 / 2 - 10:19
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يبدو أن شيخ القبيلة، التقليدي أو المحدث، يتجه حثيثاً الى المجابهة مع الأصولي المحارب، في عراق ما بعد الغزو، وبتحديد أدق في محافظة الأنبار، التي كانت تعرف أيضاً باسم قبيلتها «الأرأس الدليم».
يبدو التصادم وليد اللحظة. فمنذ فترة ومحافظة الأنبار تختبر سلسلة من التوترات بين الأصولي الوافد، ممثلاً بالزرقاوي وتنظيمه «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، وبين جماعات قبلية محلية تنحدر من شتى أفخاذ عشيرة الدليم، المتشعبة والواسعة.
وكانت هذه الصدامات تبدأ على مستوى الأحياء السكنية الصغيرة، بفرض طراز عيش معين، ولباس معين، وسلوك معين على الأهالي، ابتداء من خلع الصحون اللاقطة (هوائيات التلفزيون)، وجلد معاقري الخمر (حتى كانت جعة خالية من الكحول – ما يسمى «ماء الشعير») واعدام الحلاقين الخارجين على الزيّ الموحد.
وبدت الأصولية، في جانب منها، متوافقة مع الروح المحلية المحافظة أصلاً، وإن كانت تبدي غلوّاً وصرامة، بل قسوة، في التطبيق. وبقي التوتر بين مجتمع شبه قبلي محافظ وجماعة غالية محصوراً في النطاق الأخلاقي لسلوك الفرد وسط الجماعة: لباسه وشرابه وتصرفاته. وبقي أثر هذا التوتر ضيقاً إزاء المصلحة الأوسع التي جمعت الاثنين.
الأصولي الوافد كان في حاجة الى قاعدة محلية تمده بالمعرفة التفصيلية: معابر التهريب الحدودية، أوكار الاختباء، مواقع القوات الأميركية، وما شاكل. فالقادم من وراء الحدود سيظل أبكم وأصم وأعمى من دون هذا السند المحلي. في المقابل، كان المجتمع المحلي يفيد من الدعم المالي واللوجستي الذي يقدمه الأصولي الوافد، من أجل تعديل موازين قوى أدت الى تهميش هذه المناطق.
في لحظة من لحظات هذا التوافق، بدت الفلوجة، مثلاً، جمهورية طالبان مصغرة، مثلما كانت عسكرياً، بؤرة عنف لا يستكين. غير ان صقل التوترات أخذ يتسع بغتة، حين قررت جماعة القاعدة الانعطاف بتكتيكاتها الى اشعال فتيل حرب طائفية، واستهداف كل ما يمت الى الشيعة بصلة (على الهوية). وعلى رغم أن الأنبار محافظة سنية - عربية خالصة، لا تعرف داخل حدودها أي توتر إثني أو طائفي، فقد استقبلت، بعد الغزو، آلاف العوائل الشيعية من الجنوب تنتمي الى الحزب الحاكم سابقاً (يقدر عددها بنحو 30 ألفاًَ في عموم المناطق السنية الى الشمال من بغداد)، لكنها كانت جزءاً من حركة الاعتراض المسلح. وحوّلت القاعدة جزءاً من سلاحها الى هذه العوائل، مندفعة بعصبوية خانقة الى التصفية الجسدية لهؤلاء «الروافض». وبذا اندلع أول توتر داخلي، وتوسعت رقعة التوتر بتوسيع حرب القاعدة التي طاولت المواكب الدينية (في عاشوراء)، والكنائس، في شكل عشوائي أفقد العمل المسلح مظهره السابق (معاداة الاحتلال) وأنزله الى درك عنف سقيم يكاد لا يتميز عن الإجرام.
على السطح بدت الاحتكاكات بين المجتمع المحلي، وبخاصة العشائر، والأصوليين الوافدين، نابعة من تباين في القيم، وفي التكتيكات العسكرية. وعلى رغم أهمية، بل خطورة هذه الاختلافات، فإن التوترات تضرب جذورها في أعمق من ذلك.
الأصولية الوافدة في جوهرها بنيان تنظيمي وأيديولوجي جامح، عابر للجغرافيا والأقوام والأمم. أركانه بسيطة، وعالمه مختزل يقوم على نقاء عقائدي كوني لا وجود له إلا وسط جماعات صغيرة معزولة، مثلما يقوم على انضباط صارم يربأ بأية ولاءات أخرى (للقبيلة أو للمدينة أو للوطن)، ويقوم على ثنوية أخلاقية تشطر الكون شطراً مانوياً الى خير مطلق، وشرّ مطلق، ويرتكز على تكتيك واحد وحيد: حرب دائمة حتى الموت.
في المقابل، يتسم مجتمع الأنبار، المحافظ، القبلي الطابع، بسمات تضعه خارج مدارك هذه الأصولية. فهذا المجتمع يتميز، محلياً، بتضافر ثلاثة عناصر اجتماعية – سياسية، يمكن ايجازها بالعروبة والقبيلة والاسلام، وهي عناصر متداخلة، متشابكة، تضفي على الأنبار وضعاً خاصاً.
النزعة العروبية في هذه المحافظة ليست نخبوية (على مستوى القيادة) بل اجتماعية عامة. فالأنبار عانت لحظة الانتقال من الدولة العثمانية الى الدولة الوطنية (القطرية بلغة العروبيين) التي فصلت هذه المنطقة عن محيطها الشامي والأردني، وقطعت بالتالي روابطها التجارية والقبلية مع هذا المحيط. لا غرابة في أن يتحدر كثرة من زعماء الحركات القومية العربية من هذه المحافظة تحديداً، أو أن تكون موئلاً لأشد نزعات الوحدة الاندماجية مع المحيط العربي. وتمتاز الأنبار أيضاً بالروح الاسلامية المحافظة، التي تضرب جذورها في تحدر الدليم، في الأصل، من نجد، وتأثرها بالحمية الدينية. فهي موئل أهم عائلة دينية سنية (الألوسي) التي استوطنت تكريت وبغداد في ما بعد، وقدمت زعامات بارزة، مثل أبو الثناء الألوسي ومحمود شكري الألوسي وغيرهما. وبالفعل تعد مساهمة الأنبار في الحركات الاسلامية السنية مهمة بل حاسمة، حيث تنحدر كثرة من قيادات هذه الحركة منها.
لكن النزعتين العروبية والاسلامية تتداخلان مع البيئة القبلية المحلية تداخلاً لا فكاك منه. لقد كانت قبيلة الدليم وهي القبيلة الأكبر في هذه المحافظة (الى جانب قبائل أخرى: زوبع، الجنابيين) حتى آخر القبائل العراقية التي استسلمت لضغوط التوطين، والانتقال من الاقتصاد الرعوي الى الزراعة المستقرة. ولما فقد اقتصادها الزراعي – الحِرفي أهميته المركزية، تحولت الأنبار (شأن محافظات كثيرة) الى الخدمة الحكومية والعقود الحكومية. وعلى رغم ان سكان المحافظة يؤلفون 5 في المئة من نفوس العراق، كان لهم رئيسان للجمهورية (من مجموع 4 رؤساء)، وعدد كبير من رؤساء الوزارات في العهد الجمهوري، بل سادوا سيادة تامة في عهد الأخوين عارف (1963 – 1968). وفي عهد البعث، توسعت مشاركة الأنبار في المؤسسة العسكرية، مثلما توسعت مشاركتها في طبقة رجال الأعمال الجدد اعتماداً على مقاولات دولة مترعة بالنفط.
واجهت الأنبار بعد الغزو تهميشاً أو حرماناً لا يدانيه تهميش أو حرمان قياساً الى المحافظات الأخرى. الا انها لم تكن موحدة تماماً في خياراتها. يتضح ذلك جلياً من تفاوت مواقف نخبها الرئيسة الثلاث: زعماء القبائل (والبيوتات القبلية)، القادة العسكريين، وطبقة رجال الأعمال. وفي لجّة الصراع المسلح، طغت أهمية العسكر الذين تحولوا الى زعماء ميليشيات، مثلما طغت، ظاهرياً أو موقتاً، أهمية القوى الأصولية المسلحة.
وفي إزاء ما بدا أنه تهميش مستمر في اطار العملية السياسية الجارية (الانتخابات، الدستور)، تبلور وسط الأنباء ميل أقوى نحو العمل السياسي من دون التخلي عن العمل العسكري، بل اخضاع هذا الأخير لمتطلبات الأول. ولاحظ المراقبون، مثلاً، استتباب الهدوء في المنطقة أيام الاستفتاء على الدستور، وأيام الانتخابات البرلمانية الأخيرة (تشرين الأول/ أكتوبر وكانون الأول/ ديسمبر على التوالي). وبدا واضحاً ان القوة العسكرية للأصولية مرهونة تماماً بقرار المحيط المحلي، وليست قائمة بذاتها من حيث القرار والتوقيت. فالمجتمع المحلي لا يقاتل لكي يموت عن بكرة أبيه، بل يريد انتزاع أهداف سياسية، وتوسيع هامش التمثيل.
وبهذا المعنى يسير الطرفان، جل القوى المحلية، في جانب، والأصولية الوافدة، في جانب آخر، على طريقين متعارضين. هذا الطلاق سمح لقادة القبائل بالبروز مجدداً كقوة اجتماعية يحسب لها حساب.
ولزعماء القبائل في الدليم منابع متعددة للقوة، منها اقتصادية (بعضهم رجال أعمال، أو ملاك كبار) أو عسكرية (بعضهم يحمل رتباً عسكرية أو يتوافر على ميليشيا خاصة) أو قبلية (درجة تكاتف أبناء الفخذ، وعصبيتهم) أو سياسية (نفوذ هؤلاء في الدولة، من طريق التفاوض مثلاً) أو ايديولوجية (بعض زعماء القبائل بدعم قوى عروبية، أو اسلامية، أو مساندة وعاظ الجوامع).
وان تشابك العمل السياسي – العسكري، بالنسيج الاجتماعي القرابي يعطي رجال القبائل سلطة اجتماعية، أي مرجعية قيمية للتوسط، والتفاوض والتعبئة، لكنها لا تمنحهم سلطة قاهرة الى قوة القسر التي تحتاج الى وسائل عنف منظم. واذا كانت الأصولية الوافدة استسهلت قتل المعارضين أو المخالفين بالرأي في الأنبار، فإنها وقعت ضحية هذا الاستسهال، وهي اليوم تدفع ثمن تعدياتها على النسيج الاجتماعي وعلى المصالح التي يمثلها هذا النسيج، سواء في اطار الأنبار محلياً، أم في الاطار العراقي كله.
ويتلخص ذلك في تصريح زعيم قبيلة الكرابلة أخيراً الذي دان القاعدة، نازعاً عنها الشرعية، وواصماً اياها بالمروق بل بالارهاب.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على الهامش العراقي: الرئيس قانونياً
- أكتوبر البلاشفة، أو الثورة المنسية
- الدستور العراقي قبل الانتخابات وبعدها
- لائحة التعديل الدستوري
- العراق: الأوجه الكثيرة للإستفتاء على الدستور
- الدستور العراقي واستدراك التفويض
- العراق وسواه من أوضاع مشابهة: الوسطية الضائعة منذ نصف قرن
- انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة -الاشتراكية
- نحن والعالم في ظلال 11 أيلول
- المنهج النظري و التجريبية في كتاب الطبقات الاجتماعي لحنا بطا ...
- العراق: صراع العروبة والأسلمة في الدستور وحوله
- الدستور العراقي:المعركة الاخيرة ؟
- سوسيولوجيا البداوة والمجتمع العراقي 2-2
- المجتمع العراق و سوسيولوجيا البداوة 1-2
- اطلالة على مفهوم العولمة
- الفقهاء في النجف 3-3
- الفقهاء في النجف
- الفقهاء في النجف :الجواهري و التمرد الأول :
- نحن والدستور
- الدين والدولة في الصراع على دستور العراق


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - العراق: تصادم القبيلة والأصولية الوافدة