|
أثنيات متناحرة ؛ الكرد والسريان ، مثالاً
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1477 - 2006 / 3 / 2 - 09:43
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
أثنيات متناحرة : الكرد والسريان ، مثالاً
في كتابهما الهام " سياسة وأقليات في الشرق الأوسط " ، طرح الباحثان الهولنديان ، لورانت وآني شابري ، هذه الملاحظة الصائبة : " يجب ألا نتوقع في البلد العربي المسلم ، أن نرى طائفة أقلية تبتهج بصعود سياسي ، مفاجيء ، لأقلية اخرى " . ربما لا نكون مغالين ، لو أسقطنا تلك الملاحظة على ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات وتجاذبات وتحالفات بين مختلف إثنياتها وطوائفها ؛ منذ إنتهاء حرب تحرير الكويت ، تحديداً . ولعل مثال الكرد والسريان ، الذي ننفرد هنا بتشخيصه ، قد يعطينا صورة مصغرة عن العلاقات المعقدة ، الشائكة ، بين مختلف مكونات النسيج الإجتماعي الوطني في مرحلة مصيرية ، دقيقة وحاسمة ، تمرّ بها سورية راهناً . كما هو معلوم لدينا ، فأكراد العراق كانوا أكبر الغانمين من إندحار الديكتاتور العراقي في حرب الكويت ، حيث وفرت لهم الحماية الدولية إمكانية حكم إقليم كردستان ذاتياً ، بعيداً عن أي وصاية مركزية . إعتباراً من ذلك التاريخ ، لاحظنا إنهمار سيل من المقالات والأبحاث في الصحف العربية ، من أقلام سريانية ، بشكل خاص ، متناولة العلاقات المسيحية الكردية تاريخياً ، مع التركيز على الجوانب السلبية فيها ؛ حدّ إعتبارها علاقات خلافية متناحرة ، لا سبيل لإصلاحها أبداً . إنّ قلق أصحاب هذا التوجه من إمكانية تكرار التجربة الكردستانية العراقية ، في سورية ، كان متماهياً أحياناً في تلك المقالات والأبحاث المشار إليها ؛ قلق أضحى معلناً ومفصحاً عنه إثر إنتفاضة 12 آذار ، الكردية ، التي تفجرت عام 2004 في مدينة القامشلي ، ثم إمتدت لمدن اخرى في سورية . من جانبهم ، فلم يأبه الكرد عموماً بتخفيف هواجس جيرانهم هؤلاء ؛ ولم تبادر أحزابهم السياسية إلى المبادرة الجدية لحوار شفاف بهذا الشأن ، وكذلك الأمر بالنسبة لمثقفيهم . لقد كانت اللقاءات ، المحدودة ، الجامعة بين السياسيين الكرد والسريان ، في داخل وخارج الوطن ، تتمّ غالباً على أرضية من الريبة والتوجس . ناهيك أنه حتى تلك اللقاءات ، فقد كانت تجري غالباً بين أكراد ممثلين لأحزابهم القومية وسريان منخرطين في أحزاب يسارية أو قومية سورية ؛ مما كان يحول دون الخوض بصراحة ووضوح في أمور تخصّ جماعتيهما كأثنيتيْن مضطهدتيْن ، والإنهماك عوضاً عن ذلك بمناقشات عامة تخصّ المناسبة الطارئة التي جمعتهما . بالمقابل ، فلا يجوز إنكار حقيقة أنّ إجتماعات بهذا المستوى ، كان لها إيجابيات مؤثرة على صعيد الحوار الكردي السرياني ، المثمر المنشود ، وصولاً إلى جذب ممثلين لمكونات إثنية ، مهمشة ، إلى الحراك السياسي الضالعة فيه المعارضة السورية . وبما أننا عوّلنا على دور المثقفين في حوار سريانيّ كرديّ ، مفترض ، فلنقلها بصراحة ؛ أنّ بعض الأقلام هنا وهناك ، قد ذهبت بعيداً في شطحاتها أو ردات فعلها ، بخلق معارك وهمية على خلفية تاريخية يعودُ بعضها أحياناً لعصور ما قبل الميلاد . الأفدح في هذه المقالات / المهاترات ، تذييل أصحابها لإسمائهم بعبارة " شاعر " أو " باحث " .. الخ ؛ في نفس الوقت الذي لا تنمّ مقالاتهم عن إحترامهم لتلك الصفة الأدبية أو العلمية ، المزعومة . علاوة على أنّ مسألة التاريخ ، أضحت لعبة يتسلى بها كتبَة لا يمتلكون حداً أدنى من الثقافة ، ناهيك عن المراجع العلمية المسندة والموثقة . فهذا " يتفذلك " على القاريء بعرض صاروخيّ ممتد على أربعة خمسة آلاف سنة ، وبمقالة لا تتجاوز كلماتها الأربعمائة خمسمائة مفردة مجازفة ؛ وذاك قلمه أفتك من قنبلة هيروشيما ، يمسح به من على وجه البسيطة وجودَ شعب بأكمله ، بحجة أنّ " هجرة " أسلاف هذا الشعب إلى أرض الحضارات الآشورية الآرامية الكلدانية تعود لألف ألفيْ عام " فقط " ! في أحد مباحثه القيّمة ، يؤكد كلود ليفي شتراوس على أنه ما من جماعة أثنية ، مهما كان حجمها أومدى تطورها المعاصر ، إلاّ وكان لأسلافها دور فاعل في الحضارة الإنسانية . هذا التأكيد ، لا يطيق أن يسمعه أصحابنا ، المثقفون ، المنتمون للعرق السوري " النقيّ " ؛ الوالغون في تاريخ الكرد سفكاً وفتكاً ، المجدفون على شخصياته تشويهاً وتجنياً . الأوابد الأثرية ، العائدة لتواريخ وحقب مختلفة قديمة ووسيطة ، المكتشفة في إقليم الجزيرة ، السورية ، من لدن بعثات علمية غربية ؛ هذه الأوابدُ يتوجّبُ مصادرتها ، برمّتها ، في متحف الجماعة المختارة ؛ بعُرف أولئك الدونكيشوتيين ، أنفسهم . عجباً ، لمَ يفتخر السريانيّ ، اليوم ، بآرام ما قبل الميلاد وآشوره ووو .. ، ولا يحقّ لجاره ، الكرديّ ، أن يتمتع بمفخرة أسلافه الحوريين والميتانيين والميديين : أم أنّ صفة هذا الأخير ، " الإسلامية المتخلفة " ، لا تجيز له ذلك ؟ وهذا المُستنطق أسماءَ بلداتٍ وتلال وقرى كردية ، في الجزيرة ، بجذورها الآرامية المفترضة ؛ هل يتناسى _ حتى لا نقولُ مفردة اخرى ! _ أنّ مدناً عربية كبرى ، في سورية الساحلية والداخلية ، إنما تحمل أسماء إغريقية / رومانية ، مما يعطي " الحق " ليونانيي وإيطاليي ما وراء البحار ، المطالبة بهذه البلاد جميعاً ؟؟ لنغض الطرف ، أيضاً وأيضاً ، عن الدم الكردي المسفوح على الضفاف العروبية ، وعن ثارات المجازر من أيام حمورابي وحتى صدام حسين : فلمَ لا ينتفضُ العِرْق السوريّ ، " النقيّ " ، لدماء أبنائه ، المسفوكة تاريخياً على الضفاف ذاتها ؟ ولم لا يرى الممثلون المفترضون للسريان ، وخصوصاً المثقفون منهم ، إلى العدو المشترك لشعبهم والشعوب المتعايشة معهم ، من كرد وغيرهم ، المُتمثل بالنظام الديكتاتوري البعثي في دمشق ؟ إستقراءُ أولئك المثقفين ، السريان ، لعراق ما بعد البعث ، الذي منح شعبهم هناك _ وخصوصاً في إقليم كردستان _ حرية لا محدودة في جميع المجالات السياسية والثقافية والدينية والإقتصادية .. ، أكان ذلك الإستقراء من ثقب الإبرة ؛ الذي عناه الباحثان الهولنديان ، في مفتتح مقالتنا ، بحديثهما عن أنانية بعض الأقليات الطائفية وضيق أفق تفكيرها ؟؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوثنيّة الإسلاميّة
-
الموساد ، من كردستان إلى لبنان
-
التعددية ، في وصفة بعثية
-
عيدُ الحبّ البيروتي
-
عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
-
المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
-
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
-
القصبات الكردية (2 / 2)
-
الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
-
رؤيا رامبو
-
الميلاد والموت
-
القصبات الكردية
-
المهاجر الكردية الأولى
-
كي لا ينام الدم
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|