|
أكذوبة المنح والمساعدات الخارجية
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5747 - 2018 / 1 / 4 - 18:50
المحور:
القضية الفلسطينية
تهديد ترامب بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية يندرج في إطار سياسة قديمة تقوم على توظيف القروض والمساعدات والمنح من الدول الكبرى للدول الفقيرة للتأثير في مواقفها وسياساتها ، وبالتالي فإن كلمتي منح ومساعدات ليست في محلها ، وإن كانت الأضواء سُلطت على الموضوع مؤخرا إلا أن الموضوع ومنذ ستينيات القرن الماضي كان محل بحث واهتمام المفكرين والباحثين من ذوي التوجهات الثورية التحررية المناهضة للاستعمار (مدرسة التبعية) . كانت الشكوك كثيرة بأنه يتم توظيف المال والمساعدات الخارجية كأداة هيمنة بيد الدول الكبرى و كانت النتيجة التي تم التوصل لها أن جزءا صغيرا فقط من هذه المساعدات يتم تقديمها انصياعا لواجبات دولية تنص عليها المواثيق والمنظمات الدولية أو لاعتبارات إنسانية ، الجزء الأكبر من هذه الأموال لا يندرج في هذا السياق بل في سياق نهج لتوجيه الأمور بما يعزز العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة بما يُمَّكِن الجهات المانحة من التحكم الاقتصادي والسيطرة السياسية في البلدان الفقيرة ، ولتسهيل إقامة قواعد عسكرية أو استعمال مطارات وموانئ هذه الدول لخدمة الدول المانحة ، أيضا توظيف هذه المساعدات للتحكم في سياسات هذه الدول سواء في التصويت في الأمم المتحدة أو لإكراهها الدخول في تحالفات عسكرية . قد اعترف رؤساء أمريكيون بحقيقة أهدافهم من تقديم المساعدات لدول العالم الثالث ، فالرئيس الأمريكي جون كيندي قال عام 1961 : "إن المساعدات الخارجية هي أسلوب تحافظ به الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ والسيطرة في العالم أجمع " ، أما الرئيس الأمريكي نيكسون فقد قال في عام 1968 "دعونا نتذكر أن الهدف الأساسي للمساعدات الأمريكية ليس هو مساعدة الأمم الأخرى ، بل مساعدة أنفسنا ". وما يتحدث به ترامب اليوم لا يخرج عن هذا السياق ولكن ترامب يطرحه بشكل أكثر فجاجة . وعمليا فإن كل الدول الكبرى توظف المال السياسي سواء للتأثير في سياسات الدول الفقيرة بل وتغيير أنظمة الحكم فيها إن لزم الأمر ، وكان هذا الأمر واضحا في توظيف واشنطن لهذه المساعدات مع العديد من دول أمريكا اللاتينية من خلال الدور الذي لعبته الكارتيلات الاقتصادية الكبرى في الانقلاب على الأنظمة الشرعية والتقدمية ، أيضا في دول الشرق الاوسط وأفريقيا . المستَجَد في الأمر أن دور المال السياسي في التأثير على الحياة السياسية أصبح علنيا ويأخذ شكلا استفزازيا ،كما أن المال السياسي الخارجي لم يعد يُقدم للحكومات فقط بل أيضا لأحزاب وجماعات معارضة مشتبكة في حروب أهلية مع النظام القائم ،أو لشخصيات قيادية مباشَرة دون المرور عبر القنوات الرسمية للدولة ، ولمنظمات مجتمع مدني هدفها إفساد المجتمع وإثارة الفتنة ، وفي نفس الوقت يتم معاقبة الحكومات غير المسايرة لنهج الجهات المانحة بالتهديد بقطع المساعدات المالية عنها أو بالحجز على أموالها المودَعة في الخارج . إن ما تسمى مساعدات ومنح هي أكذوبة كبرى لأن الدول المؤسسات المالية الدولية هي المستفيد الأول منها أكثر من استفادة الشعوب المتلقية ، وهي مساعدة للحكام والنخب السياسية وليس للشعب . جزء كبير مما تسمى مساعدات ومنح تعود مباشرة للدول المانحة من خلال أجور مكاتب استشارات وخبراء أو صفقات تسليح ، والجزء الآخر يعود للدول المانحة مضاعفا من خلال تبعية اقتصادية وعلاقات غير متكافئة ، وهو ما كشفته تحقيقات موضوعية ،منها دراسة قيّمة للمفكر المغربي العلامة المهدي المنجرة منذ سنوات توصل فيها بخلاصة أن كل دولار يصل للدول الفقيرة يعود بالفائدة على الدول (المانحة) على المدى البعيد بسبعة أمثاله . ضمن هذا السياق فإن المساعدات التي التزمت الجهات المانحة بتقديمها للسلطة الفلسطينية لم تكن لاعتبارات إنسانية بل كانت مرهونة بالتزام السلطة بعملية السلام بالرؤية الأمريكية وقد هددت واشنطن بقطع أو تخفيض هذه المساعدات إن خرجت السلطة عن نهج التسوية السياسية وقد حدث ذلك بالفعل في عهد أبو عمار وبعد ذلك عندما فازت حركة حماس بالانتخابات في يناير 2006 ، أيضا المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لمصر ارتبطت بتوقيع هذه الأخير في عهد السادات على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وقد هددت واشنطن بتخفيض هذه المساعدات كعقاب لمصر على بعض سياساتها المتعارضة مع السياسة الامريكية ، وتهديد واشنطن بإعادة النظر في المساعدات التي تقدمها للدول التي صوتت على قرار الجمعية العامة بإدانة واشنطن ودعم الموقف الفلسطيني من قضية القدس تندرج في نفس السياق . أما بالنسبة للتهديد الأخير بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية فإن واشنطن لم تقدم يوما المساعدات للفلسطينيين لاعتبارات إنسانية سواء التي يتم تقديمها لوكالة الغوث أو للسلطة الفلسطينية ، حيث كان الهدف من المساعدات التي يتم تقديمها للأونروا التهرب من تطبيق قرار 194 الذي يطالب بعودة اللاجئين ، أما المساعدات التي يتم تقديمها للسلطة فهي مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل والتزام السلطة بالتسوية السياسية أو صيغة أخرى بوقف المقاومة ضد إسرائيل . بعد أن استنفذت واشنطن اغراضها من وجود عملية سياسية ومفاوضات طوال ربع قرن ، وبعد أن مكنت إسرائيل من التهام غالبية أراضي الضفة والسيطرة الكاملة على القدس ومع اعتقادها بأن الشعب الفلسطيني بات رهين المنح والمساعدات الخارجية فإنها تريد توظيف المساعدات لمزيد من ابتزاز السلطة الفلسطينية . الخطورة في تهديدات واشنطن أنها جزء من سياسة تمثل انقلابا على كل عملية التسوية السياسية ، بدأت بقضية القدس ثم قضية اللاجئين من خلال التلويح بوقف دعم وكالة الأونروا لتصفية قضية أللاجئين الفلسطينيين . ولكننا نعتقد أن واشنطن لن توقف المساعدات كليا لأنها لا ترغب في انهيار السلطة الآن ولكنها ستوظفها للضغط على السلطة والرئيس أبو مازن وابتزازهما للتعامل مع مشروع تسوية جديد والعودة لطاولة المفاوضات وللتأثير على جهود عقد اجتماع المجلس المركزي منتصف الشهر إما لتأجيله أو التأثير على مخرجاته وخصوصا الحيلولة دون الخروج بقرارات قوية كالإعلان عن الانتقال من سلطة حكم ذاتي إلى دولة تحت الاحتلال أو التراجع عن الاعتراف بإسرائيل الخ ، وربما ستغير واشنطن شروطها لتقديم المساعدات من خلال اشتراط صرفها في مجالات محددة أو توجيه المساعدات لجماعات فلسطينية أخرى مستعدة للقبول بما يرفضه الرئيس أبو مازن ، وبطريفة غير مباشرة سيؤثر أي تخفيض للمساعدات على المصالحة حيث لن تتمكن السلطة من تغطية مرتبات جميع الموظفين وهي العقبة أمام تقدم المصالحة وهو ما قد ترغب به واشنطن وتل أبيب أيضا . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكراها 53 : الثورة الفلسطينية والشرعية الدولية
-
فلسطين 2017 : فشل في المراهنات وانقلاب في المواقف
-
لعبة الأمم في هيئة الأمم
-
الهروب نحو الأمم المتحدة ليس حلا
-
الرد الفلسطيني على مستجدات السياسة الأمريكية
-
انقلاب في سياسة واشنطن وليس مجرد قرار رئيس
-
نقل السفارة الامريكية إلى القدس :الخلفيات والتداعيات
-
طبِّعوا إن شئتم ،ولكن ليس على حساب الحق الفلسطيني
-
إرهاب الصغار للتغطية على إرهاب الكبار
-
إشكالية الديني والسياسي والبحث عن مرجعية ناظمة
-
المال السياسي كبديل عن إرادة الشعب : لبنان واستقالة الحريري
...
-
الرئيس الذي توزع دمه بين القبائل
-
الصفقة الكبرى بين التهويل والتهوين
-
إشكالية الموضوعية في البحث والتحليل السياسي
-
وعد بلفور :افتئات على التاريخ وانتهاك للحقوق
-
السياسة بين الواقعية والمثالية
-
الإرهاب في سيناء : معادلة مختلفة
-
متغيرات السلطة والمعارضة في العالم العربي
-
مصالحة خارج سياق المصالحة الفلسطينية
-
ما يريده الشعب وما تستطيعه الحكومة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|