أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود كرم - امتزاج الثقافات وضرورة الحوار














المزيد.....

امتزاج الثقافات وضرورة الحوار


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 1476 - 2006 / 3 / 1 - 11:11
المحور: المجتمع المدني
    


في ذات لقاء عابر جمعني بفتاةٍ لندنية باهرة الحسن فقلتُ لها : أعتقد أن جمالكِ يا حلوتي مزيجٌ جميل من حضارات مختلفة ..

ردت بسرور الواثقة : صحيح يا سيدي فجمالي صنعته حضارة أمي الإغريقية و حضارة أبي الرومانية وصقلته بالتدريج حضارة نهر التايمـز ..!!

ودعتها بابتسامةٍ منشرحة وقلتُ في نفسي هل كان الفرنسيون على حق عندما ابتدعوا مقولتهم الشهيرة التي تتعلق بالمرأة ( كوني جميلة واصمتي ) ..!!

فأمام إجابة هذه اللندنية الفاتنة تصبح عبارة الفرنسييين تلك فارغة ولا أساس لها أبداً ففي حالتها وفي كل الحالات على الاطلاق علينا أن نقول دائماً : كوني جميلة وتكلمي ..

أتساءل في بعض الأحيان هل يصنع امتزاج الحضارات وتداخل الثقافات لوناً بالغ الفخامة وفي كل المجالات تقريباً ؟؟

ما أعرفه أن امتزاج الأنماط الحضارية المختلفة يخلق لوناً إنسانياً مترف المذاق وباهر الضوء ومتين البنية ، ونظرة سريعة إلى التاريخ القديم نجد أن الثقافات الحضارية تداخلت وتفاعلت وتواصلت وانتجت ألواناً جميلة في مختلف المجالات ، فالمسلمون القدماء أخذوا بعض الأشياء مما عند الفرس والإغريقيين والرومان وتداخلوا في بعض المعارف الإنسانية وكذلك كان الإغريقيون القدماء يطلعون على ما عند المصريين الأوائل وما كانت تكتنزه حضارة بابل العريقة من ثقافات وانتاجات وكذلك اتجه الأوروبيون أيام عصورهم الوسطى وبدايات نهضتهم نحو الاطلاع على ثقافات المسلمين والرومان والإغريقيين ، وكما هو معروف أن تداخل تلك الحضارات في ثقافاتها خلقت تنوعاً في المعارف والعلوم البشرية واستطاعت أن تتواصل إنسانياً وحضارياً وفكرياً في مراحل معينة من تاريخ شعوبها وإذا كان ذلك قد حدث في التاريخ القديم لتلك الحضارات فكيف علينا أن نرى اليوم مستوى التداخل الحضاري والتفاعل الثقافي بين مختلف الثقافات والمعارف وخاصة أن عصرنا الحالي يتميز بكم هائل من التنوع الثقافي ويمتاز بالتطور التقني ووسائل الاتصال الفائقة السرعة والمتعددة الأساليب وتتوفر المعلومات بكثافة وانسيابية ويتزايد التطور تبعاً لذلك في المعارف الإنسانية والفكر البشري ..

هذا الأمر يجعلنا أمام حقيقة علينا أن نؤمن بها ومن خلالها تكون التداخلات الثقافية وتفاعلها ذات انتاجية وفاعلية وواقعية وهي ضرورة الانعتاق من الخلفيات العقائدية الدوغمائية المكبلة لروح الانفتاح الحيوي والمقيّدة للحوار الحر المفتوح بين الثقافات المتعددة وخاصةً أن عالم اليوم يسير باتجاه الحوار المشترك والذي من دونه يستحيل تطور الفكر البشري فأصبح الحوار بالإضافة إلى كونه الفضاء الخصب لتبادل المعارف الإنسانية وامتزاجها الخلاق أصبح ضرورة حتمية لتدعيم مسار الحراك النقدي في تطور الثقافة ذاتها بالمتانة والرصانة والاستمرارية والتجدد ومن شأن ذلك أن يجعلها تتسلح بثقة المشاركة والحوار والتفاعل مع بقية الثقافات الأخرى ..

وليس منطقياً أبداً أن يقوم حوار حر وفاعل ومنتج بين الثقافات المختلفة إذا كان كل طرف من الأطراف المتحاورة ينطلق من خلفيات أيديولوجية تسلطية يرى في ( الآخر ) أيّ آخر شراً مستطيراً يتربص بالسوء له ويتعمد تخطئته لمجرد أنه مختلف عنه ويسعي للنيل منه وتركيعه أو ترويضه ثقافياً ، ولذلك أجد أن المهمة الأساسية لأية ثقافة مجتمعية تستمد ثقافتها من تراكماتها التاريخية الحضارية أن تسعى إلى النقد الصارم لموروثاتها الدينية والفكرية في المنحى الأيديولوجي لأن هذا النقد للموروثات يوفر لها عملية تجدد الخلايا الثقافية وضمان استمراريتها وتدفقها وتحررها بالتالي من سلطة الأيديولوجيا ليحقق لها ذلك القدرة على التفاعل الحي مع الثقافات الأخرى والدخول معها في حوارات بنـاءة ..

وهناك أمر آخر للبداية الطبيعية والحقيقية في خلق حوار فعال ومنتج بين الثقافات ذات التراكمات التاريخية المستمرة وهو التخلص من المرجعيات الفكرية ذات القداسات الدينية التي لا تقبل النقد أو النقاش فيها وخاصةً إذا كانت هذه المرجعيات الدينية تلون الثقافة في اتجاهاتها العديدة بصبغتها المقدسة وتسبغ عليها من قدسيتها مهابة التقرب منها سواءً بالنقد أو التشريح أو التفكيك ..

فلا يمكن لأي حوار أن يثمر عن حقيقة التوصل للمشترك الإنساني إذا كان كل طرف يتمترس خلف أطر عقائدية دوغمائية تسد عليه منافذ الحوار ومن ثمّ يصبح الحوار في هذا الاتجاه انغلاقاً وتعنتاً ويأخذ شكلاً عدائياً بين الأطراف التي فكرت بالحوار ولكنها لم تؤمن بتجاوز المرجعيات الأبوية المقدسة ذات الخلفيات الدوغمائية فعلينا أن نؤمن أن الحوار هو المجال الفكري والثقافي والتارخي الذي يتشارك الإنسان في صناعته وتطويره وليس مجالاً لفرض القداسات الدينية والفكرية في سياقاتها السماوية المتعارف عنها والتي من المستحيل أن تمنح الحوار سقفاً عالياً ومفتوحاً للتداول الحر والنقد المسئول والامتزاج الفعال في مجمل ما يتعلق بالثقافات والمعارف والاتجاهات الفكرية والثقافية ، وحينما تتداخل وتتشارك كل الأطياف الثقافية ذات الامتدادات الحضارية في صناعة تعددية ثقافية توافقية عبر آلية الحوار الحر المتحرر من سلطة القداسات الأبوية والمنطلقات العقائدية الدوغمائية فإنها ستحقق بذلك واحدة من أفضل السبل نحو خلق نسق حضاري رائع التنوع والتعدد ولكنه في ذات الوقت يسعى للوحدة الحضارية هدفاً إنسانياً كخيار بالغ الضرورة في عالم اليوم



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم للبقصم لا للإرهاب
- فبراير وتجليات الذاكرة
- نقرأ القرآن ولا نقرأ الحياة
- الحسين في المزاد العاطفي والأسطوري
- حينما تصبح هويتنا الدينية رصيدنا الوحيد
- زبدة لوبارك تحت المقاطعة
- هل تسير شعوبنا في ركاب الإرهابيين
- متى انهزمنا لكي ننتصر ؟؟
- أين الشيطان ..؟؟
- أمة مريضة بثقافة الموت
- مسئولية العقل التفكيري تفكيك المقدس
- الانغلاقات الفكرية إحدى معضلات الفكر الديني
- ظاهرة التدين الشكلي
- حديث الأمكنة
- حركة التاريخ
- حدَثَ في لندن
- الآخر هو أنا
- أيها العابرون مهلا ً
- ثقافة التلقين الديني
- اشتهاءات الحلم


المزيد.....




- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية ...
- البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني ...
- الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات ...
- الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن ...
- وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ ...
- قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟ ...
- أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه ...
- كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج ...
- تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي ...
- وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود كرم - امتزاج الثقافات وضرورة الحوار