محمد السعيد دوير
الحوار المتمدن-العدد: 1476 - 2006 / 3 / 1 - 11:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما بال قوم يخرجون علينا من بين ظهرانينا بما فطرنا الله تعالي عليه ويدّعون أنهم بذلك أهل دعوة وأنصار جدد لما هو جديد . ما بالهم يرفعون في وجوهنا ما وقر في القلب وارتكز في الضمائر وتشعبنا فيه كي نحقق حكمة الخالق الباري , ما بالنا لم نرشقهم حتى الآن بعظيم انتمائنا لروح وحضارة الإسلام , وعظيم إنكارنا لما هم عليه مقدمون .فيرفعون في وجوهنا شعارات ظنوا أنها تكسبهم ما ليسوا أهلا له. وحسبنا الآن عازمون علي الوقوف ملياً وجلياً أمام شعارهم الجليل " الإسلام هو الحل " ودربهم العليل " الأخوان هم العقدة "
الإسلام هو الحل .. الشعار الوثير لأناس تشابكت القضايا أمامهم فتشتت أفكارهم وذهبت عقولهم فأطلقوه في الفضاء السياسي لعله يختزل كل شيء, وكأنهم بذلك أفضل من كل أئمة الفقه والتفسير والحديث الذين لم يتوصلوا في عصورهم السابقة إلي جملة مأثورة يختزلون فيها معاني الدين , ناهيك عن معاني الدنيا .
الإسلام هو الحل .. قضية منطقية تعني لدي المناطقة ( أ هو ب ) والتعريف هنا غير معرف لان النتيجة غير متحصلة , فأي إسلام هو ؟ أهو إسلام السلف الصالح والخلفاء الراشدين ؟ فإن صدق ذلك ,فهل هو إسلام عمر أم عثمان ؟ . أم هو إسلام فقهاء الأمة الذين عالجوا قضاياهم بحسب قواعد الفقه المتعددة ؟ وإن صدق ذلك , فهل هو إسلام الشافعي أم ابن حنبل ؟ أم يا تري هو إسلام ابن رشد أم الغزالي ؟ ثم هل هو الإسلام الأشعري أم المعتزلي ؟ والي أن نتفق فلنذهب إلي التعريف ذاته والذي هو " الحل " وماذا تعني تلك الإجابة أو ذلك التعريف ؟ والحل هنا قد يستدعي معان ثلاثة : فإما هو الحل لإزاحة السلطة من مواقعها , وإما هو الحل للتغلب علي مظاهر الكفر في أراضينا , أو انه الحل للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهنا . وربما يكون المعني المقصود , طالما أصر أصحابه علي الغموض , هو انه الحل لتلك المعاني الثلاثة مجتمعة . إذن فالتعريف والمعرف كلاهما مبهم في تلك القضية المنطقية , بل ويعكس بالضرورة حالة كسل فكري واختزال في غير محله واستخفاف بعقول البشر وقدرتهم علي التمييز, والأهم من كل ذلك هو الشك الكبير لدي أنصار هذا التعريف في استعداد الناس لمناقشة وتحليل مشكلاتهم الحياتية .
الإسلام هو الحل .. شعار الأخوان المسلمون في جميع معاركهم الانتخابية , مهما تعددت المطالب الفئوية أو النيابية أو السياسية , مما يعني انه لا يحمل مضمونا معينا , أو دلالة وبنية واضحة المعالم , بقدر ما هو إشارة . وبالتالي أصبح دليلا إرشاديا يكشف للآخرين أن جماعة من الناس تقدمت لنيل ثقة العامة , وبذلك يتحول الشعارالي معصم يربط البعض من أفراد الجماعة في مواجهة كافة الجماعات الاخري . بيد أن الاختلاف هنا لا يكمن في محاولة جذب الانتباه فقط ولكن أيضا في وضع الآخر موضع الدفاع دائما أو علي اقل تقدير في تجاهل كل فعل جذري معهم – باستثناء بعض فصائل اليسار-
الإسلام هو الحل .. والأمر هنا يوحي بأن ثمةاسلاما آخر غير الذي يدركه البشر في شئونهم ومعاملاتهم اليومية , وذلك الآخر يغيب الآن عن دنيانا ومن ثم فحين صدمتنا الحياة بصعابها وصواعقها أدركنا علي الفور انه لا حل لنا ولا مفر سوي الإسلام , ومن هنا وجب القول الحق بان الإسلام هو الحل , فلننحي كل شيء جانبا وليأتي هؤلاء القوم الذين أرشدونا إلي ما كنا عنه غافلون ويحكموننا حكما عادلا منصفا لا إفك فيه ولا بهتان ولا خطر علي بال بشر أو أتي به السابقون أو اللاحقون . إذن انتقلت بنا القضية من المدلول إلي الدال , ومن الشعار إلي المصمم.
الإخوان هم العقدة .. وذلك هو التعبير الأثير لكل من قرأ تاريخ مصر الحديث وكشف غطاء الحقيقة فاكتشف حقا وفعلا أنهم عقدة كل تقدم وكل عمل سياسي أو وطني وأنهم ظلوا علي مر العصور يخالفون الإجماع الوطني ويشركون بأدوات النضال المتعددة, فحين تشتعل راية النضال ضد فاروق والاحتلال عام 46 يخالفون السير ويهتفون للملك ولجلادي الشعب , وإذا خالفهم عبد الناصر واتخذ الوطن هدفاً يعمل من أجله ,عارضوا سعيه وانقلبوا عليه فانقلب عليهم وصاروا شوكة في جسد التحرر الوطني المصري, وفروا هاربين إلي دول أوربا "الكافرة "أو قبائل النفط. إلي أن حالفهم حظهم مع السادات حيث أفسح لهم الدنيا وما عليها لضرب الحركة الوطنية اليسارية فلم يدخروا وسعاً في هذا ما استطاعوا إلي ذلك سبيلا , حتى انقلبوا عليه وتلطخت دمائه بأيديهم , ولما جاء عصر مبارك امتازت كتائبهم بالكر والفر والمنع والمنح والقبول والرفض . وهكذا ظلوا علي الدوام عقدة الفعل السياسي الوطني أو الموقف المبدئي أو علي الأقل المواقف المحددة .
الإخوان هم العقدة .. يسيرون في دروب البشر سير الداعي العارض عن الحياة, فيبدو الأمر وكأنهم أهل متاع الآخرة , ثم حين يصادق عليهم أقوامهم يطلبون أصواتهم في صناديق اقتراع الدنيا !! . وهنا العقدة, وهنا أيضا يكون جوهر ولب الفساد , فحينما نأتي بنتائج ليست من جنس المقدمات فالضلال حادث لا ريب , والشك معمول به في كل وقت وكل مكان . فإن دعوت وطلبت أجرا فسدت دعوتك وخاب ظنك وبطل أجرك . هذا لو اتفقنا أصلاً علي مضمون الدعوة التي لا ترسخ سوي للمذهب الوهابي .
الإخوان هم العقدة .. لأنهم يتنقلون بين الأحزاب السياسية بصورة لا تعكس لنا مضمون توجهاتهم السياسية فمن حزب العمل الاشتراكي إلي حزب الوفد الرأسمالي , ومن التحالف مع الحكومة الساداتية بالأمس إلي التحالف مع القوي الوطنية المعارضة اليوم , ومن تأييد الإرهاب باطنيا إلي رفضه ظاهريا , ومن خروج حزب الوسط من بينهم إلي خروج معظم جماعات العنف من بين ضلوعهم , ومن محاربة الدولة المدنية إلي مهاجمة الأزهر , ومن محاربة الثقافة الغربية إلي التعاون الوثيق معها ومغازلة الأمريكان , ومن التقدم خطوات تجاه الحزب الحاكم إلي التقهقر فجأة فلا نعرف لم هذا ولماذا ذاك .. وهلم جرا...........
الأخوان هم العقدة .. فكيف لأمثال هؤلاء أن يمسكوا بناصية العقل الجمعي للأمة ؟ وبهم ما بهم من شارد القول وسالب المنفعة . فإن اخطأ هؤلاء – وهم لا محالة فاعلين – فهل ينسحب فعلهم علي قولهم ؟ وهل ينسحب قولهم علي شعارهم ؟ وهل ينسحب شعارهم علي دين انزله الله للعالمين هدي وبينة ؟ وماذا لو خالفنا قولهم وشعارهم وأفعالهم ؟ فهل نحن حينئذ مرتدين عن ما امرنا الله تعالي به , فتأتي ساعة الحساب لأجد أن انتخابي لغير مرشح الإخوان قد وضع في ميزان سيئاتي . وهل ارتكبت ذنبا فاحشا وإثماً فتاكا حين عارضت أناسا يرفعون شعاراً واحدا في كل المناسبات ويتحركون جماعات جماعات في تظاهرات حاشدة من كل صوب وكأنهم يرهبون عدو اللهّ ..!!!!! ولا يقدمون شيئاً فعلياً للوطن ينتشله من مشكلاته القومية والاقتصادية.
نعم الإسلام هو الحل .. صحيح الإسلام بكل ما يحمله من قيم العدل والمساواة والعقلانية والثورة علي الظلم, إنه الحل لحرية الرأي والتعبير والإيمان , لحقوق المواطنة والاختلاف والتباين بين البشر ,لحق الجميع في الإنتماء المذهبي والفقهي , لأهلية الإنسان علي نفسه ولا كهنوتية الآخرين , لاحترام البشر دون التمييز بينهم بسبب الدين أو اللون أو العرق . فبقدر ما يبتعد الأخوان بأفكارهم عن المجتمع بقدر ما يكون الإسلام هو الحل . وبقدر ما يسمح بتفعيل حق الاختلاف بين البشر بقدر ما يكون الإسلام هو الحل , وعلي قدر ابتعاد "الأخوان المسلمون" عن الشعار بقدر اقترابنا منه واقترابه هو من كل المسلمين علي وجه الأرض .
محمد السعيد دوير
#محمد_السعيد_دوير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟