|
كيف يدير عمال الارجنتين بانفسهم المصانع التي هجرها اصحابها
مايكل البرت
الحوار المتمدن-العدد: 1476 - 2006 / 3 / 1 - 11:32
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
أمضيت أسبوعا في أكتوبر هذا في بيونس آيريس بالأرجنتين، أتعلم من حركة العمال هناك وهم يديرون مصانعهم التي هجرها أصحابها.
أثناء الانهيارات التي أحدثتها عولمة الكوربوريشن في الأرجنتين، واجه العمال الكارثة عندما أفلست مصانعهم الرأسمالية. وحتى يحافظوا على دخولهم مخافة المجاعة، قرر العمال في بعض حالات مواقع العمل المنهارة أن يمولوها حتى يستعيدوها كبزنس قابل للاستمرار رغم عدم قدرة المالك الرأسمالي على تسييرها. وبتجاهل معارضة الدولة، والمنافسة العدوانية، والمعدات القديمة، والطلب المنهار، استولى العمال تقريبا على 190 موقع عمل طوال السنوات الخمس الماضية. في كل مصنع محتل، أخبروننا أثناء زيارتنا لهم، لم يتخل المالك الرأسمالي فقط عن إدارة عمليات الشغل، ولكن الموظفين المهنيين والمديرين الكبار أيضا والمهندسين هجروا المصانع أيضا. حيث شعر الموظفون المميزون بأن مستقبلهم سوف يكون أفضل لو انتقلوا للعمل في أماكن أخرى بدلا من التعلق بمشاريع منهارة، اضطر العمال الغير مهرة والذين يقومون بوظائف روتينية إعادة الحياة لمصانعهم المنهارة حتى لا يعانوا من البطالة. وهكذا حتى اليوم عمليات احتلال المصانع في الأرجنتين، كما أخبرنا أحد منظمي حركة الاحتلالات الواعين، "لم تكن ناتجة عن توجهات ايديولوجية أو تتبع خطة ثورية". لقد كانت هذه العمليات، بدلا من ذلك، "تصرفات يائسة للدفاع عن النفس". إلا أن الأكثر مدعاة للاهتمام، والتحفيز والإلهام، بعد الاستيلاء على شركة من تلك الشركات، والتي كانت تحتاج عادة الى كفاح لعديد من الأشهر من أجل التغلب على مقاومة الدولة السياسية ضدهم، وبعد ذلك إدارة الموقع لفترة من الزمن، أصبحت مشروعات استعادة النشاط الاقتصادي تلك ملهمة بدرجة كبيرة.
بالإضافة الى الاستماع الى الوضع العام "لحركة استعادة أماكن العمل"، قمت بزيارة فندق محتل، ومصنع للآيس كريم، ومصنع للزجاج، ومجزرا، كلهم تم الاستيلاء عليهم لاستعادة نشاطهم الاقتصادي بواسطة قوة العمالة اليدوية في المراتب الدنيا من الهرم الوظيفي والغير ماهرة والتي تمتلك بالكاد قدرا بسيطا من التعليم وربما في بعض الأحيان أمية تماما.
في كل موقع من هذه المواقع، التي يتراوح عدد العمالة فيها من 80 حتى 500 موظف، كما في كل المواقع الأخرى التي استولى عليها العمال من أجل استردادها الى النشاط الاقتصادي مرة أخرى، قام العمال بسرعة بتأسيس مجلسا للعمال كهيئة لاتخاذ القرار. في مثل هذه المجالس، للعامل الواحد صوت واحد وحكم الأغلبية يؤسس السياسات العامة التي يتبعها نشاط الموقع. يسمي العمال هذه العملية بالتسيير الذاتي وكل موقع يحدد علاقاته وأحكامه التي تخصه.
وعلى الفور تقريبا، مع ذلك، في معظم مواقع العمل المحتلة، "ساوى العمال ما بين المرتبات حتى أصبحت قيمة نفس الأجر عن الساعة متساويا ". مواقع العمل التي اختلفت عن نزعة المساواة تلك مالت لأن تسمح "بأجور أعلى قليلا لهؤلاء الذين يمضون وقتا أطول في العمل وبأجور أقل قليلا لهؤلاء الذين يأتون من الخارج". أيضا، ومؤخرا فقط، بدأ نقاش حول الحوافز. أي نوع من الحوافز يجب استخدامها، وبأي تركيب؟ بعض مواقع العمل اختارت أن تدفع أكثر للعمل الذهني والمهام الإدارية الأعلى. البعض الآخر دفع أعلى للعمل الأكثر إلحاحا والأكثر انهاكا. ومع ذلك، معظمهم تمسك بمعدلات أجور متساوية للجميع. بدأ الكل في التفكير كيف يمكن الحصول على إنصاف أحسن "ولكن في نفس الوقت حوافز للحث على العمل الأصعب"؟ وكن حتى أينما كان العمل المنهك لا يكافأ بمقابل أعلى، وهو الوضع في معظم المواقع، أخبرونا أن هناك اهتمام كبير بأن الناس المطلوب منهم تأدية اعمال روتينية يجب أن "يحصلوا على فرص وأن يحصلوا على تعليم من أجل القيام بأعمال أكثر حيوية" وأن هناك أيضا انحسار في الميل نحو رفض المشاركة في المعرفة لأن كل شخص أصبح له مصلحة في تقدم الكل، وليس في تقدم صاحب العمل وحده.
في كل مواقع العمل المستعادة، رغم أنهم أخبرونا أن بعض المهام بعينها التي كانت تتطلبها علمية السيطرة الرأسمالية قد أثبتت أنها "غير ذات علاقة الآن"، فإنهم أخبرونا أيضا أن "العديد من المهام التنظيمية والإدارية والتي كانت تعطي للقائم بها سلطة وتمكن سابقا والتي كان يقوم بها خبراء ذوي مهارات خاصة أصبح يقوم بها الآن باقي العمال الموجودين". فريق من العمال الآن أصبح هكذا يقوم بمهام جديدة، بما فيها المهام التي كان أحيانا يقوم بها المتعلم والمؤهل كشرط مسبق.
عندما سألت المنظمين عما إذا كان هناك تقسيما للعمل في مواقع العمل مثل الذي يوجد في الكوربوريشن الرأسمالية، حيث خمس الموظفين تقريبا يمارسون غالبا بل حتى يمارسون فقط وظائف سيادية ويؤدون أعمالا جميلة، والأربعة أخماس الباقين يؤدون غالبا بل وفقط وظائف روتينية مضنية وأكثر ضنكا مكررة معادة، بينما الخمس هذا يهيمن القسم الباقي عن طريق وضع المهام ويهيمنون على أي نقاش في العمل ويؤسسون إرادتهم، كانت الإجابة التي تلقيتها تميل الى الاتفاق بأن هذا الاختلاف بين طبيعة العمل التي تعطي نفوذا وبين العمل الروتيني الذي بلا حول ولا قوة ما زالت قائمة ثم نتحدث عن الحاجة الى تحفيز العمال للمشاركة أكثر ليس فقط في النقاش حول الأجر، ولكن في النقاشات الأخرى ايضا. الإجابات في البداية لم تعترف بأن هناك عراقيل بنيوية، وليس فقط أعراف وتقاليد قديمة متوارثة، تتدخل في مشاركة العمال في العمل ككل. ولكن عندما ضغطنا أكثر في الحديث بهذا السياق يتفق المنظمون أن تقسيم العمل القديم يواجه نبضات مساواة رغم أن الحل الوحيد الذي قدموه كان وجوب تعلم العمال القائمون بالعمل اليدوي مزيد من المهام الإدارية العليا. ولكن المنظمين فشلوا في ملاحظة أو الاعتراف بأنه لن توجد وظائف مثل هذه بالعدد الكافي للقيام بمثل هذه المهام بشكل دوري إذا لم تتغير مكونات المهام لكل وظيفة من الوظائف حتى يمكن لكل فرد أن يأخذ نصيبه من المهام التي تعطي النفوذ والسلطة.
في مصنع الآيس كريم الذي زرناه، مثلا، كانت هناك عاملتان فقط. كانت إحداهما الصرافة. سألتها ما هي طبقتها، لم تفهم أولا ما نسأل عنه متعجبة ما قد يكونه قصدنا من السؤال، ولكن عندما أدركت ما نعنيه قالت "طبعا من الطبقة العاملة مثل كل الآخرين هنا". بالنسبة لها كان ذلك واضحا. سؤالي كان مضحكا كما لو كنت قد سألتها أي نوع هي ذكر أم أنثى. وراء الشعور بأنها مثل كل العمال الآخرين، ومرتبها مساويا لمرتب كل العمال الآخرين، وأنها تمتلك صوتا واحدا مثل كل العمال الآخرين، اتضح، مما يدعم شكوكها، أن الصرافة تمضي نصف يومها فقط كصرافة مع الدفاتر والحسابات. ونصف اليوم الآخر كل يوم تمضيه على خط إنتاج. ومع ذلك، حالتها لم تكن نمطية. كشفت استفساراتنا مرارا أن الاحتفاظ ببعض العمل القديم بينما القيام ببعض المهام الجديدة التي تعطي السلطة والنفوذ لم تكن فقط ولم تكن دائما هي النسق النمطي للوظيفة حتى يمكن القيام ببعض صلاحيات الإدارة العليا. بل بالأحرى، كان هناك غالبا أناس يقومون بالمهام الذهنية كوظيفة كاملة لهم دون تمضية أي وقت في خطوط الإنتاج أو أي أعمال روتينية أخرى. أكثر من ذلك، معظم الناس في المصانع التي تم احتلالها لاستئناف العمل بها استمروا في القيام بوظائفهم القديمة دون أن يتولوا أي مسئوليات تعطيهم أي سمة من سمات الصلاحيات والسلطة. معظم الناس، بكلمات أخرى، ما زالوا ينفقون ساعة بعد ساعة يكدون في عمل تكراري ممل حتى الموت، رغم أنه الآن في سياق جديد تماما.
عندما سألناها إذا كانت تتقاضى مرتب مختلف عن باقي العمال الآخرين، الصرافة/ العاملة قالت "لا، أنا أتقاضي نفس المرتب، لماذا يكون ما أتقاضاه مختلف بأي نحو؟" بمزيد من النقاش مع المرأة وآخرين في مصنع الآيس كريم – وفي معامل آخرى زرناها فيما بعد أيضا – أخبرونا أنه "بينما لا نحشد العمال داخل مواقع العمل لتمضية الوقت في كسل أو بينما لا نعطي مقابلا أكبر في مقابل مجهود أكبر، أي شخص يتوان في أداء عمله نأتي به أمام المجلس كله ونصحح سلوكه". وعلى نفس المنوال، أخبرونا أيضا أنه تحت رعاية المجلس كله للعمل كان هناك حالات طرد من العمل بسبب "شرب الخمر، العنف، الخ". باختصار، في المصانع كان على العمال أن يقيسوا رضاء زملائهم العمال بشكل شامل لدرجة كافية، والتي تبدو في الممارسة العملية أنها تعني أن على الناس القيام بوظائفهم بشكل كفء وأن يساهموا بمجهود يتناسب مع قدراتهم وهو ما يفهمه تماما المجلس بأكمله. باختصار، مع تولي العمال المسئولية، فأنت إما أن ترفع حمولتك، التي تناسب قدرتك، أو أنك تؤنب على تراخيك.
عندما سألناها هل هي مختلفة بعض الشيء عن العمال الآخرين أم هل يستطيع العمال الآخرون أن يقوموا بالعمل المحاسبي الذي تفخر بالقيام به، قالت لنا الصرافة "بالتأكيد الآخرون يستطيعون تأدية هذه الأعمال". وكل شخص آخر سألناه قال لنا أيضا، "نعم، طبعا، يستطيع كل شخص آخر القيام بالعمليات المالية، أو في أية حالة يستطيع كل شخص أن يقوم ببعض المهام من هذا النوع الذهني". ولكن عندما سألناهم لماذا تقوم هي واثنين آخران فقط بالمهام المالية بينما معظم العمال في معمل الآيس كريم هذا ما زالوا يقومون بالمهام الروتينية المكررة المعادة، لم تر الصرافة ولا الشخصان الآخران الذين سألناهم فشلا في تقسيم العمل هذا، على الأقل قبل أن نستفسر منهم حول ذلك الأمر. "نحن كلنا عمال"، هذا ما قالوه. "نحن كلنا أصدقاء". "نحن كلنا نشارك بعضنا البعض الفرح والفوائد من هذا المجهود المشترك". كلما كان مجهودهم أكبر، وكلما بذلوا كل ما لديهم، وكلما كانت دخولهم متساوية، لا يبدو أنهم يشعرون بأن هناك فروق كبرى فيمن يفعل ماذا. ولكن من الهام أن نتذكر، بينما كنا نتحدث مع العمال، لم يكن دون استثناء العمال الذين يقومون بوظائف تعطيهم مزيد من النفوذ والصلاحيات.
في مقابلات أطول، النشطاء الذين انخرطوا في الحركة الذين كانوا يترقبون بدقة ارتقاءها كل وافقوا على أن الانقسام الدائم بين العمل الذي يمنح السلطة والصلاحية والعمل الأقل هي قضية مشكلة وهي أمر يجب التغلب عليه حتى لا نقضي على المكاسب التي يؤمنون بها، ولكنهم لا يطرحون خطة نوعية محددة لكيفية تحقيق مثل هذا التغيير وعموما يشيرون إلى أن الاهتمام المسبق كان لتحقيق النجاح والاحتفاظ بالعمل دائرا.
في المجزر الذي زرناه، وراء مجموعة العمال التي تقوم بأعمال تمنحها السلطة والمكانة أخبرونا بأن المجلس بأكمله المكون من أقل من 500 عامل انتخب هيئة من ثمانية أشخاص يقومون بأعمال تسيير العمل اليومي. قابلنا هؤلاء العمال الثمانية الذين كانوا كلهم فيما سبق يقومون بتلك الأعمال الروتينية المكررة المضنية ولكنهم الآن يقومون بمهام ذهنية وأيضا، خلف ذلك، انتخبوا إلى الهيئة بواسطة كامل المجلس العمالي. مرتباتهم لم تتغير بكونهم أعضاء بالهيئة الإدارية، كما أخبرونا. كما أن مرتباتهم لم تتغير أصلا بارتقائهم إلى القيام بأعمال ذهنية أكثر وتمنحهم مزيد من السلطة والمكانة.
شاهدنا، وقد عمرنا الغثيان، خطوط الإنتاج في المجزر التي يتم فيها تقطيع العجل، وكل عامل على الخط يقوم بحركة تقطيع واحدة روتينية مكررة مضنية مرة بعد مرة، ليصبح في نهايتها العجل أجزاء جاهزة للمعالجة بعد ذلك. مجلس العمال غير من ظروف العمل بالموقع إلى درجة إعطاء العمال قسط من الراحة فيما بين فترات العمل موزعة على طول اليوم، وذلك لتخفيف أثار التوتر النفسي والتعب نتيجة لهذه الحركات الثابتة المضنية الروتينية المكررة. لم يقم المجلس مع ذلك بإعادة تصميم التكنولوجيا في المجزر حتى تغير المهام الفعلية لتصبح أقل تكرارا وأقل إنهاكا، ولم تفكر حتى في مناقشة القيام بذلك، بأفضل ما يمكننا استخلاصه من نقاشنا معهم.
مصنع الزجاج الذي زرناه كان به أيضا أجور متساوية للجميع ومجلسا حاكما من العاملين الذين يرون أنفسهم كعمال أيضا حتى بينما هم يقومون بأعمال إدارية عليا أو تخطيطية طول الوقت. شاهدنا العمال الذين يقومون بأعمال روتينية مكررة مضنية منكفئين على الأفران يحملون الزجاج الساخن من محطة إلى محطة أخرى وعلمنا أنهم يحصلون على نصف ساعة أمام كل ساعة عمل ينفقونها في الهرولة وسط هذا الجو الشديد السخونة ليلاحقوا سرعة خط الإنتاج. كان ذلك تغيرا كبيرا عما كان عليه الماضي الرأسمالي، إضافة طبعا للمساواة في كل نسب المرتبات ووجود عمال سابقين كانوا يؤدون نفس الأعمال الروتينية المضنية المكررة يؤدون الآن مهام ذهنية تمنحهم المكانة والنفوذ. عندما سألت في مصنع الزجاج هذا عما إذا كان الرجال والنساء الذين يحملون الزجاج وينكفئون على الأفران يستطيعون القيام بأعمال ذهنية أقل إنهاكا وضنكا لوقت من اليوم، قال كل شخص "طبعا، إنهم يستطيعون القيام بذلك، كل جهد من أجل السماح للناس بتغيير وظيفتهم، ومن أجل تعلم مهارات جديدة، الخ"، خصوصا "حيث أننا الآن نعرف أن كل شخص قادر على ذلك". ولقد كان حقيقية بوضوح أن هذا ما كان نيتهم، على الأقل فيما يتعلق بالحدود التي يفرضها تقسيم العمل القائم.
بالجلوس مع أعضاء هيئة مصنع الزجاج، سألت ماذا قد يحدث إذا ما ذهبوا إلى مجلس العمال بأكمله وقالوا أنهم يريدون مرتبات أعلى مقابل تحملهم لمسئوليات جسام أو لأنهم معارفهم قد صارت أعظم. ضحكوا وقالوا "سوف يقيلوننا من مناصبنا، ويردونا مرة أخرى إلى خط الإنتاج". قلت "حسنا، ولكن ماذا لو قمتم بمزيد من العمل الذهني والذي يتطلب مهارات أكبر لمدة السنوات الخمس التالية، ألن تحصلون وقتها على أجور أعلى بسبب كون وجودكم قد أصبح حاسما على الأعمال اليومية الجارية، وبسبب أنكم أصبحتم أكثر معرفة، وتوفرون قيادة في لقاءات المجلس، الخ؟" ضحك رئيس المجلس وقال، "حسنا، نعم، قد يحدث هذا ومن الجميل ألا يحدث ذلك". في مقابلات أطول اكتشفنا أنه فعلا في لقاءات المجلس العمال الذين يقومون بأعمال ذهنية ومهام تمنحهم سلطات ومكانة هؤلاء الذين يمسكون بالحسابات، الخ، هم الذين يضعون أجندة اللقاءات، ويترأسون الجلسات، وهم مصدر كل المعلومات الحساسة – وهكذا دواليك.
ربما المفاجأة الأعظم وأحيانا المشكلة الأعظم كانت المحاورة مع الرئيس المنتخب واثنين من العمال الآخرين في مصنع الزجاج الذين كانوا حاضرين أيضا. سألتهم هل يعتقدون أن العمال في مواقع العمل الأخرى الأكثر نجاحا ممن ما زالوا تحت هيمنة ملاك المصنع سوف يحاكون إنجازات حركة احتلال المصانع ويستولون عليها، ساعين لإدارتها ذاتيا وهكذا يتقاسمون مرتباتهم بشكل متساو. دون أي تردد على الإطلاق، قال العمال لا.
شرح هؤلاء العمال أن العمال في المصانع الناجحة سوف يخشون ذلك لأن احتلالهم للمصنع وإدارتهم لأماكن العمل سوف يقلل من ظروف حياتهم بدلا من تحسينها، إضافة إلى الخوف من الطرد أو القمع لو فشلت انتفاضتهم. قالوا أنه سابقا للحرب فعليا من أجل السيطرة على ظروف حياتهم في العمل والانتصار فهم لم يدركوا بعد ما هو الاختلاف الذي سوف يحدثه ذلك بانتمائهم إلى رؤساء لا يسعون من أجل الربح. أنهم متجمدون تماما عند التزامهم الحالي للطريقة الجديدة في العمل المعتمد في جذوره وسلطته على أنهم يجب أن يحاربوا من أجل المصنع ثم من أجل إدارته حتى يحافظ على بقائهم، ولكن إيمانهم بما يفعلونه حاليا لم يكن موجودا سابقا على ذلك.
سألت، "لو قمت غدا بافتتاح مصنع مجاور لمصنعكم في شارعكم هذا وعرضت عليكم استئجاركم للعمل مقابل ضعف مرتباتكم الحالية ولكنني أيضا قلت لكم أنكم سوف تعملون طوع إرادتي أنا والمدراء الذين أعينهم، هل سوف تفعلون ذلك؟" ضحكوا، وأخبروني "عليك أن تطلق علينا الرصاص، حرفيا، حتى تجبرنا على مغادرة مصنع الزجاج هذا الذي نديره حتى نعمل في مصنع رأسمالي من أي نوع، مقابل أي أجر". هكذا "لماذا لا يستطيع هؤلاء نقل هذا الدرس إلى أصدقائهم العمال الذين يعملون في الأماكن الأخرى وبذلك يحفزونهم على السعي لإحداث تغيير أيضا"، كان هذا هو سؤالي. هزوا أكتافهم. لم يروا الأمر على هذه الصورة. الأسوأ، لم تكن هذه هي أجندتهم.
عموما، الشيء الأكثر تأثيرا والأكثر إلهاما حول تلك المصانع كان هو الروح المعنوية للعمال. أماكن العمل الخشنة تلك، التي انهارت تحت نفوذ الرأسمالية وغالبا ما كانت تعمل بتكنولوجيا قديمة أو فاشلة تم إعادتها للنجاح مرة أخرى، وكان العمال فخورين بذلك الانجاز. النجاح الجديد الذي لم يستطع المالك السابق بلوغه يعتمد جزئيا بوضوح على تقليل النفقات بواسطة الاستغناء عن المرتبات المتضخمة التي كانت تدفع لأفراد الإدارة العليا والخبرة الفنية العالية، ولكن بلا شك أيضا اعتمدت على جهد العمال المتعاظم بسبب أن العمال لم يعودوا يقاومون السيطرة عليهم من أعلى، ولكن بدلا من ذلك يشعرون بأن موقع العمل أصبح ملكا لهم. استمتع العمال بوضوح ليس فقط بأجور طيبة ولكن أيضا بظروف عمل محسنة ومكانة واهتمام وتضامن لم أعرفه من خلال خبرتي بأماكن العمل الرأسمالية. هذا المكسب المعنوي كان ملموسا في كل مكان زرناه. ولكن كذا، للأسف، عدم ميل العمال لمحاولة تحقيق المزيد قدما.
وسط هذه المنشآت، سمعنا أن هناك حتى صناديق جماعية تأسست لمساعدة الجهود المبدأية للمشاريع التي يتم إعادتها للعمل مرة أخرى عن طريق تحويلات بتمويل للإنشاء من مشاريع قطعت أشواطا أبعد من تلك التي بدأت كفاح الاستعادة. أخبرونا أن هناك أيضا بداية انتباه إلى محاولة عمل مقاصة بين احدهم الآخر بعيدا عن منافسة السوق، مسترشدين بدلا من ذلك بالقيم الاجتماعية والتضامن. ولكن عندما استفسرنا بالمزيد، صرح لنا العمال في تلك المصانع المستعادة بأنهم سواء أحبوا ذلك أم كرهوا فإنهم كانوا مضطرين للتنافس على حصص في السوق. في الأول كان ذلك صعبا بشكل مريع، كما قالوا، حيث أن المشاريع الأخرى التي كانت تشتري سلعهم الوسيطة منهم ارتدت عنهم. ولكن مع الوقت استطاعوا "الاحتفاظ بانخفاض التكلفة، وتقديم ناتج جيد، وخرجوا للحصول على زبائن". كان واضحا في النقاش كل ذلك، ومع ذلك، لم تستطيع المنافسة في السوق عكس ميول العمال الإنسانية، ولن كان من الواضح أنها قامت بعملية فرملة لهذه الميول وعلى توسيعها وبالتالي عملت على إبطاء الإبداعات الإنسانية عندهم.
أنا لا أرى كيف أن أي شخص، مهما كانت توقعاته القبلية أو مطالبه التي يقدم مصطحبا إياها، يستطيع أن ينظر إلى تلك المنشآت الأرجنتينية المحتلة ويجحد الدرس الرئيسي التي تعلمنا إياها.
المجتمع الرأسمالي يهدر طاقات معظم الناس عن طريق تقديم عمل مكرر عقيم مضني فقط إليهم ويدمر ثقتهم، وابداعهم، ومبادراتهم حتى أنهم يشعرون أن العمل المطيع الخاضع المتكرر هو كل ما يستطيعونه أو ما يجب عليهم أن يقوموا به. هذا يسمى التعليم، ولكنه الانحطاط فعلا. حركة استعادة المصانع في الأرجنتين تظهر أنه في خلال شهور حتى بعد تهديد وترويع حياتهم بأكملها من خلال ذلك، حتى وهم أنصاف متعلمين أو أميين تماما، استطاع العمال أن ينهضوا بمهام من المفترض أنها فوق طاقاتهم وأن ينجزوها بكل شرف وفعالية. وبالمثل، تستعرض مصانع الأرجنتين المحتلة الرغبة التلقائية الهائلة عند الشعب الذي لم ينقسم اجتماعيا إلى نخبوية العقل هذا الشعب صار يكسب عيشه بشكل متساوي وأن يقسم السلطة بينه بالعدل أكثر من أن يتحول إلى أقلية تهيمن وأغلبية تخضع.
مع ذلك، أبعد من تلك الدروس الأساسية، الناس المختلفون سوف يرون على الأرجح أشياء مختلفة عندما يشاهدون مصانع الأرجنتين المحتلة. رأيت أنا، مثلا، انه بدون تغيير حقيقي لتقسيم العمل بحيث يسمح لكل العمال أن يتشاركوا في المهام الذهنية التي تمنح مكانة ونفوذا أكبر، حتى النبضات التي تعلي من المساواة والتضامن بقوة داخل هذه المصانع المحتلة الآن سوف تتجه روح التضامن والمساواة نحو الأفول وتنهزم.
إذا ما قامت قلة من العمال، مهما كان أنهم وصلوا إلى مناصبهم تلك بالانتخابات الحرة، أو أن أصولهم قد نشأت من بلاط ورش المصانع، قامت قلة من العمال بالنهوض بكل المهام الوظيفية التي تمنح المكانة والنفوذ بينما بقية العمال مستمرون في عمل المهام التكرارية الخالية من الإبداع كما في السابق، فعبر الوقت سوف تهيمن القلة التي تقوم بالأعمال ذات المكانة والسلطات على مناقشات المجالس العمالية، وعلى وضع أجندة اللقاءات، وتفرض إرادتها فيما يخص السياسات وفي الأخير سوف يكافئون أنفسهم بمرتبات أعظم وفوائد أكبر أيضا.
باختصار، رغم تقريبا كل النوايا الإنسانية العامة في المساواة، العاملين الذين يتميزون بعيدا عن باقي العمال بواسطة تقسيم العمل الذي يعطى القلة مكانة أكثر، ومعرفة، ومهارة، وثقة أكثر من هؤلاء الباقين يقومون فقط بالعمل الروتيني المكرر المضني سوف يصبحون في الوضع الذي طالما سعوا لإنهائه، طبقة جديدة مهيمنة، إلا أنهم هذه المرة، ليسوا ملاكا، ولكنهم موظفين ذوي مكانة وسطوة أو ما أسميهم أنا طبقة المنسقين (coordinators)، في أي حالة هم يحكمون العمال من أعلى.
مشاريع الدفاع عن مواقع العمل في الأرجنتين، التي تزداد عددا كل شهر، كل واحد منها يبدأ دون مالك ودون "طبقة منسقين" لعمال يملكون المكانة والسلطة. تلك المشاريع بدأت أيضا برغبة هائلة ليس فقط في النجاح كبزنس ولكن برغبة في التشارك في مكاسب هذا النجاح بشكل فيه مساواة عن طريق المرتبات المتساوية، وظروف العمل المحسنة، واتخاذ القرار بشكل ديموقراطي، وقائمين بأعمال مكتبية غير ثابتين. ولكن، لو استمر التقسيم القديم للعمل في نظام الكوربوريشن استمر في هذه المصانع المحتلة، يبدو واضحا أن كل الإبداعات المرغوب فيها سوف تعتمد عبر الوقت على الإرادة الخيرة والطموحات الذين سوف يجمحون باستمرار ضد السياق والذين سوف يتآكلون بالخلاف الهيكلي بين القلة التي تقوم بأعمال تكسبها المكانة والسلطة والكثرة التي تؤدي فقط أعمال مميتة روتينية مضنية. من الناحية الأخرى، يبدو من الواضح أيضا أنه لو أصبح العمال على وعي ذاتي بكل شخص يحصل على نصيب عادل من العمل الذي يمنح المكانة والسلطة مثلما هم على وعي بنصيب كل شخص في مرتب متساوي، فسوف تكون طموحاتهم من أجل لا طبقية لا تحتل فقط قلوبهم، ولكنها سوف تكون مدفوعة أيضا هيكليا برؤية جديدة لتقسيم العمل الذي سوف يسهل وييسر وتقدم بمكاسبهم أكثر من تدمير وتآكل تلك المكاسب.
مع ذلك، ما تزال مشكلة السوق والاقتصاد الأعرض قائمة، حتى في أكثر الحالات أملا. فهم تبعات الأسواق المضنية لكل موقع عمل ورؤية أي نوع من التغييرات هي التي سوف تخفض تلك العلل وفي التوقيت المناسب سوف تحفر مجرى بعلاقات جديدة لتوزيع المخصصات بدلا من السوق تحتاج هي أيضا إلى أن تصبح أولوية للحركة التي سوف تتسامى بالعلاقات الحالية. البدء في مواجهة ضغوط السوق سوف يكون أساسيا أيضا لعكس مسار ما يبدو لنا على الأقل سمة محل إعجاب في الحركة الحالية في الأرجنتين، عزلتها داخل كل مشروع وفقدان العمال للرغبة في مخاطبة المشروعات الغير محتلة بالمطالبة بالتغيير فيهم أيضا.
في الأخير، إنه لأمر محير أن تستمع الى العمال يصفون كيف أنهم لو كانوا يعملون في مصانع ناجحة لما سعوا إلى احتلالها وإدارتها بأنفسهم كما في فعلوا في مصانعهم تلك فالذي اضطرهم الى ذلك هو الضرورة وبالتالي لما تفهموا قيود وضعهم في المجتمع الرأسمالي وإمكانيات تحررهم منه. هذا الحديث يتردد كدليل يقدمه بعض الناس للتدليل على صحة فكرة تنظيم الطليعة بواسطة القلة المثقفة الواعية التي سوف تجرجر الكثرة الغير واعية حتى ضد نقص وعيهم وفقدانهم للميول الثورية. الدفع الوحيد ضد ذلك، في اعتقادي، سوف لن يكون بإنكار الحقائق التي تحيط بأولئك العمال ودوافعهم الحقيقية في احتلال المصانع، ولكن الدفع ضد ذلك سوف يتمثل بمنطق أننا يجب ببساطة أن نرفض "الحل" النخبوي بوصفه حل يتعارض مع أهدافنا الأوسع وأنه يتطلب أن تضع الحركة تصورا لكيفية إلهام وتدعيم الحركة في المصانع الناجحة [التي لم تنهار في الكارثة الاقتصادية] بالإضافة لتلك الموجودة في المصانع التي انهارت مع الكارثة، وكيف نفعل ذلك ليس بواسطة سبل من أعلى تؤدي إلى طرق تحافظ على الانقسام الطبقي وتستمر به، ولكن بوسائل جانبية تتنامي إلى طرق كبيرة تولد نضالات تنسجم مع اللا طبقية. ليس واجبنا فقط أن نهزم الرأسمالية، علينا أن نبلغ بمجمل الاقتصاد غاية كونه إدارة ذاتية حقيقية وكاملة.
#مايكل_البرت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
4th World Working Youth Congress
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر
...
-
بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
-
النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس
...
-
تاريخ صرف رواتب المتقاعدين في العراق لشهر ديسمبر 2024 .. ما
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
-
واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|