أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كلكامش نبيل - تأملات في الإنسان والوجود والإلوهية - قراءة في كتاب -تصوف- لنيكوس كازانتزاكيس















المزيد.....

تأملات في الإنسان والوجود والإلوهية - قراءة في كتاب -تصوف- لنيكوس كازانتزاكيس


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5739 - 2017 / 12 / 26 - 20:45
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هذه هي المرة الثاني التي أقرأ فيها لكازانتزاكيس، بعد قراءتي لرواية "الحرية أو الموت" أو "الكابتن ميخيليس". وكالعادة كان كتابا مدهشا مليئاً بالافكار والتأملات العظيمة التي تستوقف القاريء طويلاً. كتب كازانتزاكيس مخطوط "تصوف: منقذو الآلهة" عام 1914 ولكنه نشر عام 1927. قرأت الكتاب بالعربية بترجمة سيد أحمد علي بلال. كازانتزاكيس كاتب رائع وغامض اتهم بالشيوعية وحاربته الكنيسة، لكن زوجته تقول بأنه لم يكن شيوعيا وانه كان شديد التدين، لكن بطريقته هو. كتب كازانتزاكيس على قبره، شعار حياته، " لا أطمع في شيء، لا أخاف من شيء، أنا حر." وهو شعار استوحاه من قصة هندية ويرد ذكره في هذه المجموعة من التأملات.

يتحدث الكتاب عن الحياة والوجود والموت والخلود برؤى جميلة وجديدة، حيث نقرأ، "نأتي من هاوية مظلمة وننتهي الى مثيلتها. أما المسافة المضيئة بين الهاويتين فنسميها الحياة." ويتكلم عن صراع جماعتين تقول احداهما بأن هدف الحياة هو الموت، فيما ترى أخرى بأن هدف الحياة الدنيا هو الخلود. لكن كازانتزاكيس لا يتفق مع أياً منهما ويحاول التوفيق بين الرأيين فيكتب، "في الاجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران: الصاعد، نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود. الهابط، نحو التحلل، نحو المادة، نحو الموت." ان نقاشه عن الوجود رائع وملهم بحق.

يتكلم الكتاب في مجمله عن الصراع بين العقل والقلب، بين الظواهر والجوهر، ونزعات كلٍ منها. نقرأ عبارات رائعة مثل (يهتف العقل "انا وحدي الموجود".) لكن القلب يعارضه ويقول بأن هناك شيء ما خلف الظواهر. نقرأ أيضاً عن ضبابية العالم، "لا تقل لي أزل الحجاب لأرى اللوحة، فالحجاب هو اللوحة نفسها." ونقرأ، "بامكان عقل الانسان ان يدرك الظواهر فحسب، لكنه عاجز أبدا عن ادراك الجوهر: انه عاجز حتى أن يعقل كل ظواهر المادة، وانما يستطيع فقط ان يعقل بعض ظواهرها. وبتحديد أكثر: انه لا يستطيع حتى ان يعقل ظواهر المادة وانما فقط يستطيع ان يعقل العلاقات التي تربطها ببعضها البعض." لكنه يدعو في ذات الوقت للتمرد والبحث، فنقرأ، "لا أقبل الحدود ولا تسعني الظواهر. إني أختنق! فلتعش هذه المعاناة العميقة الشاقة." ويستمر الكتاب في طرح رؤى تبدو متناقضة وكأنها لا توفر أجوبة، لكنه في الواقع يحاول ان يقول لنا بأن الحقيقة قد تكون مزيجاً من كل هذه التناقضات. كانت هناك نصوص مؤثرة مثل النص أدناه:

- احفر...ماذا ترى؟
- بشرآ وطيورآ، مياهاً وحجارة
- احفر أيضآ...ماذا ترى؟
- أفكارآ..وأحلامآ..بروقآ..وخيالات
- أحفر أيضآ. ماذا ترى؟
- لا أرى شيئا! ثمة ليل عاصف غليظ كالموت، لعله الموت.
- احفر ايضاً!
- آه لا أستطيع ان أعبر شبه الجدار المظلم! أسمع أصواتا ونحيباً، اسمع حفيف أجنحة آتٍ من الضفة الأخرى.
- لا تبك! لا تبك! انها ليست الضفة الأخرى. كل هذه الأصوات والنحيب وحفيف الأجنحة هي قلبك.
بعيداً عن العقل، وفي الهاوية المقدسة للقلب أتوازن مرتجفاً!

يستمر الكتاب في الدعوة للكفاح والتساؤل، حيث نقرأ، "عليك ان تحطم الحدود! ان تنكر ما تراه عيناك! أن تموت وأنت تردد لا يوجد موت" ونقرأ، "نحن نحارب لاننا نستمتع بذلك. نغني حتى اذا لم نجد أذنا تصغي لغنائنا. نعمل حتى اذا لم نجد رب عمل يدفع لنا أجرنا اليومي عند الأصيل. نحن لا نعمل للغير. اذ نحن ارباب العمل. ان كروم هذه الارض ملك لنا. انها لحمنا ودمنا. نحن الذين نحفر لها التربة، ونشذب فروعها ونجني عنبها ونعصره، ونشرب النبيذ، ونغني ونبكي، وتصعد الى رؤوسنا افكار واحلام." وهو يدعو للتخلي عن الأمل والسؤال وأن نواصل فحسب ونتقبل كل ما نجده بسعادة – ويكرر في اماكن اخرى مطالبه بالطاعة والتوقف عن طرح الاسئلة – حيث نقرأ، "توجد هذه اللحظة الحاضرة، مليئة بالمرارة ومليئة باللذة. افرح بها كاملة."

حوارات كازانتزاكيس عن الموت مرعبة ومحزنة بعض الشيء، لكنه يطالبنا بأن ننظر اليه على أنه خير تماماً كما هي الحياة. نقرأ، "لأن المحيط الأطلسي مليء بالشلالات، فإن الأرض الجديدة توجد فقط في قلب الانسان. وذات لحظة مفاجئة ستغرق أنت وسفينة العالم، في احدى الدوامات الصاخبة بشلال الموت."

كنت أقرأ وأنا أشعر بالحزن، وادمعت عيناي في بعض المواضع، وتذكرت أسئلة كثيرة راودتني في الاسبوع الأخيرة. كتبت وأنا أقرأ، "بكلمات العقل لامست قلبي يا كازانتزاكيس". عن الانسان يكتب، "أنا لست طيبا، ولست نقيا، و لست مطمئنا. السعادة لا تطاق و الشقاء لا يطاق. أنا مليء بهمهمات ذعر و ظلام، أتدفق دموعا و دماء داخل زريبة لحمي الساخنة هذه". ويقول أيضاً، "أنا لست الضوء، أنا الليل، لكن شعلة تربض ما بين أحشائي وتأكلني، أنا الليل الذي يأكله الضوء." ويدعو لعدم الاستسلام حيث يراه "أكبر الأخطاء هو الاستسلام للرضا". ومن المفاجئات الغريبة قوله، "المحاربون لا يتساءلون أبداً" وهو يدعو للطاعة والاستمرار في رؤيته للحياة والصراع في الاستمرار فيها.

عن الانسانية يقول، "وحده الذي يتخلص من جحيم ذاته. هو الذي يشعر بالجوع حين يرى أحد أبناء جنسه يتضوَّر جوعاً". ويطالبنا بعد الالتحام ببني قومنا بالالتحام بالانسانية جمعاء، حيث يكتب، "فلتملأك الرحمة على ذلك المخلوق الذى تنصل عن القرد ذات صباح عاريا بلا حماية وبلا قرون وبلا اسنان.. لا يحمل سوى نار مشتعلة داخل رأسه الرخو . انه لا يدري من أين أتى والى أين سائر. لكنه يريد عبر العمل والحب والقتل ان يسود الارض!" ويرى بان القلب يمكن ان يصلح ما افسده العقل، "ان القلب يؤالف كل ما يقسمه العقل. انه يتجاوز ساحة الضرورة ويحول الصراع الى حب."

يحاول كازانتزاكيس ان يدعونا لتقبل الحياة بكل مراحلها وما نمرّ فيه، "مامعنى السعادة ؟ هو أن تعيش كل أنواع التعاسة . مامعنى الضوء؟ أن ترى بعين غير معتمة كل الظلمات." وهو يدين اختزال الإله في صورة معينة – أمل أو ألم أو غيره – بل يراه تجسيداً لكل شيء من دون غلبة لأي عنصر على غيره. يقول عن إلهه، "كل كلمة تشبه قارب نجاة، نرقص حولها مسكونين بالقشعريرة ونحن ندرك أن الإله هو ذلك المقيم الرهيب بداخلها." ويقول عن إله العصر، "انه رجل وامرأة، زائل وخالد، روح وروث. يلد ويلقح ويقتل. انه العشق والموت معا. يولد مرة أخرى ويقتل، يرقص على الارض الفسيحة خارج حدود المنطق الذي لا يتسع للمتناقضات." ويراه قاسياً "يميز الافضل دون رحمة" ويعتبره على مدار صفحات الكتاب من يحتاج الى نجدتنا وليس العكس، حيث يقول، "ليس الإله هو الذي سينقذنا، وانما نحن الذين سننقذه .. محاربين ومبدعين ومحولين المادة الى روح." ويكتب عن كونه إله غير طيب، " انه ليس رب الاسرة الطيب، لانه لا يقسم الخبز بالتساوي بين أبناءه. فالظلم والقسوة واللهفة والجوع هي إناث الخيل الاربعة التي تقود مركبته على ارضنا المضطربة هذه." ويرى ان من الواجب الالتزام بالبحث عن وصايا عشر جديدة تتماشى مع رغبات إله العصر الحالي الذي تسوده الحروب والفوضى.

يحاول كازانتزاكيس البحث عن سر الوجود والروح والانسانية ومغزى الحياة وتفسير الموت وسبل تقبله. بالنسبة له "النجمة تموت لكن الضوء لا يموت." ومن الصعب التوصل لمعرفة ماهية الإله – الموجود في كل مكان حتى في البذور وفي داخل المرأة والرجل وداخل العدو – وهو يطلب النجدة على الدوام. نقرأ في ختام الكتاب، "ذلك السر العظيم المتسامي والرهيب: حتى هذا الواحد لا يوجد وجودا محضاً."

يضم الكتاب ايضا مقال بعنوان "الذي لم يساوم أبداً" بقلم هيلين كازانتزاكيس وهي تتحدث عن زوجها وعلاقتهما ورحلاتهما وظروف عيشهما وحقائق تتعلق بشخصيته بعد ان طلب منها ان تكتب لكي لا تحاك الاشاعات حول اسطورة هذا الكاتب اليوناني القدير الذي حُرم من جائزة نوبل والذي قال البير كامو بأنه يعتقد بأنه أجدر منه في الحصول عليها.

ختاماً، انه كتاب مؤثر ويمسّ القلب وتشعر وكأنه حوار ذاتي ومباشر مع الكاتب حول اسئلة لم يتمكن الانسان – رغم عقلانيته – من تجاهلها وواصل طرحها على الرغم من لا جدوى نقاشها في نظري. اتمنى لكم قراءة ممتعة.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطلالة على قصور اسطنبول - قصر بيلارباي
- مآثر السريان في المشرق - قراءة في كتاب عصر السريان الذهبي لف ...
- رؤية محايدة لمشاهدتي الأولى لفيلم الرسالة
- الاسلام في عيون مبشر أميركي - قراءة في كتاب -الاسلام أو دين ...
- ابحار في فهم الذاكرة والنوستالجيا – قراءة في رواية -الجهل- ل ...
- إطلالة على الأدب الأرمني - قراءة في المجموعة القصصية -عندما ...
- تفكيك المبادئ والمواقف – قراءة في رواية إدوارد والله للكاتب ...
- بعث بدائي ورغبات مكبوتة - قراءة في كتاب علم نفس الجماهير لسي ...
- فيلم لعبة المحاكاة: دروس في تقبل الاختلاف
- آسيا الصغرى وإيران - جسور بين الحضارات
- الفردوس المفقود - العراق في عيون الرسام الإنجليزي دونالد ماك ...
- بغداد في عيون مبشر إنجليزي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر
- الأيديوجيات الشمولية – خطر محدق وخوف مبرر
- انتهاء عصر المراة الدمية - قراءة في مسرحية بيت الدمية لهنريك ...
- حوار الأمس واليوم - قراءة في كتاب -محاورات برتراند راسل-
- قصص لا تستحق النشر – تجربة لدعم شباب الكتاب العراقيين
- متى نموت؟ - قصيدة
- تمجيد الابداع والوفاء للأرض - قراءة في الكتاب الأول من -هكذا ...
- الأحلام وعلم النفس - قراءة في كتاب -تفسير الأحلام- لسيغموند ...
- بلاد النهرين ومصر القديمة: سمات الإستقرار والإبداع في حضارتي ...


المزيد.....




- رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق ...
- محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا ...
- ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة، ...
- الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا ...
- قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك ...
- روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
- بيع لحوم الحمير في ليبيا
- توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب ...
- بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
- هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كلكامش نبيل - تأملات في الإنسان والوجود والإلوهية - قراءة في كتاب -تصوف- لنيكوس كازانتزاكيس