أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - أمريكا: تخفيض الضرائب - طوباوية البيتكوين (Bitcoin)















المزيد.....


أمريكا: تخفيض الضرائب - طوباوية البيتكوين (Bitcoin)


محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)


الحوار المتمدن-العدد: 5739 - 2017 / 12 / 26 - 03:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إن قانون تخفيض ضرائب الشركات والأفراد في أمريكا الذى أقرته إدارة ترامب الامريكية في ديسمبر 2017 يمنح الشركات العاملة هناك أرياحا كبيرة غير متوقعة (windfalls)؛ فقد خفضت ضريبة أرباح الشركات بواقع نسبة كبيرة تعادل 14%. فقطاع الصناعة في أمريكا يشهد حالة من الشلل وتدهوراً ملحوظاً خلال العقود الماضية، ففي عام 2000 فقد 5 مليون عامل وظائفهم نتيجة لإغلاق وحداتهم الصناعية أو تخفيض طاقاتها الإنتاجية أو نقلها للعمل خارج الحدود الأمريكية. والسبب في هذا هو نزوع الأرباح فى نظام الإنتاج الراسمالى إلى الإنخفاض.

إن ميل الأرباح فى الرأسمالية إلى الإنخفاض هو قانون موضوعى يحدث نتيجة لإزدياد تكاليف الإنتاج في المؤسسات التي تعمل على أساس الربح. فإستخدام الماكينات والمعدات المتطورة، ونظم الإنتاج والتكنلوجيا الحديثة تؤدى إلى التكلفة العالية للإنتاج فى القطاعات الإقتصادية، وبالتالي تناقص الأرباح، وهذا الهبوط في الأسعار ينتج عن طبيعة وآلية عمل الفئتين التاليتين:

الفئة الاولى: زيادة رأس المال الثابت، الذي يشمل الماكينات والمعدات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام التي يتغير حجمها بتغير الطاقة الإنتاجية ولكنها لا تجدد قيمتها التي تنقلها للسلع (فهى لا تنتج القيمة).

الفئة الثانية: تقليص العمالة؛ فزيادة رأس المال الثابت وارتفاع أسعار المواد الخام يحدث على حساب رأس المال المتغير المتمثل في العمالة. والعمالة تجدد قوة عملها بشكل متواصل مما يجعلها قادرة لإنتاج المزيد من فائض القيمة. ففائض القيمة (الربح اختصارا) تحققه العمالة وليس راس المال الثابت والمواد الخام؛ وبالتالي فإن تقليل العمالة يتسبب فى انخفاض معدل الربح.

إن تخفيض الضرائب الأمريكية الذى سوقته الإدارة الأمريكية على أساس أنه سينعش القطاع الإنتاجي ويسهل عملية إعادة الأموال التي تحتفظ بها الشركات الأميركية في الخارج تجنباً للضرائب العالية المطبقة قبل التخفيض، يتناقض مع القوانين الاقتصادية التي تتحكم في توجهات عمل الشركات الضخمة العابرة للقارات في عالم اليوم. فنتيجة مباشرة لتناقص الأرباح في بلدانها، فإن الرأسمالية - التي كان تمددها في العالم يحدث في فترات نموها الأولى كشيء طبيعى متأصل في طريقة عملها*-صارت وحشاً كاسراً يجنح للعنف والتدخل العسكرى المباشر في البلدان الفقيرة والسيطرة عليها بغرض استعادة أرباحها المفقودة في البلدان الأم عبر استغلال العمالة والمواد الخام الرخيصتين والإفادة من أسعار الآراضى المنخفضة.

والنافذة الأخرى كبديل لاستثمار الشركات الأمريكية هى المضاربة في سوق الأموال؛ فقد ارتقعت أسعار الأسهم في بورصة نيويورك في السنوات الأخيرة لتقفز لأكثر من 20% للفترة من يناير حتى أول ديسمبر 2017.

وهكذا على الرغم من أن برنامج تخفيض الضرائب قد يكون عملية إنقاذ (bailing-out) لبعض الشركات التي شل انخفاض الأرباح عملها تماما، إلا أن أغلبية مؤسسات القطاع الإنتاجي لها أموالاً ضخمة في خزائنها تقدر ب بأكثر من تريليون ونصف تريليون دولار أمريكي لا تسطيع استثمارها والسبب ليس الضرائب بل ميل الأرباح للانخفاض بمعدلات ضخمة. وتخفيض الضرائب المُنفَّذ لا يعادل ما يمكن أن تجنيه تلك الشركات من الميزات واسعة النطاق التى يجنيها الاستثمار في البلدان الفقيرة المغلوبة على امرها أو تحقيق الأرباح الفاحشة (profiteering) من وراء المضاربات المالية.

˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜˜

من أهم التطورات مؤخراً في مجال الاسواق المالية العالمية هو التعامل التجارى الآجل (future trading) ب "عملة" البتكوين مما أدى لإرتفاع سعرها من 900 دولار في بداية العام الحالي 2017 إلى 1900 دولار في ديسمبر من العام؛ ولم يشهد تاريخ الاقتصاد العالمى نظاما ماليا يسجل مثل هذا الارتفاع في قيمته. والبتكوين ظهرت في 2009 فقد قام بإنشائها مجموعة من الأشخاص المخفيين العاملين في مجال برمجة الكمبيوتر وهى مبنية على أساس تصميم سجل حسابات (ledger) عام مخزن رقمياً في أجهزة الكمبيوتر للمشاركين، وهى، على عكس العملات الأخرى، بدون غطاء وغير خاضعة لأى سلطة رقابية على أي مستوى كان قومى أو عالمى ولهذا فهى إختراع ساعد على حدوثه عبقرية في إستخدام التكنولوجيا الرقمية، فهى لم تنشا كما نشأت النقود تاريخيا، أى بشكل موضوعى ليس لخلق القيم بل لأداء وظيفة مستودع ووحدة لقياس القيمة ووسط لتسهيل تبادل السلع والخدمات. ومصادر البتكوين هي تعدينه، وسمى كذلك كمُماثلة لاستخراج المعادن الثمينة من باطن الأرض، وهو إستعمال برامج كمبيوترية متخصصة وإجراء عمليات حسابية شديدة التعقيد لإنتاج البتكوين من الإنترنت؛ والمصدر الآخر هو الشراء من صرافات (exchanges) على الإنترنت متخصصة في شراء وبيع البتكوين.

وهكذا فإن البتكوين ليست عملة بالشكل المعروف بل يمكن اعتبارها ليس أكثر من نسخة رقمية من العملات القابلة للتحويل (أهمها الدولار) أو عملة اصطناعية (synthetic)، فوحدة البتكوين بالنسبة لأغلب المستثمرين وسلية تمنحهم المضاربة على قيمتها حيث يتم شراؤها بالدولار واسترداد قيمتها فى النهاية بتحويلها للدولار؛ والبتكوين هي الوسط الاستثماري الافتراضى (virtual) الذى تحدث فيه المضاربة على قيمة وحداتها. ويجب ملاحظة أن المنافذ (outlets) التي تقدم السلع والخدمات على أساس قبول البتكوين، كأداة دفع، محدودة العدد للدرجة التي تجعل الاعتماد عليها في المعاملات اليومية شديد الصعوبة؛ كما أن التعامل بالبتكوين يتطلب براعة في استخدام الكمبيوتر (computer savvy).

الفكرة الأساسية كما ادعى الأشخاص المخفيين من وراء اختراع البتكوين وهو تحرير الناس من الإعتماد على العملات المعروفة وبالتالي من تحكم الحكومات التي، مثلاً، قد تلجأ لمصادرة أموال الأشخاص. ولكن هذه فكرة طوباوية. إن طريقة عمل البتكوين التى تقود إلى تجزئة رؤوس الأموال تتناقض مع أهم قوانين الاقتصاد الراسمالى التى أدت إلى أن يكون النشاط الاقتصادي متمركزاً في مشاريع وإستثمارات مالية كبرى. كما أن البتكوين ليس لها القوة على فرض تجزئة رؤوس الأموال بدون رقيب، فراس المال يسيطر على القمم (commanding heights) الاقتصادية الشيء الذى يجعل أي محاولة لزرع أنظمة خارج مسار النظام الرأسمالي مجرد حلم طوباوي.

وحتى الآن فإن التجربة أكدت أن من يمكنهم الإستفادة من البتكوين هم الأثرياء الذين لديهم وفرة المال ويتطلعون لتحقيق الأرباح بصورة سريعة أو التهرب من الضرائب أو غسيل الأموال أو أي عمليات تتطلب نقل الأموال لأسباب غير قانونية. كما أن الإستثمار في البتكوين هو إمتداد للمضاربة التي تحدث في البورصات العالمية، فهذه البورصات، مثل بورصة نيويورك العملاقة (أكبر بورصة في الولايات المتحدة والعالم من ناحية الحجم المالي)، أصبحت كالكازينوهات تتم فيها المضاربة على الأدوات المالية التقليدية -الأسهم (stocks) والسندات المالية (bonds)- وارتفعت هذه المضاربات لمستوى أعلى بإنشاء عشرات وربما مئات المشتقات المالية وهى عقود لإدارة الأدوات المالية التقليدية والتخفيف من مخاطر الاستثمار فيها. وقد ساعدت هذه المشتقات على رفع الأرباح (والخسائر) بمستويات أعلى كثيرا بشكل دراماتيكي من العوائد المالية فى مضمار التعامل بالأدوات المالية التقليدية؛ وهذا أدى إلى فجوة ضخمة بين الاقتصاد المالى والاقتصاد العينى (الحقيقى). وعليه يمكن إعتبار البتكوين عقداً ماليا يرفع وتيرة المضاربة في الأسواق المالية بتحريك قيمة أسهم الشركات بدون إنتاجية لمستويات أعلى كثيرا مما هو حادث الآن؛ وإن إتساع الفجوة بين أسعار الأسهم والمشتقات المالية الأخرى وبين نمو الاقتصاد الحقيقى لن يؤدى في نهاية المطاف الا إلى الازمة المالية.

لكن الرأسمالية لها دوماُ الميكانزيم لدرء وقوع الأزمات المالية (مؤقتاً)، وهذا يحدث بشكل موضوعى عبر عمل قانون العرض والطلب من ناحية، ومن ناحية أخرى بالتدخل المباشر للسلطات الحاكمة؛ ولهذا، عرضاً، فإن الازمات المالية والاقتصادية لا تقبر الرأسمالية، ولكن حدوثها المتكرر كمحصلة لا مفر منها في ملازمة دورات الإنتاج السلعى هو أحد الاسباب التى تحتم على البشرية في نهاية المطاف، عن طريق الفعل الواعى، إلغاء نظام الإنتاج السلعى.
------
راجع مقال الكاتب " دوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (2-3)" حيث ورد الآتى " فقد إكتشف ماركس أن السبب فى تمدد الدول الرأسمالية الغربية (الإستعمار) يرجع لصفة متأصلة (inherent) فى رأس المال. فخلافاً للإستعمار فى الحقب قبل الراسمالية حيث كان الهدف من غزو الدول الاخرى هو الحاقها كملكيات عقارية (landed estates)، فإن الإستعمارية الراسمالية حركتها بواعث مختلفة. يعتبر ماركس أن راس المال يتسم بنزعة جوهرية للتمدد الجغرافى وإنشاء سوق عالمى، فهو يقول ” إن إنتاج راس المال لفائض القيمة المطلقة مشروط بتمديد نطاق التداول (لراس المال) ...وبالتالى فإن راس المال مثل ما ينزع بصورة دائمة لتحقيق فائض من العمل، فهو كذلك يمتلك نزعة مكملة تتمثل فى إيجاد أكثر من نقطة للتداول....إن إنتاج فائض القيمة يتطلب خلق إستهلاك جديد...من خلال توسيع الإستهلاك الحالى: من ناحية، بخلق حاجات جديدة بواسطة دعاية واسعة النطاق للحاجات الحالية، ومن ناحية اخرى بإكتشاف قيم (سلع) إستعمالية جديدة.“



#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)       Mahmoud_Yassin#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما لم تكنه ثورة 21 أكتوبر السودانية
- جبال النوبة-السودان: لكى لا يتكرر التاريخ مأساة
- تقرير المصير للقوميات فى الدولة الواحدة: حق داخل حق
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (3-3)
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (2-3)
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (1-3)
- ملامح الدولة الأمريكية - ترمب والإنتلجنسيا الجديدة
- الحركة الشعبية –قطاع الشمال- واليسار السودانى
- فى الدعوة الى الوصاية الدولية على السودان
- محمد أحمد محجوب وإرث عبد الناصر
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--6-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--5-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--4-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--3-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--2-
- الماركسية و-تشريح العقل الرعوى--1-
- العامل الثقافى: إسهام ماركس وخطأ غرامشى
- السودان وسد النهضة بعد فشل اللجنة السداسية
- سد النهضة بين قضية الديمقراطية ومرحلة ما بعد إنشائه
- السودان: اتفاقية نيفاشا و علاقات الارض القديمة


المزيد.....




- حزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة المجازر المروعة للملي ...
- اليمين المتطرف بألمانيا.. تهديد لمستقبل المهاجرين أم دافع لل ...
- بيان الحزب الشيوعي العمالي العراقي حول احداث طرطوس واللاذقية ...
- سوريا تنزف تحت سياط الإرهاب والغزو
- “المحامين” تلوح بوقف التعامل مع خزائن المحاكم.. احتجاجًا على ...
- نقل الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق إلى المركز الطبي بعد ت ...
- شبكة تقاطع للدفاع عن الحقوق الشغلية تخلد ذكرى 8 مارس، اليوم ...
- مواجهة حادة بين فانس ومتظاهرين مؤيدين لأوكرانيا أثناء خروجه ...
- كيف قادت الكراهية سياسيا هولنديا من اليمين المتطرف إلى الإسل ...
- م.م.ن.ص// المذابح الحلال


المزيد.....

- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري
- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - أمريكا: تخفيض الضرائب - طوباوية البيتكوين (Bitcoin)