|
أزمة الأزمة في الاقتصاد السوري
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1475 - 2006 / 2 / 28 - 10:33
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لم يكشف ارتفاع الأسعار الجنوني ، الذي اكتسح الأسواق السورية مؤخراً ، واكتسح معها قسما كبيراً من مداخيل المواطنين ، وخاصة القوى الشعبية ، التي تعيش من بيع قوة عملها ،أومن تقاعدها ، أو من أرباح هزيلة من حرف تصارع من أجل البقاء ، وفي مقمتها أكثر من مليون عاطل عن العمل محرومون من أي دخل ، لم يكشف عدم مصداقية الدولة في البحث عن طرق جدية علمية لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي ، وعن وجود لعبة اقتصادية متواصلة ، سادت تعسفياً ، منذ عقود ، في الفضاء الاقتصادي كوسيلة للتراكم المالي والثراء ، بديلة لقوانين ومعايير موضوعية علمية ، وإنما كشف عن وجود أزمة في لعبة صناع الأزمة ذاتها . أي أن الأزمة أضحت مركبة ، وهي مرشحة لمزيد من التعقيد والتأزم . مرد ذلك يعود إلى أن الطبقة السياسية الحاكمة ، التي أخضعت الاقتصاد ، منذ أوائل عهدها في السلطة، للقرار السياسي لإعادة هيكلة البنية الاجتماعية - الاقتصادية والهيمنة على اقتصاد البلد وعلى آليات السوق ، ووضعت الخطط المتعمدة للتنمية بالتضخم النقدي ، وسخرت مؤسسات القطاع العام الانتاجية وموازنات وتعهدات الدولة لتستحوز على النصيب الأكبر من الناتج الاجمالي الوطني ، هي ذاتها ، التي تزعم الآن أنها بصدد معالجة الأزمة ، في وقت هي فيه محكومة بالتناقض الذي لاحل له إلاّ بإنزياحها عن التسلط على الحكم وعلى الاقتصاد ، أو بإعادة أكثر من مائة مليار دولار حصلت عليها من ا ستغلالها السلطة ومن نهب المال العام ومن وضع اقتصادي مشوه خلقته عبر تملكها آليات الدولة والسلطة والاستبداد . يضاف إلى ذلك ، أن الآليات التي تستخدمها الآن في التعاطي مع نماذج حلول " إنقاذية .. !! ؟ " للوضع الاقتصادي هي ذاتها التي شكلت مقومات الأزمة ، بل وأضافت إليها ما هو أ سوأ منها ، مثل الارتهان لحركة ا ستدراج رساميل أجنبية ا ستثمارية تتطلب الإمعان في الإنخراط في اقتصاد السوق والاتفاقات الدولية الإذعانية ، وهذا ما يدفع إلى مزيد من التدهور على المستوى الاجتماعي العام ، وخاصة المستوى المعاشي لأكثرية المواطنين الذين هم تحت خط الفقر ، ويستدعي المزيد من التضخم النقدي وارتفاع الأسعار وضعف وتدني القدرة الشرائية للأجور
لقد تسبب ارتفاع الأسعار في الأسابيع الأخيرة إفتراقاً وحشياً بين الأجور والأسعار وانحدر بها إلى مستوى بالغ البؤس بالنسبة للقوى الشعبية ، وخاصة الفئة المتدنية الأجور منها ، ففي هذا البرد القارس بلغ سعرتنكة المازوت " 20 ليتراً " ( 250 ) ليرة ، وتنكة زيت الزيتون " 16 كيلو غرام " ( 4000 ) ليرة ، وكيلو غرام من اللحم الضأن ( 600 ) ليرة ، وكيلو غرام من السمك ( 200 ) ليرة ، وكيلو غرام من السكر أو الأرز ( 35 ) ليرة ، وحتى علبة السردين صارت قيمتها ( 20 ) ليرة ، ناهيك عن ارتفاع تكلفة الطبابة ، إذ بلغت أجرة معاينة لدى طبيب أخصائي (0 100 ) ليرة ، هذا غيض من فيض من أمثلة ليس إلاّ . . ما أدى إلى حقيقة أن المائة ليرة قبل ثلاثين عاماً كانت تملك قدرة شرائية أكثر من عشرة آلاف ليرة في الوقت الراهن .. أي أنه كان يمكن ب ( 100 ) ليرة شراء ( 25 ) كيلو غرام من اللحم بينما يتطلب ذلك الآن ( 15000 ) ليرة وكان يمكن شراء منزل مساحته ( 60 ) متراً ب ( 10000 ) بينما يتطلب ذلك الآن مليون ليرة . بمعنى آخر ، أن العائلة الشعبية المؤلفة من أبوين وثلاثة أطفال أصبحت بحاجة إلى دخل شهري متوسط نحو ( 40000 ) ليرة لتأمين كامل متطلباتها المعيشية بكرامة ، بينما لم يتجاوز ، حتى الآن ، متوسط الرواتب والأجور شهرياً مع كل الزيادات والتعويضات الأخيرة ( 8000 ) ليرة
من هنا ، فإن الأزمة الاقتصادية ، ليست نتاج الإنفاق العسكري ، الذي تمليه حالة " اللا سلم واللاحرب " مع إسرائيل ، أو نتاج منعكسات اقتصادية إقليمية أو دولية ، وإنما هي بالدرجة الأولى نتاج تحكم سياسي إرادوي في حركة الاقتصاد ، يجوز لنا أن نسميه بارتياح ب " اللعبة " الاقتصادية . أي التلاعب بالثروات وخاصة البترولية وبالآليات الاقتصادية ، لتحقيق تراكم مالي يضع المالكين الجدد في وسط الطبقة السياسية الحاكمة في مركز الثقل الاقتصادي المقرر دون منازع ، ومن ثم توظيف تداعيات هذا التلاعب الذي يفضي إلى الأزمة ، لتوظيف هذه الأزمة ، التي اكتسبت صفة الدورة شبه المنظمة في تحقيق المزيد من الثراء ومن التحكم في لعبة السياسة والاقتصاد معاً . إن حجم الثروات التي حققها أركان النظام ومن يدور في فلكهم من الأقرباء والمقربين تبرهن على ذلك . فكما قال نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام ، أن أحد المسؤولين الذي كان موظفاً في شركة الطيران السورية صار يملك بعد تموضعه السلطوي العالي ( 4 ) مليارات دولار ، وغيره كان مجرد موظف براتب صغير صار بعد " تسلطه " يملك ( 700 ) مليون دولار .. وغيرهما كثير .. وقد نسي خدام أن يذكر شقيق الرئيس الراحل رفعت الأسد كيف تحول من ضابط صغير في الجمارك إلى صاحب مليارات لاتحصى بعد تسلمه رئاسة سرايا الدفاع ومن ثم منصب نائباً للرئيس ، بل وقد نفسه كيف انتقل من محام في محافظة ثانوية إلى المراكز المسؤولة في قمة النظام وانتقل بالتالي إلى مصاف أصحاب المليارات من الدولارات . وماتزال في الذاكرة بعد فضيحة نحر أو انتحار رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي على خلفية فساد وسرقات كبيرة ، وفضيحة رئيس وزرارء سابق مازال حياً أضاع فقط ألف مليون ليرة في عملية نصب وأضاع معه في نفس العملية مدير فرع أمني ( 400 ) مليون ليرة ومدير أوقاف حالي ( 1000 ) مليون ليرة . وهناك المزيد والمزيد من الأسماء المضمرة بعد أو التي هي برسم تحويلهاإلى أكباش فداء لاستمرار ستر المستور . إن المائة والعشرين مليار دولار المهربة إلى الخارج هي جزء نسبي من الثروات التي حققها التلاعب السلطوي بالاقتصاد ، وهي ما تحتاجه سوريا الآن لكسر أزمتها الاقتصادية المصطنعة والإرتقاء بها إلى مستوى البلدان المتقدمة التي تحفظ كرامة شعوبها
وبالضرورة ، وحيث أن من مارس " لعبة " الأزمة وأثرى من صنعها لايهمه وليس من مصلحته أن يوقفها ويتخذ إجراءات جذرية لعلاجها ، وحيث أن من أثرى من التخطيط العمد والاستغلال والتلاعب لن يعيد ما جمعه من الثروة الحرام إلى أصحابها أي إلى الشعب ، فإن الأزمة في معالجة الأزمة ستواصل التأزم
وبناء على ما تقدم ، فإنه ، بقدر ما يلفت التدهور الحاصل في الحالة الاقتصادية السورية ، نتيجة تسخير الدولة ، تعسفياً ، لتحقيق تراكمات وتحولات وتمايزات اجتماعية لصالح الطبقة السياسية الحاكمة ، فإنه في الوقت عينه يلفت إلى دور الدولة في صيغة معاكسة ، إلى إمكانية تسخير الدولة ، إيجابياً ، لصالح المجتمع كله . وهذا يستدعي ا ستبدالاً نوعياً للطبقة الساسية الحاكمة بطبقة سياسية أخرى ، نزيهة ديمقراطية ، تعبر بصدق عن مصال الشعب ، وتمتلك ناصية العلم والمعرفة لمسارات التطور الاقتصادي ، وفق الشروط الموضوعية ووفق متطلبات الحاجة إلى التقدم الاجتماعي المستدام ، وتأمين توزيع أكثر .. فأكثر عدالة لتوزيع الناتج الاجمالي الوطني . وهذا الاستبدال مشروط بأن تتولى القوى الشعبية ، صاحبة الصلة الأساسية به ، الدور الأساس في عملية تحقيقه وقيادته
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول قانون الأحزاب في سوريا
-
في ذكرى الزعيم عبد الكريم قاسم
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 3
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 2
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 1
-
العدالة أولاً .. الآن وغداً
-
راية أخرى لليسار ترتفع
-
هل من حوار ديمقراطي .. مع - الحزب القائد - !! ؟
-
من يخدم خدام .. ؟
-
شمعة ضوء على درب الحلم
-
لابد للقيد أن ينكسر
-
العودة إلى الوطنية الديمقراطية
-
الحوار المتمدن في عيده الرابع
-
الاستبداد والاحتلال .. والانسان المستباح في العراق
-
الحرية الغائبة بين الذريعة والضرورة .. سوريا للجميع
-
مريم نجمة في - مدارات الكلمة
-
النظام السوري ورهاب الشبهة
-
من هو
-
حتى يدفع الجلاد الثمن
-
جولات ووعود ا ستعراضية
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|