|
الاصلاح البيئي والزراعي في العراق .. ضرورة عاجلة من ضرورات المرحلة .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 5734 - 2017 / 12 / 21 - 22:51
المحور:
الصناعة والزراعة
ثمة خبر يقول ، بان الاتحاد الاوروبي وعدد من الدول الغربية ، وضعوا امام السيد رئيس وزراء العراق الدكتور حيدر العبادي شروطاً ستة ، لإرساء الحياة المستقرة في البلاد خلال مرحلة ما بعد داعش .. الشروط تبدأ بضرورة تثبيت أسس مركزية الدولة ، مروراً بالإصلاح الاقتصادي ، ومحاربة الفساد ، كأهم شرطين سيؤديان بالضرورة الى تحقيق ضمني لبقية الشروط . ومع الاعتراف بجسامة متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية ، والتي ستكون على انقاض ما خلفته الحروب وبشتى تصنيفاتها واسبابها ، فان عمليات الكشف عن ابرز العقد التي تعترض سبل بناء الاقتصاد العراقي ، وعلى أسس متينة تعتمد الحياد في النظرة الموضوعية بعيدا عن الاسقاطات السياسية المجردة ، هي من مهام جميع الوطنيين الشرفاء في البلاد ، كل من موقعه ، لكي لا تبقى الامور رهناً بنتائج حروب باردة بين القوى السياسية الحاكمة ، تلك الحروب التي كانت ولم تزل بمثابة الفخ المؤدي الى المزيد من الدمار والنهب واستشراء الفساد ، وزيادة الفقر بين المواطنين وبشكل متزايد . انطلاقاً من هذه المؤشرات .. فانني أرى ، وكشرط اضافي آخر الى جانب ما ذكر من شروط لإرساء مبادئ التنمية الشاملة في العراق ، بأن الاصلاح الزراعي ( المقترن بالاصلاح البيئي ) ، باعتباره واحداً من أهم روافد البناء التنموي وبكافة اشكاله ومستوياته ، هو الكفيل بتوفير المناخات الملائمة لاعادة هيكلية المجتمع من جديد ، حتى تعود اواصر الاستقرار لشريحة الفلاحين ، بعد ان تسبب لها شرخ الهجرة القسرية من الريف الى المدينة بالأضرار البالغة ، فضلاً عن ما سببته هذه الشريحة أصلاً ، ودون وعي منها ، لمناطق الحضر من اضطراب شمل جميع البنى ، بما في ذلك إحلال الاعراف القبلية محل القوانين المدنية ، وانتشار البطالة ، والزيادة في خلق العشوائيات ، وكثافة كمية التسرب الدراسي بالنسبة للاطفال ، والاخلال بميزان المنظومة الأسرية جراء عوامل الجهل وانتشار اعراف الزواج المبكر . ان ما اصاب المجتمع العراقي من عوار شملت آثاره كل جوانب الحياة ، جراء الالتفات بعيدا عن حال الزراعة ، مما ساهم في ازدياد المساحات ( البور ) وخلق خلل واضح وحاد في الميزان التجاري لصالح الاستيراد على حساب التصدير بالنسبة للمنتجات الزراعية ، وبشكل لم يحدث لهذا القطاع المهم من قبل ، يضعنا أمام حقائق تتركز في كون ان الزراعة ، وهي النفط الدائم حقاً ، في طريقها للانحسار ، تاركة السبيل سهلاً أمام امتداد رقعة التصحر في البلاد .. وإذ تنطلق السياسات العامة ( المعلنة ) للدولة في الوقت الحاضر ، صوب التنمية الجادة للبلاد ، بعد تحقيق الانتصار المظفر على فلول داعش الارهابي ، فان الخطط المرتقبة للحكومة ، يجب ان تتضمن برامج مكثفة لانقاذ القطاع الزراعي مما اصابه من تردي طيلة عقود من الزمن .. وفي مقدمة تلك االبرامج ما يلي : 1- ان الواقع المتعلق بتوزيع المياه في محافظات العراق الجنوبية ، يسير نحو انزلاقات بلغت حداً جعل خطر الاحتكام الى القوة قائماً بين العشائر ، لفض تلك النزاعات بحجة تعدي بعض المحافظات على الحصص المائية للمحافظات الاخرى ، الامر الذي سيؤدي ، لو حصل فعلاً ، الى احداث الضرر الكبير بهيبة الدولة من جانب ، وما ستفرزه تلك النزاعات من خلق قيم جديدة لا علاقة لها بالأعراف العشائرية الموروثة ( الرصينة منها ) من جانب آخر .. وبذلك فان على الجهات المعنية ، وفي مقدمتها وزارة الموارد المائية ، ان تتحرك فوراً من اجل اقرار قوانين تنظم سبل حصول العراق على حصته المائية المقررة مع دول الجوار ، بهدف توفير المياه الكافية لسد الحاجة المطلوبة سكانياً وبشكل عادل ، مع الاخذ بنظر الاعتبار ما جاء في مقررات مؤتمر دبلن والذي تم عقده في عام 1992 بشأن ادارة المياه ، حيث نصت تلك المقررات على ( ضرورة اتباع نهج المشاركة في تنمية الموارد المائية وادارتها ، والاعتراف بكونها سلعة اقتصادية تتمتع بخصوصية استثنائية تجعلها من أهم السلع الضرورية لإدامة الحياة ) .. كما ان الوزارة ذاتها ومعها جميع الوزارات التي لها صلة بقطاع المياه ، عليها تشخيص جميع البؤر المؤدية الى الاستغلال الجائر وغير المنضبط للمياه ، سواء في طرق الارواء ( مع قلتها ) ، أو بالنسبة للاستخدامات الصناعية المختلفة .
2- لقد ظهرت مؤخراً وبشكل واضح ، نتائج التأثر بتغيرات المناخ على جميع دول العالم ، ويقيناً فان تلك النتائج سوف تكون اكثر وضوحاً في العراق ، لافتقاره الى برامج علمية من شأنها التنبؤ بما يحدث من هذه التغيرات ، ومن ثم الاستعداد لمواجهتها وبالطرق المؤاتية ودون تأخير .. وبالامكان إجراء تقييم أولي للواقع المخيف لنتائج التحولات المتسارعة للمناخ في العراق ، عندما نلاحظ ، وعن قرب ، انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات ، واقتراب بحيرتي الرزازة وساوة من الجفاف ( من المؤسف ان بحيرة الرزازة اصبحت الان موقعا لتجميع مياه المجاري ) ، الأمر الذي أدى ، وبشكل واضح الى حدوث ما يعرف بالرشح العميق ( deep percolation ( ويعني هذا ابتعاد مستوى المياه عن جذور الاشجار وبقية النباتات الاخرى والتسبب في النهاية بتركيز عوامل شح الانتاج الزراعي عموماً ، يضاف الى ذلك ، توقف شبه كلي لشبكة المبازل وتحولها الى خزانات دائمية للمياه الأسنة .. وهذا ما يدعو الى اطلاق الدعوات المتكررة والجادة لكافة الجهات ذات العلاقة ، وفي مقدمتها رئاسة مجلس الوزراء ، من اجل الاسراع في وضع الأسس العلمية الرصينة لتفادي ما يحدث من نتائج شهدتها اغلب دول العالم جراء التحولات المتسارعة في المناخ ، غير ان تلك الدول ، المتقدمة منها على وجه الخصوص ، وجدت نفسها ملزمة بالتناغم مع هذه التحولات ، وباتجاه الغاء حجم الضرر منها وبأوسع قدر ممكن .
3- ومن الظواهر الخطرة بشأن الواقع المائي في البلاد ، هو غور المستويات الثابتة للمياه الجوفية ( static water level ) والذي يظهر وبشكل متزايد في الابار المائية المحفورة سواء داخل المدن ، أو في الصحراء .. ومما يزيد من هول الاضرار المصاحبة لهذه الظاهرة الناجمة عن انعدام التغذية المطلوبة لخزانات المياه الجوفية جراء قلة نسبة الامطار ، وجفاف الانهار، وهدر المزيد من المياه لأغراض لا تمت للتنمية الزراعية ولا الصناعية بصلة ، هو تلوث المياه الجوفية المستخرجة عن طريق عمليات حفر الابار ، بالمواد الهيدروكربونية الغير صالحة لملامسة التربة المعدة للزراعة .. وبذلك نكون في مواجهة نتائج كارثية لأهم رافد مائي لنهري دجلة والفرات .. وهذا يتطلب ، وعلى الفور ، الاتجاه صوب وضع دراسات شاملة من قبل الجامعات العراقية ذات الاختصاص ، وبالاستعانة بالجمعيات والمراكز العلمية العالمية ، من اجل اكتشاف الجوانب الكفيلة بمعرفة وتطبيق الحلول المناسبة لظاهرة زحف مواد هي اقرب لمواصفات مشتقات النفط الخام الى مكامن المياه الجوفية .
4- لقد دأبت ( المجالس الزراعية ) في المحافظات العراقية خلال فترة السبعينات ، وهي تشكيلات منبثقة عن تجمع اداري يشمل كافة الدوائر ذات العلاقة بالقطاع الزراعي ، على متابعة تنفيذ برامج مكثفة ورائدة لتوفير جميع المستلزمات المطلوبة لإدامة النشاط الزراعي وبكافة تفاصيله ، ومن نتائج تلك المتابعة هي خلق واقع زراعي اكتملت فيه جميع جوانب الدعم الكامل للمزارعين ، حيث الزمت دوائر الزراعة على وجه الخصوص ، بتوفير البذور والاسمدة والاغطية بكافة انواعها ( الزجاجية والبلاستيكية ) ، وكذلك توفير الاسواق والاسعار المشجعة حتى ظهرت نشاطات رائدة في استصلاح الاراضي حتى الصحراوية منها . وبالامكان الاستفادة من تلك التجارب ، وخاصة فيما يتعلق بتطوير البنى التحتية الضرورية لانعاش الاسكان الريفي . لقد اصبح من الضروري وبشكل عاجل ، الالتفات الى اهمية احياء القطاع الزراعي وتوفير السبل الكفيلة بانعاشه ، ومن ثم القيام بالخطوات الجريئة والمتسارعة لوضع الخطط بعيدة المدى لتوجيه تيار الهجرة من الريف الى المدينة وبالشكل المعاكس ، من خلال برامج الاصلاح الزراعي والبيئي والتعليمي في الريف .. لكي ننعم بخيرات ارضنا المعطاء ، ونوفر سلة غذائية تساهم في توفير الامن الغذائي لشعبنا ، والذي انهكته الحروب .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور مهدي الحافظ .. سيرة وانتماء .
-
إمتهان الاحساس بالقهر
-
الانحياز لقضايا الشعب والوطن ، فقط ، هو السبيل الوحيد لانقاذ
...
-
من أجل تجديد الدعوات المخلصة لوحدة اليسار في العراق
-
العنف ضد المرأة في العراق .. واقع وحلول .
-
الطفولة في العراق .. الى أين ؟
-
وسقط الضمير .. ( مسرحية من فصل واحد ) .
-
خرسانة الدم
-
قول في حقوق المرأة .
-
النظام الوطني الديمقراطي ، غير الشمولي في العراق ، هو الحل .
-
إيحاءات سياسية
-
التحالف الغربي مع العرب ، ضد الاتحاد السوفييتي في حرب افغانس
...
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
أنا ، والشرق العربي ، والصين الشعبية
-
تمرد يتعدى الخطوط الحمر
-
ورقة من بقايا الذاكرة ..
-
غزة .. والانتصارات الكاذبة .
-
القضاء السوداني ، وشبهات إقامة الحد .
المزيد.....
-
مصر: جدل بسبب تصريحات قديمة لوزير الأوقاف عن فتاوى الشيخ الس
...
-
ماذا بقى من القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا بعد انسحابه
...
-
محكمة روسية تدين مواطناً هولندياً بتهمة الاعتداء على ضابط شر
...
-
كله إلا سارة.. نتنياهو ينتقد وسائل الإعلام دفاعًا عن زوجته:
...
-
يورونيوز نقلا عن مصادر حكومية أذرية: صاروخ أرض جو روسي وراء
...
-
إطلاق نار في مطار فينيكس خلال عيد الميلاد يسفر عن إصابة ثلاث
...
-
إعادة فتح القنصلية التركية في حلب بعد 12 عاماً من الإغلاق
-
بوتين: روسيا تسعى إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا
-
ماذا تنتظر عمّان من الشرع و ترامب؟
-
-يديعوت أحرونوت-: إسرائيل تهاجم اليمن بـ 25 طائرة مقاتلة
المزيد.....
-
كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس)
/ صديق عبد الهادي
-
الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي.
/ فخرالدين القاسمي
-
التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل
...
/ فخرالدين القاسمي
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق
/ منتصر الحسناوي
-
حتمية التصنيع في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام
...
/ عبدالله بنسعد
-
تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا
...
/ احمد موكرياني
المزيد.....
|