أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صبحي حديدي - عشب القصيدة














المزيد.....

عشب القصيدة


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1475 - 2006 / 2 / 28 - 10:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قبل أيّام نشرت أسبوعية "لونوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية حواراً مع محمود درويش، عميقاً كالعادة وطافحاً بالأفكار اللامعة، قال فيه ما معناه (إذْ أترجم هنا عن الفرنسية): "إنّ الفلسطيني الجدير بهذا الاسم ينبغي أن يغتني بكلّ الثقافات التي كوّنته، من البابلية والسومرية والفارسية والعثمانية إلى تلك اليهودية والمسيحية والإسلامية، وإنها لفرصة طيبة أن ينتمي المرء إلى بلد تشرّب ثقافات قديمة عريقة". وإذْ أوضح درويش انّ علاقته بالتوراة أدبية صرفة، أشار إلى أنّ البعض يعتبر إحالاته التوراتية "خيانة أو تواطؤاً مع الآخر، العدوّ". ذلك لا يعني، يتابع درويش، أنه ليس من الشاقّ على امريء محاصَر مطوّق واقع تحت القصف أن يفلح في الاستمتاع بجمال "نشيد الانشاد"!
الفاجع أكثر أنّ الأمر لا يقتصر على إساءة فهم هذه العلاقة الأدبية مع التوراة، عن عمد أو جهل أو تعصّب، بل يبلغ عند بعض الجهابذة درجة اتهام درويش بالتخلّي عن شعر المقاومة (أياً كان المقصود بهذا الشعر وتلك المقاومة)، وعن هذا يقول درويش في الحوار ذاته: الشعر في فلسطين هو معركة من أجل تحرير اللغة من الإحتلال، والتحدّي الحقيقي هو أنّ لغتنا ذاتها خاضعة لقهر الإحتلال، والمحتلّ ينتظر منّا أن لا نتحدّث إلا عن معاناتنا. أن يكون المرء فلسطينياً، فهذه ليست مهنة بل هي تأكيد على أنّ الكائن البشري، حتى في شقائه، يستطيع أن يحبّ شروق الشمس وشجرة اللوز المزهرة. وإنّ كتابة قصيدة تحت الإحتلال هي شكل من أشكال المقاومة".
والحال أنّ لائمي درويش اليوم يتجاهلون، أو لعلّهم ببساطة يجهلون، أنّ مواقفه من مسائل كهذه ليست جديدة، بل الأحرى القول إنها اقترنت على هذا النحو أو ذاك بمختلف أطوار تجربته الشعرية. ولسوف أستعيد مثالاً واحداً، واضحاً تماماً في دلالاته، ومفاجئاً في خاتمته الفعلية. ففي أواسط الستينيات، في ذروة الإنكشافات الكبرى التي أعقبت هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) 1967، كتب محمود درويش قصيدته الشهيرة «جندي يحلم بالزنابق البيضاء»، ظهرت بعدئذ في مجموعته الشعرية «آخر الليل». خصوصية تلك القصيدة تمثّلت في أنها تلتقط شخصية الجندي الإسرائيلي على نحو مغاير للتنميطات المعتادة السائدة في الخطابات الأدبية والسياسية والإيديولوجية في العالم العربي آنذاك. كان ذلك الجندي الإسرائيلي، العائد لتوّه من حرب ضدّ العرب، لا يتغنّى بأيّ حلم صهيوني أو توراتي، ولا يفصح عن أيّ مطامع استيطانية، ولا يعرب عن أيّ مشاعر عنصرية ضد أعدائه العرب. إنه يحلم بالزنابق البيضاء، أو بغصن زيتون، أو بطائر يعانق الصباح، أو بزهر الليمون. «الوطن» عنده يُختصر في احتساء قهوة أمّه، وفي العودة إليها آمناً آخر النهار. الأرض؟ «لا أعرفها/ ولا أحسّ أنها جلدي ونبضي/ مثلما يُقال في القصائد»، يردّد الجندي. ولكن، هل يحبّها؟ «قد علّموني أنّ أحبّ حبّها/ ولم أحسّ أن قلبها قلبي/ ولم أشمّ العشب، والجذور، والغصون»، يردّ الجندي الكوزموبوليتي بامتياز.
ورغم وصولها متأخرة إلى العالم العربي، ورغم «الدلال» الخاصّ الذي كان محمود درويش يحظى به آنذاك، فإنّ ردود الفعل على القصيدة لم تخل من عصبية واضحة في رفض هذه الأنسَنة لشخصية الجندي الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال كتب الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب، في مقدّمة «ديوان الأرض المحتلة» تحديداً، معترضاً مشككاً: «أيّ نمط إنساني، عجيب حقاً، ذلك الذي جاء من بولندة، أو رومانيا، أو إتحاد جنوب أفريقيا، من أجل أن يبحث عن زنابق بيضاء في الجولان، أو في الغور الأدنى، أو في سيناء؟ إنّ هذا الإنسان، سواء أكان في هيئة عامل أو في هيئة مزارع، أو في هيئة جندي يحلم بالزنابق البيضاء، لا يكاد يختلف شيئاً عن أيما ضابط هتلري قام بواجبه العسكري على أكمل وجه في ساحة القتال، أو في أحد أفران الغاز، ثم عاد إلى نفسه ليسكر ويبكي، ويتأمّل صورة زوجه وطفله الرضيع اللذين تركهما في برلين».
محاججة يوسف الخطيب كانت تفيد التساؤل المشروع التالي: أيعقل أن يكون هذا «النمط» حقيقياً بالفعل؟ محمود درويش، من جانبه، كان يعرف أنّ الـ "نعم" هي الإجابة الوحيدة على ذلك التساؤل، وأنّ حكاية القصيدة فعلية وليست متخيّلة. أما خاتمتها، التي تحققت بعد سنوات طويلة، فإنها كانت مفاجئة مدهشة: روى لي الصديق الكاتب والمؤرّخ الفلسطيني إلياس صنبر أنّ إحدى أقنية التلفزة الفرنسية دعته قبل سنوات إلى حوار حول السلام مع أكاديمي إسرائيلي، فاكتشف صنبر أنّ شريكه في الحوار هو ذاته الجندي الذي كان يحلم بالزنابق البيضاء!
تتمّة الحكاية أنّ ذلك الجندي ليس اليوم معارضاً لسياسات الأحزاب الإسرائيلية في الموضوع الفلسطيني فحسب، بل هو بين أفضل الإسرائيليين اليساريين المدافعين بشدّة عن الحقوق الفلسطينية. ذلك، بالطبع، لا يؤنسن في شيء مشاركته في احتلال فلسطين، وفي الآن ذاته لا يسقط عن القصيدة الحقّ في "جعل اللامرئي مرئياً، والمرئي لامرئياً" كما يقول درويش اليوم في الحوار مع الأسبوعية الفرنسية. للشعر هشاشة العشب، يتابع القول، ولكن يكفيه قليل من الماء وشعاع شمس كي ينبت ويشبّ!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصدير الديمقراطية: كيف للسفن أن تمخر بحر الظلمات؟
- ثروة ثروت عكاشة
- الوزارة السورية الجديدة: رجال لا في العير ولا في النفير
- عن ملوك أمريكا
- لقاء البيانوني خدّام: طيران فوق عشّ الوقواق؟
- الدانمرك أم النظام العربي؟
- ما خلا فلسطين، ديمقراطيات -بلاد بوش- على قدم وساق
- فتّشْ عن الشعر
- العراق: فواتير ديمقراطية ال -بزنس- المضرّجة بالدولار
- ذاكرة -ربيع دمشق-: ما تزال البنية عصيّة على الإصلاح
- غوانتانامو في العام الخامس: وصمة عار أم عدالة أمريكية الطراز ...
- برابرة عيد الأضحى
- غياب شارون: مفاعيل مشهد عابر للحدود والأقاليم
- سورية في 2006: القادم أعظم... هذه السنة أيضاً
- ديمقراطية أمريكا المعاصرة: أين جورج أورويل من جورج بوش
- النابغة والجولان
- دمشق بعد ميليس 2 واغتيال تويني: خمس رسائل انتحار
- بلد سيزير وقانون ساركوزي
- اتفاقية سلام سورية إسرائيلية: المأزق عميق والمخرج عالق
- بيريس الأخير: هل تبقى سوى التلاشي في الهواء الطلق؟


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صبحي حديدي - عشب القصيدة