|
من يحقق الوحدة الوطنية ؟
خالص عزمي
الحوار المتمدن-العدد: 1475 - 2006 / 2 / 28 - 10:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القبة تبكي ذهبا ؛ والدموع تهيم على وجهها في ذلك السراب الغادر المصنّع المقنّع ؛ وقلوب يتنازعها الرعب والفجيعة وغياب الاحبة ؛ واخرى ينام في نبضاتها اليتم .( سر من رأى) تلك المدينة التي احتضنت المعصومين لاكثر من احد عشرقرنا وحرستهما بحبات القلوب والأمان ؛ فأغدقا عليها من كرمهما وعطفهما الرزق الحلال والحنان ؛ تهب عن بكرة ابيها ممزقة الجيوب محرقة العينين مكلومة الفؤاد وهي ترى قبة ضريح اماميها الطاهرين وقد تناثرت الواحها وتبعثرت زخارفها وريازتها ؛ وما هي الا سويعات حتى تناقلت البرد انباء دك بيوت الله لتتحول كالحصباء في الطوى الغاضبة ... اية نكبات تلك التي تحل بالعراقيين وهي من الكثرة المفرطة ؛ بحيث لا تجد لها مكانا بين تزاحم مواكب السبايا وتشابك الآلام في الخبايا والحنايا .. أليس من الغبن الفاحش والقسوة المتناهية ان يجازى ( العراق ) واهب الحضارات ؛ ومبدع العدل في دنيا القانون ؛ بكل هذا الظلم الغاشم ؟!!
ها هم ابناء الرافدين وهم يشاهدون مآسيهم بعيون تكاد لا ترى سوى شلالات الدم المستباح وهو يرش حبات احزانه المكلومة على شرفات البيوت ؛ واسطح الجوامع والصوامع ؛ انها وثيقة تأريخية سوداء تروي نكبة تدنيس ووامتهان قبة العسكريين المعصومين ومساجد نقية يذكر فيها اسم الله وبأسم الرحمن.
ها هم ابناء الفراتين ؛ وهم يسمعون بأذآن يحاصرها الصمم ؛ ازيز الرصاص؛ وعويل الثكالى والارامل ؛ وصراخ الايتام ؛ ؛ فيتلفتون مستغيثين فلا يرون سوى أاشلاء القتلى ؛ وأجساد الجرحى وهي مبعثرة في الطرقات تنهش بها الكلاب المسعورة ؛ بينما الظلام الكئيب يلفهم ؛ ومنع التجول يضرب بجرسه المتعب ؛ فيركض من عاش من أولئك البؤساء نحو دورلا نور يسطع في غرفها ؛ ولا مدفأة تلف حرارتها اركانها ؛ و لانغمة بهيجة تصدح في جنباتها ؛ سوى شمعة واحدة تحتضنها الاسرة ؛ وحديث الالم المكرور الذي لا ينتهي الا ليبدأ مجددا ؛ في حين ينعم عالم آخر عبر المحيطات بكرنفالات المرح السابح في ألوان من النور والمو سيقى محتضنا الدفء متنعما بالعيش الرغيد ؛ ساخرا بأولئك الذين يهدمون عمائر رموزهم ودور عباداتهم و ينحرون ابناء جلدتهم بسكاكين مصدرة من مصانع الغل والتدمير .
ان اجهزة الاعلام المختلفة ؛ والتي ينضوي تحت بيارقها مئات الكتاب والمتحدثين والخبراء ؛ تبرز صباح مساء ( بحسن نية او بسوئها ) أخبار التناحر ما بين طائفتي ( السنة والشيعة ) فتؤجج الصراع وتزيده اشتعالا وخاصة ما بين الطبقات البسيطة التي لا يعنيها التحليل والتسبيب ا والهدف الخفي . لقد سألت احد القائمين على احدى الفضائيات عن سبب التركيز على هذه الصيغة الطائفية المقيتة(الشيعة ... السنة ) اجابني : ان اغلب الفضائيات التي تضع هذه التسمية في حوارتها ونشراتها وتعليقاتها ؛انما تقصد الدقة وتسمية الاسماء بمسمياتها !! قلت : اذا كان الامر كذلك ؛ فلماذا تلجأون الى التعميم في جهة ما والتخصيص في جهة اخرى ما دام الامر يتعلق بالدقة في التعبير ؛فمثلا لماذا لا تخصصون بدقة محددة حينما تتكلمون عن المسيحيين كأن تذكروا ( البروتستانت ؛ الكاثوليك ؛ الانجليك ؛ الآرثدوكس.. الخ) او ان تحددوا (اية مذاهب من الشيعة واية فرق من السنة ) بل الى اية جهة ينتمون ( العرب ام الكرد ... الخ ) هذا اذا كان القصد ( حقيقة )هو دقة المعنى والمبنى . هنا سكت محدثي ولم يجب !!! ان هذا التفريق المتعمد بصيغته المعلنة ؛ يختص حصرا بالتعبير السياسي الطائفي ؛ فنحن نقرأ و نسمع بان هذا الوزير( شيعي) من كتلة كذا ؛ وذاك الوزير ( سني ) من تيار كذا... الخ ؛ في حين لو كان الامر عاما( وغير مقصودا لذاته في دنيا المحاصصة ) لسمعنا من يقول :( الجراح الشيعي ؛ او المهندس السني ؛ او المطرب الكاثوليكي ؛ او الموسيقار الشافعي ... الخ ) .فهل ان مثل هذا التصنيف البغيض قائم ؟!!! اذن ما دام الامر مختصا بالساحة السياسية وحسب ؛ فلماذا لاتكون مثل هذه الاشارة (ان كان لابد منها ) مقتبسة من الانتماء السياسي ذاته دون الطائفي كأن يقال ان فلانا وزير ( من الدعوة؛ اومن الفضيلة ؛ او من التوافق ؛او من الحوار) ... فنبعد الطائفية عن واجهة الاحداث ونقبر اللفظ في مهده الى الابد . ان اجهزة الاعلام كافة والمحدثين وخطباء دور العبادة والكتاب ... الخ مسؤولون مسؤولية مباشرة عن تسويق وترويج مثل هذا التعبير( المفـــّرق) ؛ لذا فالواجب الاخلاقي يقتضي التوقف عن هذا الترديد البغيض ؛ كأسهام أنساني متواضع في رفع الحيف عن الشعب العراقي الذي لم يعرف بتأريخه كله تشظيا طائفيا كهذا الذي تثيره الاقلام والألسن .
ان الذي يعيد للشعب وحدته الوطنيه ؛ ليست دعوات هذه الجماعة او تلك المرجعية او ذلك التيار وحسب ؛ فلا نضع الحمل الثقيل عليها لوحدها ؛ بخاصة وان ليس كل افراد الشعب العراقي منضوين تحت هذه او تلك ؛ بل ان الذي يحقق للوطن وحدته (ولنأخذ الامر بمنتهى الجدية )؛ هو دعوات كل الفئات الدينية والعلمانية ؛او من تتشكل منها النخب كالكتاب والاكادميين والعسكريين والعمال و الفلاحين والطلبة و الكسبة وربات البيوت ... الخ اذ على هؤلاء وغيرهم( ضمن واجبهم المقدس نحو الوطن ) ان يعلنوا بعبارة ( واضحة ؛ صريحة ومباشرة ) وبشكل متواصل ... ان انتماءهم لهذه الطائفة او تلك لا يعني ابدا أية صيغة طائفية تهدف الى التناحر والتفرقة وتؤجج روح الصراع والعداء . .ويستطيع الشعراء بقصائدهم والرسـامون بلوحاتهم ؛ والمعـــلمون بدروسهم ؛والمطربون بأغانـــيهم ؛ والمحدثون بندواتهم ؛ والكتاب بمقالاتهم والممثلون بمسرحياتهم وتمثيلاياتهم ... الخ ان يلعبوا دورا رياديا وتأريخيا مشرفا بالدعوة الى الود والاخاء عبر كل الآليات والاساليب الاعلامية (المقروءة والمسموعة والمرئية) : محققين بذلك نصرا مؤزرا على اعداء التلاحم ؛ يوصلهم الى هدفهم االمنشود الذي ترفرف فوقه راية وحدة الشعب والولاء للوطن .
#خالص_عزمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقدمات 1
-
صور من التعذيب تحت ظل الاحتلال
-
مسرح الكاريكتور الدنيماركي
-
حقا ... انها مستقلة
-
في عيد ميلاد اماديوس موزارت
-
يحكى أن 3
-
الفنان اسماعيل الشيخلي في ذكراه الرابعة
-
حل الجيش العراقي
-
عند الامتحان -المشهد الثاني
-
عند الامتحان
-
الثلوج والوطن
-
الطابو ولعبة الكراسي
-
2 الانسحاب
-
قوافل الانسحاب 1
-
صف لي لبنان
-
كان ... واختها لجنة ميليس
-
لكل سؤال جواب
-
مقاومة الاحتلال
-
متحف العراق
-
تزوير الارادة
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|