|
توصيف بنية الاستبداد: ركائزه ومقوماته
عبد الله الحريف
الحوار المتمدن-العدد: 5731 - 2017 / 12 / 18 - 01:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مداخة في ندوة “التحول السياسي بين محاولات الإجهاض وفرص التجاوز”، التي تنظمها جماعة العدل والإحسان يوم السبت 16 دجنبر 2017 بمدينة سلا.
توصيف بنية الإستبداد: ركائزه ومقوماته
ركائز الاستبداد:
يرتكز الاستبداد في بلادنا على الجمع بين: – مؤسسات عصرية “منتخبة” (البرلمان والجماعات المحلية) لا تتمتع بسلطات فعلية دورها توفير واجهة “ديمقراطية” مزيفة للتمويه على الاستبداد المخزني والحكم الفردي المطلق للملك. – ومؤسسات غير منتخبة وغير خاضعة للمحاسبة الشعبية (الملك، أمير المؤمنين ورمز وحدة البلاد، ومستشاريه ووزارة الداخلية وأجهزتها “الأمنية” الأخطبوطية” والجيش…) تتمتع بصلاحيات وسلطات حقيقية وواسعة. ويتم شرعنة هذا الاستبداد بواسطة قوانين رجعية وظالمة، على رأسها الدستور الممنوح، ومن ضمنها القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب وقانون الشغل وقانون الصحافة ومدونة الأسرة… هذه القوانين التي يطبقها أو يخرقها إذا تناقضت مع التعليمات أو مقابل رشاوى قضاء غير مستقل وأغلبه مرتش. ويتم فرض الاستبداد بواسطة جهاز قمعي متعدد الأوجه له اليد الطولى في ظل سيادة دولة اللا قانون. من الناحية الطبقية، تتشكل القاعدة الاجتماعية للاستبداد من الكتلة الطبقية السائدة التي تتكون من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية الكبرى وكيلة الإمبريالية وكذا من الفئات العليا من الطبقات الوسطى. هكذا يمكن اعتبار ان الاستبداد يعتمد على بنية النظام الملكي المخزني من اجل إحكام قبضته واستمرار وتوسيع مصالحه وهي بنية رجعية متخلفة. أما المؤسسات الأخرى فدورها تكريس الاستبداد بواسطة زرع الأوهام وتقديم واجهة “ديمقراطية” مزعومة للخارج. 1. النظام الملكي كنظام للحكم الفردي المطلق، يقوم على استغلال الدين لتبرير وتعزيز شرعيته، يعتبر المحكومين مجرد رعايا وليسوا مواطنين. ومن تم فهم ملزمون بالسمع والطاعة ولا أحقية لهم في مراقبته ومحاسبته لأنهم في نظره ليسوا مصدرا لشرعيته،نظام يعتمد لترسيخ هيبته على طقوس مهينة ومبنية على الأبهة والإبهار وكذا على الاستبداد،نظام يرفض أية تعددية سياسية حقيقية لأنه لا يقبل بتواجد أية مشاريع سياسية خارج مشاريعه، نظام يشجع الانتهازية والزبونية والوصولية يعتمد على إفساد النخب واستقطابها لإدماجها في نظامه الإداري والسياسي، ويعتبر أية معارضة حقيقية مثارا للفتنة ومن تم فهو يعتمد القمع والتسرب والاختراق والتلغيم وتقسيم الأحزاب والهيئات المعارضة، كما يخلق الأحزاب والهيئات الموالية ويدفع بها لتصدر المشهد السياسي، نظام للتحكم في آليات السلطة، نظام يوظف الإدارة للقهر والتركيع، ويستخدم الأعيان لبسط سيطرته ونفوذه و لمواجهة خصومه وأعداءه السياسيين، نظام يؤثث المشهد السياسي بلعبة سياسية يتحكم فيها، نظام لديمقراطية الواجهة وديمقراطية الأسياد، نظام أغلق الحقل السياسي، نظام يهين كرامة الإنسان ويلغي حريته. 2.المخزن هو الأداة الأساسية للنظام الملكي لفرض سلطته وتطبيق سياساته. وتتشكل نواته الصلبة، المافيا المخزنية. من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين والإداريين والدينيين وأغلب المسئولين السياسيين وعدد من رجال الأعمال والإعلام وكبار مقاولي “المجتمع المدني” الرسمي وبعض كبار المسئولين النقابيين وغيرهم… ممن لهم نفوذ وسلطة أو قرب منها. هذه البنية الاستبدادية تتحكم في مفاصل الدولة وكل أجهزتها العسكرية والأمنية والأيديولوجية والإدارية والإعلام والحقل الديني وغالبية “المجتمع المدني”. وكدا جزء هام من الاقتصاد الوطني بواسطة مختلف أنواع الرشوة والريع والاحتكار والممارسات ذات الطابع المافيوي: — التحكم في موارد الدولة واستعمال جزء منها لتقوية موقعها الاقتصادي — التحكم في القطاع العمومي المنجمي (الفوسفاط) والمالي (صندوق الإيداع والتدبير بالأساس) ومن خلاله التحكم في العديد من المشاريع الصناعية والسياحية والسكنية وغيرها واستعماله كصناديق سوداء لا تخضع للمراقبة والمحاسبة. — الريع الذي يكتسي أشكالا مختلفة (تراخيص الصيد والمقالع والنقل، تفويت أراضي فلاحية أو في المجال الحضري بأثمان بخسة…) ويستفيد منه الضباط السامون وكبار المسئولين الإداريين والأمنيين والسياسيين وغيرهم أو يمنح مقابل رشاوى.. — الرشاوى على صفقات الدولة،خاصة في المشاريع الكبرى. — المساهمة في الشركات الكبرى مقابل الحماية أو الاستفادة من امتيازات جمركية أو ضريبية وهي ممارسة مافيوية بامتياز. — حماية الاقتصاد ذي الطابع الإجرامي: إنتاج وتجارة المخدرات، وخاصة تصديرها، وتهريب البضائع والأموال إلى الخارج ونحو الجنات الضريبية، وذلك إما من طرف نافذين كما تبين في قضية بانما بيبارز أو مقابل رشاوى بالنسبة للأثرياء من خارج المافيا المخزنية. — الاحتكار الذي يتم التنظير له بضرورة التوفر على “أبطال وطنيين” والذي يتقوى ويمس عددا من القطاعات: التجارة الداخلية (مرجان و أسيما)، الاتصالات (“اتصالات المغرب”، “مديتيل” و”انوي”)، البنوك وقطاع البناء وغيرها. ومن الواضح أن استمرار ونمو المصالح الاقتصادية لهذه البنية الاستبدادية يتم على حساب الأغلبية الساحقة للشعب المغربي، بما في ذلك البرجوازية الكبيرة الغير مندمجة في هذه البنية. ومن البديهي أيضا أن الكلام عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجالية مجرد كلام فارغ في ظل هيمنتها. وبسبب مراكمة هذه البنية للثروة، بفضل مواقعها في السلطة وبشكل لا شرعي ولا مشروع، فإنها ستدافع حتى آخر رمق على نفوذها وامتيازاتها الضخمة.
أسباب استمرار وتغول الاستبداد:
– لعل أهم سبب في استمرار وتغول الاستبداد هو تشرذم القوى المناهضة له: من البديهي أن تسعى بنية الاستبداد بكل ما أوتيت من قوة إلى شرذمة القوى المناهضة لها. لكن هذه القوى تتحمل المسئولية الأولى في أوضاعها المزرية: فعوض أن تتوحد هذه القوى، أيا كانت مرجعيتها الأيدولوجية ومواقعها الطبقية، ضد الاستبداد، نراها تسقط في فخ سياسة فرق تسد التي يتقنها النظام. لذلك لا يتوقف النهج الديمقراطي عن دعوة كل القوى الحية لتشكيل جبهة ميدانية ولحوار عمومي بينها من أجل بلورة مشروع بديل للوضع القائم. – يمثل ضعف تجدر أغلب القوى المناهضة للاستبداد في الطبقات والفئات الاجتماعية المستعدة لمناهضة الاستبداد حتى النهاية (الطبقة العاملة وعموم الكادحين والفئات الدنيا من الطبقات الوسطى) أحد أسباب استمرار الاستبداد. – وتتلقى هذه البنية الاستبدادية الدعم من طرف الإمبريالية الغربية، وخاصة الاوروبية وبالأخص الفرنسية، بالرغم من كل كلامها المنافق حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. خاطئ من يظن أن الامبريالية يمكن أن تكون حليفة الشعوب في نضالها ضد الاستبداد. الإمبريالية الغربية تساند الأنظمة الأكثر استبدادا ودكتاتورية ووحشية من أجل مصالحها الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية (مثال السعودية واضح في هذا المجال) وتحارب الأنظمة المتحررة من هيمنتها ولو كانت أكثر ديمقراطية بكثير من الأنظمة التابعة لها (فينزويلا مثلا). – ومن بين هذه الأسباب، الأوهام التي تنشرها، عن حسن نية أو بوعي تام، القوى التي تراهن للقضاء على الاستبداد على العمل في مؤسساته “الديمقراطية” المزعومة. – وتلعب فكرة أن الاستقرار في ظل الاستبداد أحسن من التغيير المجهول النتائج دورا معرقلا لتوحيد النضال ضد الاستبداد. هذه الفكرة التي تتبناها أغلب فئات البرجوازية المتوسطة رغم تضررها من الاستبداد. هذه الفكرة التي تتجاهل أن الاستبداد يولد، إن عاجلا أو آجلا، الانفجار ويفتح الباب أمام المجهول، بينما النضال المنظم والموحد ضد الاستبداد هو أحسن طريق لضمان الاستقرار الحقيقي.
#عبد_الله_الحريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في واقع اليسار وأسباب أزمته وإمكانيات تجاوزها
-
مداخلة في ندوة حراك الريف
-
عبد الله الحريف - مناضل تقدمي وحدوي وقيادي في النهج الديمقرا
...
-
حول الموقف مما يجري في سوريا.
-
مداخلة عبد الله الحريف في ندوة حراك الريف يوم 24/09/2017
-
أدوات الصراع الطبقي(الحزب،الجبهة والنقابة) والحركات الشعبية
...
-
ملاحظات سريعة على خطاب 29 يوليوز 2017
-
الحراك الشعبي وأزمة النسق السياسي المغربي
-
في قضية الركوب على الحراك
-
العلاقة بين النضال من أجل مطالب إجتماعية واقتصادية وثقافية و
...
-
كفانا من أنصاف الحلول
-
لنستفد من دروس حراك الريف
-
تأملات في واقع اليسار وأسباب أزمته وإمكانيات تجاوزها
-
خصوصية القضية الفلسطينية
-
حركة 20 فبراير: بين أسباب الخفوت ومتطلبات النهوض
-
الحل السديد للقضية الامازيغية: أحد أهم أسس بناء جبهة الطبقات
...
-
موجة جديدة من السيرورة الثورية في المغرب
-
كيف نواجه المافيا المخزنية؟
-
بعد المقاطعة الشعبية العارمة لمهزلة 7أكتوبر، ما العمل؟
-
ملاحظات سريعة حول موقف بعض المتياسرين من مقاطعة انتخابات 7 أ
...
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|