|
متاعب ما بعد الملكية.. النيبال نموذجًا
عبدالله المدني
الحوار المتمدن-العدد: 5730 - 2017 / 12 / 17 - 10:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عانت نيبال، التي عـُرفت طويلاً كبلاد مستقرة هادئة يحكمها نظام ملكي دستوري ذو هياكل ومؤسسات ديمقراطية (وان لم تكن نموذجية)، من متاعب جمة ومشكلات لا حصر لها منذ أن تمردت جماعات مسلحة في عام 1996 ضد الحكومة بهدف إسقاط النظام الملكي وإقامة جمهورية تعتمد النهج اليساري الماوي غير المقبول حتى في بلاد المعلم ماو نفسه.
نجح الماويون في نهاية المطاف، وبعد سقوط نحو 17 ألف قتيل، في تحقيق أهدافهم، خصوصا بعد المجزرة الدموية التي قضت على جل أفراد الأسرة المالكة، بما فيهم الملك بيرندرا في يونيو 2001 على يد ولي العهد الامير ديبيندرا الذي انتحر بدوره لحظة تنفيذ جريمته ليؤول العرش إلى عمه الأمير جينندرا. هذه الحادثة البشعة لم تأت بملك جديد غير محبوب شعبيا فحسب، وإنما أزالت أيضا الكثير من هالآت التقديس التي كانت تحظى بها العائلة المالكة على إعتبار أن الملك يجسد الإله الهندوسي فيشنو، وهو ما سهل مهمة المتمردين الماويين.
ومع تزايد متاعب الملك الجديد جراء عدم تمتعه بالشعبية مثل أخيه الراحل من جهة، وصداعه اليومي مع ساسة بلاده الفاسدين والمتكالبين على المناصب الرسمية من جهة أخرى، وإفتقاره إلى حكمة أسلافه من جهة ثالثة (كونه كان رجل أعمال بعيد عن السياسة لسنوات طويلة)، قرر جينندرا أن يحكم البلاد بقبضة حديدية فكان كمن يطلق رصاصة الرحمة على عرشه المتضعضع.
إذ تظاهر النيباليون في الشوارع في عام 2005، محتجين على قرارات الملك بإعلان حالة الطواريء واعتقال مجموعة من الساسة، الأمر دفعه في العام التالي إلى الرجوع عن قراراته، لكن هذه الخطوة فسرها الكثيرون، ولاسيما المتمردون الماويون، على أنها ضعف، وبالتالي ضرورة مواصلة الضغوط على الملك كي يرحل.
وهو لئن انصاع في النهاية على مضض، وقرر تسليم السلطة في ديسمبر 2007 إلى حكومة مدنية مؤقتة ــ من بعد 239 سنة من الحكم الملكي ــ لتقيم الجمهورية المنشودة، فإن هذه الجمهورية لم تتمكن من تحقيق أي شيء يُعتد به، لا على صعيد تعزيز الاستقرار السياسي ولا على صعيد تحقيق الازدهار الاقتصادي والارتقاء بمستويات المعيشة المتدنية. ثم جاءت كارثة الزلزال المدمر في عام 2015، والذي نجم عنه 9000 قتيل و22 الف جريح لتزيد البلاء بلاء وتــُعقد الأمور.
ويمكن القول بإيجاز شديد أن مرحلة الانتقال من الملكية إلى الجمهورية الديمقراطية اتسمت بحالة من الفوضى وعدم الاستقرار والتجاذبات السياسية بدليل تغير الحكومات ورؤسائها عشر مرات خلال السنوات الأحد عشر الماضية (بمعدل حكومة كل عام تقريباً)، الأمر الذي أعاق إقرار سياسات ترتقي بأحوال البلاد والعباد.
مؤخرًا، وتحديداً في الأسبوع الأخير من نوفمبر الماضي كان سكان هذه الدولة الجبلية المعزولة والفقيرة على موعد مع المرحلة الاولى لامتحان ديمقراطي جديد ونعني به إختيار ممثليهم لبرلمانين أحدهما على المستوى الوطني والآخر على مستوى الأقاليم على أن تـُجرى المرحلة الثانية في السابع من ديسمبر الجاري.
وهذه بالمناسبة هي المرة الأولى التي تجرى فيها الانتخابات بموجب دستور جديد تم إقراره بعد مخاض عسير في عام 2015. ويأمل الساسة النيباليون أن يحقق هذا الدستور بعض تطلعاتهم وآمال الشعب النيبالى لجهة الحد من الخلافات السياسية العبثية التي ما برحت تعيق التنمية والاستقرار، ولجهة تمثيل أقوى في البرلمان للنساء وطبقة المنبوذين والمهمشين.
وعلى الرغم من حالة التشاؤم السائدة حول حدوث تغييركبير، وليس تغييراً محدوداً، فإن النيباليين يأملون أن تؤدي التغييرات والتشريعات الجديدة إلى خروج الأحزاب الهامشية من دائرة العمل السياسي، وأنْ تتقلص شروط الإطاحة بالحكومة كي تتمكن الأخيرة من إكمال ولايتها المحددة بخمس سنوات، وبالتالي بقاؤها في الحكم لتنفيذ برامجها وسياساتها التنموية دون منغصات.
وبعبارة أخرى يأمل النيباليون أن تسفر الانتخابات الجديدة وفق دستور 2015 الجديد عن ميلاد حكومة قوية يقودها حزب يتمتع بأغلبية مريحة مع وجود معارضة برلمانية رشيدة تقوّم عمل الحكومة وتنتقدها نقدا بناء لأجل الصالح العام وليس لأجل حسابات أيديولوجية خاصة.
غير أن مراقبين كثر لأحوال شبه القارة الهندية
ــ ومنهم كاتب هذه السطور ــ
يرون أن هذه الأمور من الأماني صعبة التحقق بسبب عدم تجذر القيم الديمقراطية في البلاد من جهة ووجود خلافات أيديولوجية عميقة ليس بين الأحزاب السياسية بعضها ببعض وإنما أيضا داخل الحزب الواحد. ودليلنا على صحة الجزئية الأخيرة أن الحزب الماوي النيبالي الذي ألقى السلاح وانخرط في العملية السياسية وتحالف مؤخرا مع الحزب الشيوعي النيبالي (NP-UML) خرج نفر من أتباعه على قادته متعهدين بعرقلة العملية الانتخابية.
وينتشر اليوم في نيبال ما مفاده أنه اذا كان هناك أمل لهذه البلاد لتحقيق ما عجز عنه الساسة الحاليون والسابقون فهو وصول حزب «بيبيكشيل ساجا» الى السلطة، علما بأن هذا الحزب الصاعد حديثا الى الحلبة شكلته مجموعة من الشباب المثقف الذي تلقى تعليمه في الغرب ونهل من ثقافته الديمقراطية بقيادة «رابيندرا ميشرا» (49عاماً) وهو محرر سابق في هيئة الإذاعة البريطانية BBC،
استقال من وظيفته في فبراير من العام الجاري ليدخل حلبة السياسة ويستفيد من شعبيته التي نجمت أساساً من تشكيله في وقت سابق لمؤسسة خيرية تحت إسم «شبكة ساعدوا نيبال» غرضها جمع الأموال لإنشاء المدارس ودور الأيتام ومساعدة المنكوبين. ---------- رابط المضوع + صورة رابيندرا ميشرا رئيس حزب بيبيكشيل ساجا http://www.alayam.com/Article/courts-article/407998/%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%B9%D8%A8-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9..-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D9%84-%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC%D9%8B%D8%A7.html?vFrom=mpLWT
#عبدالله_المدني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا تريد واشنطون من نيودلهي؟
-
قائد الدبلوماسية الإماراتية في سنوات التكوين الأولى
-
هل نجحت زيارة ترامب الآسيوية؟
-
هدى الغصن.. أول مديرة تنفيذية في تاريخ «أرامكو»
-
الشاعر المتمرد على الصمت المنافق
-
نصر بطعم الهزيمة
-
ماذا وراء الدعوة لانتخابات مبكرة في اليابان؟
-
شارع الملك خالد.. شانزليزيه الخبر والمنطقة الشرقية
-
مأزق واشنطن مع طهران وبيونغيانغ
-
نفته بريطانيا من مصر فعاد إلى لندن سفيرًا للسعودية
-
فارس النغم الكويتي أقسم ألا يلمس العود!
-
ولا تزال الهند تقدم النماذج والمفاجآت
-
العتيقي.. وزير كويتي أصوله قرشية وأجداده نزحوا من نجد
-
الجماعات المتطرفة تهدد وحدة أندونيسيا وتنوعها
-
رائد الفنون التشكيلية في السعودية
-
أسباب اللهاث الصيني وراء أفريقيا
-
الأب الروحي للأغنية السعودية.. قلبه بالمحبة مبتلى
-
ما الذي يحمله المستقبل لروسيا اقتصاديًا؟
-
شاهدته ولا تعرفه
-
هونغ كونغ في مواجهة مشكلة الخادمات الآسيويات
المزيد.....
-
ما مدى تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على المستهلكين
...
-
تصعيد إسرائيلي في جنين وغزة واستئناف مفاوضات المرحلة الثانية
...
-
مقررة أممية: فظائع إسرائيل بحق فلسطينيات غزة -إبادة جماعية ل
...
-
حزب الله يحدد 23 فبراير موعدا لتشييع نصرالله وصفي الدين معا
...
-
رئيس كولومبيا: سياسات ترامب فاشية
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|