|
قراءة في مضامين كتاب إشكاليات القراءة وآليات التأويل، ل نصر حامد أبو زيد
محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.
(Mohamed El Ouardachi)
الحوار المتمدن-العدد: 5729 - 2017 / 12 / 16 - 22:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كلية الآداب والعلوم الإنسانية- بنمسيك. جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء. ماستر: السيميائيات وتحليل الخطاب. قراءة في كتاب: إشكاليات القراءة وآليات التأويل، تأليف "نصر حامد أبو زيد". من إعداد الطالب الباحث: محمد الورداشي.
1- صاحب الكتاب: هو نصر حامد أبو زيد، ولد سنة 1943م في قرية قحافة طنطا محافظة الغربية، وتوفي سنة 2010م. مفكر وكاتب جامعي مصري اختص بالأساس في الدراسات الإسلامية، كما أنه حفظ القرآن في طفولته. حصل المفكر في البداية على دبلوم المدارس الثانوية قسم اللاسلكي 1960 ثم بعد ذلك شهادة "الليسانس" في كلية الآداب بالقاهرة، وبعدها شهادة الماجيستر 1976، وشهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية سنة 1979. حصل على جوائز عدة، من بينها: - وسام الاستحقاق الثقافي الجمهورية التونسية 1993. - جائزة الاتحاد الأردني لحقوق الإنسان 1996... وغيرها من الجوائز. كما أن للمفكر كتبا عديدة، ومجموعة من المقالات التي لا يتسع المقام لسردها، إنما سنكتفي بسرد بعضها: - الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة. - نقد الخطاب الديني، رؤية نقدية. - التجريد والتأويل والتحريم. بالإضافة إلى كتاب إشكاليات القراءة وآليات التأويل، إذ يعد هذا الكتاب من الكتب المؤسسة لمشروع نصر أبو زيد تجاه التراث العربي من خلال العودة إلى النصوص التراثية عامة، والنص الديني خاصة، لهذا نألف نصر أبو زيد يسمي الحضارة العربية الإسلامية حضارة نص. عدد صفحات الكتاب 272 صفحة، الطبعة السابعة، صدرت عن المركز الثقافي العربي سنة 2005. 2- إشكالية الكتاب: لا يمكن أن نتحدث عن إشكالية الكتاب قيد الدراسة، بعيدا عن الإشكالية الكبرى التي أطرت مشروع المفكر، ذلك للاعتبارات الآتية: - نظرة حامد أبو زيد للتراث العربي. - علاقة التراث بالعصر وقضاياه. إن ما شغل فكر المفكر هو كيفية قراءة التراث العربي في ظل عصرنا الراهن، لهذا يرى أنه لا يمكننا أن نقرأ التراث ونحن بعيدون عن العصر؛ لأن التراث في النهاية هو ملك لنا-كما يقول المفكر- خلفه أسلافنا، لهذا ينبغي أن نعيد قراءته وفق تصوراتنا الراهنة، وبمفاهيم العصر الذي نعيشه. فالتراث في نهاية المطاف يكون الجسر الذي يربطنا بالماضي والحاضر؛ لأنه يعيش في تصوراتنا رغم الفارق الزمني. ومنه، فإن التعامل مع التراث لا ينبغي أن يكون من نظرة جزئية متفرقة، لأن التراث يشكل كلا متفرقا إلى جزئيات لا تخرج عن خاصيته الكلية. لا يمكن أن نفهم الجرجاني بعيدا عن النقاشات الدينية لأسلافه، والشيء نفسه ينسحب على الجاحظ، كما أننا لا يمكن أن نفهم سيبويه بعيدا عن القراءات الدينية، لهذا نجد أن الكتاب يدور نقاشه حول مفاهيم مركزية: الدين، البلاغة، النقد، النحو. بناء على ذلك، لا يمكن أن نقبل على التراث دونما أن نكون مسلحين بالقراءة الواعية، إنه فعل القراءة الذي يكون الباحث بموجبه متسلحا بأسئلة واضحة، قد تكون صريحة، وبالتالي ستكون النتائج مجدية، والأسئلة واضحة كل الوضوح، وقد تكون الأسئلة ضمنية، ما يجعل نتائجها تخضع لما هو أيديولوجي، لهذا لا تكون القراءة بريئة. من هذا المنطلق، تكون طريقة قراءتنا للتراث مؤسسة على ترسانة صلبة، وهي القراءة التي تطرح الأسئلة ثم تبحث لها عن إجابات، ما يجعل المجال فسيحا لآليات التأويل التي تكون –هي الأخرى- مرتبطة أشد الارتباط بالقراءة الواعية. لعل هذا ما تطرق إليه المفكر في مقدمة كتابه. 3- المنهج: من خلال قراءتنا للكتاب، ولبعض ما كتب عن الكاتب، يبدو جليا أنه يوظف منهجا تارة يأخذ من التاريخ من خلال العودة إلى التراث، وتارة أخرى يكون منهجا تفسيريا، وفي المرة الثالثة نجده لا يعطي أدنى اهتمام إلى البعد الزمني؛ إذ إنه يقرأ التراث على أساس أنه يعيش في حاضرنا سواء أدرينا ذلك أم لم ندر. وبهذا يكون المنهج تأويليا بامتياز، يضم مناهج غربية حديثة؛ كاللسانيات والسيميائيات وغيرها. 4- قراءة وتلخيص لفصول الكتاب: - الفصل الأول: المشكلات النظرية " قراءات تجريبية" تطرق المؤلف في هذه النقطة إلى دراستين: الأولى معنونة ب "الهرمنيوطيقا ومعضلة تفسير النص" حيث أورد في هذا السياق تاريخ الهرمنيوطيقا من حيث كونُها علما لتأويل النصوص وتفسيرها، منطلقا من بدايتها في القرن 17م في الفكر الغربي. لم تكن الهرمنيوطيقا علما مستقلا قبل ق 17م، إنما كانت تستخدم في المجالات اللاهوتية. وبهذا فهي " مصطلح قديم بدأ استخدامه في دوائر الدراسات اللاهوتية ليدل على مجموع القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني (الكتاب المقدس)" ص 13. تختلف الهرمنيوطيقا عن التفسير من حيث كونُه-التفسير- "يشير إلى التفسير نفسه في تفاصيله التطبيقية، بينما يشير المصطلح الأول إلى نظرية التفسير". ص 13، وذلك بعدما تم تخليصها من مجالات اللاهوتية لتغدو مجالا شاسعا يشمل كافة العلوم الإنسانية كالأنتربولوجيا وعلم الاجتماع والتاريخ وفلسفة الجمال، والنقد الأدبي. وبالرغم من هذا الانتشار؛ فإن جذور هذه النظرية نجدها في التراث العربي من خلال ما قام به المفسرون المشتغلون على النص الديني، إذ إنهم قسموا التفسير إلى نوعين مختلفين: أما الأول فإنه التفسير بالمأثور، والذي تتم فيه العودة إلى الآثار الدينية والتاريخية، ويعد هذا التفسير حسب المؤلف موضوعيا، لأنه لا يقحم الذاتية أثناء تعامله مع النص الديني، وهو ما يمثله أهل السنة والسلف الصالح، الذين ينظر إليهم نظرة احترام. في المقابل نجد التفسير بالرأي، إذ إنه غير موضوعي-كما يقال- فالمفسر هنا ينطلق من تصوراته تجاه النص الديني ثم يروح باحثا عما يلائمها في النص القرآني. وهو ما يمثله الفلاسفة وبعض الفرق الكلامية (المعتزلة، المتصوفة، الشيعة) لينظر إليهم نظرة ترصد، وفي أحيان أخرى يتم تكفيرهم وحرق كتبهم. - إن هذا التقسيم يظهر فقط على المستوى النظري، أما على المستوى العملي، فإننا نجد أن أصحاب الرأي لم يبتعدوا عن النص الديني وعما هو تاريخي، وأن أهل السنة ورد في كتبهم الاجتهاد، خاصة الذين عاصروا في حياتهم نزول النص القرآني (ابن عباس). هناك معضلة البحث الموضوعي عن المعنى داخل النص القرآني؟ هل بإمكان المفسرين الوصول إلى المقصود من الكلام الإلهي؟ يجيب المؤلف هنا بأن كلا الفريقين لم يستطع القول بإمكانية ذلك، إنما اعتمد أهل الرأي على الاجتهاد بينما أهل السنة اكتفوا بإمكانية الفهم الموضوعي على التغليب. بناء على ما سبق، يمكن القول إن أهل السنة غلبوا النص على ذات المفسر، محاولين الوصول إلى دلالته اللغوية والتاريخية. في حين أن أهل الرأي أكدوا العلاقة بين المفسر والنص نظرا لفاعليتها. - إن النص الأدبي يشمل تفسيرات متعددة تختلف باختلاف النقاد ومذاهبهم، حيث إنهم يدعون بلوغ المعنى الموضوعي للنص. إن العلاقة بين: المؤلف(القصد)، النص(النص)، الناقد(التفسير)، تطرح إشكالية حقيقية، وهذا ما ستعمل التأويلية على حله. يطرح المؤلف تساؤلا حول طبيعة العلاقة بين المؤلف والنص؟ لتتناسل بعد ذلك الأسئلة حتى تشمل: العلاقة بين المؤلف والنص؟ وهل بإمكان الناقد/المفسر أن يبلغ المعنى العقلي للمؤلف؟ يخلص المؤلف إلى أن علاقة المؤلف/النص/الناقد تشكل إشكالية كبرى خصوصا إذا كان زمان كتابة النص مغايرا لزمان التفسير وواقعه. - كيف تعاملت النظريات النقدية الحديثة مع هذه الإشكالية؟ أشار المؤلف إلى أن نظرية الأدب- في مرحلة من مراحلها- حاولت معالجة "جوانب مختلفة من هذه المعضلة، وتوقفت كل نظرية - في إطار ظروفها التاريخية- عند جانب أو أكثر من هذه الجوانب مؤكدة أهميته على حساب الجوانب الأخرى." ص17. فقضية العلاقة بين النص ومفسره ظلت مهملة عند أغلب النظريات. وفيما سيأتي نقاط مركزة حول مجهود كل نظرية واردة في الكتاب: • الواقعية الاشتراكية التي عالجت الزوايا المتعددة للمعضلة مستفيدة من النظريات التي سبقتها، إلا أن الوعي بعلاقة النص بالناقد ظل مهملا في الجانب العملي. • الكلاسيكية: منذ أفلاطون وأرسطو كان الاهتمام بالإبداع والواقع الذي نعيش فيه، حتى العصر الحديث، بيد أنه تم تغليب دور الواقع على حساب الفنان/المبدع (المحاكاة). - أفلاطون: الحقيقة الفلسفية المتوارية وراء عالم الظواهر، والمتعالية على الوجود المادي. - أرسطو: لم يسلم بما تقوله نظرية المحاكاة( الموازاة العرفية بين الفن والواقع) بيد أنه توصل إلى قيم معيارية مطلقة يقاس على أساسها جودة العمل ورداءته (التطهير). • الرومانسية: مع الرومانسية انقلبت الكفة حيث إنها تغلب دور الشاعر على حساب النص. لقد أطلقت هذه الحركة عنان الكاتب ليعبر عن مشاعره وإحساسه بكل حرية ما نتج عنه الحكم النقدي "الانطباعي". لهذا فإن الرومانسية فتحت المجال للناقد ليمارس مهمته بكل حرية. - في مرحلة لاحقة تحولت الرومانسية إلى الاهتمام بالنص، منكرة كل علاقة بين النص ومبدعه، خاصة مع إليوت. لتغدو مهمة الناقد بعد ذلك قائمة على أساس موضوعي محايد، بمعنى أن يتعامل مع النص، من حيثُ وظيفتاه اللغوية والجمالية. • البنائية: استفادت البنائية من تطور علم اللغة الحديث، إذ إنه أفرز مفهوم "البنية" الذي يؤدي إلى اكتشاف النظام الذي يقوم على أساسه العمل الأدبي، بعيدا عن التاريخ والمجتمع، ومنه فإن العلاقة: القصد/النص/المفسر،"ليست إلا تجليات بمستويات مختلفة لظاهرة النظام كما تتجلى في الفكر(القصد) والتشكيل(النص) والتحليل(التفسير) ص 20. شليرماخر والتأويلية (الكلاسيكية). المؤلف النص القارئ العلاقة جدلية النص
الجانب اللغوي(موضوعي) الجانب النفسي (ذاتي) اللغة بكاملها. الفكر الذاتي للمبدع. تنبؤي: كيف تؤثر الكتابة في أفكار المؤلف. - وكلما تقدم النص في الزمان صار غامضا بالنسبة لنا، ما ينتج عنه سوء الفهم، وبالتالي تأتي الحاجة إلى علم ينزه المفسر عن الوقوع في عتمات سوء الفهم والتأويل. - يعبر المؤلف عن جانبه النفسي من خلال/ وبواسطة اللغة، إلا أن للغة وجودا مستقلا عن ذات المؤلف، وما يحقق الفهم حسب شليرماخر هو ذلك الوجود الموضوعي للغة، الذي يكون كمنطلق أولي للفهم، وبعده يبحث الباحث عن التعديلات التي مارسها المؤلف على اللغة، "إلا أنه لا يغير اللغة بكاملها وإلا صار الفهم مستحيلا، إنه-فحسب- يعدل بعض معطياتها التعبيرية، ويحتفظ ببعض معطياتها التي يكررها وينقلها، وهذا ما يجعل عملية الفهم ممكنة. ص21. من هنا، نستشف أن عملية الفهم لدى شليرماخر تقوم على الجمع بين الجانب(الموضوعي) اللغوي، والجانب الذاتي-النفسي يؤديان إلى فهم النص كما كتبه مؤلفه، هذا ما يجنبنا سوء الفهم، لهذا تظل "مهمة الهرمنيوطيقا هي فهم النص كما فهمه مؤلفه، بل حتى أحسن مما فهمه مبدعه. ص22. • ديلثي والتأويلية (1911-1833). بدأ ديلثي مما انتهى إليه شليرماخر من البحث عن فهم وتفسير واضحين في العلوم الإنسانية، حيث إنه قام بالرد على الوضعيين (أوغيست كونت، جون ستيوارت) الذين جمعوا بين العلوم الإنسانية والعلوم الحقة من حيث المنهجُ، لقد نظر الوضعيون إلى الاختلاف بين العلمين من خلال ضرورة تطبيق المنهج التجريبي نفسه على العلوم الإنسانية. ومنه، كيف رد ديلثي على الوضعيين؟ وما الحلول التي اقترحها للقطع مع النظرة الوضعية؟ - من المتداول أن هناك فرقا بين العلوم الإنسانية ونظيرتها العلوم الحقة؛ لأن الطبيعة لم ينتجها الإنسان عكس العلوم الإنسانية التي يتدخل فيها الإنساني بالأنطولوجي. يقول أحد الوضعيين (مل ستيوارت): "إذا كان علينا أن نهرب من الفشل المحتم للعلوم الاجتماعية بمقارنتها بالتقدم المستمر للعلوم الطبيعية، فإن أملنا الوحيد يتمثل في تعميم المناهج التي أثبتت نجاحها في العلوم الطبيعية لجعلها مناسبة للاستخدام في العلوم الاجتماعية. ص24. - يتجلى رد ديلثي في الآتي: بدأ ديلثي بتحديد الاختلاف بين موضوع العلوم الاجتماعية الذي هو موضوع معطى من طبيعة إنسانية، في حين أن موضوع العلوم الطبيعية ليس معطى، إنما هو نتيجة الطبيعة. فهذه الأخيرة تبحث عن غايات مجردة في حين أن العلوم الإنسانية تبحث عن فعل آني من خلال النظرة في مادتها الخام. وللوصول إلى الجانب الفني والإنساني يتم تحديد القيم والمعاني تحديدا دقيقا في العقول الاجتماعية وليس من خلال مناهج العلوم الطبيعية، وهذه هي عملية الفهم الذاتي أو التفسير، ما يعني" العيش مرة أخرى" Reliving في العلوم الاجتماعية. - فشلت المدرسة التاريخية –حسب ديلثي- "كونها لم تقم على أسس فلسفية. - إن تحليل حقائق الوعي هو الذي يحقق للعلوم الإنسانية استقلالها عن نظيرتها. - ديلثي: إعادة اكتشاف الأنا في الأنت. - الجانب الموضوعي في الذات المبدعة ينزع تهمة الذاتية عن العلوم الإنسانية: الحديث عن تجربة الحياة في تجربة المبدع. - تأثر مارتن هيدغر وجادا مر بفكر ديلثي كثيرا. • مارتن هيدغر والهرمنيوطيقا. حاول هيدغر أن يقيم الفلسفة على أساس هرمنيوطيقي. لقد حاول فهم الحياة من خلال نفسها، لذا وجد في ظاهرية أستاذه هوسرل ما لم يكن متاحا لديلثي، إنه يعتمد على منهج يحاول تفسير الوجود انطلاقا من الوجود نفسه. - رفض هيدغر في الفلسفة الغربية اعتبار الإنسان هو محور الوجود. - فلسفة هيدغر الظاهرية. Phenomenology)) تتكون من مركبين: - phenomenon: التجلي والظهور للشيء كما هو، أي ماهيته الأصلية. بمعنى أن الشيء يكشف لنا عن نفسه. - Logos: تدل على الكلام من منظور هيدغر. الأشياء تكشف عن نفسها من خلال اللغة (الكلام speaking). حين يفتح العالم من خلال الوجود الفني، يجعل المتلقي يحقق انفتاحه الوجودي من خلال معرفته بوعيه الذاتي ما يجعل عملية الفهم ممكنة. حين يحقق المتلقي لحظة وجوده الحقيقي، والعمل الفني بدوره يقوم بتحديد وجوده، "يبدأ السؤال والجواب الذي تنكشف به حقيقة الوجود، وتتطور –من ثم- تجربتنا الوجودية في العالم. ص 36. في نهاية الحديث عن الظاهراتية الهرمنيوطيقية لهيدغر، يخلص المؤلفُ إلى " أن الفارق بين هيدغر وديلثي، هو فارق من حيثُ الإطارُ العام حيث ينطلق هيدغر من مفهوم فلسفي، بينما ينطلق ديلثي من محاولة تأسيس منهج موضوعي للإنسانيات. ص37. • جادامر والهرمنيوطيقا. إذا كان ديلثي يهدف إلى جعل العلوم الإنسانية مستقلة عن نظيرتها من خلال بحثه عن منهج موضوعي للفهم، فإن جادامر ينطلق من أن فكرة المنهج لا تفيد العلوم الإنسانية بشيء، إنما سيبني فلسفتهُ على الفن والتاريخ. لهذا، فإن "هرمنيوطيقية جادامر تتجاوز إطار المنهج لتحليل عملية الفهم نفسها. ص38. ولكن كيف تتحقق عملية الفهم عبر/ ومن خلال نفسها؟ إن طبيعة السؤال فرضت على جادامر البحث عن جواب داخل علوم ثلاثة (الفن، التاريخ، الفلسفة). - البحث عن الحقيقة في: التاريخ، الفن، الفلسفة. - الحقيقة في الفن: -الفن لا يهدف إلى المتعة الجمالية فقط كما نرى مع فلاسفة الإستتيقا. لأن الوعي الجمالي –حسب جادامر- ثانوي مقارنة مع العمل الذي يحمل حقيقة في داخله. - يتفق جادامر مع الاشتراكيين في كون الفن مرتبط بالناس، لهذا كان رد جادامر على الجماليين الذين لا يرون غير المتعة في الفن. - العمل الفني كاللعبة تحمل الجدية وتكون دينامكيتها مستقلة عن وعي اللاعبين؛ لأنهم يختارون أية لعبة يريدون المشاركة فيها، ولكن بمجرد الدخول يخضعون لقوانينها. "وبالتالي فالحقيقة التي يتضمنها العمل الفني –كمثيلتها في الفلسفة والتاريخ- حقيقة ليست ثابتة، ولكنها تتغير من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، طبقا لتغير أفق التلقي وتجارب المتلقي. ص41. - الوعي التاريخي من منظور جادامر. يرى جادامر أن محاولة التخلص من النوازع الداخلية من قبل مؤرخ تاريخي قصد تحقيق منهج علمي صارم، هو ما يجعل هذه النوازع تمارس في خفاء دون وعي منا. لهذا يؤكد على ضرورة الاهتمام بها لكونها حقيقة ذاتية. أما محاولة التخلص منها لا تسهم إلا في تغييب حقيقة الوعي شأنها شأن الوعي الجمالي في العمل الفني. "فالأهواء والنوازع –بالمعنى الحرفي- هي التي تؤسس موقفنا الوجودي الراهن الذي ننطلق منه لفهم الماضي والحاضر معا. ص41. بناء عليه، يبدو جليا أن جادامر تأثر بجدلية هيغل، ونستشف ذلك من خلال العلاقة الجدلية التي تجعلنا نتحاور مع التاريخ بعيدا عن الإنصات السلبي. يشترك جادامر وهيدغر في رفض الوظيفة الدلالية للغة؛ لأن الأشياء تفصح عن نفسها من خلال اللغة. • الهرمنيوطيقا عند المفكرين المعاصرين (بيتي، بول ريكور، هيرش). كانت نقطة إهمال جادامر للمنهج المنطلق الرئيس الذي جعل هؤلاء المعاصرين يقيمون نظرية موضوعية في التفسير. - بول ريكور (فرنسي). الرمز
الرمز عالم من المعنى، إنه وسيط شفاف يكشف فرويد، ماركس، نيتشه عما وراءه. لقد حطم بولتمان الأسطورة الدينية - التعامل مع الرمز باعتباره حقيقة في القديم، ليبين أن الأساطير تكشف عن زائفة، ينبغي إزالتها للوصول إلى المعاني العقلية. المعنى المختبئ وراءها. " ومهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولا إلى المعنى الباطن الصحيح. ص44. - الحقيقة: فرويد: اعتبار الوعي مستوى سطحيا يخفي وراءه اللاوعي. - ماركس، نيتشه (لا توجد حقائق إنما تأويلات فقط). - اعتبرا الحقيقة الظاهرة زائفة. - وضعا نسقا للكشف عن زيفها. - الرمز: فرويد، بولتمان، نيتشه، ماركس: التعامل مع الرموز بالمعنى العام اللغوي والاجتماعي. - بول ريكور: الاهتمام بالرمز المعبر عن اللغة، لأن غاية الهرمنيوطيقا هي تفسير الرموز في النصوص اللغوية. - ريكور يخالف البنيوية التي جعلت من اللغة كيانا مستقلا. - اهتم ريكور بالكلام لتأسيس نظريته، فالمتكلم يمثل جزءا في الحدث الكلامي، ويتجلى دورهُ في اللغة: "أنا" تشير إلى المتكلم في الحدث الكلامي ثم ينتقل بعد ذلك إلى النص المكتوب باعتباره تثبيتا للكلام parole. - اهتم ريكور بالبحث عن المعنى في الأساطير عكس البنيوية التي تغفل المعنى الكامن وراء الأساطير وتركيزها على البنية. يستدل ريكور ب: التراث التلمودي العبري قائلا إن المنهج البنيوي لا يستطيع الكشف عن معاني الرموز الموجودة في هذا التراث. والهرمنيوطيقا هي الوحيدة التي تستطيع كشف المعنى باعتباره تاريخا. ص47. - كولدمان: الجمع بين البنية والمعنى. • هيرش ميز بين المعنى (meaning) والمغزى (significance)، فالمعنى معناه ثابت (غاية نظرية التفسير)، ومغزى النص الأدبي قد يختلف (غاية النقد الأدبي). • بيتي betti. " إن بيتي يريد أن يعيد الهرمنيوطيقا إلى مجالها الطبيعي كما كانت عند شليرماخر في التركيز على فهم النصوص. ص 49. النقطة الثانية: العلامات في التراث –دراسة استكشافية-. بدأ المؤلف هذه النقطة من خلال بسط تساؤلات تجعلنا في حيرة وجود علم العلامات في التراث؟ بيد أنه – حسب المؤلف- ينبغي طرح مثل هذه التساؤلات المحرجة على تراثنا لنعيد قراءته بعيدا عن التبعية والخضوع والانبهار السلبيين. وبهذا المعنى" فالتراث –في النهاية- ملك لنا، تركه لنا أسلافنا لا ليكون قيدا على حريتنا وحركتها، بل لنتمثله ونعيد فهمه وتفسيره وتقويمه من منطلقات همومنا الراهنة. ص51. ولعل هذا الهم هو الذي شغل بال نصر حامد أبو زيد وحمله على إعادة قراءة تراثنا العربي في ضوء النظريات الغربية (علم العلامات والأسلوبية)، ونحن آملون في أن يتبدى خيط التبعية، وذلك من خلال خلق حوار بين تراثنا والتراث الغربي. وفيما سيأتي عرض وجيز للأفكار الرئيسة التي ناقشها المؤلف. لقد أورد المؤلف طريقتين لا ثالثة لهما، وهما اللتان تحددتان علاقتنا بالآخر: 1- اعتبار الغرب مركز الصدارة والتقدم، ولا يبقى أمامنا إلا أن نقلده بدعوى " الانفتاح الثقافي" دون الاكتراث لهموم الواقع العربي. 2- العودة إلى التراث والرفع من شأنه، وأحيانا تطبيق بعض المفاهيم على التراث، وأحيانا أخرى الاختباء وراء مفاهيمه التي نسوا أنها تعبير وصياغة لهموم العصر والواقع الذي كان يعيشه السلاف. لهذا نجد المؤلف يطرح الحوار الواعي مع الغرب ومع تراثنا. ذلك من خلال إمكانية مساعدة السيميوطيقا على اكتشاف بعض جوانب تراثنا العربي. • مفهوم اللغة وعلاقتها بالأنظمة الدلالية الأخرى: إن التعريف الذي أوردهُ المؤلف يعود لابن جني؛ لأن اللغة" أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم الخاصة". فوظيفة اللغة عند الجاحظ (ت 255ه) "البيان" أو "الإنباء" والإخبار، وهذا رأي المعتزلة عامة، والقاضي عبد الجبار خاصة. - لقد تنبه الإنسان منذ أن افترق مع الطبيعة إلى ضرورة التواصل مع الآخرين في ظل الاجتماع. ليس هذا حكر على الثقافة الإسلامية إنما كل الحضارات تنظر هذه النظرة للإنسان. - إن وظيفة الإنسان –في التصور الإسلامي- هي التعمير في الأرض والاستخلاف فمده الله تعالى بالعقل والقدرة والاستطاعة. هاتان الوسيلتان كفيلتان حتى ينفذ الإنسان أوامر الله وتجنب نواهيه. - اللغة: آلة البيان عند الجاحظ في أربعة: اللفظ، والخط والإشارة، والعقدُ. - العقل في تصور المعتزلة. " وسيلة لفهم الكون وانتظامه، ثم الحكمة والبارع وراءهُ؛ لهذا تفصل كل صفات العالم وتفارق للخالق سبحانه، إنه منزه عنها. وهذا تصور الفلاسفة والمعتزلة لحركة العقل المعرفية. العقل
المعتزلة الأشاعرة، الظاهرية (أهل السنة) - العقل سابق عن النقل. - تقديم النقل على العقل. - التكليف العقلي سابق عن التكليف الشرعي. - التكليف الشرعي سابق عن العقل.
حاجة كلا الاتجاهين إلى اللغة؛ لأنه لا يمكن أن نجهل حاجة الشرع (المعتزلة) إلى اللغة بمختلف دلالتها (حاجة حي بن يقظان إلى من يعلمه اللغة. - إذا كانت السيميوطيقا تدرس العلامة؛ فإن نظرة المسلمين تنظر للعالم بوصفه دلالة على الخالق، وهي نظرة يؤيدها القرآن. غير أن الأدلة وعددها اختلف حولهما، وهذا ما سنرصده في الآتي مع المؤلف. الحارث المحاسبي البقلاني
عيان ظاهر خبر قاهر أدلة عقلية الأدلة العقلية (العالم) (الشرع) (دلالة الفعل أدلة سمعية (المواضعة) على الفاعل) شرعية (النطق بعد المواضعة) - الأدلة عند القاضي عبد الجبار. - منها ما يدل على الصحة والوجود: معرفة التوحيد. - المعرفة البديهية: الفعل (العالم) يدل وجوبا على وجود الفاعل (الله عز جل). - منها ما يدل على الدواعي والاختيار: معرفة العدل الإلهي. " العلم بكونه عدلا حكيما، لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب، ولا يأمر بالقبيح ولا ينهى عن الحسن، وأن أفعاله كلها حسنة" الأصول الخمسة ص66. - منها ما يدل بالمواضعة والقصد: تعرف به النبوات والشرائع. (ص 65). عموما فإن نظرة المعتزلة للنص كانت مختلفة، إنهم يرون أن النص لا يدل إلا بعد معرفة قائله ومعرفة قصده، لهذا فإن المعتزلة تعاملوا مع الآيات المحكمات التي تتماشى مع صدق مقولتهم العقلية ومبادئهم الخمسة، فلما وجدت آيات تكون متكررة –حسب تصورهم- وصلوا إلى أن هذه النصوص تقوم بوظيفة إثارة العقل ودفعه للنظر والاستدلال. في هذا الصدد أورد المؤلف نصا من كتاب: "متشابه القرآن، (4/24) للقاضي عبد الجبار، نصه مايلي: "إنه عز وجل إنما خاطب بذلك ليبعث السائل على النظر والاستدلال بما ركب في العقول من الأدلة لأنه علم أن المكلف عند سماعه والفكر فيه يكون أقرب إلى الاستدلال عليه منه لو لم يسمع بذلك، فهذه الفائدة تخرج الخطاب من حد العبث". 2- العلاقة بين الدال والمدلول على مستوى الألفاظ. - أورد فخر الدين الرازي ما يلي: 1- إما أن تدل الألفاظ على المعاني بذواتها (عباد بن سليمان). 2- أو وضع الله إياها (الشيخ أبو الحسن الأشعري، ابن فورك). 3- أو وضعها الناس (أبو هاشم). 4- البعض بوضع الله والباقي بوضع الناس (ابن اسحق الإسفراييني). - وقع خلاف حول خلق القرآن الكريم وقدمه، ومشكلات الصفات الإلهية، هل هي عين الذات أم هي زائدة على الذات. بما أن مشكلات الصفات وقدم القرآن وحدوثه يشكلان قضية محورية في أغلب النقاشات التي وصلت إلى ما هو ديني، بالإضافة إلى قضية اللغة، أهي مواضعة من البشر أم أنها توقيف من الله؟ في هذا الصدد يقول ابن جني –وهذا رأي المعتزلة- نفيا أن تكون اللغة من الله: " والقديم سبحانه لا يجوز أن يوصف بأن يواضع أحدا من عباده على شيء، إذ قد ثبت أن المواضعة لا بد معها من إيماء وإشارة بالجارحة، نحو المومأ إليه، والمشار نحوه والقديم سبحانه لا جريحة له، فيصح الإيماء والإشارة بها منه، فبطل عندهم أن تصح المواضعة على اللغة منه". وفي ما تلا هذه الفقرة من الكتاب أورد المؤلف الدور التي أصبحت تمثله المواضعة؛ إذ إنها تقوم مقام الشيء إذا كان مدركا بالحواس (الشجرة، الحصان ...إلخ)، "لتكون وظيفة الألفاظ الإشارة للأشياء أو للمسميات حالة غيابها عن الحواس وذلك بهدف منها، والتعريف بها. ص 71. فالقاضي عبد الجبار يصر على التسوية بين الإشارة والتسمية؛ لأنهما تتساويان في تبادل الأدوار أثناء الحضور والغياب. كما أنه يساوي بين الألفاظ والعبارة في مستوى التركيب. حيث يقول: "لذلك نجد أحدنا يستدعي من غلامه سقي الماء بالإشارة، على حد ما يستدعيه بالعبارة، لعادة تقدمت، يعرف بها أن الإشارة تحل محل العبارة التي تقدمت معرفة فائدتها". (المغني 15/161) ص 72. لقد خلُص المؤلف في نهاية حديثه عن اللغة والدلالات التي تلحق بها عند المعتزلة إلى الآتي: "... وعلينا من جانب آخر ألا نغفل أن كل جهود المعتزلة التي صاغوا من خلال مفهوم اللغة ودلالتها كانت جهودا جدلية كلامية تستدعي –على سبيل الاستطراد- في أغلب الأحيان، مناقشة بعض المشكلات اللغوية". ص 73. الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة. يشير المؤلف إلى أن الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة" ليس في اشتراط المواضعة شرطا لدلالة الكلام، وإنما يرتد الخلاف بينهم إلى أصل المواضعة هل هي من الله (التوقيف) أم من الإنسان. وليس الخلاف في حقيقته إلا حول المواضعة الأولى في تاريخ الكون. ص 74. - المواضعة الأولى وأصلها عند المعتزلة والأشاعرة. المعتزلة: المواضعة الأولى من الله، وبعده تأتي مواضعة البشر. - الكلام صفة من صفة الفعل بهذا وصف المعتزلة الله بأنه خلق كلاما في شجرة يسمعه النبي، ولذلك ذهبوا إلى أن القرآن مخلوق غير قديم" (المغني 7/3). الأشاعرة: لا ينكرون وجود مواضعة ثانية، كان مصدرها مواضعة أولى. - أصر الأشاعرة على أن الله متكلم لذاته وأن صفاته أزلية قديمة كعلمه وقدرته وحياته. - " إن حقيقة الكلام على الإطلاق في حق المخلوق إنما هو المعنى القائم بالنفس، لكن جعل لنا دلالة عليه تارة بالصوت والحروف نطقا، وتارة بجمع الحروف بعضها إلى بعض كتابة إلى الصوت ووجوده، وتارة إشارة ورمزا دون الحروف والأصوات ووجودهما". (الأنصاف 95). عبد القاهر الجرجاني، ونظرته نحو اللغة. (القرن الخامس الهجري). كان الهم الذي يشغل الجرجاني في عصره هو البحث عن مكامن "الإعجاز القرآني"، فكانت البادرة أن قام الجرجاني بالتمييز بين كلام وكلام، فتوصل إلى أن ما يميز الكلامين هو النظم. ثم بعد ذلك أقام نظريتهُ في النظم، التي تقوم على أساس سير الكلام على نهج النحو. لقد قام الجرجاني بنفي تلك الصفات التي ألحقها آخرون بالألفاظ (الجزالة، الفخامة، السلاسة). فبين أن المعنى لا يتشكل في الكلمة وحدها، إنما ينبغي أن تدخل في التركيب مع كلمات أخرى. ليعلن أخيرا عن أسبقية المعاني النفسية على الألفاظ- الأصوات. " ومن حقنا في هذه الحالة أن نقر أن عبد القاهر يفهم العلاقة بين الدال والمدلول على أساس أنها علاقة بين الصوت وبين المفهوم الذهني الذي يشير إليه". ص78. - وإذا نظرنا إلى الألفاظ من حيثُ كونُها دلالات على المعاني النفسية، فإن حازم القرطاجني (684ه) يذهب إلى أن " الصورة الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان". (المنهاج 18). " ذلك لأن الرموز الكتابية تدل على هيئات الألفاظ، وهذه تدل بدورها على المعاني الحاصلة في الأذهان، وهذه الأخيرة تدل على المدركات العينية الخارجية". ص 79. - لقد كان تصور المتصوفة للعالم والدلالة اللغوية مغايرا لكل الفرق التي سبق ذكرها". الوجود عند المتصوفة من أرقى مراتبه إلى أدناها، من عالم الموجودات المجردة الروحية الخالصة إلى عالم المادة بكل عناصره وتشكلاته ليس إلا تجليات ومظاهر لحقيقة واحدة باطنة، هي الحقيقة الإلهية... وإذا كان ابن عربي قد قسم مراتب الوجود الكلية إلى ثمان وعشرين مرتبة تبدأ بالعقل الأول أم القلم وتنتهي إلى مرتبة المرتبة. ص81. إن ما يمكن قولُهُ إن ابن عربي صنف مراتب الوجود طبقا لما يقوم به النفس الإنساني في تصنيف الحروف حسب مجال نطقها داخل النفس. ف" هذه الموازنة بين مراتب الوجود وحروف اللغة يعبر عنها ابن عربي على الوجه التالي: " فأُوجد العالم على عدد الحروف من أجل النفس في ثمانية وعشرين لا تزيدُ ولا تنقص. فأول ذلك العقل وهو القلم... ثم النفس وهو اللوح، ثم الطبيعة، ثم الهباء، ثم الجسم، ثم الشكل، ثم العرش، ثم الكرسي، ثم الأطلس، ثم فلك الكواكب الثابتة، ثم السماء الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، ثم كرة النار، ثم كرة الهواء، ثم كرة الماء، ثم كرة التراب، ثم المعدن، ثم النبات، ثم الحيوان، ثم الملك، ثم الجن، ثم البشر، ثم المرتبة، والمرتبة هي الغاية في كل موجود، كما أن الواو غاية حروف النفس". (الفتوحات المكية 2/395،421،469). ص 81/82. من الصعب أن نستوعب ما قاله ابن عربي في نصه؛ لأنه ينظر إلى اللغة نظرة تساو مع مراتب الوجود، لذلك نوردُ ما قاله المؤلف تعليقا على النص، وذلك بغية الفهم والتوضيح: " ومن هنا يمكننا القول أن ابن عربي يتعامل مع حروف اللغة كما يتعامل مع كل الموجودات وينظر إليها –كما ينظر إلى الوجود بأسره- من خلال ثنائية "الباطن والظاهر" فيرى أن لحروف اللغة جانبا باطنا هي الحروف الإلهية، التي تتوازى مع مراتب الوجود من جهة، وتتوازى مع الأسماء الإلهية من جهة أخرى، ويرى أيضا أن لحروف اللغة جانبا ظاهرا هي الحروف الإنسانية الصوتية التي يتلفظها الإنسان في كلامه. إن الجانب الباطني للحروف أرواح هي أرواح الأسماء الإلهية، أما جانبها الظاهر فهو إما أن يكون الصوت في حالة "النطق" أو الخط في حالة الكتابة". ص82. ( من أجل فهم جيد ندعو للعودة إلى الكتاب، الصفحتان: 82، 83.)، ومنه فإن الحروف الظاهرية -انطلاقا من تصور المتصوفة –تمثل الدلالة العرفية بين الناس، ومنه نتساءل عن الدلالة التي تمثلها الحروف الباطنية – والتي يكون مصدرُها إلهي- على مستوى الحروف؟ إن الدلالة في اللغة الإنسانية عرفية واصطلاحية، بمعنى أنها متاحة لكل إنسان. أما " الحقيقة التي يدركها الصوفي بقلبه، ومعراجه تُنبئ أن هذه الدلالة العرفية الظاهرة للغة البشرية الإنسانية خادعة، فالله هو المتكلم من خلال كل إنسان ومن خلال صورة وجودية. وما دام الوجود كله متضمنا الإنسان ليس سوى تجليات مختلفة ومظاهر متعددة لحقيقة واحدة. فإن الدلالة الذاتية هي الأصل والدلالة العرفية هي الفرع، الدلالة الذاتية هي الباطن الحقيقي، والدلالة العرفية هي الظاهر الخادع. والصوفي وحده هو الذي يدركُ الحقيقة، ويقرأُ الوجود، ويربط بين الظاهر والباطن. ص 85. 3- البعد الدلالي للغة: وقف المؤلف في هذه النقطة الثالثة عند البعد الدلالي للغة الطبيعية، التي تدخل في تحولات دلالية. وذلك من خلال أن العلامة تأخذ بعد الإشارة من منظور القاضي عبد الجبار. أما الجرجاني فإنه تناول القضية من منظور نظريته الدلالية في النظم، والتي تؤكد على أن الكلمة يمكن أن تأخذ دلالات متعددة داخل التركيب (النظم). أما الألفاظ من حيث هي مفردة، فإنها لا تدل على دلالات مختلفة. في هذه النقطة بالذات أدرج المؤلف خاصية من خصائص اللغة، حيث تتميز بالاتساع بمعنى أن الدلالة اللغوية- الصوتية تتسع لتشمل دلالات الكون، في حين أن الدلالة الإشارية ضيقة، تقف عند حدود الأعضاء فقط. "وإذا كانت العلامات اللغوية في حالة إفرادها لا ترتبط بمدلولاتها إلا ارتباط مواضعة أو اصطلاح، فإن التركيب اللغوي "لا ينبئ عن مدلوله بمجرد المواضعة، بل لا بد من اعتبار "قصد المتكلم". ص 88. ولعل ارتباط القصد بالمتكلم هو ما يحقق الإنباء والإخبار. وهذا كذلك ما يميز اللغة الطبيعية عن غيرها من الأنساق الدلالية الأخرى. • المحور الثاني قراءات تجريبية. 1- الأساس الكلامي لمبحث المجاز في البلاغة العربية. لقد تضاربت الآراء حول هذا المفهوم في البلاغة العربية، إذ إننا نجد قائلين بوجود المجاز، وآخرين ينفون ذلك. لهذا سنعيد السؤال المهم الذي طرحه المؤلف باحثا عن أصوله في النقاشات الدينية قبل أن ينتقل إلى البلاغة العربية. لماذا انقسم المفكرون العرب إلى مثبتين لوجود المجاز في اللغة وإلى منكرين له؟ وما هو مغزى هذا الانقسام فيما يتصل بمفهوم كل فريق لطبيعة اللغة وأصلها؟ وما هو الإطار الفكري الفلسفي الذي حدد كل فريق من خلاله هذا المفهوم حول اللغة والمجاز؟ - تتفق جل الدراسات الحديثة أن مفهوم المجاز ظهر في ظل النقاشات الدينية، التي كان العلماء المسلون يناقشونها، وعلى رأسهم المعتزلة، والتي اعتمدته قصد تأويل النص الديني حتى يسير وتصوراتهم. إلى أن وصل إلى المتأخرين، وهم البلاغيون؛ كالجرجاني، والسكاكي وصولا إلى الخطيب القزويني. بناء على ذلك، يمكن القول إن بلورة مفهوم المجاز لم تكن بعيدة عن التصورات والمفاهيم التي بلورت العلاقة بين الإنسان والله والعالم، ومن ثمة سنقدم النقطة المركزية لهذا المبحث. يقول المؤلف " يمكن التمييز فيما يرتبط بقضية المجاز بين ثلاثة اتجاهات أساسية: الاتجاه الأول هو اتجاه المعتزلة الذين اتخذوا من المجاز سلاحا لتأويل النصوص التي لا تتفق مع أصولهم الفكرية. والاتجاه الثاني هو اتجاه الظاهرية الذي وقفوا بشدة وحسم ضد أي فهم للنص يتجاوز ظاهره اللغوي، ورفضوا تأويل المبهمات في النص القرآني واعتبروها مما استأثر الله بعلمه. وقد ذهب هؤلاء إلى مدى بعيد في إنكار وجود المجاز لا في القرآن فحسب، بل في اللغة كلها. أما الاتجاه الثالث فهو اتجاه الأشاعرة الذين حاولوا أن يقفوا موقفا وسطا بين المغالين في استخدام المجاز لتأويل النص وبين الرافضين لوجود المجاز". ص 122،123. وتعود أسباب هذا الخلاف بشكل عام إلى نظرة كل فريق للغة، وفيما يلي تلخيص لذلك. - أصل اللغة: المعتزلة: أصل اللغة اصطلاح بشري محض. الأشاعرة: وقفوا موقفا وسطا وقالوا بالاصطلاح والتوقيف. الظاهرية: اللغة توقيف من الله علمها لآدم وانتقلت إلى بنيه. - أصل المعرفة: المعتزلة: قالوا بأسبقية العقل على النقل؛ أي المعرفة العقلية سابقة على المعرفة الشرعية. الظاهرية: إن الوحي هو أساس المعرفة. الأشاعرة: حاولوا التوفيق بين العقل والوحي. التأويل في كتاب سيبويه. في هذه النقطة انصب اهتمام المؤلف على كتاب سيبويه المعنون ب"الكتاب"، وذلك من خلال البحث عن التأويل في النحو العربي عامة، وكتاب سيبويه خاصة، حيث تم بحت التأويل في ثلاثة مفاهيم مركزية: العامل، القياس الشذوذ. كما أنه أعرض إلى نظرة بعض النحاة المجددين للنحو العربي، وكيف ينظرون إلى التراث النحوي، على سبيل المثال "ابن مضاء القرطبي". • المحور الثالث: قراءات على قراءات. في هذا المحور الثالث-والأخير من الكتاب- تطرق المؤلف للحديث عن تجربتين نقديتين لكاتبين مختلفين، حيث تحدث في النقطة الأولى عن الثابت والمتحول في رؤيا أدونيس، حيث إنه رصد ثنائية الثابت والمتحول –من هذا الكتاب- إنها ثنائية حول النظرة إلى التراث كمفهوم سائد، والنظرة إلى التجديد كمفهوم مضيء، ما يستدعي ثنائية أخرى لا تختلف عن الأولى من حيثُ المعنى، وهي ثنائية الاتباع والإبداع. يعرض المؤلف رأي أدونيس تجاه التراث من منظور فكري/سياسي/ديني/ اجتماعي(الجماهير)، ومن منظور شعري إبداعي. لقد تعامل المؤلف مع دراسة أدونيس من خلال نظرتين نقديتين: - أدونيس كمفكر ينظر إلى الدين والثقافة السائدة (سياسية، اجتماعية) نظرة احتقار وتقليل، وبكلمة واحدة يمكن أن نقول –مع المؤلف- إن أدونيس لا يكترث للتراث ورقابة القديم، ليمتطي صهوة الإبداع الجديد. - أدونيس كشاعر يحمل هم الشعر والشعراء، فضلا عن روح التجديد والابتكار. أما النقطة الثانية كان عنوانها هو "الذاكرة المفقودة والبحث عن النص. هو كتاب صدر لإلياس خوري عن مؤسسة الأبحاث العربية –لبنان 1982. إذ إنه اشتغل على ثلاثي: الثقافة، الواقع، الأدب، وكان هدفه –خوري- هو البحث عن أسباب أزمة النقد والإبداع الأدبيين العربيين، فكانت انطلاقته من الواقع السياسي وما يعيشه من صراع وجدال بين الطبقات الاجتماعية، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الحديث عن الثقافة-نظرا لارتباطها بالواقع- فالثقافة العربية تعيش –حسب الكاتب- أزمة في ظل صراع الحضارات، لينتقل إلى الحديث عن الأدب؛ لأن خوري يقر أن أزمة النقد هي نفسُها أزمة الأدب/ الإبداع؛ لأن هذا الأخير من منظور الكاتب هو المادة التي يشتغل عليها النقد، لهذا سماه بالنص النقدي. عموما إن خوري اشتغل على هذه المفاهيم بالارتكان إلى التاريخ، ما جعل نصر حامد أبو زيد يقيم دراسة خوري هذه بأنها لم تف بالغرض، حيث إنها حاولت تفسير الأزمة: أزمة النقد، أزمة الثقافة، أزمة الإبداع، أزمة المثقف دونما البحث عن حلول مجدية. خاتمة: للمرة الأولى أصادف في تجربتي القرائية البسيطة كتابا لا يتوفر على خاتمة، قد يجعلنا نقر على أن مشروع نصر أبو زيد لم يتوقف عند هذا الكتاب الغني بالمعارف، إنما هناك استمرارية لمؤلفات أخرى أتت من بعده. لهذا يمكن القول إن هذا الكتاب مهم، ويحمل ما يحمله من قضايا فكرية، ودينية، ولغوية وغيرها، وينبغي أن يعلم قارئ هذا الكتاب أن مؤلفه من طبيعته يطرح التساؤلات، ما يجعل القارئ مشاركا إياه في تقديم الإجابات. هذا إلى جانب نظرة أبو زيد النقدية لكل القضايا التي وردت في الكتاب.
#محمد_الورداشي (هاشتاغ)
Mohamed_El_Ouardachi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقدمة في نحو النص
-
بعض المفاهيم الكبرى في التداولية
-
مناهج النقد الأدبي الحديثة: المنهج البنيوي- أنموذجا.
-
نظرية الحقول الدلالية وآثرها في التراث العربي
-
بقلم أحمر، يمكننا تصويب الخطأ.
-
قراءة في الفصل الأول من كتاب: المصطلح اللساني و تأسيس المفهو
...
-
دراسة موجزة حول: تاريخ اللسانيات الغربية الحديثة
-
إشارات في علم اللغة
المزيد.....
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|