|
-من رسم الكاريكاتير-
مصطفى بوهندي
الحوار المتمدن-العدد: 1474 - 2006 / 2 / 27 - 07:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من رسم الكاريكاتير؟! قالت وهي تأكل من غذائها السريع في مكتب العمل: "ما بال المسلمين يدافعون عن أنفسهم من التهم الموجهة إليهم بتأكيدها والإتيان بالأدلة عليها؟". وغادرتها لألحق بصلاة الجمعة بالمسجد الكبير والجديد القريب من حي الأعمال بسيدي معروف . كانت خطبة السيد الخطيب عما سماه "شاتم الرسول " صلى الله عليه وسلم حماسية وتحريضية، وكان الخطيب بارعا في السب والشتم والقذف واللعن والتفسيق والتكفير و...، وكل ما يخطر على البال وما لا يخطر عليه، على "راسم الكاريكاتير"، وعلى أمه وأبيه وفصيلته وقبيلته، ومدينته وبلده ودولته وكل ما يحيط به، بل ومذهبه ودينه وملته ولغته وثقافته، وتاريخه واجتماعه واقتصاده وسياسته، وحتى أولئك الذين لم يشاركوا خطيبنا من المسلمين في تكفيره وإهدار دمه يلحقهم ما يلحقه. وانتهى خطيبنا بعد كل ذلك إلى أن الذي سب الرسول الأعظم قد كفر سواء كان مسلما أو كافرا. وقد فهمت منه معنى أن يكفر المسلم، لكنني لم أفهم كفر الكافر. ثم قال: "ومن شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أهدر عليه السلام دمه"، ثم رفع ريشته ليرسم لنا رسومه الكاريكاتيرية في حقه صلى الله عليه وسلم فقال: " كانت امرأة خثعمية مشركة، تشتم الرسول صلى الله عليه وسلم، فأهدر عليه السلام دمها، وقال لأصحابه: من يتكفل بقتلها، فقال رجل خثعمي من قومها: أنا يا رسول الله، فأرسله، فجاءها مساء ووجدها ترضع أطفالا لها، فأدخل السيف من بطنها وأخرجه من ظهرها ورجع إليه عليه السلام وقد قام بما يجب عليه القيام به". وقدم لوحة ثانية قال فيها: " كان شاعر من شعراء المشركين يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وله قينتان يعلمهما التغني بأشعاره، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال لهم: من يتكفل بقتله؟ فقال أحد الصحابة: أنا يا رسول الله، فأرسله، فهرب الشاعر إلى الكعبة وتمسك بأستارها حتى يحتمي من قاتله، فلم تحمه حرمة الكعبة ولا أستارها، وقتله متمسكا بأستارها. قال الخطيب وهو يكمل لوحته - التي يستحق عليها المحاكمة وهو المسلم في بلاد المسلمين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهدور دمه لا يتناطح فيها عنزان، وذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من ذكر هذا القول حتى صار مثلا بسبب هذه الحادثة، ثم قال الخطيب لنا: قال العلماء: والعنزان لا يتناطحان وإنما يتشامّان، ولم يعلق على ذلك. وحقيقة، فإنني لم أفهم لماذا جاء بقول العلماء في التعليق على قول ينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم، وهم يناقضون ذلك القول. وأكملت جلوسي ، وأنا أنصت لهذا الكذب الصريح في حق من قال فيه الله سبحانه وتعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، يمنعني حديث ومن لغا فلا جمعة له، بينما الخطيب يرفث في الجمعة، وبقيت أتأمل هذه الرسوم الإسلامية الكاريكاتيرية المخزية، التي أعلم أن خطيبنا لم يختلقها من ذهنه، ولا حتى خطر على باله أنها تحمل تهما صريحة واضحة، وصورا مدينة لدين الله سبحانه، ولرسوله الرحيم ، وأن على أساسها رسمت تلك الرسوم المدانة التي من أجلها كانت الخطبة نفسها. أكملت جلوسي وأنا أفكر في من رسم الكاريكاتير، وأفكر في مئات من هذه الرسوم التي توجد في تراثنا سواء في كتب الحديث أو التفسير أو غيرها مما يرجع إليه الخطباء والوعاظ والمعلمون والمربون والدارسون والباحثون والكتاب ، وإذا أراد المخالفون لنا في الدين أن يتعرفوا على ديننا فإنهم يعرفونه من خلال هذه المصادر نفسها أو من خلال المتحدثين الرسميين أو الشعبيين عن الدين، وكلهم ينهل منها. ومثل هذه الأخبار ، من تأملها من خارج الدائرة بل وحتى من داخلها، إن أزال صفة القدسية عنها، لن يجدها إلا رسوما كاريكاتيرية مخزية، تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ودينهم، إلى العالمين باعتبارهم عصابة من القتلة الغزاة المتعطشين إلى سفك الدماء، فيكفي أن يشير لهم قائدهم بذلك فينفذوه، دون مراعاة لحرمة مقدس ولا كعبة ولا امرأة ولا إنسان، همهم بطونهم وفروجهم وطاعة أسيادهم وغير ذلك مما يندى له الجبين. نحتاج إلى غير قليل من الصراحة والجرأة وعدم الخوف في الله من لوم اللائمين، للكشف عن هذه الأمراض المزمنة التي سكنت ثقافتنا، وعن هذا السرطان القاتل الذي يسري فيها، والذي يشوه وجهها، وينهك قواها ويقودها إلى قبرها، إن لم تسرع إلى اجتثاثه بأكثر العمليات قيصرية، قبل أن لا ينفع الدواء ولا العلاج. أظن أن الكاريكاتير المرسوم بالخارج إنما هو انعكاس للكاريكاتير الداخلي المرسوم في ثقافتنا ذاتها، وإذا أردنا تصحيح هذا الرسم الخارجي فلن يكون ذلك إلا من الداخل. فهو بمثابة المرآة التي تعكس الحقائق الموجودة في الواقع، وأنت لا تستطيع أن تغير من صورة المرآة شيئا إن لم تغيره في واقع الحياة، ونتمنى أن تكون لنا أعين مبصرة قادرة على التمييز بين حقائق الأشياء وصورها المنعكسة في غيرها. فالذي رسم الكاريكاتير هو عصور من التخلف والجمود والتسلط واغتيال العقل، والجهل والأمية والغرور والتكبر، ومن كل الصفات التي منعت الإنسان من أن يكون إنسانا. والسبيل إلى تصحيح هذه الصورة يبدأ من إعادة النظر في ثقافتنا ومكوناتها، وإزالة التشوهات المزمنة منها، والتي لا زالت ترافقنا، وبالتأكيد فإن المرآة لا تعكس إلا الأشياء الموجودة، فإن زالت فإنها تزول حتما وفورا من صورة المرآة. لم يلبث السيد الخطيب حتى خرج بفتواه الداعية إلى إهدار دم أعداء الله، الذين آن الأوان لإعلان الحرب عليهم، وهنا أجدني أسأل السيد وزير الأوقاف والسيد مدير الشؤون الإسلامية عن هذا النوع من الأئمة الذين يحرضون على العنف والإرهاب، ويقدمون دين الله الذي جاء رحمة للعالمين بأنه إرهابي، وبأن رسوله مجرم يهدر دم الناس ويحرض أصحابه على الاغتيالات، للنساء والشعراء دون مراعاة حرمة كعبة ولا امرأة ترضع أطفالها، وهم بذلك يؤكدون الصورة النمطية المراد نشرها وتعميمها عن دين الله عند المعادين له، بينما تسعى وزارتهما جاهدة لتصحيح تلك الصورة وتقديم بديل عنها. تابعت – مُكرها - إنصاتي إلى الخطبة الثانية، فتحدث لنا فيها الخطيب عن صفته صلى الله عليه وسلم في التوراة، وذكر أن صفته فيها هي: "وأنه ليس فظا ولا صخابا في الأسواق"، وهو ما يؤكده قوله تعالى: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وتحدث حينها عن أخلاق الرحمة والتسامح فيه عليه السلام ، ثم أنهى خطبته برفع أكف الدعاء إلى الله أن "يرينا في أعدائه عجائب قدرته وأن يشتت شملهم وييتم أطفالهم ويرمل نساءهم، ويجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين". ووجدتني حائرا بين أوصاف الرحمة الموجودة له في التوراة عليه السلام، حسب قول الخطيب، والأمر بالاغتيالات للذين شتموه، ونتيجة ذلك – طبعا - أن النبي المبشر به الرحيم، هو غير النبي الذي يتحدث عنه الخطيب: سفاك الدماء. والقضية الثانية هي الدعاء بالشر على الناس، ورفع الأكف لدمار الناس وإهلاكهم والتشفي بيتم الأطفال وترمل النساء والحصول على الغنائم والسبايا. لست أدري أي دين هذا الذي نقدمه للعالمين، إذا كانت هذه صفته، بينما نجد رسولنا الكريم يقول عن قومه المشركين الذين قاموا بكل الشرور ضده: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". أو لسنا نرسم رسوما كاريكاتيرية مخزية لهذا الدين في كل مرة وقف فيه خطيب جاهل على منبره، أو كاتب أحمق في مكتبه، أو زعيم مغرور في جماعته ومذهبه ... هؤلاء هم الذين رسموا الكاريكاتير قديما وحديثا فقدموهم للمحاكمة قبل أن تحاكموا غيرهم ممن كان لهم فضل إهدائنا عيوبنا. بيروت 14/02/2006
#مصطفى_بوهندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة إلى فرعون وموسى بشأن الإرهاب العالمي المعاصر
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|