كرم خليل
كاتب
(Karam Khalil)
الحوار المتمدن-العدد: 5727 - 2017 / 12 / 14 - 16:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحرب في الإسلام اضطرار لا اختيار، وأحمق من يسعى إليها بطرا، وجبان من يتهرب منها إذا فرضت عليه.
ليس الإسلام دين السيف ولا دين الخشب، بل هو دين القيام بالقسط سلماً وحرباً، وقد جنب الإسلام, المسلمين موقفاً منافقاً شائعاً في ثقافات وديانات أخرى, يدين الحرب ويخوضها، ويتبرأ من العنف ويمارسه، ويرفع راية المحبة ويخوض في دماء الأبرياء.
فالاسلام السياسي الذي استغل الدين الاسلامي من اجل مصالح سياسية او شخصية, قد تجلى هذا واضحا في الصراع الذي دار بين الامام علي (كرم الله وجهه) وبين معاوية ابن ابي سفيان, الذي استغل الاسلام من اجل الحصول على كرسي الحكم, ليؤسس الدولة الاموية ذات النظام الوراثي، ثم جاءت الدولة العباسية لتستغل هي الأخرى الدين الاسلامي, وباساليب مخجلة لاتختلف عن أساليب الامويين.
الامويون والعباسيون استخدموا الدين الاسلامي للوصول الى الحكم, ليؤسسوا بعد ذلك, امبراطوريات عظيمة ليس وفقا لأبجديات الدين الاسلامي, ولكن مثل كل اساليب الامبراطوريات سابقا, وفي توسيع نفوذها راهنا.
لم يتوقف استغلال الدين الاسلامي عند هذا الحد, بل هناك الكثير ممن مارسوا هذا الاستغلال, ومنهم العثمانيون الذين احتلوا ومارسوا سياسة التتريك, باسم الدين الاسلامي, اما في العصر الحديث, فقد ظهر الاسلام السياسي في الجزيرة العربية ممثلا بآل سعود ومحمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي, الذي اخترع اسلاما جديدا كان وبالا على الاسلام عامة, والعرب خاصة, عندما احتضنته بريطانيا العظمى سابقا, وامريكا لاحقا, لتظهر اول دولة عربية يقودها الاسلام السياسي, فهل كانت السعودية المدينة الفاضلة؟ وماذا قدمت السعودية للمسلمين و للدين الاسلامي؟ .
تمكنت الاسلامويات في اغلب الدول العربية, من بناء تنظيمات حديدية برؤوس متعددة تدير مؤسسات متنوعة, ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وتعليمية يجمعها مرشد محلي تابع لمرشد أعلى، وشكلت منظومات عسكرية وأمنية قوية ومهابة في بعض الدول، واخترقت مؤسسات الدولة بأعضائها, الذين يتركز ولائهم غالبا للتنظيم لا للمؤسسة, ووظفت المال السياسي, لشراء الولاءات في المجتمع والدولة بما يسهل لهم فرض سيطرتهم واختراق كل المجالات الحيوية للتحكم والسيطرة، ورغم كل ذلك, إلا ان الاسلام السياسي, عجز عن بناء آليات متقنة لإدارة هذه القوة, وهو في المعارضة ويزداد تخبطه وفشله بمجرد ان يمسك بزمام الحكم, بل ان هذا البناء التنظيمي وسلوكياته المعلنة والخفية اصبح مصدرا مهددا لأمن الدول, ومهددا للسلم الاجتماعي في دولنا العربية, وتجربة الاخوان في مصر عينة بارزة، فقد تعامل الاخوان مع مؤسسات الدولة باعتبارها مجالا مضافا لقوة التنظيم ومصدرا قويا لنفوذه، وغنيمة خاصة لقياداته, ومدخلا لبناء وتعمير سيطرة وهيمنة التنظيم، وبداية لتحويل الدولة الى مسار تعبوي لتحريك أفرع التنظيم في الدول الأخرى، بحيث اصبحت مصر وكأنها أداة لنشر الفوضى الى الخارج, مسنودة بالمركز, المصدرة للثورة الاخوانية في قطر, التي ارتبطت بالأتراك وبالإستراتيجية الامريكية الاسرائلية الجديدة في المنطقة,
ناهيك عن ارتباط الاخوان بالطموحات الاقليمية لإيران بما يناهض المصالح العربية.
أثبتت تجربة ربيع الفوضى ان تعاظم قوة الاسلام السياسي, ولد انقسامات عميقة افقية وعمودية في المجتمع, وأنتج صراع عميق مع كل الاطراف, حتى بين تيارات الاسلام السياسي غير الاخوانية, كالسلفية او الحوثية, كما هو الحال في اليمن, وهذا امر طبيعي, فالتنظيم الاسلاموي وإيديولوجيته, ليسا إلا وعي متحيز بالمطلق للذات وشعور تام بامتلاك الحق, بما يؤسس لروح استعلائية ضد كل ما عداهم، والاستعلاء خارج الحكم قد يكون حقا, لا يمكن معارضته, أما الاستعلاء الذي يتضخم وهم قابضين على المجال العام, فيخلق استبداد قهري وعادة ما يتم تبريره بالآليات الديمقراطية أو بالثورة أو بالأحقية في الحكم أو بالاستخلاف الإلهي.
عادة ما يتعامل الاسلام السياسي مع الحكم باعتباره حق رباني منح لهم, ونتيجة لاعتقادهم بأنهم الأنقى والأطهر والمصطفين من قبل الله, فإن الحكم يبدو لهم كمنحة إلهية وكملكية خاصة بالتنظيم, ومن معهم لا وظيفة لخدمة المحكومين كلهم وإرادة مرتبطة بالقانون وبقيم العدالة وتوزيع الموارد وفق الآليات التي تحددها منظومة الحكم. مشكلة الاسلام السياسي انهم يتعاملون مع الفوز الديمقراطي باعتباره قدرا ربانيا, لتحقيق الاستخلاف الذي وعدهم الله به, والمطلوب من الناس طاعة عمياء, لا تنتقد ولا تعترض على إرادة الله المتجسدة فيهم، وحديثهم المبالغ عن الإرادة الشعبية ليس إلا نفاقا ضروريا للتحشيد ولمواجهة خصومهم ومعارضيهم، والاهم لتبرير سلوكهم الاستحواذي.
وعادة ما يتحدث التنظيم الديني باسم الشعب حتى لو كانوا اقلية، فالتنظيم عندما يضع مطالبه يقول الشعب يريد، وهي نتاج للاستعلاء على الكل وحتى على الشعب, فخيارهم ليس هو الشعب فحسب, بل هو إرادة الله المتجسدة فيهم.
الواقع أن كثيرًا من الحوادث الإرهابية في أنحاء متفرقة من العالم تمر بعدة مراحل, تهيمن عليها غالبًا الظاهرة الإسلامية, وتجربة الإسلام السياسي، وهو خطر يحدق بالمجتمعات في كل مكان, يتبناه جيل جديد, يمارس القتل بحرفية متقنة, ويختار لها توقيتًا محددًا, يستهدف به الناس بالدهس والطعن، ويتمثل ذلك في وضع أقل ما يُقال عنه مزدوج الأغراض, يستحيل ضبطه والسيطرة عليه بدأ في العواصم الأوروبية، على إثرها نبه الخبراء إلى تلك الأساليب المتلاعبة بالدين، وأصبح موضوعًا جدليًا وواقعًا سياسيًا.
من ناحية ثانية عانت الكثير من الدول الأوروبية والعربية من التلاعب الديني, ومن الذين ارتبطت أفكارهم بالعنف والقتل, وجعلتهم ينظرون للحياة, بمنظار سلبي ويشعرون بالاضطهاد, ومن ثم العزلة عن المجتمعات الأخرى.
فإن هذه الأحداث الإرهابية تتداخل لتتمخض عن قضايا مهمة وملحة على الصعيد الدولي، وتبعاتها من مسائل تريد تدمير العالم بداية من الشرق إلى الغرب. فقد استخدم «الإخوان» لغة لها صوت أجش تجعلهم عنيفي القول والفعل, وتناقضات في تفسير الأحكام الشرعية، نبرات تتعالى أقرب إلى الصراخ تمتهن الخطابة والصعود على المنابر للإخلال بميزان العدالة وتسييس المحاكم وعسكرة الحياة، لغة تثير الكراهية بين الطبقات الاجتماعية, وتشحذ همم الشباب, بدعاوى كاذبة تهدف للإرهاب ودوافعه.
بالطبع ليس ثمة أي جديد, حول ظهور ترسانة مليئة, بكل أنواع التنظيمات الجهادية الأصولية, وصناعة القومية والكراهية, وموادها الأولية تستهدف المجتمعات الآمنة لزعزعتها.
اتفق الخبراء جميعًا على ضرورة مواجهة هذه الجماعات، خاصة الإخوان، لتفنيد أفكارهم من أجل الكشف عن معتقداتهم الحقيقية, وكيفية تصويرهم للمجتمع والدين وتصنيفها منظمة إرهابية.
يكفي الانسان المسلم في الاسبوع خطبة الجمعة, خطبة قصيرة لا تتجاوز نصف ساعة مع المواظبة على الصلاة ما عدا المختصين فقط, اما بقية الوقت فهو للعمل والانتاج كل حسب ما يسر لاجله من علوم او اعمال.
الملفت للنظر ان فشل العالم الاسلامي, ظهر بشكل واضح حينما اعتبروا ان كل مفردات الحياة, لا يمكن الدخول بها الا من خلال الدين, حتى اصبح الدين كلام يتردد بلا مضمون ولا التزام, انما فقط للمنظرة ونقل كلام قيل عن قال, وكثرت الروايات الباطلة وتحول قسم كبير من مفاهيم الدين الى اساطير, بفعل تنطع الجهلة والغير مؤهلين للتكلم باسم الدين, فالقدوة غالباً إما غبي او مستفيد من هذه الصنعة الرابحة في مجتمع جاهل عاطفي، فتعطل الابداع والانتاج والتحضر, بل تعطلت كل مناحي الحياة تجمداً , وهجرنا كل انواع العلوم الاخرى. كل هذا ظهر على السطح عندما تعرضت الشعوب العربية, لموجات التغيير الاخيرة بشكل واضح, وهذا يدعونا الى التأمل واعادة تقييم الذات ، وعلينا ان ندرك ان التغيير الحقيقي, لا يبدأ من المجتمع او من الدولة, انما يبدأ من الفرد ذاته, عندما يكسر جدر الجهل, ويستغل لياقته الذهنية.
ولن يطول الزمن ليكتشف كم كان ظالما لنفسه وللاخرين وكم هو بعيد عن الحقيقة ، وكم جادلت من شبابنا وبعد جهد متواضع, سرعان من يكتشف هذا الشاب, ان كل تقيماته ومحاكماته العقلية, كانت بعيدة عن الواقع ، والمفاجأة الاكثر ايلاماً, ان هذا الشاب بعد ان يتلمس ويدرك الحقيقة, سرعان ما ينتكس ويفشل في تغيير ذاته، هذه الحالة كم هي مؤلمة علينا, ان نتأمل بها ونجد اسبابها لازالتها بما امكن من السرعة, فالزمن ان لم تقطعه قطَّعك ارباً ارباً. فالواجب على المسلم الذي عاهد ربه على عقيدة ناصعة لا يشوبها خلل, أن يخدم الإسلام بالتسامح والتعايش السلمي، لا يغرقه في بحر الشبهات، فكل الظروف المحيطة بالمسلمين خلقت صورة سلبية عند الغرب، ما جعلهم يرون أن هذه الجماعات الإخوانية, تقول للمسلمين إن أوروبا ضد الإسلام، وهذا يخالف الواقع، ويعمق الهوة بين العقل العربي والعقل الغربي, باستخدام مصطلحات غريبة, لأن الجميع لديهم القدرة على ممارسة حرياتهم في اتباع تعاليم أديانهم، فضلاً عن حقوقهم الأخرى في أوروبا, دون أي صعوبة أو ضغوط تلغي أي قانون من قوانينها.
اريد ان اقول لمن يناهض التحركات المنظمة ضد الاسلامويات, ان هناك فرق بين تنظيمات جائعة فوضوية بأحلام تعبوية, ودولة وكتل وطنية تدرك مسئوليتها امام العبث المراهق للاسلامويات.
ومهما كانت النتائج سنقف مع الدولة الوطنية في المنطقة العربية, لان خياراتها هي الاسلم والأجدى والأنفع للشعوب وللإسلام وللأمن والسلم العالميين.
#كرم_خليل (هاشتاغ)
Karam_Khalil#