|
الإتصال و التواصل الفنّي عبر الصورةعلاقة التشكيل الفنّي بالسينما
سناء ساسي
الحوار المتمدن-العدد: 5725 - 2017 / 12 / 12 - 15:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كرّس الإبداع الفنّي مجالا للصورة بمختلف تمثلاتها التي تعكس حياة الإنسان و قضاياه بكل جزئياتها لهذا عمل الفنان على خلق صورة تقدم نفسها بكونها إستحضارا لواقع معين أو خيالا تعيشه الذات : الصورة الفنية هي مادة إتصال و تواصل فهي تقيم العلاقة بين المرسل و المتلقي و تبني جسور التواصل بينهما إذن الصورة هي التجربة الجمالية و المخيال الإجتماعي حسب قول الباحث الفرنسي جون دافنيون ، الصورة هي تجربة جمالية لأنّ في تشكيلها تستدعي كل الفنون لتكوينها و مخيال إجتماعي لأنّها تخاطب الفناّن و المتلقي في آن واحد و الصورة لا تخاطب حاسّة البصر فقط لدى المتلقي بل تخاطب وتحرّك جميع حواسه و أحاسيسه و عواطفه كلها في آن واحد لهذا هي كعمل فنّي تمكّن بناء فضاء للتواصل الفنان مع جمهوره. فالصورة هي التي تستقطب الفنّان التشكيلي ، السينمائي ، الموسيقي ، الأديب و المصمّم و لهذا يسعى كل واحد منهم على إبراز أهمية الصورة كلّ من منظوره الخاصّ وهي أداة تأثر وتأثير ما يجعل التفاعل بين الفنون وتداخلها ضرورة قصدية لابّد منها:هذا التفاعل بين الفنون في تشكيل الصورة الفنية يضفي على المشهد الثقافي ثراء خاصة على المستوى المعرفي ، على المستوى الجمالي وعلى المستوى الرمزي ويولّد فيما بينها قيما إبداعية تضفي على بعضها البعض ثراء ذات قيم فنية. تبقى الصورة هي منطلق تحاوري تفاعلي ومبدأ تشاركي بين جميع الفنون على مستوى التقديم و التمثيل لتعطي صورة بمخيال جماعي وإبداع متنوع هذا ما نريده تحديدا الإتصال و التواصل الفنّي عبر الصورة التي تشكّلها و تلوّنها يد الفنان المبدع دون غيرها من الصور و إختيارنا هذا مبني على قيمة الصورة وأهميتها كنتاج بشري فريد و على الإيمان بقدرة الفنّان في إنتاج صورة فنيّة تحاورية تشاركية بين مختلف الأنماط التعبيرية الفنية التي تمنحها قيم قيمية، جمالية ورمزية هذه القيم الإبداعية تشكل علاقة تأثر وتأثير لتصبح الصورة الفنية عمل بحث دائم من منطلق التحاور و التفاعل والمشاركة الجماعية لتشكيل صورة فنية ذات فكر جماعي على إعتبار أن الفن واحد لكن أوجه التعبير عنه متعدّدة لأن غاية الفنّ هي خلق معادل معنوي يلامس الفكر ومعادل جمالي يلامس العين وهذا التفاعل بين مختلف الفنون يساعد على خلق صورة فنية تعادل بين المعنى و الدلالة هذا بالضبط ما عبّر كاندنسكي بقوله: فإن الغاية الأسمى للصورة الفنّية هي خلق معادل معنوي ومادّي ينشط فيه الفكر و الوجدان وتتحقق به تلك الرغبة في تجاوز الهنا و الآن نحو عالم المتعة الجمالية و اللذة الروحية" . فالصورة الفنية هي دعوة دائمة للتحاور و التفاعل بين جميع الأشكال التعبيرية سواء كان تشكيل ، سينما ،مسرح،أدب و غيرها من الفنون و لكن ما سعيت إلى إستثماره من خلال هذه االمداخلة علاقة التشكيل الفني بالسينما التي تهتم بتأثير الصورة التشكيلية على الصورة السينمائية وتأثير الصورة السينمائية على الصورة التشكيلية بما يمكن أن نسمّيه الإتصال الفنّي عبر الصورة. فالصورة بمختلف ألوانها و أشكالها و تركيبتها ، سكونها و حركتها و تعبيراتها المختلفة تبقى دائما مفتوحة لعديد الفنون تتحاور و تتشارك و تتفاعل لبناء صورة فنية بقيمة جمالية و فكرية تحمل لعديد القراءات ذات دلالات تسمح للمختص أو المتلقي بقراءاتها كل على حدّ تعبيره و هذا ما يخلق علاقة تواصل و إتصال بين الفنان و المتلقي . الصورة الفنية خاصة الصورة السينماية هي صورة تشاركية بمخيال جماعي تستدعي كل الأطراف الفنية بمختلف أنماطها للمشاركة في إنتاجها و تشكيلها بصفة قصدية و ليست بصفة إعتباطية لهذا تعتبر الصورة السينمائية هي صورة هجينة تستدعي كل الفنون لتشكيلها و تكوينها. الصورة السينمائية لها علاقة كبيرة بالفن التشكيلي إذ يعتمد الفيلم في تكوين صوره على عناصر التكوين التشكيلي من ألوان و خطوط وسكون و حركة ، ملء و فراغ ،ظلّ و نور كلّها تباينات تشكيلية أساسية لإحداث جمالية فيلمية و توازن بصري للصورة السينمائية بحيث لا تكتمل الصورة السينمائية دون هذه العناصر التشكيلية سواء تعلق الأمر في بناء ديكورات أو تحديد إطار الصورة و ما تحتويه من أساسيات التشكيل لتأثيثها. فالتشكيل ساعد السينمائيين على تعميق التفكير في مكوّنات الصورة و أبعادها دون الإستعانة بالحوار للتواصل مع المتلقي ودفعهم إلى التفكير فيها سواء كعلامات تواصلية من جهة أو كإمكانية لإشراك المشاهد في النظر الى العمل السينمائي بتنشيط قدراته الذهنية والاستقبالية ليصير شريكا في عملية إنتاج و فهم مفتوح للعمل ومساعدته له على إثراء مخيلته البصرية بما يملكه من تراكم للصور والأيقونات بذاكرته ويحرّره من البقاء أسير الرؤية الوحيدة للمعنى التي تنتجها بصفة عامة السينما وتساعده على قراءة العمل الفيلمي هذا ما أكده المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني من خلال قوله :أستطيع بواسطة اللون أن أطلع المتفرّج على ما يجيش في صدر الممثل بغير حوار أو كلمات . .ويبدو تأثير التشكيل في السينما حاضرة بقوة في تأثيث الصورة السينمائية من حيث جعل الصورة الفيلمية صورة ذات بعد جمالي حتى و إن كانت تحمل معنى يعبّر عن بشاعة الحياة و قساوتها ما يجعل من المشاهد يقبل عليها هذا ما عبّر عنه الناقد الفرنسي جاك أومون في كتابه " الصورة :بان اللقطة العامة مصنوعة في التشكيل و موجهة بصفة أساسية لتكون مشاهدة في السينما إن العلاقة بين التشكيل و السينما علاقة تكامل و تظهر بشكل كبير و عميق بإعتماد السينما على مفردات تعبيرية تشكيلية تساعد على صناعة الفرجة السينمائية : فالتشكيل و السينما عنصران يكملان بعضهما البعض يتكاملان و يشتركان في خصائص مشتركة بحيث الفنّ السينمائي لا يمكنه أن يستغني عن الفنّ التشكلي فمثلا لا وجود لصورة دون لون و لا وجود لشكل دون إطار ما يؤكد العلاقة بين الفنين علاقة قصدية فكل منهما يغني الآخر بخصائصه لتكون صورة ثرّية ذات بعد فكري و جمالي ، هذا التفاعل ساعد على خلق صورة ذات قيم متنوعة في الصناعة السينمائية ما جعل العديد من السينمائيين إستعانوا بخبرة التشكيليين من أجل إنجاز عمل سينمائي وفق تصوّرات ومفاهيم إبداعية و جمالية ما عبّر عنه المخرج الإيطالي مايكل أنجلو بقوله: أستطيع بواسطة اللون أن أطلع المتفرج على ما يجيش في صدر الممثل بغير حوار أو كلمات. أو قول الباحث دومينيك آلان السينما فن تشكيلي و تاريخ السينما حافل بأسماء الفنانين التشكليين الذين برزوا في الأعمال السينمائية و في هذا السياق نذكر على سبيل المثال إستعان المخرج الاسباني لويس بونويل بالتشكيلي سلفادور دالي في فيلمه كلب اندلسي 1928 و عصر الذهب 1930 الذي شارك في إخراجه أيضا الرّسام ماكس إرنست والشاعر جاك بريفيرو إستعان أيضا المخرج الشهير ريتشارد هتشكوك بالفنان سلفادور دالي في تصميم مشاهد الأحلام و الهلوسات في فيلم المأخوذ كما أسند إليه المخرج ريتشارد فليشر تخيّل العالم الداخلي لجسم الإنسان في فيلم رحلة العجائب و هناك تجارب عربية تفاعل الفن التشكيلي في السينما مثل تجربة المخرج المصري شادي عبد السلام الذي هو في الأصل تشكيلي مارس السينما و أبدع فجعل في فيلمه المومياء كل مشهد سينمائي في الفيلم هو مشهد تشكيلي ما عبّر عنه المخرج الفرنسي كودار بقوله :كل مشهد في الفيلم السينمائي يجب أن يقدم كمشهد تشكيلي وغيرهم من الأمثلة الكثيرة التي لا تحصى و لا تعدّ.و قد شهدت الصورة الفنية سواء كانت سينمائية أو تشكيلية ذروة إبداعها و شهادة ميلادها الحقيقي عندما بدأ الفنانين يفتحون النوافذ على بعضهم البعض داخل أعمالهم ما جعل من الصورة تحمل من الفكر و الجمالية و الدلالة ما أثرى قيمتها.هذا التداخل بين المجال السينمائي و التشكيلي ذهب بالجميع نحو آفاق تشكيلية لا متناهية لتكون الأبعاد التشكيلية أساس اللغة البصرية للأعمال الفنية بحيث تعرّضهما كعناصر تقابل وتركيب وتباين وهي تعبير الوعي السينمائي بالأدوات التشكيلية والتقنيات السينمائية لتخرج لنا إبداعيتها ومن هنا تتحقق الإضافة التي فرضها الأثر التشكيلي على المجال السينمائي نرى ذلك جليا خاصة في المدرسة التعبيرية الألمانية التي تعدّ أولى المدارس السينمائية و التي إرتكزت على المكوّنات التشكيلية فبدت صورة سينمائية ذات أسس تشكيلية و من الأمثلة الكثيرة للتي ساهمت في بناء لغة بصرية جديدة ويبرز البعد التشكيلي كحيز مهم داخل إطار الصورة السينمائية و أيضا البعد السينمائي له حضور مهّم داخل الصورة التشكيلية خاصة في الآونة الاخيرة مع تطور الصورة الرقمية و التقنيات الحديثة فالفن التشكيلي هو الفنّ الذي يعبّر عن الشكل في سكونه سابقا و لكن بفضل التقنيات السينمائية أصبح يعبّر عن حركته حاضرا كما أن السينمائي يستطيع التعبير من خلال المتحرّك الساكن ولكن هذا التداخل و التشارك والتفاعل بين المجالين إستطاع الفنان السينمائي التشكيلي أو التشكيلي السينمائي أن يعبّر عن التحوّل والتجدّد بإستمرار فأصبحت الصورة التشكيلية بفضل التقنيات السينمائية بصورة متحرّكة ما أعطى ما يسمّى بدراما تشكيلية متحرّكة كما رأينا في عمل الفنّان التشكيلي التونسي والأستاذ الدكتور سامي بن عامر ذاكرة متجدّدة. هذا التداخل بين الفنين ساهم في بناء صورة فنية ذات لغة بصرية جديدة في خلق علاقة إتصال وتواصل فني عبر الصورة هكذا أعطي التشكيلي للأشكال و الأحجام نمطا تعبيريا خاصة في وجود مؤثرات بصرية لتصبح ذات أهمية بالغة في تكوين الصورة السينمائية حيث تساهم في بناء جسور التواصل و الإتصال المباشر بالمتلقي أو الجمهور و بما تحدثه الأبعاد التشكلية من معاني جمالية و قيم رمزية وفنّية لتكوين صورتها. و أضفى السينمائي على الصورة التشكيلية بفضل التقنيات السينمائية الحركة بحيث لم تعد اللوحة هي الإطار الإبداعي الوحيد للفنان التشكيلي فأصبح الإطار الذي يبدع فيه السينمائي هو نفسه الإطار الذي يبدع فيه التشكيلي أيضا : هذه الحركية المشتركة بين التشكيلي و السينمائي تتمثل في تلك الأبعاد التشكيلية بداية من اللون و الضوء التي تحدث في كلا الفنين العمق البصري الذي جعل من الصورة سواء كانت سينمائية أو تشكيلية ذات قراءات وأبعادا متعدّدة .هذا التداخل بين المجالين تمثل خاصة في العلاقة المعرفية و الجمالية التي تتجلى في التعبيرية البصرية التي تتمظهر في الوقوف على العلاقة الابستمولوجية بين ماهو سينمائي و بين ماهو تشكيلي ، هذا التبادل بين المجالين أعطى ثراء للصورة الفنية على المستوى الثقافي و بعد رمزي على المستوى الفكري و بعد جمالي على المستوى الفني.هذا التداخل جعل من الشاشة عنصر مشترك بين السينمائي و التشكيلي هذا التداخل بلغ حد الإنصهار ما يعني لا وجود لإطار دون تناسب و لا وجود لشكل دون لون و لا وجود لجزء دون كلّ . هذا التداخل بين المجالين أعطى نمطا تعبيريا خاص بوجود مؤثرات بصرية أضافت رؤية معرفية وجمالية و رمزية لكلاهما ، فكلاهما كتابة باللون و تعبير بالصورة بمعنى أن هذا التداخل بين الفنون هو ضرورة قصدية و حتمية لابّد منها لأن الثقافة ليس فنّا واحد بل هي مجموعة من الفنون وهي عملية بحث دائم ليتحوّل العمل الفني من عمل فردي ذو رؤية موحدة إلى عمل جماعي يلامس كل الفئات وجميع الشرائح ليعالج جوهر الإنسان و مادّيته كوجود و كقضية و لم يقتصر إنفتاح الفنون على التشكيليون بالمجال السينمائي أو السينمائيون بالمجال التشكيلي بل نراهم في جميع المجالات و نذكر على سبيل المثال الشاعر الفرنسي جون كوكتو كان رسّاما أيضا و من الأمثلة كثيرة لا تحصى و لا تعدّ ما يعني ضرورة إنفتاح الفنون على بعضها البعض ضرورة قصدية لابد منها : هذا التداخل ما يساهم في إثراء الصورة الفنية لتصبح صورة ذات بعد فني متنوع دعت جميع الأنماط الفنية للمشاركة في بنائها ما جعلها ثرية على المستوى الجمالي، الرمزي وعلى المستوى الفكري لتصبح صورة ذات مخيال جماعي تحمل أكثر من معنى و أكثر من قراءة .
#سناء_ساسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب
...
-
وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات
...
-
احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر
...
-
طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا
...
-
الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
-
بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
-
Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى
...
-
بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول
...
-
إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
-
روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|