أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!















المزيد.....

إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1473 - 2006 / 2 / 26 - 12:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أيام الهيمنة السورية في لبنان كانت العلاقات السورية اللبنانية غير جيدة، أما بعد زمن الهيمنة فهي سيئة. وهي، في تلك الأيام واليوم، علاقات سطحية. سطحية لأنها تقتصر على شريحة رقيقة وفوقية من السوريين واللبنانيين، وسطحية لأن مدارها لم يتخط المصالح الضيقة والمكاسب السياسية والمادية للشريحتين، دون أن تمس قلب أي منهما أو قناعاته العميقة. علاقة لا ود فيها ولا احترام ولا أخوة، رغم فائض البلاغة المعاكس.
كانت العلاقة وثيقة حيث لم تكن حرة: على المستويين الأمني والعسكري، والمستوى السياسي الرسمي؛ وهشة حيث ينكفئ الإملاء والقسر: بين المجتمعين، وبين الاقتصادين، وبين مجالي الثقافة في البلدين.
ينبغي أن يكون هذا غريبا ومستهجنا. فالمشترك الكبير جدا، الثقافي والاجتماعي والجغرافي، بين البلدين لم يجد تعبيرا منظما عنه، بينما وجد تعبير منظم ورسمي عما لا يشتركان فيه: السطح السياسي و"نخبتي" السلطة. انفصال المشترك التاريخي عن المشترك الرسمي استدعى القسر لبقاء الأخير منتصبا. فهو لا يستطيع أن يقف لحظة واحدة دون علاقة الهيمنة، العلاقة بين مهيمن ومهيمن عليه.
قد يخفف من استهجان مستحق لهذا الواقع ربطه بتكوين نظام الحكم السوري ونوعية ركائز سلطته ونظام إعادة إنتاجه. فتعامل السلطات السورية مع السوريين لا يفضل في شيء تعاملها مع "أشقائهم" اللبنانيين، وعلاقتها بالطبقة السياسية اللبنانية كانت من جنس علاقتها بـ"الجبهة الوطنية التقدمية" أو من جنس علاقتها بالمعارضة في سوريا. وكان المثقفون السوريون يحظون بما هو أسوأ من التجاهل الذي حظي به المثقفون في لبنان (نتحدث عما قبل اغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني..). أما المجتمع اللبناني فقد أتيح لبعض طوائفه أن تنغلق دون الهيمنة السورية بطريقة لم يتيسر مثلها للمجتمع السوري. وبقيت المؤسسات التعليمية اللبنانية الخاصة مواطن لمعرفة مستقلة بدرجة لا تحلم بمثلها المدارس والجامعات السورية في المستقبل المنظور. وفي أسوأ لحظاته، حافظ الإعلام اللبناني على درجة من الاستقلالية وتعدد الأصوات لم يحظ بمثلهما الإعلام السوري منذ 43 عاما. ولم ينل المعتقلون اللبنانيون في السجون السورية معاملة أسوأ من "أشقائهم" السوريين. ضرب بعضهم بـ"الشحاطة" على وجهه؟ عادي، بل مبتذل! لقد "أكلنا" شحاطات حتى شبعنا! "اختفى" بعضهم ولا يعرف مصيرهم؟ عادي و"أكثر من الهم على القلب"! "من ساواك بنفسه ما ظلمك"!
*******
اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان مناسبة لكشف هشاشة وضحالة وسطحية العلاقة بين بلدين يندر أن يشترك بلدان آخران في العالم بما يشتركان فيه. لقد سقطت العلاقة السورية اللبنانية بعد 14 آذار سقوطا حرا على رأسها. المشترك المهمل بقي مهملا وزاد. وغير المشترك، المصطنع والقسري، انهار إثر شغور ما يحرس انتصابه.
على أن الذكرى الأولى لاغتيال الرئيس الحريري مناسبة أيضا للكف عن هجاء السلطات الذي يسمم أرواحنا، وتسديد البصر إلى المجتمعات والثقافة والمثقفين. لقد هيمن خلال العام المنقضي تثبت مفرط على الشأن السياسي، بل السلطوي، في البلدين، ما تكفل، بحد ذاته، في نشر الوهم بأن العلاقة السورية اللبنانية ممتازة لولا بضع عشرات من السياسيين الفاشلين والأمنيين المخربين هنا وهناك. لكن الواقع أن العلاقة بين سوريا ولبنان لا تسر: بين الشعبين ضحلة وغير ودية، بين الدولتين سيئة، بين الفاعلين الثقافيين هنا وهناك سطحية ومحدودة. وفي جملتها مفككة، مفرطة التسييس، ضعيفة المأسسة، ما يضعها تحت رحمة تقلب الأحداث وارتجالات رجال أنانيين وفاقدين للحكمة.
الأخطر أن سوء العلاقة ينتقل إلى مجال الثقافة، المجال الذي يتكفل بإضفاء القيمة والانسجام على الأحداث والوقائع والعلاقات. وليس المقصود بالثقافة، في هذا المقام، المشترك الموروث بين السوريين واللبنانيين، بل المشترك الحي، الذي يصنعه التعارف والتواصل والتفاعل بين الأحياء، ويجد ترجمته في الارتياح وتقارب القلوب والعقول، وتعبيره في الصداقة وتقارب الأذواق والأشواق بين مواطني البلدين. أي كل ما يحيي المشترك المكنوز ويحوله من تماثل إلى شراكة، ومن ادخار إلى رأسمال، ومن مصلحة محتملة إلى قيمة، ومن حدث إلى رغبة. هذا شيء لا يورث ولا تصنعه السلطات.
لكن ما نشهد بوادر له اليوم (وأتحدث عن سوريا) هو "تأصيل" الكراهية للبنان أو لأكثرية اللبنانيين، تحويلها إلى قيمة ورغبة وأنماط ثابتة (اللبنانيون، بالطبع، مدعوون إلى تقصي أشكال "التأصيل" القابلة ونقدها والاحتجاج عليها). لا تزال هذه العملية ركيكة وضحلة، ولا يصعب قلبها. لكن هذا لن يتحقق من تلقاء ذاته، إنه يقتضي جهودا منسقة بين ناشطين ومثقفين ومواطنين سوريين ولبنانيين، لعزل التأثير السياسي على العلاقة بين البلدين، إن لم نقل لمقاومته. العلاقة السورية اللبنانية أهم من أن تترك لسياسيين لم يثبتوا جدارة في ميدانهم.
********
وعلى هذه المستوى، المدني والثقافي، وخلافا ربما للانطباع الذي يحب أن يعطيه المثقفون لأنفسهم ولنظرائهم في كل من البلدين، ثمة السطحية ذاتها والتدهور ذاته. ولدي مقياس بسيط لسوية هذه العلاقة هو الزيارات المتبادلة بين مثقفي البلدين. لطالما شعرت شخصيا بالامتعاض من قلة زيارات المثقفين اللبنانيين لسوريا. اقترحت على عدد ممن أعرفهم زيارة سوريا رغبة بلقائهم، وكذلك كي يتعرفوا على البلد الذي كان مهيمنا على بلدهم، وبالخصوص على أنه لا يقبل الاختزال إلى نظامه. الاستجابة كانت محدودة قبل 14 شباط 2005، ومعدومة تقريبا بعده. معظم المثقفين اللبنانيين الذين أعرفهم مشاركون في شبكات للعلاقات والأنشطة الأكاديمية أو الإعلامية أو المجتمع ـ مدنية العالمية، ويقضون وقتا في أوربا أو الأميركيتين أو دول الخليج.. لكن ليس في دمشق، التي تبعد عن بيروت أقل من ساعتين بالسيارة. لا يزورون سوريا، ومن زاروها، وهم قلة، لا يتعدون دمشق. من هو المثقف اللبناني الذي يعرف حلب أو الجزيرة أو حماة أو حوران أو اللاذقية؟
لست في معرض اللوم إلا جزئيا. فبالامتناع عن زيارة دمشق في الربع الأخير من القرن العشرين ربما كان المثقفون اللبنانيون يضنون بثقتهم على نظام شقي وعنيف وضد ثقافي. ولا يغيب عن البال أن بعض من زاروا سوريا في تلك الفترة من إعلاميين ومثقفين كانوا يزورون السلطة: معظمهم يأتون عبر الطريق العسكري، ويزورن القصر الجمهوري ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ويتعشون مع وزراء وجنرالات، في مطاعم يملكها جنرالات ووزراء.
بالمناسبة، علاقة "الإيديولوجية" محدودة بندرة زيارات المثقفين اللبنانيين لسوريا. المثقفون "العروبيون" اللبنانيون ليسوا أكثر زيارة لدمشق من كارهي النظام السوري (ولا أقول كارهي سوريا، اللذين بالطبع لا يزورونها كيفما كانت). إن العدد القليل من المثقفين اللبنانيين الذين يزورون دمشق يلبون دعوات إلى المشاركة في أنشطة ثقافية، ويعودون إلى بيروت بعد انتهائها.
لم يكن المثقفون اللبنانيون يزورون سوريا لأن البلد المهيمن على بلدهم أدنى تحديثا وتفتحا ثقافيا أولا، ولأنهم يظنون أنهم يعرفون سوريا أو مكتفون بما يعرفونه عنها ثانيا، وثالثا لأنهم كانوا يخافون من نظام حكمها، وهو ما يصح بالخصوص بعد 14 آذار 2005 (لكنه لا يخلو من تهويل أحيانا).
إن ندرة الزيارات تعني شح التفاعلات، وتاليا ضآلة المعرفة ونقص التعاطف والتفاهم الضروريين بين المعنيين. البريد الإلكتروني لا يكفي.
لكن ماذا عن المثقفين السوريين؟ لا ريب أنهم أعرف بلبنان من معرفة نظرائهم اللبنانيين لسوريا. لبنان أجذب للسوريين عموما من سوريا للبنانيين. فطوال أكثر من 15 عاما كنا فيه "سادة"، ولم يكن يشعر زائر لبنان السوري إبانها بالغربة. على أن الأهم فيما يخص المثقفين هو أن بيروت كانت عاصمة الثقافة في الإقليم السوري اللبناني. دور النشر الحرة والمهمة في بيروت، والصحف المستقلة في بيروت. في دمشق تصحير ثقافي وإعلامي مطبق كأن البلاد ضربت بقنبلة نووية "ذكية"، تقتل الثقافة والإعلام (وكل ما يعيش على الحرية).
يزور المثقفون السوريون لبنان لأنه قريب وتسهل زيارته وفيه ما يزار، ولأن بعضهم يعتمدون في معيشتهم على صحافة بيروت ومجلاتها، كما يعتمد عمال سوريون على فرص عمل لبنانية كي يعيشوا. بالجملة كثافة الحركة على طريق دمشق بيروت مصنوعة من الاضطرار وليس من الفضيلة. وهذا النوع من العلاقة لا يدر تعارفا ومودة. الزيارات بين مثقفي البلدين لا تصنع، وحدها، علاقات طيبة، لكن ندرتها تصنع علاقات ضحلة وسيئة.
يتوهم لبنانيون أن العلاقة بين سوريا ولبنان ستتحسن فورا إذا سقط النظام السوري، ما يضمر أن مصدر تدهور العلاقة بين البلدين هو النظام السوري وحده. ويتوهم النظام السوري نفسه أن نظام ما بعد الانسحاب السوري عابر وغير شرعي ولا يمثل غير أقلية، وأن العلاقة بين البلدين ستنصلح بعد انطواء هذا العهد. ترى، من أين سيهبط التحسن على علاقة بلا تفاعلات ولا متفاعلين؟
بعد سنة من اغتيال الرئيس الحريري آن الأوان لفك الحصار السياسي عن العلاقة السورية اللبنانية. إن حصر العلاقة في المجال السياسي أو رهنها به يعني تركها تحت رحمة سياسيين مشكوك بكفاءاتهم، يعني عمليا تركها لأسوأ ما فيها. بالمقابل يمكن لتحريرها من الشأن السياسي أن يسهم في إطلاق عملية إصلاحها من الآن.
ثمة جهود تبذل لملاقاة هذا الشرط والرد عليه. وثمة أفكار طرحت قبل أكثر من عامين، ثم بُعيد جريمة اغتيال الشهيد سمير قصير، لكنها متفرقة وتفتقر إلى الحرارة. يتعين أن نصب جهودنا نحو إقامة إطار منظم للتفاعل الثقافي بين اللبنانيين والسوريين، مؤتمر للمثقفين المستقلين، أو رابطة لشغيلة الثقافة في سوريا ولبنان.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!
- حوار حول السياسة والثقافة في سوريا
- تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي
- ضد التكريس
- فلسطين وإسرائيل: اختيار شراكة مفروضة!
- صورتان لمفهوم الأمن الوطني السوري: مقاربة نقدية
- سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟
- تخطيط لمراحل العلاقة العربية الغربية بعد الحرب العالمية الثا ...
- الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟
- غياث حبّاب
- عام سوري قصير ومليء!
- ريجيم، نظام، سلطة: تعليق لغوي سياسي
- عودة الولايات المتحدة عن «الثورية الطفولية» إلى سياسة أكثر و ...
- في أزمة الدكتاتوريات ومستقبل العمل الديمقراطي
- مغزى سياسة -شارع ضد شارع-
- الوطنية السورية: طرح المشكلة
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!