أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - تكفير التكفير















المزيد.....


تكفير التكفير


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5717 - 2017 / 12 / 3 - 02:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مع تواتر العمليات الإرهابية في مصر، ناقش البعضُ( هؤلاء المثرثرون ليلاً ضمن برامج التوك شو) تكفير الدواعش وجماعات العنف الديني. باعتبارهم خارجين عن الإسلام (الوسط) وأنَّهم عاثوا في الأرض فساداً وصدوا عن سبيل الله!! ونظرا لكونهم- أي الإرهابيين- كالفئران لا يحلون إلاَّ بالظلام الدامس، فالأفضل الإتيان لهم بقطٍ أسود ضخم الهيئة اسمُه " التكفير". وهو الوحيد القادر على اصطيادهم الواحد تلو الآخر. ولكن للفكرة برمتها آثاراً وجذوراً في النشاط الدماغي والثقافي لمعتنقي الديانات. فضلاً عن كونِّها تكشف طبيعة التكفير ليس بالنسبة للإرهاب بل لمن يحارب الإرهاب. وهو ما يخلط الأوراق ويحيل المجتمع إلى حلبات تكفيرية لا تنتهي.

لقد عجزت المؤسسات( الدينية؟!!) أمام الإرهاب إلاَّ باستخدام سلاح التكفير. أي بطريقة أبي نواس عندما قال عن الخمر: وداوني بالتي كانت هي الداءُ. وإذا كانت تلك الفكرة خيالاً شاعرياً فإنَّها بصدد ثقافة الموت قد أمست خيالاً دموياً. جاءت صورته كالتالي: إرهابيون يكفرون المجتمع ويحاربون مؤسساته في مقابل " إفتاء ديني رسمي" يلجأ إلى التكفير نزعاً لفتيل التكفير الأول. هل سنرى في قادم الأيام تفجير الدين الرسمي من الداخل؟! هل سنرى أصحابه يتعاركون على من سرق نصوص القتل لصالحه أولا وكيف تستعمل قي الوقت المناسب؟!

وليس بعيداً أن يُعمم التكفير على مستويات المجتمع وبين رموزه وفقهائه وداخل أزقته وحوارييه وأريافه ومقاهيه. ثمة تكفير أول يواجهه تكفيرٌ ثانٍ دون هوادة. بحيث تتنادى الأصوات بإعمال تلك الآلية الدينية – لا العقل ولا الانفتاح ولا التطور- لنزع الشرعية عن سفاحي الدواعش وغيرهم. ووسط الفقر الفكري والسياسي ستحل لعنة القضية الأم فوق رؤوس الناس: سبب المشكلة هو الحل. ولئن كانت داعش تسفك الدماء فإننا نتخلص منها بذات الأسلوب!! وعلى طريقة المنطق لن نعرف حينئذ أين المقدمة وأين النتيجة.

وهذا يعيد خارطة العرب إلى عصر الجاهلية التي يذكرنا بها عمرو بن أم كلثوم التغلبي في معلقته:
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا... فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا
.....
أَنَّا المُطْعِمُـونَ إِذَا قَدَرْنَـا... وَأَنَّا المُهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينَـا
وَأَنَّـا المَانِعُـونَ لِمَا أَرَدْنَـا... وَأَنَّا النَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينَـا
وَأَنَّا التَارِكُونَ إِذَا سَخِطْنَـا... وَأَنَّا الآخِذُونَ إِذَا رَضِينَـا
.......
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً... وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ... تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا

بنفس الإطار استمر العقل العربي ملتفاً حول نفسه كالثعبان وسط الوحل لا يستطيع السير ولا الاختباء ولا مطاردة فرائسه. حركة التفكير في المجال العام حركة هازئة من وجود العقل أصلاً. ابن أم كلثوم يلخص المسألة في تناطح الجهل بالجهل على اعتباره حماسة ومنافحة وفخراً لا يدانيه فخر. ورغم قاموس الجاهلية إلاَّ أنه رأى الجهالة فضيلة تستحق الرد بمثلها في وجه الأعداء(تكفير التكفير). والكلمات مغروسة حتى النخاع بشحم الثقافة العربية ولحمها، بحيث ترهلت وازدادت التصاقاً بأفكارنا الدينية وغمرتنا في لزوجتها حتى الغرق.

ولعل الشاعر يزايد رغم أنف التاريخ والإنسانية متحدثا بضمير الأنا كنوع من الجمع الأعمى أمام من يقارعه. لأنَّ التوحش يغلب على أية قيم مهما تكن، فهناك القيام بالإهلاك والمنع والغلبة التي تجهز على الآخرين. وفي ذات القاموس الجاهلي( الذي يبدي عنايته بالتكفير) من المهم أن يكون الماء كرمز للحياة صفواً للقبيلة. بينما الحياة تمنع بجذورها عن أي معتدٍ، يكفيه أن يشرب كدراً وطيناً. لا مكان له إلاَّ في التراب كدلالة على الموت والهزيمة النكراء. وأكثر من هذا، فالموضوع كما تقول العربية كسر خشوم( أنوف)، فالرضيع إذا بلغ فطامه في هذه البيئة سيكون سيد الأقوام ولو كانوا جبارين كابراً عن كابر.

لكن بجانب ذلك: هل الدين تنتسب إليه المؤسسات ابتداءً؟ هذا الاصطلاح الحداثي على الأصالة وما معنى أن تكفر هيئة كالأزهر جماعة دينية ما؟ وهل يقبل المجال العام للدولة الراهنة فعلاً دينياً كهذا وسط حرية الآراء والديمقراطية وحقوق الإنسان؟!

أولاً: لا يتم اللجوء إلى التكفير إلاَّ إذا كان هو الأصل في المسألة كمحصلة لتداول الخطابات الدينية واتخاذها كالسهام الأخيرة لإشعال الفتن واستباحة الدماء. وهذا يطرح ظلالاً من الشك حول استعمال الدين، سواء أكان من قبل جماعات العنف أم من الجهات الرسمية في المجتمعات العربية.

ثانياً: ربما يعني استعمال التكفير في المجال العام أنَّ القائمين به (ولو كان في مواجهة تكفير وقتل) لا يقلون عن الدواعش. بل هم أنفسهم لو أعُطوا الفرصة لكانوا دواعش محتملين. أوهم دواعش بالمقلوب يرتدون ملابس مختلفةً ليس أكثر.

ثالثاً: المؤسسات والدين لا يلتقيان في أية نقطة ممكنة مثلما لا يلتقي الإرهابُ مع إمكانية إعطائه مساحة من الحياة. المؤسسات لا تحتكر عملاً بينما رجال الدين يحولون الدين إلى سلعة اجتماعية سياسية.

رابعاً: إذا كانت الدولة تحارب الإرهاب فكيف ستبرر التكفير كعمل إرهابي مدجن في المجتمع. أي فجأة سيكون نشاطاً ذا مشروعية أمام الخارجين عن القانون. وما هو أسسه في عرف الدولة المعاصرة؟ وكيف سيكون ملتئماً مع حرية الاعتقاد إذا عاودنا استعماله تحت الطلب؟!
خامساً: النكتة أن التكفير ينطلق هذه المرة من المركز إلى الهامش. فبدلاً من ممارسته بواسطة جماعات إرهابية خارجة عن إرادة الدولة بالمعنى القانوني، فإن سياسات الدولة الفقهية – إنْ صح الاصطلاح- تلتحف بالفقهاء لممارسة مهامها خارج القانون. أي أنَّ الدولة تحطم سلطتها بنفسها. وتعلن أنَّها غير قادرة على إدارة تاريخها ولا شؤونها الداخلية.

سادساً: ما الذي سيضيفه التكفير في دائرة الدولة. فهؤلاء الإرهابيون ينال منهم القانون وهم تحت آلته العسكرية كما في الحالة المصرية والتونسية والمغربية، فلماذا نستعمل سلاحاً سواه؟! فلئن كان المقصود من ذلك تعرية الإرهاب دينياً فلا يتم الأمر بهذه الصورة المشوهة لكيان الدولة. وإذا كان المراد تضييق الخناق عليه فالعمليات الأمنية واتساع التنمية والتنوير أشياء كفيله بمحاصرته.

سابعاً: التكفير يؤسس لمعركة الصراع على أساس ديني إزاء الإرهاب. وهو نفسه الصراع القابل للطرح أمام أية شخصيات وهيئات أخرى. فالتكفير هو الوسيلة (مع وضد) الدولة. وإذا كان مع الدولة هاهنا، فإنه خطر على كل قُوى تحاول التغيير والتفكير. لأنه سيكون مصوباً تجاهها في يوم من الأيام.

ثامناً: سيشكل التكفير دائرة مغلقة تهرس المجتمع وتؤسس لذهنية إهدار الدم وابتياع الإله على ناصية الفضائيات والخطابات الدينية والسياسية على السواء. وسيعطي الإرهابيين مزيداً من الشراسة في الدفاع عن مواقفهم ومعاركهم. لكنهم سيجدون أنَّ الأساس الذي أعلنوه مرارا هو ما يحكم أطر اللعبة.

تاسعاً: سيكون التكفير- كما يظن البعض- حلاً سريعاً لكنه لن يحل مشكلات الفقر والتخلف والاستبداد والقهر. بل سيعقد المشهد فهو عمل منافٍ للعقلانية والنقد. ويهدم المجتمعات لما يترتب عليه من إعادة تنظيم العلاقات والاقتتال لصالح النصوص والمذاهب. ويومياً بناء على ذات الأسباب ستنتشر الجماعات الدينية وستنقسم على نفسها إمعاناً في التكفير واستعمالاته السياسية.

أخيراً .. هل يحقق ( تكفير التكفير) دعاءً كم دعاه أصحاب التيار الإسلامي ردحاً طويلاً: اللهم أهلك ( الكافرين بالكافرين ) وأخرجنا منها سالمين. ربما يولد مجتمع ما من رحم المعركة عارفاً أهمية الحياة وتنوعها. لكن السلامة ستكون ضرباً من المخاض العسير.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقيقةُ ليست أَنْتَ
- قتل الروح
- اللجوء إلى الإنسانية
- مِن الإِبل إلى الأُوبل
- الحمل الكاذب: المرأة والسيارة !!
- كِتابُ الشعرِ... جنون اللغة (ج2)
- كِتابُ الشعرِ... جنون اللغة (ج1)
- بُومة الخراب ( 3 )
- توحُش الخراب (2)
- فينومينولوجيا الخَرَاب (1)
- صُور الحقيقة: حدود حرية التعبير
- التعايش الثقافي: من يمسك بجلباب الشرع ؟!
- في الخلاص السياسي
- قبل جَلْد الضحيةِ: أيْنَ كنتُّم...؟!
- بانتومايم الإرهاب: داعش بوجه امرأة
- ذهنية الإفتاء والإرهاب
- أكشاك الفتوى في عصر الفضائيات
- الإرهاب الساخر
- سياسة الموت والاستبداد
- الدين في زمن الكوليرا


المزيد.....




- استقبل الان تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات والعرب ...
- 85 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- السعودية وإيران تبحثان تعزيز التعاون في القضايا ذات العلاقة ...
- “احجـز مكانك قبل الغلـق”رابط تسجيل الاعتكاف في المسجد الحرام ...
- 85 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الجيش الإسرائيلي يمهد لإدخال 250 يهوديا لزيارة ضريح حاخام دا ...
- خطوات التسجيل في الاعتكاف بالمسجد الحرام شهر رمضان 1446
- علماء ينتجون -فئرانًا صوفية- في خطوة لإعادة حيوان الماموث إل ...
- متحف السيرة النبوية بالسنغال.. تجربة تفاعلية تكشف تفاصيل حيا ...
- رابط تسجيل الاعتكاف في المسجد الحرام 1446 والضوابط المفروضة ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - تكفير التكفير