|
الوثنيّة الإسلاميّة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1472 - 2006 / 2 / 25 - 07:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شخصيّة السيّد المسيح الإنسانية ، كان لها وفق العقيدة النصرانية ، الشائعة ، ملمحاً إلهياً ؛ بإعتباره " الإبن " . هذه القرابة الموصلة الأرضَ بالسموات العلى ، وجدتْ تعبيراً لها في فنون النهضة الأوروبية ، بتجسيدها تلك الملامح الإلهية لرسول المحبّة . بيد أنّ ذلك التقليد ، الفنيّ والروحيّ ، يعود إلى مرحلة أقدمَ بطبيعة الحال ؛ خاصة ً ما نعلمه عن تنديد القرآن الكريم بإيقونات وتماثيل أهل الكتاب ، التي يحملُ معظمها رمزالمسيح ، بإعتبارها كنوع من الوثنية : أي أن تقديس تلك الصور والمنحوتات ، كانت في العرف الإسلاميّ مطابقة للجاهلية ، البائدة ، التي خرج خيرُ الأنام متمرداً على آلهتها ومبشراً بسقوط أصنامها . هذا العرف المحظر منذئذٍ أيّ تجسيد فنيّ للرسول محمد ، أو حتى لعامة البشر ، بوهم أنه إعادة لتلك العادة الوثنية ، الموسوم بها أتباعُ عقيدة التوحيد المسيحية بإتخاذهم صلباناً وصوراً : " تعبدونها من دون الله " ؛ كما خاطب القرآن أهلَ الكتاب ، هؤلاء .
فتح العرب أقطار الأرض ، مشرقاً ومغرباً ، وتعرفوا على الحضارة وإنغمسوا فيها ؛ حتى أضحى خلفاء رسول الله ، من بني أمية وعباس وفاطمة ، يبذون القياصرة والأكاسرة في البذخ والترف وكل المحرمات التي نهى عنها كتابهم الإلهيّ . وبما أنّ الناس على دين ملوكها ، فقد إنتشر في عامة المسلمين البدع والأوهام وكل ما كان يصم به دينهم الأديانَ السابقة ؛ أو على الأقل ما حسبه " تحريفاً " من لدن القائمين عليها . من الجدير بالتنويه هنا ، خروج شيعة آل البيت ، تحديداً ، على محظور التجسيد الفني للشخصيات المقدسة ، ومنذ أبكر أزمانهم المنافحة للطغيان المتمثل بخلافتيْ الأمويين والعباسيين. ليس المجال هنا بحث تأثيرات العقائد الشرقية القديمة ، وخصوصاً الزردشتية ، في مذهب الإمامة هذا ؛ إلاّ أنّ تلك ، على كل حال ، كانت متماهية فيه . فضلاً عن حقيقة أنّ الصورة الدينية ، بما هي رمز بالدرجة الأولى ، كانت خير معين روحيّ لأولئك الشيعة المبتلين بالإضطهاد عبر العصور . لقد ذكر صحفيّ سويديّ ، في مقال له بمناسبة " الثورة الكاريكاتورية " ، أنه يمتلك رسماً شخصياً ( بورتريه ) للنبيّ محمد ، كان إشتراه في مدينة " قم " الإيرانية ، في سوق تعرض محلاته لوحات فنية من وضع رسامين محليين ، وتلقى الرواج بين الناس . كذلك الأمر في المقامات الدينية لآل البيت الأطهار ، التي بالغ مشيدوها في تذهيبها وترخيمها وترصيعها ، بما يتواءم ونفسية الشيعي ، المظلوم ، وما يجده فيها من سكينة وطمأنينة وسلام .
ما من ريب أنّ أولئك المخططين والمنفذين لجريمة تفجير مقاميْ الإماميْن ، الهادي والعسكري ، كانوا على دراية تامة بما ستؤول إليه الأحوال العامة ، في العراق خاصة ، نتيجة لعملهم الأثيم . إن تداعيات هذا التفجير ، المتناهية في العنف والتي ما فتئت في مستهلها الدامي ، تحيلنا إلى حقيقة تلك الأحوال ، المتوترة أصلاً ، بين القطبين المذهبييْن ، الرئيسيْن ، المتشكلة منهما لحمة المجتمع العراقي . هذا التوتر المتسبب به أعمال التكفيريين والبعثيين ، المنفردة بالشيعة المدنيين جزراً وتدميراً ، وبمباركة صامتة من هيئة العلماء السنية وأحزاب أهل السنة ، في العراق ، وأنظمة وجماهير المحيط ولخليج ، عموماً. فكأنما شيعة بلاد الرافدين لم يستافوا قدح الآلام حتى الثمالة ، طوال " وليمتهم التاريخية " ، الحافلة ؛ بدءاً بعهد يزيد الأول ، الأموي ، وإنتهاءً بيزيد الأخير ، التكريتي ؛ كأنما عليهم دفع ثمن الحرية موتاً يومياً ، مجانياً ؛ هم الذين كانوا ، مع إخوانهم الكرد ، أكثر المعانين من مظالم عالم الإسلام ، قديمه ووسيطه وحديثه .
أحجار المقاميْن ، المتناثرة حول القبة الذهبية البديعة ، المندثرة ، حرّكت غضب الشارع الشيعي في العراق وغيره من الدول الإسلامية ؛ وكانت ردة الفعل ، البائسة ، هي تدمير المزيد من المقامات والقباب وسفح دم الأبرياء ، على الهوية المذهبية . أخبار تدميرالمقامات والمساجد ، هي التي تتصدّر الآن ، وعلى مدار الساعة ، وسائل التحريض الإعلامية ، العربية ، وليسَ أخباردماء المسلمين المهدورة ؛ العزيزة على خالقها أكثر بما لا يقاس من كلّ تلك الأحجار وبما فيها أقدسها ؛ الحجر الأسود . في هذا الزمن الإسلامي ، الوثني ، يتداعى دعاة الجهاد وأقطاب الطوائف ؛ من نجادي إيران ، طير الإنفلونزا الإسلامية ، إلى فراخه الصغيرة كمقتدى العراق ونصر الله لبنان ! يتداعى الرعاع إلى الشوارع المذهبية ، الأضيق من تفكيرهم ، بصيحات منفلتة : " لبيك يا حسين " ؛ الصيحات التي كانت تهدر قبل أيام قليلة : " لبيك يا رسول الله " ، تلبية لدعاة الجهاد ، أنفسهم ، ضد أوروبا وأمريكا والصهيونية ، بسبب أزمة الرسوم الكاريكاتورية : هنا أيضاً ، في أزمة المقاميْن المدمريْن ، ينحي أقطاب التطرف في إيران والعراق ولبنان ، باللائمة على الغرب والصهيونية ؛ كما في مثال تجمع الضاحية الجنوبية ، البيروتية ، التي إنبرى فيها زعيم " حزب الله " كعادته ، خطيباً نارياً ، مدغدغاً مشاعر جماهيره المغسولة الدماغ برمتها ، والمرددة ببلاهة شعارات بليدة عفى عليها الزمن بكل مكان في العالم ، عدا أمتنا العربية المجيدة !
ملايين العراقيين ، ضحايا الطاغية التكريتي ، وعلى الأخص من أهل الشيعة ، لم تهز يوماً خيطاً في عمامة حسن نصر الله ؛ السوداء كدخيلته . هو الذي كان في صف ذلك الطاغية قبل وبعد حرب تحرير العراق ، بموقفه المخزي المتجلي بإقتراحه دمج القبيلتيْن البعثيتين ، المناضلتين في سورية والعراق ، عشية تلك الحرب . ها هو اليوم يتباكى على حجارة مرقديْ الإماميْن ، توسيعاً لدائرة الفتنة لا وأداً لها . وإلا فما باله يداور في أمر هذه الجريمة الجديدة ، زاعماً أنّ : " أمريكا والصهاينة المتواجدين في شمال العراق ، هم المسؤولين عنها " ؛ كما جاء حرفياً في خطابه الأهوج . لقد تكلم شيخ النفاق هذا ، بإستحياء شديد ، عن مسؤولية التكفيريين دون أن يسمي ، بطبيعة الحال ، جماعة الزرقاوي وأصدقائه البعثيين الصداميين ؛ هؤلاء الذين بعلم القاصي والداني ، ما فتئوا يروعون المناطق الشيعية وغيرها من محافظات العراق بمركبات الموت اليوميّ ، المنطلقة من محطات الإستخبارات السورية والإيرانية ؛ ولهدف واحد لا ثان له : إشعال نار الحرب الأهلية ؛ الحرب نفسها ، التي يتوعّد زعيم حزب الله ، في كل مناسبة ، مواطنيه اللبنانيين ويتهددهم بها تنفيذا لأجندة ذات الأنظمة الغاشمة في دمشق وطهران . هذا الطائفي العنصري ، المدعي حرصه على الإخاء الشيعي السني ، متجاهلاً أن كرد العراق ينتمون إلى كلا الطائفتيْن ، وأن إقليمهم كردستان ( الذي لا يطيق تسميته ! ) هو الوحيد الآمن لأهل المذاهب والأعراق جميعاً . إنّ حسن نصر الله بكلامه العنصري هذا ، إنما يهين بالدرجة الأولى إحدى مكونات الشعب اللبناني نفسه ؛ وهم الكرد الذين يعيش قسم كبير منهم في المناطق الشيعية البيروتية ؛ هؤلاء الذين حرموا لعشرات الأعوام من الجنسية اللبنانية وعانوا الكثير من المشاق المترتبة على ذلك ، علاوة على تضحياتهم في سبيل وطنهم وكذلك لنصرة المقاومة الفلسطينية . إن الكرد جميعاً ، وهم أحفاد صلاح الدين محرر القدس ، ليسوا بمفتقدين لشهادة الوطنية ، ولا يحتاجونها من عميل رخص ، رهن مصير طائفته ، المجهول ، بمصير معروف لأنظمة مستبدة ، في سورية وإيران ، زائلة لا محالة .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموساد ، من كردستان إلى لبنان
-
التعددية ، في وصفة بعثية
-
عيدُ الحبّ البيروتي
-
عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
-
المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
-
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
-
القصبات الكردية (2 / 2)
-
الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
-
رؤيا رامبو
-
الميلاد والموت
-
القصبات الكردية
-
المهاجر الكردية الأولى
-
كي لا ينام الدم
-
سنوات النهضة الكردية: مدرسة الشام
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|