|
-الماركسية و الفلسفة-
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5713 - 2017 / 11 / 29 - 01:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بمناسبة مرور يوم الفلسفة العالمي نظم المنبر التقدمي ندوة "الماركسية و الفلسفة" ، تحدثت فيها مع الرفيق هشام عقيل .
البث المرئي للندوة :
https://youtu.be/1KxTB7q2IUE
===================================
(( الفلسفة في المجتمع ))
المجتمع البحريني مع الفلسفة ينطبق عليه المثل "ما له في الغنم تيس" ، هذا صحيح إن كنا نعني بالفلسفة (تاريخ الفلسفة) أو (الفلسفة أكاديميا) ، لكن فعليا المجتمع منخرط في الفلسفة و إن بدا في إنخراطه منغلقا و سلبيا .
ما نسميه إيديولوجيا هو يضرب بجذوره في الفلسفة ، الدين نفسه فلسفة و إن بدت منغلقة بعض الشيء ، يجب أن نميّز بين الفلسفة و فلسفة من الفلسفة ، فمثلا أخوتنا السلفيين ربما لا يوجد أشرس منهم في الهجوم على الفلسفة لكنهم فيما يعتقدونه بكله (العقيدة و الفقه) هو فلسفة شاؤوا ذلك أم أبوا .
في البحرين شهدنا في السنوات الأخيرة تكاثرا شبيه بتكاثر الأرانب لمدربي التنمية البشرية ، كما و شهدنا إجتياحا غير طبيعي للتصوف و العرفان في مجالي الأدب و الفن ، و هاكم مقتطف من رسالة موسم ثقافي لإحدى المراكز الآن قائم : "حياتنا تتكوّن من سلسلة أحداث متتالية فمشاعرنا و مواقفنا المختلفة لا تتشكل من خلال نوع و طبيعة الأحداث في ذاتها لكن من خلال النظارة التي نرى من خلالها هذه الأحداث" إذا فجملة المشاعر من فرح و حزن و أمل "كلها تكوينات نفسية ذاتية ترتبط بمجمل تعريفنا لوجودنا أي من خلال تفسيرنا للأحداث المتأتي من طريقة تفكيرنا و خبراتنا الإجتماعية المتراكمة ، و أن قوتنا في الحياة تكمن في قوة أفكارنا و معتقداتنا عن أنفسنا و عن ظروفنا" و أن "ضعفنا يكمن في ضعف أفكارنا و معتقداتنا عن أنفسنا و عن ظروفنا" .
أبعد ذلك كله هل يصح أن نقول أن المجتمع البحريني مع الفلسفة "ما له في الغنم تيس" ؟! ــ حتى عبارة "لا تتفلسف" المُتداولة لمن يتحرى سيرى أن القصد منها "لا تسفطس" .
***
(( استصغار و استحقار لإشاعة الجهل ))
في الصحافة المحلية البحرينية هناك نزوع عام للإنحطاط باللغة و الفكر المتداول ، غاية هذا الإنحطاط الوصول لأكبر قدر ممكن من القراء ، و هذا النزوع يقوم على إفتراض أنه كلما أردت تكوين قاعدة جماهيرية أوسع للصحيفة كان عليك الأخذ بعين الإعتبار أن التوسيع هو نزول بالمستوى اللغوي و الفكري ، لأن المتواجدين في القاعدة أو القاع هم الحثالة و الشبه أميين .. و هم أكثرية المجتمع .
استصغار القاعدة و استحقار مكتسباتها الثقافية أو ما يمكنها إكتسابه ثقافيا ليس بواقع و إنما غاية في حد ذاتها ألا و هي المحافظة على المواقع (لتبقوا حيث أنتم) أو بعبارة أخرى توهمنا بتصوّر عام عن المواقع (أنتم في القاع دائما و أبدا) ، هذه النزعة المحافظة أو المضللة في الصحافة تغذي الجهل في المجتمع ، فاللغة و الفكر المنحط يُبقي النظر سطحيا في أحسن الأحوال ، و الجهل هو الآخر لا يكون في هيئة العجوز المسالمة دائما بل و يكون في هيئة الشاب المتحمس للحرب .
الحديث ليس عن صحفيين الأفراد بل الصحيفة ككل ، الصحيفة كالبنية الملزمة و القاهرة الفرد الحاوية إياه ، فكل صحيفة في البحرين لها خط معين و إملاءات معينة تلزم و تقهر العاملين بها و ليس بالضرورة تكون مكتوبة و معلن عنها .
و كي لا نحمل الصحيفة الوزر كله ، فالرقابة في البلاد [و لا تصدقوا من يقول أنه لا رقابة على الصحافة في البحرين و لكن تبقى أرحم بالمقارنة مع غيرها] تلعب دور بنية حاوية بنية الصحيفة نفسها ، إذ تتدخل في تحديد خط الصحيفة و إملاءاتها ، و أيا كانت تملصات الصحيفة من الرقابة ناجحة إلا أن هناك حدود معينة لا يمكن عندها أن تستمر الصحيفة في البلاد ، و صحيفة الوسط مثال ليس ببعيد عنا .
فعلى الصعيد الثقافي فالرقابة مثلا لا مانع لديها إن تحدثنا عن ظاهرة كراهية الأجانب في أمريكا أو الدول الأوروبية ، لكنها تمنع أي حديث عن نفس الظاهرة في البحرين ــ بالمختصر فإن القضايا و المسائل الثقافية المنفصلة أو التي تبدو منفصلة عن حياة أغلبية سكان البحرين هو المسموح بل و المرغوب به ، و غير ذلك مقموع و مرفوض ، ثم و بكل وقاحة تقال أمثال في إنفصال نخبة الثقافة عن المجتمع و أبراجها عاجية ! .
إذا الثقافة (و الفلسفة منها) كلما كانت ضئيلة التأثير لدرجة العدم في المجتمع كان مسموح بها ، و ضآلتها في هيئتها المنفصلة و المستقلة ، و ليس بالضرورة أن تكون هذه الهيئة من الفكرة نفسها فقد تكون في اللغة المعبرة عن هذه الفكرة .
***
(( معاداة الفلسفة ))
لكن هذا لا يعني أن الفلسفة لها جمهور و مقبولة إذ تقابل بالكراهية و المعاداة ، لكن لماذا كراهية الفلسفة و معاداتها ؟! .
"فلسفتي هي فلسفة من الفلسفة ، لكن ليست كل الفلسفة هي فلسفتي ، فمن مصلحتي أن تكون فلسفتي منغلقة ضد الفلسفة الحاوية لتعدديات" .
مهما أرتفعت رقبة الفلسفة (أي فلسفة) نحو السماء تبقى أرجلها على هذه الأرض ، مهما بدت مستحقرة هذه الحياة بوصفها "دُنيا" و "مؤقتة" و "زائلة" و "مزيفة" و "ملعونة" تبقى جزء لا يتجزأ من هذه المستحقرة ، إذا مهما بدت مفارقة لهذا الوجود الإجتماعي بصراعاته هي فعليا منخرطة فيه عبر أفرادها .
الحفاظ على هوية الجماعة هو حفاظ على تماسك الجماعة .. و أيضا الإحتفاظ بمركز ذا سلطة و نفوذ في المجتمع مهما كان ضئيلا ، الدعوة إلى الفلسفة ليست مجرد دعوة للإنفتاح على الآخر بل دعوة للفردية بالتالي الإنشقاق و التفتت (أي ضد الجماعة و ضد السلطات المستفيدة من الطائفية) .
***
(( ماركسيون ضد الفلسفة ))
المركزية الحزبية تتطلب مركزية فكرية ، من شذ عنها وصف بالتحريفي أو المرتد (لاحظوا أنه في الجانب الفكري هناك تماهي عقائدي واضح) ، لذا فتجاوز المركزية الفكرية ليس مجرد أمر مطروح للنقاش بل هو فعلا قائم اليوم اللهم إلا في كوريا الشمالية و هو نموذج من العار الإحتفاء به .
لكن الحفاظ على الجماعة الماركسية ليس وحده سبب ليكون فيه الماركسي ضد الفلسفة ، بعض تعبيرات ماركس نفسه حملت مضامين ملتبسة ظاهرها معادي للفلسفة ، بل تركة ماركس نفسه فيما بذله في الفلسفة لا شيء قياس لما بذله في الإقتصاد السياسي ما يترك إنطباعا أنه معادي للفلسفة ، إضافة إلى "المادية الديالكتيكية" هذه التي يرددها الماركسي كمن يقوم أحدهم بإلقاء قنبلة و يهرب فيوهم الآخرين أنها فعلا قنبلة .. لتظهر في آخر المطاف أنها مزيفة و الأمر كله ليس إلا مقلب ثقيل .
ما لا تفهمه لا يعني بالضرورة أنه شعوذة أو غير صحيح أو "تلاعب برجوازي" ، الرياضيات لا تصفها بذلك و إن كنت فعلا لا تفهما و تستصعبها جدا ، مع أن كثير من الماركسيين رغم ترديده "الديالكتيك" يعترف أنه لم يفهمه تماما و يعترف أنه صعب جدا لكنه صحيح و سليم و قوي ! .
أظن أن الوقت متأخر جدا لكي نعلن أنه آن الآوان لتبيان حقيقة هذه "المادية الديالكتيكة" و أن لا نهرب كلما ألقاها أحدهم أمامنا لإفزاعنا ، لكن الوقت أبدا لا يكون متأخر على الإهتمام بالفلسفة و الدعوة إليها و الإحتفاء بها بوصفها حاوية التعدديات .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (7/ تشظي الماركسية)
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (6/ إنهيار الرأسمالية)
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (5/ دكتاتورية البروليتاريا)
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (4/ أسماك ماركس)
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (3/ روجر بابسون : أنها البرجوا
...
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (2/ لعنة الديالكتيك)
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (1/ كيف نقرأ الثورة ؟)
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (7/أزمة الماركسية = تحقيق
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (6/الإشتراكية المحققة)
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (5/لينين الأرثوذكسي الوحي
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (4/أورشليم الماركسية)
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (3/فلسفة التاريخ الماركسي
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (2/الماركسية ليست ثورة عل
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (1/تمهيد)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (8/تناقض قاتل)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (7/الفوضوية و الماركسي
...
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (6/وهم الإجتماع المتجا
...
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (5/إضمحلال الدولة)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (4/إزدراء الداروينية)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (3/الإرث الهيجلي)
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|