أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - رابح لونيسي - مشروع صهيوني في ثوب أيديولوجية العروبة في منطقتنا















المزيد.....

مشروع صهيوني في ثوب أيديولوجية العروبة في منطقتنا


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 5706 - 2017 / 11 / 22 - 18:54
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


مشروع صهيوني
في ثوب أيديولوجية العروبة في منطقتنا

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



يبدو أن الجزائر ومنطقتنا المغاربية تتعرض لحرب إلكترونية تستهدف ضرب وحدتها على أساس صنع أوهام عرقية، ويوظف فيها أيديولوجية العروبة، كما وظفت الوهابية لإشعال حروب طائفية لضرب وحدة دول مشرقية، ويقف وراءها عدة أطراف، ومنها قوى كبرى كفرنسا وبريطانيا التي يتركز فيها الكثير من بقايا الإرهاب الجزائريين الذين أعطيت لهم جنسية بريطانية مقابل تنفيذ مهام خسيسة ضد الجزائر، كما نجد أيضا أمريكا المتواطئة مع الكيان الصهيوني، الذي وضع مخطط أودينون في 1982 يستهدف تقسيم منطقتنا كلها على أسس طائفية وأوهام عرقية، وقد برزت ملامح ومظاهر تنفيذ هذا المخطط الصهيوني بجلاء في السنوات الأخيرة، لكن ما لم يبد للبعض أن الكيان الصهيوني لا يستهدف فقط تفتيت دولنا وإضعافها، بل يسعى لتحقيق مشروعه الكبير، وهو مد نفوذه وسيطرته على منطقتنا كلها، ويبدو أنه وسع شعاره "إسرائيل من النيل إلى الفرات" المكتوب على الكنيست إلى الأرض المغاربية اليوم، ومنها الجزائر، لأنه عندما وضع هذا الشعار منذ عقود لم يرغب في الإصطدام مع فرنسا التي كانت تعتبر الجزائر ممتلكات لها، وكانت تستعمر بلدانا مغاربية كالمغرب وتونس، وسنشرح الآن هذا المخطط الصهيوني الذي ينفذ بواسطة الفضاء الأزرق بشكل فاضح موظفا أيديولوجية العروبة وبعض بقايا الإرهاب الذين ألتقت مصالحهم مع مصالح الصهيونية في زرع الفوضى في منطقتنا المغاربية، ومنها الجزائر بهدف إعادة إنتشار الجماعات الإرهابية، وسنشرح كل هذا فيما بعد، لكن يجب علينا توضيح بعض المفاهيم، كي لايساء فهمنا، فنحن لسنا ضد العربية كثقافة ولغة، وهي جزء من مكونات هويتنا في الجزائر، إضافة إلى كل من الإسلام والأمازيغية، لكن يجب التوضيح أن العربية تختلف كل الإختلاف عن العروبة.
فعادة ما يقع الخلط في المفاهيم والمصطلحات، فصنعنا إلتباسات خطيرة لدى الإنسان الجزائري عمدا، ولأهداف سياسوية بحتة، ومنها هناك فرق كبير بين العربية والعروبة، فالعربية هي لغة وثقافة نعتز بها وجزء أساسي من هويتنا إلى جانب الإسلام والأمازيغية، أما العروبة فهي الأيديولوجية القومية التي تتخذ طابع إقصائي وإستعلائي تجاه الثقافات الأخرى، وتسعى لطمس أي تنوع، ونفس الأمر ينطبق حول الإسلام والإسلاموية، فالأول معتقد ودين، ويعد القاعدة الأساسية لهويتنا، لكن الإسلاموية هي أيديولوجية توظف الإسلام للوصول إلى السلطة، وأنا عادة ما أنطلق من فكرة مفادها أن هوية الأمة الجزائرية تتشكل من خمس عناصر أساسية على شكل مثلث ذهبي قاعدته الإسلام وضلعين هما العربية والأمازيغية مزجها كل من تاريخنا ومصيرنا المشترك كمركبين أي catalyseurs، وأي مساس بأي ضلع من هذه الأضلاع الثلاث معناه تفكك الأمة، كما يتفكك ذلك المثلث الذهبي، وعادة الذين يهددون هذا المثلث هم الذين لا يعترفون بواحد منها، فمثلا الأمازيغية جزائرية والإنسان الناطق بالأمازيغية في الجزائر هو جزائري، فإذن من ضدها فهو أوتوماتيكيا ضد الأمة الجزائرية ومهددا لتماسكها ووحدتها، لأنه يتنكر لمقوم أساسي فيها، وينطبق نفس الأمر على كل بعد من هذه الأبعاد الخمسة التي ذكرناها آنفا، أما الذين يسعون لتحويل أي بعد من هذه الأبعاد إلى أيديولوجية معناه يهدد وحدة الأمة، ولهذا يمنع منعا باتا توظيفها في العمل السياسي بصفتها رأسمال رمزي هو ملك الأمة كلها، ويجب أن تبقى في الإطار العلمي والثقافي، لكن ليس بالتمييز فيما بينها، كما يفعل القوميون وبعض الإسلامويين اليوم في الجزائر ضد البعد الأمازيغي، لأن ذلك من شأنه الشعور بالإقصاء وإدخال هذا البعد في العمل السياسي، أي نقله من مجاله الطبيعي وهو العلمي والثقافي إلى المجال السياسي والأيديولوجي، ولايجور تحميل المسؤولية في هذه الحالة للذين أخرجوه من مجاله الثقافي إلى السياسي، بل على الذين همشوه، لأن فعلهم ينم عن رد فعل لفعل، وينطبق نفس الأمر عند إقصاء أو تهميش أي بعد من أبعاد هويتنا، وبناء على ذلك كله يجب على كل جزائري مهما كان موقعه في السلطة أو المعارضة في المدرسة أو الجامعة أو المسجد أن يدافع عن هذه الأبعاد كلها.
لكن حسب تتبعي لخطاب كل هذه التوجهات سواء كانت العروبية أو ما يسميها عثمان سعدي "البربريست"، فإن هؤلاء الأخيرين لم يطالبوا إلا بإضافة البعد الأمازيغي إلى الإسلام والعربية، ولم يدع أحدهم يوما بإقصاء أحدها، فلنعد إلى أدبياتهم، وللأسف لم يتحقق هذا المطلب دستوريا إلى بعد عقود من النضال، وهذا ما لا يقوم به بعض دعاة القومية العربية الذين يعملون على إقصاء البعد الأمازيغي وتهميشه، بل القضاء عليه بشتى الأساليب، مما يولد ردود فعل طبيعية لدى الكثير من المواطنين، مما يؤدي إلى المساس بوحدة الأمة وإدخالنا في حروب ثقافية نحن في غنى عنها، وعادة مايخطط لها في مخابر أعدائنا، ونحن ننساق وراءها دون وعي منا، ويبدو أن هذه الحروب خطط لها منذ أمد بعيد، واليوم وصلت إلى درجة خطيرة بعد ما وضع هننجتون نظريته حول صدام الحضارات ثم شرع برنارد لويس بالتخطيط لها بإشعال حروب طائفية وعرقية وهمية في منطقتنا، فلا ننسى أن هذا الأخير صهيوني متطرف وأحد أبرز المنظرين لها، فمن غير المستبعد أن يكون وراء مشروع أودينون الذي وضعه الكيان الصهيوني في 1982 لتفتيت منطقتنا كلها على أسس طائفية وأوهام عرقية، وقد كتبت عن هذا المشروع منذ سنوات، ويمكن العودة في ذلك إلى مقالتنا "التفكك في العالم العربي:هل هي إستراتيجية إسرائيلية أم نتاج الأنظمة العربية؟" (الحوار المتمدن 4598 بتاريخ9/10/2014).

هذا الأمر يدفعني إلى توضيح مسألة تاريخية هامة جدا يتستر عليها بعض دعاة القومية العربية، لكنهم يستخدمون إلتباسات مؤثرة في الكثير من مواطنينا، وهذه المسألة تتعلق بظهور القوميات، ومنها القومية العربية، فهذه القومية برزت بعد مخطط جهنمي وضعته القوى الأوروبية الكبرى لتفتيت الدولة العثمانية في البداية، فبعد ما وضعوا أكثر من مئة مخطط لتفجير الدولة العثمانية تمكنت من إبتكار القنبلة الإنشطارية، والتي بقيت تعمل إلى حد اليوم، ففتت أوطاننا ودولنا، فهذه القنبلة هي فكرة القومية بكل تعصباتها، فبدأت بنشر الفكرة الطورانية لدى الأتراك وكذلك فكرة العروبة كأيديولوجية قومية لدى عرب المشرق، خاصة على يد الإرساليات التبشيرية الأمريكية والأوروبية، لكن لم تنتشر الفكرة بقوة، ولم يعط لها البنزين الحارق إلا بعد وصول القوميون الأتراك إلى السلطة في اسطنبول بعد ما يسمى بالثورة الدستورية عام 1908 ضد السلطان عبدالحميد الثاني وشروعهم في سياسات التتريك والعنصرية الطورانية ضد العرب وثقافتهم، فهو ما أدى إلى ردود فعل طبيعية لعرب المشرق دفاعا عن ثقافتهم التي يهددها الأتراك، وهو حق مشروع لهم، وأدت سياسة التتريك إلى إستعانة بعض العرب بدعم غربي لحماية أنفسهم وثقافتهم، ومنها فرنسا أين وقع الإجتماع العربي عام 1913 بتمويل فرنسي، ثم دخل الأنجليز على الخط لإستغلال مأساة هؤلاء العرب، فوظفت هؤلاء القوميون العرب ضد الدولة العثمانية بإشعال ما يسمى ب"الثورة العربية الكبرى" عام 1916، فوقع المشرق العربي بعدها تحت الإنتداب البريطاني والفرنسي.
وبعد هذا السرد التاريخي أطرح سؤالا على أعداء البعد الأمازيغي في الجزائر بإسم العروبة، وأقول لهم هل من العدل إتهام هؤلاء العرب في المشرق بالعمالة للغرب وإدخالهم الإستعمار أم نحمل المسؤولية للقومية الطورانية التركية التي همشتهم، وأرادت تتريكهم والقضاء على الثقافة العربية ولغتها؟ فإذا كان القوميون العرب يرفضون ذلك، ويفضلون الطرح الثاني، فلماذا إذا لا يتحملون مسؤولية القيام بنفس ما قام به القوميون الأتراك في العدد من البلاد التي تعرف بتعدد الثقافات والهويات، ومنها الأكراد في العراق وسوريا؟، وكذلك لماذا لا يتحملون مسؤوليتهم في تفكيك السودان بعد ما طمس القوميون العرب في الخرطوم وهم أقلية بدعم مصري ناصري كل ثقافات الجنوب ودارفور وكردفان وغيرها ودفعهم للتعصب ثم الإنفصال بعد تهميشهم ثقافيا وإقتصاديا؟، فيجب على هؤلاء القوميون الإعتراف بأنهم يتحملون جزء كبير من المسؤولية في تفكيك هذه البلدان بتعصبهم وتهميش كل ثقافات هذه البلدان وعدم الإعتراف بها والعمل على طمسها، بل تعريبهم بكل الوسائل، وهو ما يولد ردود فعل طبيعية، فبدل تحميل المسؤولية للغرب وحده، فلنحملها أيضا للقوميين العرب الذي وقعوا في قنبلة إنشطاريه صممها الغرب بإحكام، ولازالت تقوم بمفعولها إلى اليوم، وإذا أردنا الحفاظ على أوطاننا، فيجب القضاء على مفعول هذه القنبلة بإقامة دولة ديمقراطية تعددية يحترم فيها الجميع بصفتهم مواطنون يتساوون في الحقوق والواجبات، وإحترام الخصوصيات الثقافية، بل تحويل مسألة الهوية إلى مسألة فردية بدل أن يأتي أي كان، فيعمم ما يعتقده أنها هويته أو أصله على كل أفراد الأمة، وهذا ما يسمى في الغرب "مبدأ المواطنة"


فبعد هذا التوضيح، فلنعد إلى موضوعنا الرئيسي وهي علاقة أيديولوجية العروبة بالصهيونية، يقول القوميون العرب، ومنهم عثمان سعدي في الجزائر بأن كل الساميون عرب، فمثلا نجد عثمان سعدي في الجزائر يرفض مصطلح "الساميون"، ويقول يجب أن نطلق عليهم تسمية "العرب"، فحسبه كل الساميون عرب، أي أكثر من نصف سكان العالم اليوم عرب-حسب طرحه-، ولهذا يقولون أن الآراميون والفنيقيون وغيرهم عرب، وينسب البعض أنفسهم إلى الفنيقيين، إلا لأن عدد قليل جدا جدا منهم مارس التجارة في سواحلنا مثل الكثير من شعوب المتوسط في إطار التبادل التجاري، فحسب هذا المنطق، فليكن الكيان الصهيوني أيضا دولة عربية، لأنهم من الساميين أيضا، ولهذا لاتستغربوا إن قال هؤلاء بعد عقود أو سنوات، بأنهم "إسرائيليون أو عبرانيون"، مادام بني إسرائيل ساميون أيضا مثل الفنيقيين، خاصة وأن عدد من اليهود، عاشوا في بلادنا منذ زمن طويل، فمن المحتمل جدا أن ينسبوا أنفسهم إلى بني إسرائيل (العرب حسب طرحهم)، لأنهم ساميون مثل الفنيقيين، كما أن اللغة العبرية الأقدم من العربية تضم حوالي 60% من الكلمات العربية، فحتى العربية والعبرية يتشابهان في التسمية، المهم لهؤلاء القوميين أن لاتنسبهم إلى أرضنا التي يعيشون عليها، ويرضعون لبنها، لكن الكثير مما يروجونه قد خرج من مخابر صهيونية، لأنه في الأخير سيعطي شرعية للكيان الصهيوني، بحكم أنهم حتى هم عرب -حسب هذا الطرح-، بل سيطالبون بآراضينا المغاربية، كما طالبت بها فرنسا، بحكم أنها بنت روما، وأن البلاد المغاربية هي أرض رومانية بحكم أصلها الروماني حسب الأيديولوجية الإستعمارية الفرنسية التي كانت تروج لفكرة أن شمال أفريقيا أصلها روماني، ولم تقم فرنسا إلا بإستعادة هذه الأرض بصفتها بنت روما، ويعد لوي برتراند صاحب صحيفة "أفريقيا اللاتينية" من أشهر المروجين لذلك، وكلما سفه وطني جزائري هذه الأكاذيب، يعرضونه للشتم والتشويه، ويتهمونه بالتعصب والعنصرية، وهو نفس ما يتعرض له اليوم كل من يسفه طروحات هؤلاء القوميين في الجزائر الذين في كل مرة، يخرجون لنا طرحا جديدا غير منطقي، فبعد طرح مجيء الأمازيغ من اليمن، أخرجوا لنا مؤخرا فكرة أنهم فنيقيين، إلا لأن الفنيقيين ساميين، ومارسوا التجارة على سواحل البلاد المغاربية، ويتلاعب هؤلاء بالكلمات الناتجة عن مسألة تثاقف وتلاقي اللغات وتأثير بعضها في بعض بفعل العلاقات الثقافية والتجارية خاصة، ليقولوا أنه لاوجود للأمازيغية، فبعد أن تلاعبوا في الماضي بهذا الأمر، ومنهم عثمان سعدي في الجزائر وفهمي خشيم في ليبيا لدرجة قول القذافي أن شكسبير عربي، ومعناه "شيخ الزبير"، لكنهم بعد ما فشلوا في ذلك، عادوا لنا اليوم بنفس الفكرة، لكن بالفنيقية، وليست العربية، ولو تتبعنا منطقهم، فلانستغرب أن يجدوا الأمر أكبر بكثير جدا في اللغة العبرية التي تضم حوالي60% من الكلمات العربية، ومادام أن العبرية أقدم بكثير من العربية، فيحق للصهيونية أن يقولو أن العرب عبرانيين أو العكس، لكن المهم فما يروج منذ شهور، والذي جاء بشكل مفاجيء دون أي مقدمات ماهي إلا مرحلة في إطار مخطط صهيوني، يستهدف تهويد أو بتعبير أدق عبرنة كل منطقتنا بعد تعريبها ثم تفنيقها ثم تهويدها أو عبرنتها، مادام كل هؤلاء ساميون، فتسيطر الصهيونية على منطقتنا كلها بعد تنامي الضعف في بلداننا بفعل صراعات وهمية تثيرها مخابر الصهيونية، ويروج لها التعصب القومي العروبي، مما يؤدي إلى ردود فعل على ذلك، وممكن حروب على أسس طائفية وأوهام عرقية لا تبقي ولا تذر، فيخلو الجو تماما للكيان الصهيوني الذي يتقوى يوما بعد يوم بإستغلال ضعفنا وحروبنا الوهمية بفعل تعصب بعضنا وسذاجة الآخرين من أبناء منطقتنا .
هذا ما يدفعنا إلى طرح مسألة هامة عن العلاقة الوطيدة الموجودة بين البعض من القوميين العرب والصهيونية، ويبدو أنها توطدت يوم أتفق رئيس الحركة الصهيونية وايزمان مع الملك فيصل صديق الأنجليز وأحد زعماء القومية العربية الذين فرضتهم الأنجليز على شعب العراق بهدف إجهاض ثورة العشرين الذي قادها الزعيم الكردي الشيعي عبدالواحد الحاج سكر، ثم كان دوره قمع الأكراد والشيعة والإنتقام منهم وإحتكار العرب السنة الحكم بدعم بريطاني.
إن العلاقة الوطيدة بين الطرفين لاتعود فقط لمهمة مواصلة القوميون العرب تفعيل القنبلة الإنشطارية لتفتيت كل أوطاننا بوعي ودون وعي، بل خرجت من المخابر الصهيونية فكرة خطيرة جدا، وهي ربط الإسلام بالعروبة لدرجة النجاح في تسويقها حتى أصبحت تردد كأنها "لاإله إلا الله"، وهو أمر خطير جدا خطط له بإحكام، فما يجمع بين العروبة التي هي أيديولوجية قومية، وطبعا ليست العربية التي هي ثقافة ولغة نعتز بها، والإسلام الذي هو دين الإنسانية جمعاء، ألم يكن الهدف تحويل هذا الدين إلى دين قومي خاص بالعرب فقط، مثلما حولت الصهيونية الديانة اليهودية دين قومي خاص ببني إسرائيل؟، والهدف في الأخير هو عزل العرب عن عمقهم الإستراتيجي المتمثل في العالم الإسلامي، وأكثر من هذا دفع المسلمين الغير العرب إلى التخلي عن الإسلام، لأنه سيقولون أي دين هذا الذي يحولني إلى عربي، ويقضي على لغتي وهويتي، فهذا الأمر هو الذي سمح بإنتشار المسيحية في جنوب السودان لأنها لم تقض على هويتهم الثقافية، وكاد أن ينجح هذا المخطط عندنا، لكن لحسن حظنا أنكشفت اللعبة التي يديرها البعض من القوميين العرب.
لكن لماذا نستغرب هذا الطرح، أفلم يحول القوميون العرب كل كلمة "مسلم" إلى "عربي"، ألم يحولوا كلمة "الحضارة الإسلامية" إلى "حضارة عربية" بالرغم من أن دور العرب فيها ضئيل جدا مقارنة بدور الشعوب الإسلامية الأخرى بما فيها الأمازيغ، وخاصة الفرس؟، أفلم يسرق هؤلاء القوميون الإنجازات الحضارية والبطولية لشعوب مسلمة ونسبوها إلى العرب، أفلم يقولو مثلا أن صلاح الدين الأيوبي الكردي وكذلك طارق بن زياد وقطز والظاهر بيبرس وغيرهم الكثير جدا أنهم عرب؟، ألم يقولوا بأن كل علماء الحضارة الإسلامية عربا، وهم غير ذلك؟ ألا يعتبر هذا سرقة لإنجازات الآخرين، وإن كان من المفروض أن نكتفي بالقول بأنهم مسلمون وكفى، لكن إذا ألحينا على نسبهم إلى أقوامهم، فإنه من الظلم والبهتان، أن ننزعها من هذه الأمم والشعوب، وننسبها للعرب، ولما نستغرب من طرح عثمان سعدي وقوميين آخرين بالقول أن كل الساميون هم عرب إذا كان بعض القوميين العرب لم يستحوا بترجمة لفظ الجلالة "الله" ب"العرب"، فعندما كتبت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة كتابها "شمس الله تسطع على الغرب" ترجم هؤلاء القوميون العنوان إلى "شمس العرب تسطع على الغرب" فترجمت لفظة الجلالة وهي "الله" سبحانه وتعالي ب" العرب"، ويبدو أنه أسلوب صهيوني، لأن الصهاينة يعتبرون أن لهم إلههم الخاص، وهو "الياهو"، فأراد هؤلاء لعلاقتهم المشبوهة بالصهيونية، أن يحولوا الله جل جلاله إلى إلههم، فلديهم نسميهم "العرب" أو "الله" فهو سيان لدى هؤلاء الذين ما فتأوا يزورون التاريخ والحقائق.
لكن لا نستغرب ذلكن فمادام الصهيونية حولت اليهودية إلى دين قومي لبني إسرائيل، فإن القوميون العرب أرادوا نشر دين جديد هو العروبة، فهناك عندنا في الجزائر وبلادنا المغاربية نجد مجموعة صغيرة تتستر وراء ديننا الإسلامي، لنشر دين جديد بيننا، فينفذون عن وعي أو دون وعي منهم لعبارة كررها ساطع الحصري منظر الأيديولوجية القومية العربية في الكثير من كتبه منذ العشرينيات، وهي "سنستبدل دين قديم -أي الإسلام- بدين جديد هو العروبة"، ولعل البعض لايعلم أن هؤلاء القوميون يعتبرون نبينا محمد(ص) مجرد بطل قومي عربي، وليس نبي ورحمة للعالمين، وقد كتب منظرو البعثية ذلك صراحة في الأربعينيات والخمسينيات، لكن لم يحن الوقت عندنا في الجزائر وبلادنا المغاربية كي يفصحوا صراحة عن ذلك، كما سيأتي الوقت الذي سيتم فيه الإفصاح عن المشروع الصهيوني، عندما سينتقلون من الأصل العربي إلى الأصل الفنيقي ثم إلى الأصل اليهودي أو العبراني لمنطقتنا، وقد سمعت يوما المغني الصهيوني آنريكو ماسياس يتحدث عن هذا الأصل في حصة في قناة فرنسية، فهو في الحقيقة لم يبح إلا عن مخطط صهيوني ينفذونه القوميون العرب عندنا سواء كان ذلك بوعي أو دون وعي منهم، كما سبق أن تحدثت عن بعض خطوطه من قبل.


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة علم، وليس دجل-مقاربات لفهم الأزمة الجزائرية-
- الصراع في السعودية-الجذور والرهانات-
- في ذكرى مئوية ثورة أكتوبر1917-إنقاذ الإستعمار للنظام الرأسما ...
- تصور جديد للمشكلة الإقتصادية
- فلنغير النظام، لكن لصالح من؟
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(6)-حلول أوروبية متعددة-
- مطاردة المناضل البطني لمناضلي المباديء في الجزائر
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(5)-مظاهر لتوظيف الدين في الع ...
- علاج فانوني لعقدة الإنتساب إلى لآخر لدى بعض المغاربيين
- في ذكرى أحداث05أكتوبر1988في الجزائر-انتفاضة أم شغب أطفال؟-
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(4)-محاولات تنظيرية وتطبيقية ...
- ضباط فارون من الجيش الفرنسي وراء عنف1963 في الجزائر
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(3)-علاقة الدين بالسياسة في ت ...
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(2) -هل أستهدف الأنبياء والرس ...
- مقالات حول جدلية الدين والسياسة(1)-جذور السلطة الدينية في تا ...
- تضامنا مع الإنسان في بورما وكل مكان، وليس مع القبيلة
- فكرة- إعادة بناء الإجماع الوطني--زرع الإلتباس والغموض حولها-
- الممارسات الدينية في تاريخ الأمة الجزائرية
- الطرق الصوفية في مواجهة الإرهاب
- في ذكرى مؤتمر الصومام1956- مغالطات وحقائق-


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - رابح لونيسي - مشروع صهيوني في ثوب أيديولوجية العروبة في منطقتنا