المقترحات الإماراتية التي رشحت عن القمة العربية ، هذا اليوم ، يمكن أن تكون مقبولة من لدن العراقيين ، في بعض جوانبها فقط ، لا كلها . فالعراقيون يتمنون أن لا تكون بلادهم مسرحا لحرب من أي نوع . ويتمنون مخلصين ، أن يتنحى صدام عن السلطة اليوم قبل غدا ، ويذهب إلى حيث . لكنهم ليسوا الطرف الذي ينبغي أن ينتظر منه أن يعطي ضمانات لأحد ، أيا كان ، بمنح صدام تسهيلات للعيش الرغيد .
ربما ، يحق للإمارات والجامعة العربية أن تطلبا من الولايات المتحدة أن تعطي مثل هذه الضمانات ، خاصة وإن الحرب لم تحصل – افتراضا – لكن ليخسأ الذي ينوي الطلب من الضحية الكف عن مقاضاة القاتل أمام محكمة الله في الدنيا والآخرة . فمن أين جاء هذا الطرف المفترض بمثل هذا الحق ؟ فالإمارات – مثلا – ليست مستعدة للتنازل عن ثلاث جزر جرداء في مدخل خليج البصرة ، لحساب علاقات متنامية مع الجانب الإيراني ، بحجة الملكية التاريخية ، فكيف تسوغ لنفسها الطلب من ملايين الضحايا أن يبيعوا دماءهم بثمن بخس ، هو مجرد وصاية الأخوة الأعداء ( ممثلين بالجامعة العربية التي ما جمعتنا حسب المرحوم عزيز علي ) على مقدرات بلادنا .
وحول هذه النقطة الأخيرة بالذات ، يمكن القول إن الوصاية لا تكون إلا على القاصرين . والعراقيون هم الذين علموا العالم الحرف والحكمة والعقل ، وهم ليسوا بحاجة إلى وصاية أحد ، خاصة أولئك الذين ثبت بالأدلة الدامغة أنهم أعجز عن أن يكونوا أوصياء على مخادع نومهم ، التي يحرسها الأجنبي !
العراق أمة عريقة مؤلفة من شعوب عديدة متآخية ، طوعا ، ومتشاركة في المصير ، اختيارا . لذلك سيرفض معظمه وصاية المؤسسات القوموية ، التي يبحث القائمون عليها والمختبئون وراءها عن موطىء قدم في عراق الغد ، لن يكون وجوده في صالحنا كعراقيين مطلقا ، لذلك سيكون دونه خرط القتاد .
ألا يخجل الشيخ زايد – وهو الرجل المعروف بحكمته وعقلانيته – من طرح موضوعة الوصاية الجامعوية على العراق ، بعد يوم واحد من انتخاب قيادة للمعارضة العراقية بجهد ذاتي ، قيادة إن اختلف معها إخوانها وأخواتها على بعض التفاصيل ، فلن يختلفوا على أهمية أن يكون الحكم الانتقالي في العراق ، عراقيا صرفا ؟
الواضح ، أن الحكام العرب خائفون ومرتجفون من إمكانية واحتمال قيام الحكم الديمقراطي التعددي الاتحادي الحر في العراق ، بما له من تأثيرات تحريضية على شعوبهم المحرومة من الديمقراطية – إلا في بعض تمظهراتها غير الشاملة في بعض البلدان – وهذا هو السبب الأساس وراء كل مقترحاتهم .
وأعتقد أن النخبة المثقفة العراقية ، آشورية وعربية وأرمنية وتركمانية وكردية ، صابئية ومسيحية ومسلمة وموسوية وإيزيدية ، كاثوليكية وسنية وأورثذوكسية وشيعية ، دينية و لادينية ، أصولية وعلمانية ، مدعوة الآن لرفض هذا المقترح المشبوه ، بأعلى الأصوات .