|
المال السياسي كبديل عن إرادة الشعب : لبنان واستقالة الحريري نموذجا
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5700 - 2017 / 11 / 16 - 14:51
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كثير من القضايا الخلافية التي تنتشر في العالم العربي والتي تحتار عقول المحللين والباحثين في استجلاء مكنوناتها وفك رموزها يمكن الاقتراب من فهمها لو بحثنا عن دور المال أو التمويل الخارجي . وكما يقول المثل عندما تستعصي مشكلة (أبحث عن المرأة) ، يمكن أيضا القول اليوم في عالم السياسة (أبحث عن المال السياسي) . ففي العالم العربي لم يعد التأييد الشعبي أو إرادة الأمة أو البرنامج السياسي مصدر قوة الحزب أو الشخص الذي يتبوأ مركز السلطة أو يسعى لها بل ما يملك من سند خارجي يدعمه بالمال أو السلاح ، بحيث يجوز القول بأن التموضعات والتوازنات السياسية داخل البلد واستقراره السياسي لم يعد مصدرها عقد اجتماعي يمثل إرادة الأمة ،بل قوة المال وتوازنات إقليمية ودولية ،وبما يستطيعه المال من سلاح وشراء ذمم وإخضاع بالإكراه الخ . موضوع التمويل الخارجي كمصدر للهيمنة والتأثير على السياسات الداخلية ليس بجديد ،فمنذ الستينيات من القرن الماضي شغل هذا الأمر اهتمام المفكرين والباحثين من ذوي التوجهات الثورية التحررية المناهضة للاستعمار (مدرسة التبعية) ومنهم بيير جاليه والمهدي المنجرة وسمير أمين ، وكانت الشكوك كثيرة حول الهدف من هذه المساعدات . النتيجة التي تم التوصل لها أن جزءا صغيرا فقط من هذه المساعدات يتم تقديمها انصياعا لواجبات دولية تنص عليها المواثيق والمنظمات الدولية أو لاعتبارات إنسانية ،لكن الجزء الأكبر من هذه الأموال لا يندرج في هذا السياق بل هي نهج لتوجيه الأمور بما يعزز العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة بما يُمَّكِن الجهات المانحة من التحكم الاقتصادي والسيطرة السياسية في البلدان الفقيرة . اعترف رؤساء أمريكيون بحقيقة أهدافهم من تقديم المساعدات لدول العالم الثالث ، فالرئيس الأمريكي جون كيندي قال عام 1961 : "إن المساعدات الخارجية هي أسلوب تحافظ به الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ والسيطرة في العالم أجمع " ، أما الرئيس الأمريكي نيكسون فقد قال في عام 1968 "دعونا نتذكر أن الهدف الأساسي للمساعدات الأمريكية ليس هو مساعدة الأمم الأخرى ، بل مساعدة أنفسنا " . المستجد في الأمر أن المال السياسي الخارجي لم يعد يُقدم للحكومات فقط بل لأحزاب وجماعات معارضة مشتبكة في حروب أهلية مع النظام القائم ،أو لشخصيات قيادية مباشَرة دون المرور عبر القنوات الرسمية للدولة ، ولمنظمات مجتمع مدني فاسدة و هدفها إفساد المجتمع وإثارة الفتنة ، وفي نفس الوقت يتم معاقبة الحكومات غير المسايرة لنهج الجهات المانحة بقطع المساعدات المالية عنها أو بالحجز على أموالها المودَعة في الخارج ،كما أن علاقة السيطرة والهيمنة التي تفرضها دول الغرب وتحديدا واشنطن على بعض الدول العربية وخصوصا الخليجية تجعلها في موقف يفرض عليها تمويل صراعات وحروب في دول الجوار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، كما أن دولا خليجية أصبحت توظف إمكانياتها المالية للعب ادوار إقليمية والتأثير في سياسات دول عربية فقير ، وقضية استقالة الحريري نموذجا على ذلك . إشكال استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري تشكل نموذجا للدور الذي يلعبه المال السياسي الخارجي في الحياة السياسية في عالم اليوم . فمن المعلوم أن لبنان ومنذ الاستقلال وصياغة الميثاق الوطني 1943 وبسبب تركيبته الطائفية يقوم على توازنات طائفية داخلية ،وتوازنات سياسية إقليمية ودولية . بالرغم من التجربة الديمقراطية الفريدة للبنان إلا أن الدول الغربية وخصوصا فرنسا كانت ضامنة التوازنات الداخلية والإقليمية التي تحافظ على استقلال لبنان وانتعاشه الاقتصادي ،إلا أنه وبعد الحرب الاهلية اللبنانية 1975 تولت دول عربية وخصوصا سوريا والمملكة السعودية هذا الدور . دشن اتفاق الطائف 1989 الذي رعته الملكة العربية السعودية منعطفا في المسيرة السياسية للبنان من حيث الضامنين لاستقرار لبنان بحيث أصبح للمملكة السعودية دور رئيس تجلى في دعم المملكة تولي رفيق الحريري الذي يحمل الجنسية السعودية رئاسة الوزراء عام 1992 ،مما أخرج لبنان نسبيا من دوامة الحرب الاهلية وحافظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان ،سواء من خال المساعدات المالية والاستثمارات التي تُقدر بالمليارات أو من طرف رئيس الوزراء رفيق الحريري الملياردير اللبناني السعودي ،وكان هدف السعودية ضمان عدم اصطفاف لبنان لمحور إقليمي مناهض لها . استمر الدعم السعودي لسعد الحريري الذي تولى رئاسة الوزراء بعد اغتيال والده 2005 بتفجير عبوة تزن ألف كيلو جرام في موكبه وآنذاك توجهت اصابع الاتهام لحزب الله وتم تشكيل لجنة دولة للتحقيق لم تعلن عن نتائج حتى اللحظة . لكن يبدو أن سعد لم يتمكن من النأي بلبنان عن المحاور الإقليمية ، حيث تورط حزب الله اللبناني في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب الدولة السورية في مواجهة خصومها ومنهم السعودية ،كما انحاز حزب الله سياسيا للحوثيين في اليمن وهم الأعداء اللدودين للسعودية ، أيضا التحالف الاستراتيجي بين حزب الله وإيران ، كل ذلك جعل حزب الله يتصرف وكأنه صاحب السلطة في لبنان وبيده قرار الحرب والسلم وليس بيد الحكومة أو الرئيس . كانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما زار على أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني لبنان يوم الثالث من نوفمبر الجاري والتقى بالحرير وصرح بتصريحات لم يعقب عليها الحريري في حينه ،اعتبرتها السعودية مستفزة لها وخصوصا أنها تزامنت مع إطلاق صواريخ من اليمن على مناطق استراتيجية في السعودية واتهمت هذه الاخيرة إيران بأنها تقف وراء العملية ، آنذاك استشاطت السعودية غضبا لأنها وجدت أن كل ما قدمت من مليارات للحريري وللبنان لم يجد نفعا وأن لبنان ينزلق نحو المحور الإيراني السوري ، وهكذا قررت معاقبة لبنان وسعد الحريري . وهكذا نلاحظ أن المال السياسي الخارجي له من قوة تأثير بما يفوق إرادة الشعب اللبناني المُعبر عنها من خلال التوافقات الداخلية التي ادت لتنصيب سعد الحريري رئيسا للوزراء ، ولم يشفع للحريري ما يحظى به من تأييد شعبي . في اعتقادنا أن سعد الحريري لن يعود للبنان في المدى القريب لا كرئيس وزراء ولا كمواطن عادي ما دام لبنان غير قادر على الاستغناء عن المال السياسي الخارجي وقبل ان يتم فك الاشتباك والتداخل ما بين سلطة الدولة وسلطة حزب الله . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرئيس الذي توزع دمه بين القبائل
-
الصفقة الكبرى بين التهويل والتهوين
-
إشكالية الموضوعية في البحث والتحليل السياسي
-
وعد بلفور :افتئات على التاريخ وانتهاك للحقوق
-
السياسة بين الواقعية والمثالية
-
الإرهاب في سيناء : معادلة مختلفة
-
متغيرات السلطة والمعارضة في العالم العربي
-
مصالحة خارج سياق المصالحة الفلسطينية
-
ما يريده الشعب وما تستطيعه الحكومة
-
ما وراء التحول المفاجئ في ملف المصالحة الفلسطينية
-
بعد خطاب الرئيس أبو مازن : فراغ استراتيجي ومستقبل غامض
-
نحو مراجعة استراتيجية للفكر القومي العربي
-
وفد أمني إداري مصري في قطاع غزة لضمان تنفيذ اتفاق المصالحة
-
منظمة التحرير الفلسطينية :يتعنون بها ولا يريدونها
-
في ذكرى توقيعها : اتفاقية أوسلو وتداعياتها
-
هل تهيء مصر للصفقة الكبرى ؟
-
اختزال الوطن في السلطة والوظيفة
-
إسرائيل وسياسة تفكيك الصراع وتغيير طبيعته
-
التباس مفهوم المصالحة الفلسطينية وزيارة ابو مازن لتركيا
-
من سيملأ فراغ انحسار الإسلاموية السياسية ؟
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|