أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صليبا جبرا طويل - الزمن والهوية















المزيد.....

الزمن والهوية


صليبا جبرا طويل

الحوار المتمدن-العدد: 5699 - 2017 / 11 / 15 - 21:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لكل شعب مر عبر الزمن حكاية هويه. لكل فرد من البشر
حكاية مع اكثر من هوية. أسوأُها عندما يبحث عنها في
مكان لا يدري فيه باي زمن يعيش.



الهوية دليل على وجود الانسان ضمن مجموعة بشرية معينة، في مكان معين، في زمن معين، مجموعة لها هوية حضارية، وتاريخ جذوره يغوص في القدم. كما تعني الانتماء للأرض التي تحتضن رفات الاجداد بعلاقة مقدسة قوية لا تنتهي، وبعلاقة مع مواطنين مبنية على الاحترام المتبادل.

البحث عن هوية في زمن الاضطرابات يحتاج الى اكثر من وقفة مع الواقع الحياتي للإنسان. خلالها يبحث الفرد، والجماعة عن وجودهما في بقعة ارض تدعى وطن مرّ على ثراها اقوام، وشعوب، وامم، واجتاحتها حروب طاحنة دامية سقطت فيها رؤوس، وملوك، وعروش.

في الماضي قامت حضارات ما لبثت ان ذوت، واصبحت ذكرى، فكانت جسرا لحضارات جديدة انبثقت اكثر تطورا وثراء في المعرفة والعلوم والحريات، على مفترقها تشكلت هويات جديدة. لذلك تحن الشعوب المقهورة في زمن التراجع الحضاري، في زمن التوحش الانساني، لتراثها الغني العريق، فتعود بذاكرتها الى ماضيها تبحث عن جذورها الاصيلة، وانتسابها الحقيقي للأرض التي تقف عليها لتؤكد وجودها. أما الشعوب التي تعيش في تيه بعيدا عن الحضارة المعاصرة وفقدت القدرة على الاندماج بها، تحاول جاهدة للبحث عن موطئ قدم لها بين الامم، تتلمس طريقها في عتمة الفكر لتؤكد حقيقة وجودها من خلال العودة للماضي، متناسية استحالة توقف الزمن، واستحالة العودة الى الوراء، أمنياتها وامالها في العودة الى الماضي ستتحطم، معها وبها ستندثر ان حاولت عكس دورة زمن الحياة نحو الماضي.

الدستور، واذرع الدولة امنية وقضائية، من خلال تطبيق القانون تكفل حماية الهوية لكل مكونات المجتمع في كل زمان، وفي ظل كل الظروف، والمتغيرات في مجتمعات علمانية ديمقراطية تتمتع بالحريات. بينما المجتمعات التي تحاصر الحريات، الهوية الوطنية فيها وضعها غير مستقر، ومتخلخل في بعض الاحيان بفعل قوة الهويات المتعددة التي تميز بين فئات الشعب. هناك هوية قبلية تقسم لهويات اخرى الأفخاذ. وهويه دينية تقسم الى طوائف، وهوية حزبية، وهوية جنادرية ، وهوية طبقية، ومواطنين من درجة اولى وثانية الخ... فكل هوية من هذه الهويات تؤثر على شخصية الانسان وتصرفه وسلوكه، البعض منهم قد يفوقها على هويته الوطنية، من هنا تبدأ المأساة الاجتماعية. التعددية في مجتمعات مغلقة لا تتمتع بالحريات تمنح مواطنيها هوية رمزية زائفة تبين اسميا انتماءَهم لها. فيها يكون الانتماء الديني والقبلي، والحزبي الخ... أقوى من الانتماء الوطني.

البحث عن هوية اخرى، قد يعده البعض خروجا على اعراف المجتمع. الدافع وراء البحث عوامل واسباب ظاهرة للعيان، تتحدث عن ذاتها بذاتها لم تأتِ من فراغ، هي ليست من الدولة ولكنها ولدت ونشأت في حضن الدولة، تيارات فكرية متطرفة داخل المجتمع بغض النظر عن طبيعتها وحجمها، لم يكبح طموحاها وجماحها. ولم يتم معالجتها واجهاضها في مهدها. فان كانت ذات نظرة فوقية وتفوقيه فعلى الدولة عدم التقليل من اهميتها، التهاون معها يؤدي الى الخروج عن الاجماع الوطني، حيث يبدأ المجتمع بالتهاوى رويدا رويدا لا يلبث ان يتعاظم ما لم يجد رادع له. الأمور أي كانت تبدا بفكرة، وبفرد، وبنواة، لا تلبث ان تتسع. الافكار الغريبة التي يمكن ان تحدث شرخ في المجتمع يجب محاربتها. الافكار التي تحملها هذه الفئات تسبب توتر وازمة يتبعهما تهديد للأمن الشخصي، والمجتمعي مما يدفع الانسان الى التفكير بالهجرة بحثا عن امان، او الاعداد لمعارضتها، ومواجهتها التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها فقد تتعدى قوة المنطق وتتجه لقوة السلاح.

الزمن يسير نحو اللانهاية. الماضي هو الحياة العابرة. المستقبل هو الحياة القادمة. الحاضر هو لحظة فراق الماضي بلقائه مع المستقبل. والهوية حضور الاعراق البشرية في مكان عبر الزمان الشاهد على استمرار وجودها. في الشرق تختلط الهويات مع بعضها البعض، لم تستطع ان تتكامل، النزاع مصابها. في الشرق ظاهريا الهوية الشخصية تحدد المواطنة، لكن ما يحدد انتماءَهم الحقيقي هو القبلي الصارم الجامد في تشريعه، وولاء ابن القبيلة لها قوي جدا، وهي ملجأه في المصائب، والكوارث، والمناسبات السعيدة، وقوانينها ملزمة. الهوية الثانية هي الدينية وما يتفرع عنها من طوائف، الانتماء للطائفة فيها قد يكون اقوى من الانتماء للدين وللوطن. ولا ننسي ما يتمخض عن الهوية الحزبية المنغلقة على ذاتها من ماسي وويلات. تعدد الانتماءات اسبابه التربية البيتية، والدينية، والمدرسية، والقبلية، والحزبية الغير قابلة للانفتاح والاجماع على الهوية القومية الوطنية الصرفة الواحدة . نلاحظ احيانا الى انه بالرغم عن حذف خانة الديانة من الهوية الشخصية، الا ان الدستور يعرضها في بنوده بقوة لتشمل كل مكونات الوطن تحت مسمى دين الدولة، بحيث يفرض الدين نفسه كشخصية اعتبارية للدولة، مما يعنى انها دولة اقرب الى الشمولية وأبعد عن التعددية. لذلك لا ندري في أي زمن نعيش، كل فئات الشعب دون استثناء تعيش ازمة هوية. يتساءل هل نعيش في زمن الجاهلية، أم في زمن الرسول محمد (ص)، ام في زمن الخلفاء الراشدين، أم العباسيين، ام الأمويين الخ...ام العثمانيين. ضبابية الهوية تدفعنا جميعا الى العودة لجذورنا الفينيقية، الكنعانية، الآرامية، الفرعونية، الامازيغية، او الفارسية الخ... علنا نتمكن من تحديد هويتنا ونجد حلا لواقعنا الاليم.

ما دام التاريخ البشري حاضرا بمسمياته القديمة لشعوب اثارها باقية على وجه الارض سيبقى محافظا على هويتها، فمن ليس له اصول تاريخية يعجز عن انشاء تاريخ له، مهما حاول ابادة من سبقه من شعوب، لان شبح ما خلفوه من تراث وحضارة يتحدث عن امجادهم. اصحاب الحضارات قد يختفون، او ينتقلون من مسمى الى اّخر ولكنهم باقون مخلدون شاء الطغاة، او كرهوا، فجذور الانسان هي المنبت الحقيقي لهويته، ورسالة الاجداد للأحفاد ستبقى. ومن توالد منهم مع شعوب أخرى عبر هزيمتها واحتلال أرضها سجل التاريخ مآسيها، ولكنه لم يتمكن من أن يلغيها، فهي حقيقة قائمة لا يمكن تزيفها لهذا يعجز من يظن ان الشعوب التي بيدت غير مخلدة في ابنائها اليوم.

عبر التاريخ معظم الاديان حاولت جاهدة لتوحيد البشرية في هوية واحدة. لم يتمكن أي منها من تحقيق هذا الحلم، ولن يستطيع الوصول الي ما يصبو اليه عبر الوسائل والطرق السلمية لان كل منها منقسما في ذاته وعلى ذاته الى طوائف وملل وفرق ونحل، ويرى نفسه متفوقا على كل خليقة الله له المجد، وينكر انسانية الانسان، وحق غيره في الحياة.

الزمن لا يتوقف، والمستقبل هو لحظة الحاضر العابرة التي اصبحت في الماضي، وهوية الشعوب الحاضرة لا تستطيع أن تلغي حتى هوية الشعوب المنقرضة، لحتمية خلود بصمتها الحضارية واثارها التي ما زالت ماثلة للعيان، وراسخة في ذاكرة الشعوب وبطون كتب علم الاثار والتاريخ.

معظم مشاكلنا في الشرق قائمة على أسس افتراضية وليس على أسس منطقية، قائمة على اكاذيب تاريخية وليس على حقائق تاريخية، وعلى أسس المفاضلة، وليس على أسس الابداع. فالشعوب التي تتغنى بالتعددية ظاهريا، ولا تضع الجميع تحت القانون في كل زمان، لن تجد لها مكان تحت الشمس.

هل سيتمكن البشر يوما ما من بناء حضارة تضمهم جميعا في بوتقة واحدة ؟ ... اظنكم مثلي ستجيبون "ممكن، ولكن الفكرة اقرب الى الحلم والخيال" .



#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحزاب وديمقراطية العدالة
- الأديان بإنسانيتها
- عروبتنا تحتضر
- البحث عن مثقف
- الأديان في ظل صراع البقاء
- خطب منمقة وثورات قادمة
- الخير والشر من منظور علماني
- ثورة فكرية نحو العلمانية
- الاحترام قبل الحرية
- التمييز العنصري يحط من انسانيتنا
- الحرية ممنوعة حتى إشعار اخر
- لعبة الاسياد والعبيد
- حرر عقلك
- أعراف المجتمع تقيد المرأة
- الفساد لا يبني وطن
- كافر انت!؟
- استقلال العقل ضرورة حضارية
- دين وأخلاق
- العلمانية حل للإنسانية المفقودة
- حوار المواطنة أهم من حوار الأديان


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صليبا جبرا طويل - الزمن والهوية