|
تفاصيل تاريخية واجتماعية عن يهود العراق
ريم قمري
الحوار المتمدن-العدد: 5699 - 2017 / 11 / 15 - 14:18
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدر عن (دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع) في شارع المتنبي ببغداد، في طبعة ثانية أنيقة جدا كتاب (من ارشيف العراق المنهوب ..فصول من أبحاث ريادية عن يهود العراق). الكتاب من تحرير الكاتب العراقي والباحث مازن لطيف، من مواليد 1971 تخرج من كلية الآداب الجامعة المستنصرية عام 1996 أصدر 20 كتابا ما بين تأليف وتحرير وإعداد ويرأس مجلة نهاريا، متخصص بكتابة وأرشفة تاريخ يهود العراق. ومراجعة البروفيسور الدكتور سامي مورييه (شموئيل مورييه) استاذ الادب العربي الحديث والعراقي، الجامعة العبرية – القدس. يأتي هذا العمل في إطار سلسلة من الاعمال، الهدف منها هو التأريخ للظاهرة الحضارية والثقافية ــ اليهودية في العراق- جاء الكتاب في 206 صفحة من الحجم الكبير، ويتضمن مقدمة بقلم الباحث مازن لطيف، وفصلين احتوت الفصول على سبعة بحوث لكتاب يهود كبار. و يكشف لنا الكاتب منذ بداية المقدمة، أننا أمام مخزون ثقافي و اجتماعي هام، بقي طي النسيان و الكتمان عبر عقود طويلة، سيطرت فيها أنظمة أدرجت الموضوع في خانة، ( "التابوهات" والدعايات .. مما حرمنا من معرفة حقائق كثيرة، ولم نمتع ذاكرتنا بثقافة أناس عاشوا هنا وولدوا وتناسلوا منذ عهود بابل والى زمن الهجرة بحقيبة). يصور لنا هذا الكتاب من خلال بحوث قام بتقديمها مجموعة هامة من الباحثين نذكر منهم: أري ألكسندر، ألين شلايبفر، سيلفيا ج. حاييم، شموئيل موريه، زفي بن-دور، رونين زيدل وجيؤلا ايليمليخ، تفاصيل أحلام المثقفين والنخبة اليهودية العراقية من خلال الثراء والتنوع الابداعي في شتى مجالات، الادب والتأريخ وايضا الجانب والاجتماعي والديني والعلمي والفني لهذه الجالية. فصول الكتاب حملت في طياتها رؤى ومضامين وكذلك وصفا دقيقا لوقائع الحياة اليومية، ليهود العراق في بلد لم يشفوا ابدا من الم فراقه، وحيث كانوا يشكلون جالية كبيرة متجانسة، ومندمجة داخل النسيج المجتمعي العراقي، وبتباينات طبقية مختلفة حالهم حال بقية أطياف المجتمع العراقي. ومن خلال تصفحنا للكتاب وكل ما تقدمنا في القراءة نكتشف اننا، امام حضور هام ومميز لجالية يهودية عراقية كانت مؤثرة وقوية، اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، جالية متجذرة في تربة العراق، اقتلعت من عمق عراقيتها في ظرف تاريخي وسياسي معين، سرق من أبناء هذه الطائفة انتمائهم لبلدهم بإسقاط الجنسية عنهم. يقدم لنا الكتاب كمية هائلة من المعلومات حول تهجير اليهود القسري، وما واكبه من احداث " الفرهود" وما ترتب عنها من تغيرات وتحولات في جسم وتركيبة الجالية اليهودية بالعراق. وبالعودة للبحوث التي يتضمنها الكتاب، جاءت في الجزء الاول منه مجموعة من البحوث نذكر منها، بحث بعنوان (عندما يلتقي أعداء الاستعمار مع أعداء الفاشية/ المثقفون اليهود المعاصرون في بغداد) للكاتبة ألين شليبفر ، و بحث بعنوان (البحث عن الهوية في أعمال سمير نقاش) للكاتبة جيؤلا ايليمليخ ،ايضا بحث بعنوان (مسألة اللغة والجمهور عن امكانية "الروايات العراقية" بالعبرية ) رونين زاديل ، و بحث بعنوان (المسرح اليهودي في الشرق الأوسط، وتطور المسرح اليهودي في العراق خلال القرنين التاسع عشر والعشرين من العروض الشعبية والدينية الى التأثير الأوروبي) للكاتب شموئيل - سامي موريه. وبدراستنا لهذه البحوث مجتمعة نلاحظ أن اغلب الباحثين والكتاب من خلالها، حاولوا التركيز اساسا على ان اليهود لم يكونوا مجرد اقلية عرقية بالعراق بل شكلوا جزء لا يتجزأ من شعبها، ولم يكونوا حتى على مستوى اللغة منفصلين كطائفة في العراق، بل شكلوا جزء طبيعي من الأمة العربية العراقية. لذلك تطور وضع اليهود العراقيين الوطني والإقليمي بشكل قوي خلال النصف الأول من القرن العشرين. وقاوموا دائما النظرة لهم باعتبارهم مجرد اقلية وهدف جاهز للقوى الاستعمارية للعب بورقة الاقليات. ونواصل دراستنا لبقية البحوث تدرجيا، لنلمس بوضوح صورة الحياة الفكرية للمجتمع اليهودي في بغداد الذي قفز قفزة نوعية خلال فترة العشرينيات من القرن الماضي. وقد صنعت مجموعة هامة من الباحثين والمثقفين تغييرا جذريا مبني على رؤية التكامل مع الثقافة العربية. وقد استطاع اليهود الاندماج بنجاح اليهود في كافة مفاصل الحياة الثقافية وقدموا الكثير في مجال الادب والصحافة وشتى مجالات الحياة العامة. نواصل تقصي بحوث الكتاب في جزئه الاول، وننتقل لعالم الرواية والمسرح، حيث ركزت البحوث الاخيرة بهذا الجزء على روايتين قصيرتين، الأولى رواية سامي ميخائيل (حفنة من الضباب) والرواية الأخرى لشمعون بلاص (الآخر)، وقد كُتِبت الروايتان باللغة العبرية وهما لكاتبَين اسرائيليَين وُلِدا في العراق تجري أحداث الروايتين في العراق، تنقلان لنا اجواء العراق وتاريخه، ونلمس بقوة رغبة الكتاب من خلال ذلك لإبراز قوة الانتماء إلى العراق، والتجذر بعمق في رغم الشعور في احيان كثيرة بالرفض من قبل المجتمع المحيط بها، و لا يشذ المسرح عن القاعدة ، حيث نجح المسرح اليهودي العراقي في عصرنة المسرح العربي التقليدي، وخلق مدرسة جديدة مختلفة في هذا المجال.
اما الجزء الثاني من الكتاب، فقد تضمن بقية البحوث وسنذكرها بالتوالي بحث بعنوان (النفي اللامرئي: اليهود العراقيون في اسرائيل) للكاتب زفي بن دور بحث بعنوان، (جوانب من حياة اليهود في بغداد خلال العهد الملكي) لسيلفيا حاييم اما البحث الاخير في الكتاب فكان بعنوان (الفرهود، واقتصاد الحرب، والشيوعيون، والصهاينة) للكاتب أري ألكسندر. نعود لها بالتفصيل حيث نلاحظ ان هذه البحوث، طرحت مواضيع هامة و قدمت معلومات قيمة ،عن حياة اليهود العراقيون التي امتدت أكثر من خمسة عقود بالعراق ،مقارنة بحياتهم في اسرائيل كمواطنين إسرائيليين، و كيف يعتقد اغلبهم ان اسرائيل كوطن بديل لا تنفي عنهم الشعور بانهم عاشوا ما يمكن تسميته "النفي البابلي الثاني" ، و هنا تبرز اشكالية كبرى كيف يتحول الوطن البديل الى وطن منفي ، و كيف تكون اسرائيل باعتبارها "وطناً لليهود" و ارضا مقدسة الى وطن حقيقي لجالية لم تتخلى بعد عن انتمائها لوطنها الاصلي ، و يعيدنا احد بحوث الكتاب و هو بحث جوانب من حياة اليهود في بغداد خلال العهد الملكي) لسيلفيا حاييم، الى الحقبة الملكية وعندما توج فيصل ملكا على العراق، و كيف حافظ على سياسة جيدة مع الجالية اليهودية، وهو ما جعل يدعمون فيما بعد مشروع تأسيس مملكة عربية لعراق مستقل، و كرسوا انفسهم من اجل انجاحها و تحقيق تقدم بلدهم ، أما خاتمة الكتاب فقد خصصت ببحث قيم حول احداث " الفرهود" باعتبارها شكلت اكبر صدمة في التاريخ الحديث بالنسبة للطائفة اليهودية احداث عنف و شغب مروع معادٍ لليهود في الاول والثاني من حزيران 1941، في سياق تحولٍ تاريخي و سياسي بالعراق و بالمنطقة بأسرها. وقد شكلت احداث الفرهود الحافز الاول والاساسي، لدفع بعض الاثرياء اليهود للتفكير بالهجرة في إيران أو الهند، في حين هاجر آخرون قلائل إلى فلسطين).
تبقي الكتابة عن تاريخ الامم عملا شاقا ومجهدا كثيرا كما ذكر ذلك الباحث مازن لطيف في مقدمة كتابة، وهو عمل يتطلب الكثير من الدقة والموضوعية، وبرأيي قد نجح هذا الكتاب من خلال في تسليط الضوء على جزء هام من تاريخ العراق شكل اليهود دعمة رئيسة من دعائمه، في كسر حصار سياسي ظل لعقود حاجزا امام كشف حقائق تاريخية هامة.
#ريم_قمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليهود في المجتمعات الإسلامية -التاريخ والافاق
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|