رابعاً : المنشأ السياسي ، ونريد به إنتفاء الشرعية للسلطة السياسية في بلادنا ، كونها لم تنبثق من خلال الإرادة والإختيار الحر للأُمّة العراقية ، فأنتج ذلك حالات التسلّط والقهر لتدخل السلطة في صراع مع مجتمعها والمجتمع مع سلطته .
ولكونها فاقدة للتأييد الجماهيري الشرعي والعريض ، اتجهت السلطات لدينا لتبني سياسة الإعتماد على الأقليات العِرقية أو الطائفية أو العشائرية في مسك مفاصل الدولة والسلطة وتفضيلها بالإمتياز والمكانة والتحكّم ، لتمنح نفسها قاعدة شعبية تتمترس خلفها في صراعها مع باقي تنوعات الشعب ، فغذّت السلطة بذلك الصراعات السياسية والمجتمعية داخل جسد الدولة والمجتمع الواحد .
من جهة أُخرى ، فإنَّ احتكارها للدولة والحكم دون أدنى مشاركة سياسية أو شعبية حقيقية ، واستخدامها المفرط للقوة والسحق لمعارضيها ، أنتج أفدح الصراعات الدموية في كيان الأُمّة العراقية والذي ولّد بدوره العديد من حالات الكوارث المُنتجة للصراعات على تنوعها السياسي والإجتماعي والإقتصادي والذي أصاب كياننا العراقي في الداخل والخارج بأفدح الخسائر .
وأيضاً فإنَّ فرضها لإيديولوجيتها بالقوة على حساب مقومات الأصالة والتكوين الطبيعي للمجتمع العراقي ، وتقنين الحياة العامة وفق رغباتها وبرامجها السياسية والإقتصادية والمجتمعية ، وتخطيطها وفعلها الدائم في خلق صراعات تحتية بين مكونات المجتمع بين ما هو شيعي وسُنّي وكردي وعربي لضمان سيادتها من خلال منطق فرّق تسُد ، وخلقها للصراعات الخارجية الوهمية وما تُنتجه من مفاسد وكوارث على حساب الإستقرار والأمن والتنمية ..الخ ، كل ذلك أوجد صرعات متعددة ومعقدة للواقع الداخلي والخارجي للبلاد ،.. ويكفي أن نُشير فقط إلى التدمير الشامل الذي أنتجته الصراعات العسكرية الخارجية مع دول الجوار والعالم ، وهي جزء من تصدير أزمته إلى الخارج لإحكام الطوق الداخلي ، وجزء من استراتيجية إضعاف وإنهاك المجتمع داخلياً للحيولة دون قيامه ، وجزء من سياسية خلق الأعداء الوهميين لضمان البقاء والنفوذ والتفرد في السلطة والقرار .
إنَّ إشكالية المنشأ السياسي للصراع وما ينتج عنها من صراعات نوعية أُخرى تعود أساساً لإشكالية إغتصاب السلطة والتفرد بالقرار والإدارة الرسمية لعموم التجربة المجتمعية على تنوعاتها دون أدنى مشاركة أو تبادلية أو تداولية في قضايا الحكُم وتسيير الأمور العامة للبلاد ، وهي إشكالية الشرعية والتمثيل الصادق والحر للإرادة الجماهيرية .