آراس بدر
الحوار المتمدن-العدد: 5689 - 2017 / 11 / 5 - 01:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاحداث الاخيرة التي شهدتها اقليم كُردستان العراق بدءاً من إعلان موعد الاستفتاء على مصير الإقليم وبعد ذلك إجرائه ومن ثم الاحداث المتسارعة التي تلت الاستفتاء من اجتياح القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من ايران ومحاولة التوغل داخل العمق الجغرافي الكُردستاني, واحتلال المدن الكُردية المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عقود كأربيل وغيرها من المناطق, ومحاولة القوات العراقية بعد ذلك السيطرة على المعابر البرية الاستراتيجية التي تربط كُردستان العراق مع الدول المجاورة, كل هذه الاحداث المتسارعة والعنيفة, جعلت انظار الكُرد في جميع انحاء العالم متوجهة نحو الاقليم, ولكن مقاربة الكُرد السوريين لهذه الاحداث كانت مختلفة تماماً عن اشقائهم في تركيا وايران وحتى العراق, فما ان تم الإعلان عن إجراء الاستفتاء, حتى بدأت حملات التأييد تنتشر بين الكُرد السوريين سواءً على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي افتراضياً, كما حال صاحب هذه الأسطر, او المشاركة وبكثافة غزيرة في فعاليات الترويج للاستفتاء عملياً, فغصت شوارع المدن الاوربية بمظاهرات الكُرد السوريين دعما للاستفتاء وجرى تخوين كل من كان له رأياً معارضاً للاستفتاء سواءً من قبل الكُرد السوريين او من قبل كُرد العراق انفسهم والذين من المفترض ان يكونوا هم اصحاب القرار الحقيقي في موضوع الاستفتاء لسبب بسيط وهو انهم هم المصوتون وليس الكُرد السوريين!!
وعندما جرى الاستفتاء ايضاً, رأينا جموع الكُرد السوريين تحتفل سواءً في مدن إقليم كُردستان والمدن الكُردية في سوريا او في أوروبا, فكانت اعدادهم تفوق اعداد الكُرد العراقيين انفسهم أضعافاً مضاعفة, كل ذلك مصحوب كالعادة, بحملات تخوين ومزاودة ضد الكُرد العراقيين سواءً الذين صوتوا ضد الاستفتاء او الذين صوتوا بنعم الا انهم لم يشاركوا الكُرد السوريين افراحهم بنجاح استفتاء كُردستان العراق!!
بعد ذلك حدث ما حدث في كركوك من اجتياح للجيش العراقي وميلشيات الحشد الشعبي الشيعية المنقادة بإيديولوجية تصدير الثورة الإيرانية وبرجال مخابراتها وجيش قدسها, لتبدأ حملة اكبر واشد من اللطم والتخوين للكُرد السوريون, فامتلأت صفحات الموقعين الأزرقين بفنون واصناف التخوين والمزاودة ضد حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني والتيار الذي تدور حوله شكوك الخيانة, ومن ثم وصلت الأمور لإعلان السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كُردستان لعدم تمديد فترة رئاسته وتوزيع صلاحياته على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الإقليم, ليصل معها "هيجان" الكُرد السوريين إلى اقصى درجاته, فتخرج مظاهرات لمطالبة البارزاني بالتراجع عن قراره, كما انتشرت وقتها اخبار ليست مؤكدة عن مشاركة اعضاء وكوادر الحزب الديمقراطي الكُردستاني- سوريا في حادثة اقتحام البرلمان والقيام بأعمال شغب وبلطجة هناك دعماً للبارزاني!!
كل هذه الاحداث تجعل المرء يتساءل, هل يا ترى اصبحت القضية الكُردية في العراق, القضية "المركزية" للكُرد السوريون؟! ولكن اين ذهبت قضيتهم واين هم من احداث سوريا؟!
بطبيعة الحال هناك جانب مفهوم لهذا التعلق الكُردي السوري الكبير بشؤون إقليم كُردستان السياسية والعسكرية والحزبية, وهو ليس بجديد بطبيعة الحال, اذ لطالما كانت التطورات السياسية والعسكرية في كُردستان العراق كذلك في تركيا اكثر دراماتيكية وسخونة مقارنة بما كان يجري على الساحة السورية, فكانت الثورات وحركات التمرد العسكرية الكُردية في العراق, بديلاً عملياً لحالة "الفراغ" الثوري في سوريا, حيث غلب الطابع السلمي الثقافي على نضال الشعب الكُردي هناك, فكانت النتيجة تطوع المئات من الشباب الكُردي السوري ضمن صفوف الحركة الكُردية المسلحة في العراق, كما كان انضمام الالاف من شباب وبنات الكُرد السوريين ضمن صفوف العمال الكُردستاني الذي اعلن منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي, النضال العسكري ضد الانظمة الحاكمة في تركيا.
بعد بدء الثورة في سوريا, سخنت الساحة الكُردية السورية ايضاً, ولكن ما لبث وعاد "الفراغ" من جديد فسياسة حزب الاتحاد الديمقراطي الكُردي في سوريا واذرعه العسكرية والامنية والاجتماعية, عملت منذ بداية تسلمها لزمام الأمور في المنطقة الكُردية في سوريا منذ بدايات انطلاقة الثورة السورية, على تنفيذ سياسات شمولية توتاليتارية ترفض الاعتراف بالأخر المختلف سياسياً وإيديولوجياً وحزبياً, مما شكل نوع من الاغتراب السياسي لدى شريحة كبيرة جدا من الكُرد السوريين, جعلهم بعيدين عن المساهمة في الحياة السياسية والعسكرية على غرابتها وغموضها, على عكس ما يجري في كُردستان العراق, خصوصاً موضوع الاستفتاء الذي يلامس حلم الإنسان الكُردي الأزلي الا وهو موضوع الدولة, لتصبح القضية واضحة وشفافة على عكس ما يجري في سوريا من فوضى عموماً, والمناطق الكُردية في سوريا خصوصاً, فسياسة الاتحاد الديمقراطي واهدافه ومشاريعه السياسية والاجتماعية بمسمياتها وتشكيلاتها العجائبية, شكلت طلاسم صعبة الفهم على الانسان الكُردي البسيط وحتى على الكُردي السوري المثقف الذي يرفض سياسات الاتحاد الديمقراطي باعتبارها لا تلبي مطالب الكُرد ولا تضمن مستقبل مناطقهم, ناهيك عن التواجد الجغرافي لمئات الالاف من الكُرد السوريين, الهاربين سواءً من الحرب او بسبب اعتراضهم وعدم ثقتهم بسياسات الاتحاد الديمقراطي في مناطقهم, في مخيمات ومدن إقليم كُردستان, ولكن ما لا يمكن استيعابه حقيقة, هو هذا التدخل السافر والحاد والمتطرف من قبل الكُرد السوريين بشؤون إقليم كُردستان دون مراعاة او احترام للاختلافات الداخلية وحسابات التنافس الحزبية والمناطقية التاريخية والمعقدة في الإقليم, فتكون نتيجة مقاربة الكُرد السوريين للأحداث في الإقليم, سواءً بعلم او بدونه, اصطفافا صريحاً إلى جانب سياسي, حزبي, عشائري ولغوي معين !! فتصبح النتيجة زيادة لمستوى الانقسام والاحتقان السياسي والمناطقي والعشائري المتجذر في كُردستان العراق عبر اصطفافهم الى جانب سياسي وطيف عشائري ولغوي محدد !!.
في مقال مطول له عن الوضع في فنزويلا اثناء زيارته لذلك البلد ابان حكم الرئيس الراحل (هوغو تشافيز), يتطرق الفنان والممثل السوري (فارس الحلو) لحالة الكولومبيين المتواجدين في فنزويلا, ويبين انهم اشد من يدافعون عن تشافيز وسياساته حتى اكثر من مؤيديه الفنزويليين, في المقابل يمنحهم تشافيز الاقامة وفرص العمل, واخشى ما اخشاه اذا ما استمر هذا الاندفاع الكُردي السوري تجاه الامور السياسية في اقليم كُردستان العراق, ان يتطور من مجرد ابداء مواقف الى ما هو ابعد من ذلك ليقاربوا الحالة الكولومبية في فنزويلا.
#آراس_بدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟