أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل تذكرون الدكتور محمود عزب؟














المزيد.....


هل تذكرون الدكتور محمود عزب؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5687 - 2017 / 11 / 3 - 23:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل تذكرون الدكتور محمود عزب؟


لا أدري لماذا تذكّرت ذلك الرجل النبيل، حين أرسل لي إمامُ مسجد "فاطمة الزهراء" بالبحر الأحمر، يطلب مني عمل أي شيء يُحسّن الصورة السيئة التي أخذها مسيحيو مصر، والعالم، عن المسلمين عمومًا، وعن رجال الدين الإسلامي على وجه الخصوص. إمام ذلك المسجد اسمه الشيخ "محمد خليل جاد"، وسوف أفردُ له مقالا مستقلا الأسبوع القادم بإذن الله، حتى تندهشوا معي مما يفعل من أجل نُصرة الإسلام عن طريق إشاعة المحبة والتوادّ والتراحم، لغير المسلمين.
وأما بطل مقالي اليوم، النبيل الذي تذكّرته، وإن لم أنسه يومًا، فهو العظيم د. محمود عزب، أستاذ الحضارات الإسلامية واللغات السامية، ومستشار شيخ الأزهر السابق لشؤون الحوار بين الأديان. هذا الرجل الموسوعي النظيف الذي درس اللغات الآرمية والسريانية والحبشية وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية، وعمل استاذًا بها. أدرك الرجلُ بفطنته أن ما ينقص العرب هو "ثقافة الحوار"، لهذا كان حلمه أن يقدم "فقه الحوار" كمادة مستقلّة تُدرَّس ليس فقط في جامعات مصر، بل كذلك في مدارسها؛ حتى تكون جزءًا من التركيبة الذهنية للطالب المصري، فينشأ صحيحًا معافى يعرف كيف يحاور ويختلف، ولا يكره، ولا يختصم، ولا يقتل. تقدّم الرجلُ بذلك المشروع الثري المحترم لشيخ الأزهر د. أحمد الطيب، ولكن بالطبع، مات المشروعُ مع موت الرجل النبيل!
في ربيع 2003، كانت المرةَ الأولى التي أقفُ فيها على خشبة مسرح فرنسي لألقي قصائدي. شعرتُ بشيء من الرهبة أمام جمهور "معهد العالم العربي" في باريس. لكن الله أرسل لي يدًا حانية تُصافحني قبل صعودي إلى المنصّة وتشدُّ من أزري وتشجعني، ثم تقول لي بعدما أنتهي: “أحسنتِ!”
كانت اليدُ المصافِحةُ: مصريةً مثقفةً. وكانت الكلماتُ: داعمةً طيبة غمرتني بالثقة والاطمئنان. كانت يدَ رجلٍ عظيم فكرًا وروحًا. فقيهٌ إسلاميٌّ أزهري، وفيلسوفٌ رفيع الطراز. حاملُ مشعل تنويريّ، تسلّمه من أساتذته: محمد عبده، ومَن سبقه من تنويريين وصولاً إلى نجم التنوير الإسلامي "الوليد بن رشد".
صافحني بحنوّ الأستاذ على ابنةٍ جاءت من حقل العلم والهندسة، إلى حقل الآداب والشِّعر، تحمل قلقًا من الإخفاق الذي يلازم تحويل المسارات. ابتسم وقال: “سوف تُبهرين الجميع بقصائدك وإلقائك ولُغتك العربية الرصينة. اتركي قلقَك هنا، وارتقي المنصّة واثقةً، ففي سَلّتك عراقةُ بلادك، مصر.” وارتقيتُ المنصّة وقرأت قصائدي وصفّق الجمهور، وعيناي مثبتتان صوب ذلك الرجل النبيل الذي كان الملاك الحارس لي في باريس، مثلما هو الحصنُ الحامي لكل مصريٍّ ومصرية يزوران فرنسا للعلم أو العمل. بعد نزولي عن المنصّة صافحني مجددًا وقدّم لي ابنته الجميلة "لما" قائلا: “أتمنى أن أرى ابنتي مثلك.”
هو الدكتور محمود عزب، أستاذ كرسي بجامعة الأزهر، ومعهد اللغات الشرقية في باريس، ومستشار شيخ الأزهر.
يقول التاريخُ إن هذا النبيل قد رحل في يونيو 2014، وأقول: لا لم يرحل! إنما اختار أن ينتقل من العيش بيننا إلى العيش داخل أفكارنا. ومَن يعش في الأفكار لا يرحل. لأن عائشَ الأفكار عابرٌ للزمان وعابرٌ للمكان.
لا عجب أن يُحفر اسمُه في ذاكرتي وذاكرة مصر، فقد كان نصيرَ التنوير وإعمال العقل والتظلل بمظلّة الإنسانية. ولا عجب في أن شيّع جثمان ذاك الأزهريّ النبيل قساوسةٌ ورهبانٌ وملايين من أقباط مصر المسيحيين؛ فقد كان رائدًا في حوار الأديان والتقريب بين فكر المسلم وفكر المسيحي وإشاعة روح التآخي الحق بينهما. ولا عجب في أن تحزن نساءُ مصر جميعهن على سفره للسماء؛ فقد أحبَّ المرأةَ واحترمها فقدّس أمَّه وبجّل زوجته واحترم ابنتيه. ولا عجب في أن تطلبَ مصرُ من المصريين أن يحملوا المشعلَ الهائل الذي تركه لنا كتراث عزيز لا ينفد؛ فقد أحبَّ مصرَ بكل جوارحه وأشاع في جنباتها النورَ والتحضر. أستاذي الكبير، نمْ ملءَ جفونك على شواردها، فجميعنا تلامذتك وحاملو مشعلك، الذي لن يخبو.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنون والسجون
- صناديقُ عمّ محفوظ
- جيشُنا العظيم أحبطَ حرقَ مصر
- صراعُ الخير والشر … عند أجدادنا
- سميرة أحمد ... خيوطٌ في حب مصر
- هل المسيحيُّ في ذمّتي؟!
- دمُ القسّ في رقبة هذا الرجل
- إني لأعجبُ كيف يمكنُ أن يخونَ الخائنون!
- عصفورٌ بلا حقيبة
- كيف ينجح الناجحون؟
- أنا اليومَ مشغولةٌ بلحظة فرحٍ لعيون الحجازية
- الزمن النظيف فوق الشجرة
- المنيا ... على مسافة السكة … شكرًا يا ريّس!
- نصير شمّة…. تِهْ موسيقى
- مثلثُ التفوق والإنسانية
- لماذا اليابانُ يابانُ؟
- قطعةٌ من الفرح في صندوق الحَزَن
- أسئلة (مفيد فوزي) الحرجة! العيل بيجي برزقنا!
- السماءُ حزينةٌ ونحن نضحك!
- معايدةُ العيد من ألدّ خصومي!


المزيد.....




- بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران ...
- 40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- 40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
- حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق ...
- أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة ...
- لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م ...
- فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب ...
- ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال ...
- الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل تذكرون الدكتور محمود عزب؟