|
الموساد ، من كردستان إلى لبنان
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1468 - 2006 / 2 / 21 - 10:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مع حلول الذكرى السنوية ، الأولى ، لإغتيال الرئيس الحريري ، وقرب إنتهاء التحقيقات فيما يتعلق بملابسات هذه الجريمة ، التي تتلبّس النظام السوري وأدواته في لبنان ؛ إرتفعت وتيرة التصعيد في وسائل إعلام ذلك النظام ، الحكومية ، والموجهة ضد رموز وطن الأرز ، القائدة لإنتفاضة الإستقلال . كان تجمّع بيروت الشعبي ، المليوني ، في ذكرى الإغتيال وما شهده من كلمات قوية متحدّية من لدن تلك الرموز الوطنية ، هو مبعثُ تجدد الحملة الإعلامية البعثية ، المتخذة شكلاً أكثر جدّة في إبداعها تهم العمالة والخيانة . لقد طفقت الوسائل الإعلامية البائسة ، إياها ، فيما مضى ، على رصد ما كانت تسميه " تحركات السفيريْن الفرنسي والأمريكي " في لبنان ، إلى أن جاء الآن دورُ الموساد الإسرائيلي ، للدخول في لعبة إعلامنا السوري . إذ ظهرت علينا صحيفة " تشرين " ، مؤخراً ، بخبر مثير ، مفاده أن مائتي عنصر من جهاز إستخبارات " الكيان الصهيوني " تسللوا إلى الأراضي اللبنانية ، بهدف مساعدة قوى 14 آذار في تآمرها على قلعة الصمود والتصدي ؛ سورية حامية المقاومة !
ومن آذار لبنان ، الحالي ، نؤوبُ إلى آذار كردستان الماضي ؛ إسترجاعاً لمأثرة الإعلام البعثي وأبواقه المنفلتة جزافاً بتهم العمالة ، جزاءَ كل من يجرؤ على تحدي النظام الأمني ، الجاثم على صدر الشعبين السوري واللبناني . ففي مثل هذه الأيام ، قبل عاميْن بالتمام ، كان أقطاب تلك الآلة الأمنية في إجتماعات متواصلة حبكاً لفتنة إثنية ، ستنطلق شرارتها من ملعب مدينة القامشلي ؛ وفي يوم 12 آذار ، تحديداً . كان في روع المتآمر البعثي ، الأمنيّ ، إحداث صدام ٍ بين أهالي تلك المنطقة كرداً وعرباً ؛ هو الخبير في الحروب الأهلية المدمّرة ، كما تشهد عليه مآثره في لبنان والعراق وفلسطين . هنا أيضاً ، حضرت نظرية " المؤامرة الصهيونية " ، على لسان أبواق النظام السوري الإعلامية . ولا ننسى ، في هذا الخصوص ، تصريح الديناصور البائد لإتحاد الكتاب العرب ، علي عقلة عرسان ، آنذاك ، بأنّ مائة ألف من عناصر الموساد الإسرائيلي ، المتواجدين في كردستان العراق ، هم في الطريق تسللاً إلى القامشلي ، السورية ، لمواصلة زعزعة الأمن القومي العربي المتمثل بحصنه البعثي ، الحصين : للحقيقة ، فأولئك العناصر لم يتواجدوا قط ، سوى في العقل المريض لصاحب التصريح . علاوة ً على أنّ من أوعز إليه بهذه الشطحة ، وهو عينُ متآمرنا الأمنيّ ؛ الذي كان في ذهنه التغطية على تسلل مئات وألوف الإرهابيين عبر الحدود السورية ، إلى العراق ، مع أسلحتهم وأحزمتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة زرعاً للموت والرعب والدمار ، تمهيداً لفتنة الحرب الأهلية .
" الحرب الأهلية ، قادمة " ؛ هذا ما يبشرُ به اليوم زعيمُ حزب الله ( اللب _ إيراني ! ) ، متهدداً وطنه وشعبه . هنا أيضاً ، كان لا بد من تسويق بضاعة " تسلل الموساد " ، للتغطية على فضيحة النظام الأمني السوري ، في التسلل بعملائه وأسلحته عبرَ الحدود لإشعال شرارة الحرب الأهلية الموعودة . كما تجلى ذلك في " غزوة بيروت " ، المشؤومة ، على خلفية المظاهرة المحتجة على الرسوم الكاريكاتورية ، والتي حُشر فيها عناصر سورية ومن دول عربية مجاورة ، كانوا قد إستقدموا من دمشق بالحافلات بهدف التخريب والحرق والترويع . فضلاً عن هدف آخر ، غير خاف ٍ ، لأجهزة الأمن البعثية من وراء نفخ البوق مجدداً بحكاية الموساد : وهو إتهام الإسرائيليين بأية جريمة إغتيال ، جديدة ، يمكن أن تكون في وارد إعداد تلك الأجهزة المستهدفة رموز لبنان الوطنية ؛ وعلى الأخص النائب وليد جنبلاط . فهذا الزعيم الدرزي كان وما زال العدوّ الأول للوجود البعثي المحتل ، ثمّ صعّد مواقفه ضد نظام دمشق داعياً إلى إسقاطه ، مرحباً في الآن ذاته بالمعارضة السورية على أرض الأرز . وكانت إشاعة عرض إسرائيل تأمين حماية لجنبلاط ، من تأليف وترويج وسائل الإعلام البعثية ؛ فيما أنّ القصة كلها عبارة عن كلمة تأييد ، عابرة ، لأحد نواب حزب إسرائيلي ، من الدروز ، تضامناً عاطفياً بحتاً مع أبناء طائفته في لبنان. ثمّ بدأت ماكنة الإعلام الصدئة ، ذاتها ، بتذكير الخلق بما أسمته " تاريخ خيانة جنبلاط " ؛ مركزة على دوره في حرب إجتياح بيروت 1982 . وكأنما الذاكرة " خانت " أبواق الإعلام السوري ، فيما يخصّ الدور المشين ، المتآمر ، للنظام البعثي بحقّ المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ، أثناء تلك الحرب . حيث تركَ عمداً القوات الإسرائيلية تمرّ بسلام خلال الخطوط السورية ، فيما أوعز للواء المدرع السايع والأربعين ، الموجود في بيروت وقتئذٍ ، بإلتزام أفراده للمخابيء ، حيث أضحت مدرعاتهم وعرباتهم نهباً للقصف والتدمير . أما المناضل وليد جنبلاط ، وكان رئيساً للحركة الوطنية المتصدية بجسارة وبسالة للعدوان الإسرائلي ، فكان طوال الوقت في قلب معركة بيروت ، وكذلك لدى توديعه المقاتلين الفلسطينيين المغادرين إلى منافي الله . إن الذي كان في الجبل يستقبل الإسرائيليين هم قادة الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع ، المجرمون البرابرة الذين دمروا قبلها بشهور قليلة مدينة حماة ، السورية ، على رؤوس ساكنيها الآمنين العزل ؛ هم الذين أذلوا تقاليد الجيش السوري ،العريقة ، بجعلهم أفراده مجرد عبيد خانعين لا كرامة لهم أو عزة ؛ مجوعين يقتاتون من طعام أهالي الجبل اللبناني ، الكرام ، من دروز جنبلاط بالذات : فحدثونا إذاً عن الخيانة !
كان على المهزلة أن تتناهى إلى كمالها . شيخ الطائفة الدرزية ، السورية ، يدلي بتصريح تلو الآخر ، مخوناً أيضاً جنبلاط ؛ وهو زعيم الطائفة السياسيّ ، الأوحد . تحتفلُ أبواق إعلامنا بتصريحاته ، وفي وهم الأجهزة الأمنية المحركة لتلك الأبواق ، أنّ ذلك سيكون بمثابة " فتوى " تبررُ تصفية الزعيم الدرزي . ربما سيتبادرُ للمرء التساؤل ، المُحق ، عما إذا كانت تلك الأجهزة الجهنمية ، الفالتة من أي سيطرة أو رقابة ، قد أبهتْ بهكذا فتوى لدى التخطيط لإغتيال الحريري ، أو الآخرين المتسلسلين في " قائمة الموت " ، السوداء ؟ الزمن تغيّر ، ما في ذلك من شك ؛ كما أنّ عيون العالم ، وخاصة قواه العظمى ، متيقظة على أوضاع لبنان ، بشكل أحدّ ، في هذه الأيام . وعلى كل حال ، فلا شرعيّة لأيّ مقام روحيّ ، درزياً كان أم سنياً أم علوياً أم مسيحياً ، تحت سلطة البعث . ولدينا في ذلك مثالُ مفتي سورية ووزير أوقافها وغيرهما من العلماء ، المسخرين طوعاً أو إكراهاً ، على الإفتاء بما يلائم هوى السلطة المستبدة .
وتتمة المهزلة هذه ، كانت في الدعوى القضائية المقامة في دمشق على وليد جنبلاط ، بحجة " الدعوة لإستقدام جيوش أجنبية لإحتلال سورية " ؛ كما عبّر عنها أحد نوّاب الشعب السوري ، غير المنتخبين . لقد قرأنا جميعاً تصريح وليد بك ، بهذا الخصوص ، ولم يحتو مضمونه أيّ دعوة ، مزعومة ، لإحتلال سورية . إنّ العالم ، بحسب ما فهمناه من تصريح الزعيم الدرزي ، قد صار إلى التغيّر بحيث ما عاد يُسمح لنظام غاشم الإستفراد بشعبه قتلاً وقهراً ونهباً ، بحجة أنها شؤون مزرعة ، داخلية ، من أملاك آل الأسد ومخلوف ومقرود ! ثمّ أن زعماء لبنان ، جميعاً ، بإستثناء ملحقات البعث ومخلفاته ، طلبوا التدخل الدولي ، إثر إغتيال الرئيس الحريري ، وتمّ لهم ذلك .. فما هي المشكلة ؟ كما أنّ النظام السوري إعترف بالحكومة العراقية الجديدة ، وسفيره الآن في الطرق إلى بغداد ؛ ومن المعلوم كذلك ، أنّ زعماء تلك الحكومة كانوا وهم في المعارضة بعد ، قد دعوا أمريكا لتخليص شعبهم من البعثيّ المتفرعن ، صدام حسين .. فما هي المشكلة ، أيضاً ؟ وقبل كل هذه الأحداث والمآسي ، ألم يرسل الأب القائد ، الراحل حافظ الأسد ، جيشه إلى الجزيرة العربية لمعاونة الجيش الأمريكي ، الذي حضر لتحرير الكويت من إبن العم ، البعثي ، بناءً على دعوة عربية إسلامية صريحة ، فصيحة .. فما المشكلة ، أيضاً وأيضاً ؟؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعددية ، في وصفة بعثية
-
عيدُ الحبّ البيروتي
-
عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
-
المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
-
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
-
القصبات الكردية (2 / 2)
-
الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
-
رؤيا رامبو
-
الميلاد والموت
-
القصبات الكردية
-
المهاجر الكردية الأولى
-
كي لا ينام الدم
-
سنوات النهضة الكردية: مدرسة الشام
-
المصادر الاسطورية لملحمة ياشار کمال ..جبل آ?ري
المزيد.....
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
-
منتقدا الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه.. ترامب يطلق العنان لمبادر
...
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|