|
هل حقاً -السيسى- يسير بمصر الى دولة مدنية ديمقراطية حديثة ؟!
سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.
(Saeid Allam)
الحوار المتمدن-العدد: 5684 - 2017 / 10 / 31 - 22:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل حقاً "السيسى" يسير بمصر الى دولة مدنية ديمقراطية حديثة ؟!
وَقَالَ لَهُمْ: "مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ"! إنجيل متى 21: 13
سعيد علام القاهرة، الثلاثاء 31/10/2017م
هل يمكن لنا ان نصدق اننا متجهون الى اسوان، عندما يكون القطار الذى نستقله يسير متجهاً من القاهرة الى الاسكندرية ؟! فى كلمته اثناء زيارته الاخيرة لباريس، كرر الرئيس عبدالفتاح السيسى: "أنا حريص على إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة".
هل حقاً "السيسى" يسير بمصر الى دولة مدنية ديمقراطية حديثة ؟!
دعونا نبدأ من الاخر ..
اولاً:- هل لدولة حديثة، ان تعادى الحضارات الحديثة ؟!
لقد جاء فى المادة الاولى من دستور 2014:(1) الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمى الى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية.
"لقد حدد انتماء مصر في ثلاث دوائر: العربية والإسلامية والإفريقية، وهو ما يعني قطع علاقة مصر مع حوض الحضارات أي حوض المتوسط، وبالتالي مع الحضارة المعاصرة. إن خدمة وتعميق المعتقد الإيماني هو عمل إيجابي ولكن تأسيس عقل ديني عليه معاد للحرية والتقدم لخدمة أهداف سياسية هو ما أدى إلى ما نحن فيه، ، وهكذا شمل العقل الديني كل شيء. وهكذا يمكن معرفة لماذا خرج من مصر ثلث جماعات الإرهاب باسم الإسلام!."(2)
لقد بدأ الامر منذ عبد الناصر، ففى مواجهة اكبر واقوى تنظيم مناوئ لتنظيم الضباط الاحرار، بعد 1952، واجه عبد الناصر تنظيم الاخوان المسلمين، على محورين، الاول: المحور الامنى، الذى شمل الاعتقالات والاعدامات، اما المحور الثانى: كان،- كما تصور عبد الناصر -، عن طريق سحب البساط "الدينى" من بين يدى الاخوان المسلمين، لقد اتخذ عبد الناصر هدفا تمثل فى احتكار مجال العمل الاسلامى، وتحريم الانشطة الدينية للجماعات التى قد تمثل تهديدا لنظام حكمه، وفى مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين، وبعد ان احتكر عبد الناصر مجال العمل الاسلامى اصبح فى يده سلاحاً مذهبياً فعالا لابطال مفعول جماعة الاخوان المسلمين، واى جماعة اخرى قد تمثل تهديدا مستقبليا لنظام حكمه.
ولتفعيل هذا السلاح المذهبى، تم اعادة احياء مؤسسات الاسلام الرسمى، فعلى سبيل المثال: بعد ان كانت كليات الأزهر، ثلاث:(الشريعة – أصول الدين – اللغة العربية) وكانت تتبعه 7 معاهد في المحافظة (ابتدائي وثانوي)، فأصبح في داخله جامعة كاملة فيها 13 كلية ولها فروع في المحافظات، ومعنى ذلك أنه تم تأسيس جامعة على أساس طائفي يصبح الطالب فيها طبيباً أو مهندسا شرط ان يكون مسلماً!، كما أنشئ 280معهدا عاليا للعلوم الدينية فقط، و6000 معهد ابتدائي وإعدادي وثانوي، وأصبح عدد طلاب المعاهد الدينية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية مليونا و250 ألف طالب وطالبة، وأصبح عدد الشيوخ نصف مليون تقريبا ينتشرون في 190 ألف مسجد وزاوية في أنحاء مصر حتى سنة 1992 فقط.(3)
وقد قال عبد الناصر يوما: "كل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت واحد معا’، وقد وردت العبارة بحرفيتها في مقدمة القانون 103 لسنة 1961 لتنظيم الأزهر: ثم حدد انتماء مصر في ثلاث دوائر:العربية والإفريقية والإسلامية (فلسفة الثورة – ص 102-105) وهو ما يعني قطع علاقة مصر مع حوض الحضارات أي حوض المتوسط، وبالتالي مع الحضارة المعاصرة. إن خدمة وتعميق المعتقد الإيماني هو عمل إيجابي ولكن تأسيس عقل ديني عليه معاد للحرية والتقدم لخدمة أهداف سياسية هو ما أدى إلى ما نحن فيه، ، وهكذا شمل العقل الديني كل شيء. وهكذا يمكن معرفة لماذا خرج من مصر ثلث جماعات الإرهاب باسم الإسلام على المستوى العالمي. كما يقرر - ريتشارد هرير دكمجيان فى كتابه "الأصولية في العالم العربي"، من أن ثلث التنظيمات الإسلامية الراديكالية على مستوى العالم خرجت من مصر، وتعدادها الكلي 92 تنظيما."(4)(5) جميع الانظمة الفاشية، الدينية، العسكرية، القومية، الايديولوجية، معادية للحداثة.
هل لدولة حديثة، ان تكون فيها حقوق الانسان فيها غير اساسية ؟!
جاء فى المادة 24من دستور 2014: اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى بكل مراحله مواد أساسية فى التعليم قبل الجامعي الحكومى والخاص، وتعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة. حقوق الانسان ليست من المواد الاساسية، ولا تدرس فى جميع المراحل التعليمية، بل مجرد ان "تعمل" – اى ليست الزامية - الجامعات على تدريسها فقط!.
ثانياً:- اين يمكننا ان نعثر على اى ممارسة ديمقراطية فى مصر ؟!
هل هناك اى ممارسة للديمقراطية فى النشاط السياسى الطلابى فى الجامعات او فى النشاط السياسى العمالى فى النقابات او فى النشاط السياسى الجماهيرى. هل هناك اى ممارسة للديمقراطية للاحزاب فى الشارع السياسى ؟! هل هناك اى ممارسة للديمقراطية فى توفير حرية العمل لمنظمات المجتمع المدنى ؟! هل هناك اى ممارسة للديمقراطية فى تعدد الاراء فى الاعلام ؟! هل هناك اى ممارسة للديمقراطية للنشاط الجماهيرى المنظم ؟!
طبعاً كل الاجابات بالنفى، سواء بسبب ترسانة التشريعات والقوانين المقيدة للحريات، او بفعل الامر الواقع الامنى شديد السيطرة والاحكام على حركة المجتمع المدنى بكل ادواته!.
لا قضاء على التطرف والارهاب والتخلف، الا عبر الممارسة الفعلية للديمقراطية.
ثالثاً:- هل حقا مصر دولة مدنية ؟!
جاء فى ديباجة دستور 2014 : ".. نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية." كيف دولة ديمقراطية حديثة، وهى دولة ليست مدنية، ولكن احدى سلطاتها، السلطة التنفيذية، "حكومتها" هى المدنية فقط ؟! ماذا يعنى ان تكون سلطة واحدة من سلطات الدولة الثلاث، مدنية ؟!، وماذا عن السلطتان الاخريتان، التشريعية والقضائية ؟!، انه دستور سلطات دولة عرجاء!. ثم، وهو الاهم، ان هوية الدولة لا تحددها هوية كل سلطة من السلطات الثلاث على حدة، ولا حتى السلطات الثلاث مجتمعة، بل العكس هو الصحيح، ان هوية الدولة هى التى تحدد هوية سلطاتها الثلاث، وغيرها من مكونات الدولة!. ان جوهر الخلل الذى تم معالجته بهذا الشكل الاعوج، يكمن فيما جاء فى المادة الثانية من الدستور من ان: " الإسلام دين الدولة، .. ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع."، الذى يصبح من المستحيل بعدها ان تكون سلطتا التشريع والقضاء سلطات مدنية!، وهما المناط بهما، التشريع وتطبيق التشريعات، الاولى "البرلمان" مناط بها التشريع، والثانية "القضاء" مناط بها تطبيق التشريعات، طالما ان "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، اى انه يستحيل ان تكونا اياً من سلطتا التشريع والقضاء، سلطة مدنية!، لذا ليس هناك امكانية الا ان تكون السلطة التنفيذية فقط هى المدنية، اى انه من المستحيل ان تكون الدولة دولة مدنية، انه اعتراف صريح "دستورى" بان مصر ليست دولة مدنية!.(6) مصر دولة دينية بامتياذ، بقيادة سلطة يوليو الممتدة منذ 1952.
تدليس النخبة فى المسألة الدينية !
فى حين ان النخبة المدنية تصدح ليل نهار، بعدائها "الشجاع" لتيار الاسلام السياسى باعتبارة يستغل الدين لتحقيق اهداف سياسية، فأنها تصمت صمت القبور عن استغلال سلطة يوليو الممتدة للدين، بكل الاشكال، لتحقيق اهداف سياسية!.
الى ان تستطيع القوى الفاعلة فى المجتمع المصرى، من ان تطور من اوضاع قوى المجتمع المدنى المستقلة، وعياً وتنظيماً، فان محاولة تغيير السلطة، بطرق غير النضال المدنى لخلق مجتمع مدنى منظم، قادر على المشاركة فى السلطة - على الاقل -، هو قفز الى المجهول / المعلوم، المعلوم على الاقل من الخبرة القريبة، لما جرى بعد 25 يناير 2011، فى ظل ميزان القوى الحادث فى المجتمع المصرى، محلياً واقليمياً ودولياً، حتى الان، خاصة وبكل وضوح، من حالة ضعف تنظيم قوى المجتمع المدنى المستقلة، والذى لا سبيل الى تغييرها، الا من خلال نضال مدنى طويل ومضنى، بكل ما يعنيه ذلك من تضحيات، نضال ضد كل القوى الفاشية فى المجتمع وفى السلطة، يتحقق من خلاله نجاحات فى انتزاع اشكال تنظيمية مدنية مستقلة، يتدرج مستوى نموها مع استمرار النضال عبر الزمن، لتتحقق انتصارات حقيقية على الارض، لتغيير ميزان القوى، على طريق بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة حقاً.(7)
سعيد علام إعلامى وكاتب مستقل [email protected] http://www.facebook.com/saeid.allam http://twitter.com/saeidallam
المصادر: (1) دستور مصر 2014. https://www.constituteproject.org/constitution/Egypt_2014.pdf?lang=ar (2) عندما مارس عبد الناصر الانقلاب الدينى بعد الانقلاب العسكرى – امين المهدى http://www.civicegypt.org/?p=39685 (3) ثلث التنظيمات الإسلامية الاصولية فى العالم، خرجت من مصر ! *: الصراع على -السلطة الدينية- فى مصر ! (1952 – 2017م) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=558391 (4) المصدر السابق. (5) الأصولية في العالم العربي - ريتشارد هرير دكمجيان ص 103 https://www.4shared.com/office/Yx4nI9uxba/____-___.html (6) دستور مصر، دستور دولة دينية بامتياز !. http://www.civicegypt.org/?p=74401 (7) رئيس عسكرى، ذو خلفية عسكرية. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=574738
#سعيد_علام (هاشتاغ)
Saeid_Allam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رئيس عسكرى، ذو خلفية عسكرية !
-
دستور مصر، دستور دولة دينية بامتياز !
-
هل يرحل -السيسى- بعد -صفقة القرن- ؟!
-
-فوبيا- اللجان الخاوية !
-
تعديلات دستور -حسن النية-: السيسى، رئيس -منزوع الدسم-!
-
التعديلات الدستورية وتسلق شجرة السلطة:
-
تعديلات دستورية، ام انقلاب دستورى ؟!
-
اعلان فوز السيسى فى انتخابات 2018 !
-
أحدث جرائم الإعلام المصرى العلاج بالأمراض النفسية
-
من قتل أبرياء أكثر: الارهاب ام الحرب على الارهاب؟!
-
مأزق الجزيرة، ومأزق خصومها ! كل الطرق تؤدى الى -صفقة القرن-.
-
مصر الحائرة ! مخاض ولادة متعسرة: طبيعية ام قيصرية؟!
-
رجعية الدعوة للعودة ل-زمن الفن الجميل-!
-
النخب المصرية، وحلم ال-شعبوية-!
-
ممر -تيران- الى -صفقة القرن- !
-
صخرة السيسى !
-
وباء -التحيز الايديولوجى-! -عبد الحليم قنديل-، نموذجاً.
-
سلطة يوليو، وخلطة -الهوية المشوهة-، للدولة المصرية ! عسكرية
...
-
-متاهة- الشرعية فى مصر ! (1952 – 2017م)
-
ليس لدى -الجنرال- من ينافسه
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|