أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ناجح شاهين - العراق وأوروبا وخروج العرب من التاريخ















المزيد.....

العراق وأوروبا وخروج العرب من التاريخ


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 411 - 2003 / 2 / 28 - 04:58
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 


رام الله ـ فلسطين المحتلة

ليس بوسعنا أن نطالب أنفسنا بأن نهدأ تماماً ونعالج برأس باردة ما يجري في العراق. والواقع أننا نحن العرب لم نعتد أبداً ممارسة التفكير الهادئ، فكيف بنا والقصة تطال أرضاً هي في قلب المشرق، بل مركز المشرق كله لفترة طويلة غطت بضعة قرون كانت فيها مركز المد الحضاري العربي كله. لا مراء أن مطالبتنا للناس بالحكمة لا معنى لها. ولعل العلم الموضوعي الصارم لا مكان له في هذه الأوضاع. لكن أليس مدهشاً بالفعل أننا ـ كالعادة ـ نقترف فعلاً متناقضاَ يتجلى في حكمة منقطعة النظير عندما يتعلق الآمر بالغياب الفادح لأي أثر عربي إن كان على مستوى الحكومات رسميا أو على مستوى الجماهير شعبياً فيما يخص العراق وقصته التي صارت على كل لسان، وجعلت صدام حسين ربما أكثر شهرة مما اشتهى في أي وقت من أوقات حياته السياسية المديدة. لقد أصبح علماً في رأسه نار.

يشتكي الكثير من العرب من عدم التجانس في الموقف الأوروبي الذي يبدو مضطرباً ومرتبكا بما لا يخفى على عين المواطن العادي الذي يشاهد بالعين المجردة ألمانيا وفرنسا في واد بينما بريطانيا في الوادي الآخر. ويشتكي عرب آخرون من غياب الموقف العربي ويمارسون الشتائم بحق العرب لأنهم جبناء وغير مبالين بما يجري بسبب من بلادتهم وضعفهم وغياب أخلاقهم. ولعل علينا على الرغم من الغضب العاجز ـ أعني الغضب الذي لا يقود إلى أي شيء باستثناء تبادل الخطب حول جبن العرب وغبائهم وتخلفهم عن معركتهم..الخ ـ الذي نتشارك فيه مع إخوتنا من المحيط إلى الخليج أن نفكر الأمر بروية وهدوء باعتبار أن الأمور في السياسة كما في واقع الوجود الموضوعي الصلب والمحايث ليست تحت تصرف أي كان ولا طوع بنانه مهما كانت صلته بالغيب قوية. فشروط الواقع الصلبة تحتاج إلى الكثير من العمل من أجل إدخال تعديل جدي عليها، وهذا أمر بالطبع لا علاقة له بالأماني من قريب أو بعيد.

منذ بضعة أسابيع أوضح أريك رولو الصحفي الفرنسي المعروف وعلى أرض رام الله أنه لا وجود لجسم سياسي موحد اسمه أوروبا، وأن القارة في الواقع كيان اعتباري حالياً على الرغم من عدم وجود ما يمنع من تحوله في يوم من الأيام ـ بل نحن نتمنى مع الرجل حدوث ذلك ـ إلى جسم سياسي واحد. أما اليوم فلا يستطيع عاقل أن يفكر أن هوية بريطانيا وألمانيا واحدة. والواقع أن صداقة البلدين لم تتحقق على مدار تاريخهما إلا في الأقل والأندر، أما في الأعم الأغلب فإنهما بلدان عدوان تتعاند مصالحهما، وتفرق ولا تجمع. ومن هنا فليس غريباً أن القارة منقسمة على نفسها في ما يخص الموضوع العراقي.

لكن ـ وهو ما يقفز إلى الذهن في مثل هذه المقاربة ـ هل هناك فوارق جدية بين الحالة العربية والحالة الأوروبية؟ نحن نميل إلى التمهيد بتقديم إجابة فورية تزعم أن الموقف الأوروبي أقرب إلى التجانس مما هو العربي، ولذلك أسبابه. فأولاً تبدو أوروبا في حالة تكامل، بينما يبدو العرب في حالة تماثل، والتكامل سبب من أسباب التقاء المصلحة مما يدفع إلى التقارب والبحث في الوحدة، بينما يؤدي التماثل الاقتصادي إلى التنافس العدائي الاستبعادي، وهو ما يعني أن ما يجمع واقعياً هو في عداد المعدوم بالفعل. وثانيا تبدو أوروبا بسبب من نهوضها الاقتصادي العملاق في حاجة إلى تأكيد حضورها على الساحة الدولية بينما بسبب من تعمق حالة القصور التنموي العربي فإنهم أبعد ما يكونوا عن الطموح للعب أدوار كبيرة على المستوى الدولي أو حتى الإقليمي. إنهم ـ مرة أخرى ـ يتنافسون على رضا السيد اليانكي لا أكثر، وربما أقل.

وهناك أمر آخر مهم هو ميل المواطن في أمم أوروبا إلى التعامل مع هويتين يمكن أن يتكاملا في ذهنه ووجدانه: وهما الأمة والقارة. وليس ذلك هو الحال بالنسبة للعربي، فالواقع أن الأخير في هذه اللحظات يتمزق تماماً بين هويات كثيرة جداً تجعله يتذرر ويتشظى إلى درجة الاستعداد الذاتي للمعازل أو
" الكانتونات" إذا دقت ساعتها. وبشكل عام هناك ثلاث هويات في العالم العربي تتناقض ويستبعد أحدها الآخر: فإضافة إلى الانتماء القومي، هناك الانتماء الديني الأصولي الإسلاموي الذي يستبعد الأقليات الدينية ويجد أخوته الحقة في رباط ينتظم جميع المسلمين أينما وجدوا، وربما يميل في طبعته الأصولية المتشددة إلى تكفير العلمانيين والمخالفين في الرأي أو الاجتهاد..الخ وأحياناً تصل الأمور حدها النهائي: إباحة دم المعارضين من قبل جماعات المجاهدين التي برهنت أكثر من مرة جاهزية واضحة للقيام بأعمال عنف مقدسة ضد من تعتبرهم خارجين على " الدين الصحيح". ويمكن أيضاً ملاحظة موقف أصحاب الدولة القطرية بنزعاتهم الإقليمية التي تذهب إلى تخوين من يضحي بالمصلحة القطرية على مذبح المصلحة القومية العروبية الأكبر. والواقع أن هذه مسألة يصعب حلها لأن الحس القومي كان غير مكتمل النمو أو الجاهزية الواقعية عندما بدأت بوادر إخفاقاته تظهر للعيان. وقد استغلت القطرية والإسلاموية ذلك. ومع أن منافسة معينة قد تحققت أحياناً من جهة الماركسية واليسار في بعض اللحظات والحالات المعزولة، فإنه يبقى أساساً أن الإقليمية والسلفية الدينية شكلتا المنافسين الأخطر للقومية التي تركت مكانها تقريباً للنموذجين الصاعدين بقوة في هذا الزمن عبر شعارات من قبيل "الأردن أولاً" و"مصر أم الدنيا" و"لبنان ـ ما أكبره ـ لكل اللبنانيين" ومن الجهة الأخرى يأتي الشعار الفضفاض " الإسلام هو الحل". ما بين مطرقة التخوين وسنديان التكفير تتحرك القومية في هذا الزمن ويطلب منها القيام بأدوار لا يساندها أحد، فتغترب الفكرة وتتحول إلى وهم معلق في فضاء المفاهيم التي لا وجود لها على أرض الواقع المعاش.

يمكن مع بعض التفاؤل مقارنة الساحة العربية بساحة أوروبا الشرقية، حيث لا طموح لدى أحد لتبؤ منزلة عالمية. هنا تبرز ممارسة البحث عن أي فتات يتساقط على مائدة الأنكل سام. ولأن الدول العربية في مستوى أضعف من شرق أوروبا ذاتها تأتي مواقفها الإقليمية وراء العالم كله. ولم يعد خافياً أن الدول العربية لا تستطيع حتى أن تتظاهر بالحرج بسبب تصاعد الموقف الفرنسي ـ الألماني. وحتى موقفاً " متطرفاً" كموقف بلجيكا الداعي لمحاكمة شارون ما عاد يخجل أحداً. فلكل أولوياته ومصالحه، وأنت لا تستطيع أن تطالب أحداً بما يتجاوز اهتماماته ومصالحه ـ أو أن هذا ما يذهبون إليه من المحيط إلى الخليج. تبدو دول مثل سوريا ولبنان تسير في ركاب مصلحتها عندما ترفض الحرب على العراق، كونها ترى صراعها الأساس مع إسرائيل، أما قطر من بين دول أخرى، فتجد الخطر العراقي أساسياً. والحقيقة أن اجتياح الكويت الذي لا نريد أن نفتح باب " الغيبة " فيه قد قصم ظهر النفاق السياسي العربي وسمح بانكشافه التام، بحيث يبحث " كل حي عن مصلحته " كما يقول التعبير الشعبي.

يتراجع حس المواطن في الدول العربية. ويبدو أن فلسطين كما العراق لا تأتي في رأس قائمة الهموم: إن هم رغيف الخبز والهم الإقليمي والديني تحتل مكانة أكبر، ولذلك فقد يكون موضوع مواجهة "كافر" مثل نصر حامد أبوزيد أهم من حرب الولايات المتحدة المزمعة على العراق. وطبعاً قد يكون ثأراً إقليمياً من العراق أهم من مصير المنطقة العربية برمتها. وهذا هو إحساس كثير من الناس في دول الخليج التي ما تزال على ما يبدو تعيش ـ من حيث إدراك شروط ما يجري في الكون ـ وراء الفراغ.

لذلك كله نزعم أن النهوض بالموقف العربي تجاه القضايا العربية ليصبح في مستوى ارتفاع قامة أوروبا في هذه المرحلة هو أمر في حاجة إلى الكثير من الجهد المنظم الدؤوب بغرض العودة بخيول العروبة إلى الميدان. لكن هذا قد لا يكون متاحاً في هذا الزمن التفكيكي، وربما أن علينا أن ننتظر بضع سنوات نأمل أن لا تطول، لأن ذلك قد يؤدي بالفعل إلى خروج العرب نهائياً من التاريخ، كما يحذر فوزي منصور في كتاب يحمل العنوان ذاته " خروج العرب من التاريخ."

**********

كنعان



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيف والنار في فتح السودان
- حول تأسيس المجتمع مدني
- المجتمع المدني والديمقراطية
- حول الكل الاجتماعي
- المجتمع المدني بين النظرية والممارسة - نموذج: فلسطين
- إما عالم نظيف أو عالم مسلح
- يدقون طبول الحرب، فنرفع رايات الإقليمية
- هل ينقلب سحر الأنكل سام عليه؟
- حرية الفكر والتعبير
- ليس العرب أمة، إنهم مشروع أمة- 2
- ليس العرب أمة، إنهم مشروع أمة -1
- رحلة العذاب عبر الجسور
- عيد بلا فارس ولا جواد
- فنتازيا الدولة السيادية منزوعة السلاح
- إنه زمن عالمية المقاومة
- هل نتجه نحو البربرية الشاملة؟ قراءة تاريخية للأزمة الكونية ا ...


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ناجح شاهين - العراق وأوروبا وخروج العرب من التاريخ