|
حقيقة الشعور الثوري ووهم الجاذبية السياسة :
معتز نادر
الحوار المتمدن-العدد: 5682 - 2017 / 10 / 28 - 19:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أفكر كثيرا بالجدوى الكامنة من مهنة الكتابة وموقعها في مسلسل التقدم الإنساني ومدى حضورها في ذاكرة التاريخ وبتهميش فحواها من قبل الجانب *اليميني* الذي يحكم الحياة بشكلها السياسي المحافظ والمساير للرغبة الشعبية الجامحة - فتنتابني الريبة لأجل ذلك في الحقيقة أريد أن أذهب أبعد من أن أبدو كيساريٍ كارهٍ ورافضٍ للعقلية الذي يمثلها الزيف البراغماتي بوجهه المهين للفعل الإيجابي التلقائي السياسة هي تكريس للمشاعر والقناعات الجماعية من أجلِ ذلك النجاحٌ مضمون وإذا تم بخ القليل من الكلمات الشعبوية في إذن الجمهور الغاوي سيكون الهدف مضمون – هذا الأسلوب للوصول لعقول الناس سيظل رخيصاً ومبتذلاً بالنسبة لصاحب القدرة الإستثنائية الذي سيفضّل البقاء في حالة المترقب المندهش على أن يدخل في خضم المعمعة الشعبية المقروءة حتى لو كان الثمن البقاء تحت إمرة ذلك الشعبوي الجماهيري القائد الذي ربما يجعل صاحب تلك الموهبة الخاصة يعاني من طريقة حكمه بسبب أراء الأخير المختلفة هذا إشكالٌ حقيقيٌ وسوء فهمٍ مجتمعي نوعي عندما تجتمع الطبيعة الإنسانية المتضاربة على ذلك النحو في مكانٍ واحدٍ الحالة المختلفة فنيّا بشكلها الثوري الرافض للشكل التقليدي الحاكم ُتفضل أن تكون ضحية على أن تكون شريكة للعقلية الديماغوجية وهنا ربما يصح تذكر قول الفيلسوف -بيرتراند راسل- بما معناه أن المتشددين وأصحاب النفوذ يغيرون العالم لأنهم يثقون بأنفسهم بعكس الحكماء الذين يفتقدون للثقة بالنفس والإيمان العميق بأفكارهم فيسيطر عليهم الشك - هذه قول رائعٌ وواقعيٌ وهو ليس حكماً نهائياً على الفكرة لكنه وجهة نظر مٌلهمة إذ أن المتوقدين فنيّاً وأدبيّا مترددين وعدم وجودهم في مواقع القرار يعود في أحد أوجهه لخشيتهم المفرطة من الحكم الأخلاقي الشكلي للتاريخ عليهم ، أي تاريخ ؟ التاريخ الأدبي –السياسي- الإرشيفي - هم لا يريدون أن يخسروا إمتيازهم الشرفي والذي هو أنقى حدث في حياتهم مقابل سلطة دنيوية زائلة وعليهم أن يتقبلوا هنا نظرة البعض إليهم بوصفهم يعبرون عن نوع ثقافي نرجسي إستفزازي في حال إفتقدوا للشجاعة التي تجعلهم يقفون أمام قراراتهم بشكل حازم - بصورة مجازية الفن ينهل غالباً من بئرهِ المازوخي بينما السلطة السياسية تستمد جاذبيتها من ساديتها الناعمة خرافية وغريبة جداً حالة السطوة البشرية تلك بنظرتها الكسلى العميقة لحركة الحياة ومهمة السياسة هي أن تجعل الجماهير تعشق تعلقها بقناعاتها وديناميكيتها اليومية من خلال هذا السياسي او ذاك –والسياسي تكمن مهمته وحسب بتكريس تلك القناعات لدى الجمهور -هي لعبة يفهمها الطرفان لكنها يجب أن تُلعب ، لطالما كان الفكر الحاكم فكرٌ وسطي من حيث القيمة البشرية فهو ليس موهوبا وليس عادياً بل مناسباً .. مناسبٌ للحياة اليومية المنخرطة بماكينة النهار ودورة الحياة والفنانون بمختلف تفرعاتهم سيدعمون ذلك التوجه السياسي من غير قصد مالم يكن نتاجهم صادمٌ وعميق الغور على الفنان الحقيقي بنكهته المتمردة أن يرفض دور الضحية في المجتمعات ودور الضحية هنا هو إصراره أن يظل يكتب أي شيء بحثاً عن الإعجاب بينما يظل الحكم السياسي مستمرٌ بإحتقار أمثاله بإتباعه سياسة التهميش والتقليل من إحترام الموهوبين وهذا ما يحدث في العالم الثالث بوجه خاص وبالعالم اللاتيني بصورة أقل فتكاً- لأن هذه الرؤية عبر جانبها السلبي ستُظهر الإبداع بكافة أشكاله بوصفه حركة خادمة للوضع السياسي القائم إنما بقالب ثقافي رقيق وغير لا فت وهذا القالب بطبيعته قريب من حياكة العالم السياسي للأشياء من حوله أما الموهوب الحقيقي الغير مرئي صاحب الظل والخيال الخصب والنموذج الفريد سيحتقر الطرفين أي السياسي والمبدع الضحية ولن يشعر بالراحة معهما وسيظل يشعر بالاهمية إذا ما قورن بالذي يراه من شهوة مزيفة للحياة شهوة تبحث عن خوفها وليس عن سبب خوفها – أنا لا أحبذ العالم السياسي *الذي لا نستطيع التفريط به بطبيعة الحال* لا أحب مغامراته لأني ببساطة لا أشعر بالأمان من خلال تلك المغامرات ولا يستطيع رجل الدولة أن يقول لي بأن مشاعري وتقيماتي هي مشكلتي ذلك لأنه يتدخل بتلك المشاعر من خلال نفوذه ومن ثم أتيقن رويدا رويدا بأن الثقافة السياسية إنما هي ثقافة إستنزافية لحقيقة ما يدور داخل نفس الإنسان ، إن الصوت العالي للسياسة عبر الإعلام والمنابر هو غطاء للعواصف الصامتة في داخل الكائن لكن بشكلها البيروقراطي الباهت الغير مثير -هو تماماً القضاء على رغبة الإنسان بالشعور المتمرد السياسة تكرّس بمعنى ما حالة إقتصادية واقعية لذيذة ومباشرة في طريقة تعامل البشر فيما بينهم بطريقة خفية فالواقع السياسي يمهد للرتابة وللزيارات العائلية والعيش المستقر أستطيع أن أتفهم متعة مزاولتها لكن مشكلة الفكر السياسي المعاصر المستعصية تتحدد بكونها ترغب بتجسيد حالة صدق معتملة ومنظّمة داخل العقل لكنها تفشل في تصديرها للناس فلا يظهر منها إلا صدى تلك الحالة على شاكلة خطابات وعبارات رنانة زائفة أحيانا يريد السياسي اللامع أن يكون صادقاً لكنه يفشل في ذلك لأنه يتعامل بشكل مباشر مع رغبة الناس بالزيف الذي يستهدف وَهم الأمان فينهزم تدريجيا الشيء الصادق والجدير بداخل السياسي ويتحول بالتالي لبوق وصوت وألة تخدع نفسها قبل أن تخدع الأخرين السياسة أيضا هي الضجيج والإنغماس مع الحركة -الحركة التي تتوزع حول ما يريده الناس –مبدأ السياسة يقوم على عدم معاندة تلك الرغبات لدى الأشخاص وفي حال معاندتها لتلك الرغبات ستغدو الأجواء السياسية متصالحة مع مشاعرها الذاتية وستصبح عندئذ ثورة وهنا بالذات وبالتحديد تكمن جدواها وتبدأ تتحول لشيئ نظيف ونقي فتبدأ عملية الإنقلاب على التاريخ الزائف الغير مثير الغارق في سكينة حركية عبّرت عنها تماما تلك السياسات التي كانت سائدة والتي غيرّت المجتمعات لكن الذي غيرته في المجتمعات لم يكن مٌخلصاً ومن أجل ذلك ما زالت السمة الرئيسية للعالم الإنساني بأنه عالم حروب وإقتصادات مرعبة مخيفة لغالبية سكان الأرض، لماذا على سبيل المثال تُلغي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قانون متعلق بتأمين صحي يستفيد منه ملايين الأمريكيين ،هنا انت لا تفهم ما الهدف؟ّ! لكن السياسة الأمريكية تفهم ذلك وهنا يجب القول بأن مهما كان المرء مٌلهما وخلّاقا فإنه لا يمكنه مقاومة رغبته بالتسلّط وبأنه صاحب سلطة يمكنها تغيير أشياء ولكن الحياة تسير هكذا عندما يعرف المرء بأن قراراته ينتظرها الألاف فإن هذه الحقيقة تملؤه بالتميّز الخاص وبالحس الخالد بأنه يمتلك الفكرة الأقوى والأكثر جاذبية وحضوراً و وهماً إذ من الروعة اليقين بأني أمتلك الفكرة التي يفتتن بها الأخرون ، قرارات الإنسان عبر التاريخ تقول بأن التبرير يسبق التصرف ولكنه يكون أقوى وأكثر حسماً بعد تنفيذ التصرف وبالتالي يمنح الشخص شرعية الذهاب بعيداً بأفعاله بالأخص عندما تكون شريرة وخالية من الإحساس * مع الزمن ستبدو فكرة قيادة المجتمع من المؤسسات الحقوقية المرموقة ذات القواعد المتينة اكثر جدارة وأحقية من إعتلاء الأحزاب السياسية للسلطة في المجتمعات –وسيكون مقبولاً قيادته من قِبل الحّركات ذات اللون الفكري المدني الذي لا يرتكز على الوطنية الضيقة في مفهومه لتطوير المجتمع وإنما في إحترامه العميق لتأثير الإرث الفكري ومكانة حركة الإبداع في المجتمع – الأحزاب والحركات الناشئة نسبيّاً و المهتمة بالمشاريع البيئية في أوروبا كأحزاب *الخضر* في فرنسا والمانيا وكندا وأستراليا تُعد مثالا مقبولا لما نتطرق إليه وهناك أحزاب وحركات *نصف سياسية* إن جاز التعبير تحاول صهر الأفكار السياسية المتمثلة بالأحزاب التقليدية في مشروع نوعي وقارّي حاضن إذ فكرة غاية في الحمق وسط هذا الصخب الفكري المتلاطم - وصول أشخاص ذوو رؤية حزبوية ضيقة إلى سدة حكم المجتمع وسيكون مناسبا أن تكون السياسة شريكة في الإقتصاد ، أما حالة التوازنات السياسية العالمية المؤطرة التي يرعاها مجلس الأمن ستظل تفشل على الدوام في تأسيس حالة ألفة بين الشعوب -ودعوتها الشكلية الهشّة المبتذلة للسلم العالمي سيظل موضع إستهتار وإستهانة بالنسبة للباحثين عن راحة الفرد في كل مكان ، يجب أن تسعى المؤسسات المدنية الفاعلة لطموحها نحو عالمية مشروعها و قيادة المجتمع وبالتالي فإن حقيقة رفضها لهذه الغاية بذريعة تبنيها شعار اللاسلطوية يبدو غير مقنعٍ عندما يكون البديل شخص سياسيٌّ ضيق الأفق مفقع بالبراغماتية لماذا علي أن اتقبل واقع أن يكون الثراء سبيلاً إلى السلطة هذا هو الحال في بلد مثل الولايات المتحدة على سبيل المثال ؟ لماذا الثراء والسطوة عند حكام الخليج العربي يَسمح لهم بإعتقال شاعر أو ناشط حقوقي او أي إنسان في المجتمع عبر مؤسساتهم العشائرية القبلية ؟ لماذا عليّنا ان نتقبل ذلك من خلال إصرارنا على أن تظل المنظمات الفاعلة والتي تستطيع شكلا ومضموناً التأثير على صوت الناس خائفة من تلوثّ أخلاقياتها جراّء دخولها عالم السياسية المتشعب بالعلاقات والتوجهات المشبوهة؟ على تلك المؤسسات أن تبتعد عن ذلك الخوف لأنه ليس في محله وليس في صالح أحد عندما تستطيع مؤسسة مدنية جمع ملايين الأصوات دفاعاً عن قضية مستحقة ما وهذا يحدث بطبيعة الحال - لن يصعب حينئذٍ هزيمة شرذمة من المحرضين القوميين في هذه الحالة نحن لسنا بسلطويين رخيصين وإنما حقيقيون نريد أن يحيا الجميع في كل مكان – نريد للناس أن تتنزه وتأكل وتضحك في الحدائق مع عائلاتها نريد العيش وحسب إذا كانت المؤسسات المدنية بحق تؤمن بذلك بشكل واعي وممنهج عليها إذاً ان تنسف من ذهنها فكرة أن تكون بعيدة عن السلطة لصالح العصبوية المالية عديمة الرحمة .. من جانب أخر إذا وقفت للحظة أفكر بعمل الأمين العام للأمم المتحدة سأجد بأن ليس له أي عمل حقيقي يقوم به بالنسبة لصفتهِ وللعبارات التي ينطق بها والتي تصدّر رغبته في السلام -هو مثال للموظف الدبلوماسي الثابت الغير قادر على التحرك أو التأثير بينما يشعر في ذات نفسه أن وجوده في منصبه رفقة عباراته اللطيفة المواسية التي تحاول تهدئة التوترات الدولية تنضوي على أهمية خاصة وهنا الطامة الكبرى ذلك لأن عدم وجود منصب الأمين العام بحلته الحالية لن يكون له أي تأثير سلبي على حياة الشعوب وإنما وجود ذاك المنصب بزيه الدبلوماسي من دون أن يكون له دور فاعل هو الذي يؤذي الحياة والدول لأن في هذه الحالة يكون ثمة غطاء لحالة الظلم المتفشية ولأن عندما يكون المنافس للظلم مشلولاً ومسلوب الإرادة وفق قوانين وضعها هو بنفسه ستتبلور حينها فاعلية اللاعدل وتصبح أشد فتكاً من أي وقت وسيتسنى لدولة عظمى مثل روسيا أن تغتصب العالم لمجرد إعتراضها بمجلس الأمن بإستخدامها الفيتو السحري خاصتها - وبالتالي تغدو النتيجة المرئية التي لا جدال فيها هي أن روسيا تغتصب العالم ليس لأنها دولة عظمى بل لأنها عضوٌ في مجلس الأمن وحسب . العالم السياسي الرخيص والهش سيظل على الدوام يفتقد الشجاعة التي تدفعه للإعتراف بهذا الواقع المرير وجوهر عمل المؤسسات المدنية المحترمة يحتم عليها أن لا تسمح بإستمرار ذلك العالم الرخيص .
#معتز_نادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإلحاد بوصفه قيمة -من كتاب *الحوارالعظيم*
-
غرابة الفرد ومفهوم الحضارة العاكسة:
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|