|
الدين أفيون الشعوب
جولان عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 5680 - 2017 / 10 / 26 - 09:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعدّ هذه العبارة من أشهر أقوال الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس اقتباساً إن لم تكن أكثرها فعلاً. وهي عبارة مقتطعة من سياق قد يختلف تماماً عن السياق الذي تستخدم فيه هذه العبارة غالباً. فقد وردت هذه العبارة في مقدمة ماركس لمؤلَّفه (مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل) وهي مخطوطة لم تنشر إلا بعد وفاته. وأصل السياق هو – والكلام لماركس - «الدين هو زفرة المظلوم، هو قلب عالم عديم القلب، هو روح أوضاع لا روح لها. إنه أفيون الشعوب» . لكن هاتيك العبارة اقتطعت من السياق وذاعت على ألسن الناس. ولعل السياق يوحي أن ماركس قصد أن الإنسان المظلوم المضطهد اختلق الدين وسيلة للهروب من واقعه المرير. ولكن متى يكون الدين أفيوناً بمعنى أنه يلغي وظيفة العقل، ويكون حجاباً بينه وبين إدراك حقائق الأمور؟ عندما يغلب الإنسان إنتماءه الديني (صعوداً إلى أعلى هرم هذا الإنتماء تمسكاً بالكليات أو نزولاً إلى قاعدته تمسكاً بالجزئيات)، أقول عندما يغلب الإنسان إنتماءه الديني على الحقائق الظاهرة الجلية، وعندما يتلقف الكلام بلا تحقيق، عندما يوافق هواه – الديني – ويدقق فيه حد الشعرة والذرة عندما يفترق عن ميوله الدينية. وسأضرب مثلاً تطرقتُ له يوم أمس على صفحتي الشخصية في الفيسبوك، وهو لمقال نشرته الكاتبة إيزابيل بنيامين ماما آشوري في موقع (كتابات في الميزان)، سنة ثلاث عشرة وألفين، عنوانه «مجهولون نصروا الحسين». وقد أحصيت يوم أمس عشرات من المنشورات في موقعي فيسبوك وتويتر تردد ما جاء في هذا المقال، سيما ما تعلق بتلك الشعارات التي ادعت الكاتبة في مقالها أنها وضعت على حافلات لندن بأمر من مدير بلدية لندن في حينها، وقد نشرت في صدر مقالها صوراً لتلك الحافلات. وهنا كان مفعول الدين كفعل الأفيون تماماً، فلم يخطر ببال أولئك المتلقفين لعبارات ذلك المقال، أن يعملوا عقولهم ولو للحظة، أو يكلفوا أنفسهم عناء البحث لخمس دقائق، عن أصل الصور ووثاقتها، وصحة الإدعاءات وأصلها، وإلا لما كرروها واقتبسوها. وهنا سأضع بين يدي من أراد فواقاً، الحقيقية كما هي، بلا تزييف. أما الصور التي نشرتها إيزابيل بنيامين ماما اشوري في مقدمة مقالها فلم تكن أصلا لحافلات مدينة لندن، وكوني قد أقمتُ في المملكة المتحدة قرابة ثلاث سنين، كان سهلاً أن أعرف أن هذه الحافلات في الصورتين هما ليستا من حافلات لندن، ببساطة لأن حافلات لندن لا تكون إلا باللون الأحمر، منذ سنة سبع وتسعمائة بعد الألف وحافلات لندن لا تكون إلا باللون الأحمر، ويمكن للقاريء العزيز التأكد بعمل بحث بسيط في محرك البحث جوجل. وأما حقيقة الصور، فهي في الحقيقة لحافلات مدينة مانجستر. وأما الشعارات فكانت ضمن حملة دعائية أقامتها رابطة تسمى «رابطة محبي المهدي الشبابية» الخيرية، ومقرها مدينة مانجستر، بهدف التعريف بثورة الإمام الحسين «عليه السلام»، شملت الحملة تعليق الشعارات على الحافلات، عارضات الإعلانات في الشوارع ومواقف الحافلات، وبعض أعمدة الإنارة (بعد استحصال موافقة مجلس المدينة). كانت تكلفة الحملة سنة اثنتي عشرة وألفين ما يقارب ستة آلاف باوند، وفي سنة ثلاث عشرة وألفين ما يقارب ثلاثة عشر باونداً. وقد نشرت وكالة أهل البيت الأخبارية الإيرانية تفاصيل هذه الحملة الدعائية في حينها. كما تجده على موقع الرابطة في موقع تويتر. لا يتطلب معرفة هذه الحقائق أكثر من الضغط على بضعة أزرار في لوحة المفاتيح واستخدام محرك البحث، لكن أفيون الدين كما أسلفت يجعل صاحبة يعيش في نشوة الانتصار لدينه على حساب الحقيقة. . ولا تستغرب بعدها إن صادفتك خلال البحث عن تلك المنشورات التي أشرت إليها في بداية المقال، صورة حافلة مكتوب تحتها (باصات لندن تقول: البحث عن الحرية بدأ في عاشوراء) فهذه الصورة أيضاً من فعل نفس الأفيون، فهذه الحافلة أيضاً في مدينة مانجستر، وهي تعود لنفس الحملة، وتلك البناية الظاهرة هي بناية جامعة مانجستر وهذا الشارع هو شارع أوكسْفَرْد في قلب مدينة مانجستر. وقد قامت الرابطة فيما بعد بتأسيس منظمة خيرية وموقع إليكتروني خاص بهذه الحملة، حمل اسم «اليوم العاشر – منظمة يوم التعريف بالإمام الحسين». ويظهر رابط الموقع بوضوح في كل الصور. وهناك ملحوظة أخرى، وهي أن هذه المساحات الإعلانية، يمكن أن تعرض أي مضمون إعلاني: فيلم سينمائي، مشروب كحولي، دعاية لملابس داخلية تظهر فيها بنت شبه عارية، إلخ. هذه هي الحقيقة أيها القاريء العزيز، أضعها بين يديك كما هي، مثالاً على حقن الأفيون التي نتعاطاها كل يوم. وكم من مثلها يسود صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وأضيف ختاماً، أن هذه المنظمة الخيرية، تقيم حملات في غاية الروعة والإنسانية، فهي تقدم المساعدات للمشردين في مركز مدينة مانجستر، وتجمع التبرعات لإغاثة المنكوبين وغيرها، إلا أن واحداً من ناشري تلك الصور والأخبار المكذوبة لم يتطرق لها، رغم أنها قيم الإمام الحسين «عليه السلام» الحقيقية.
#جولان_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|