أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فارس كمال نظمي - عقدة (الطابور) في الشخصية العراقية















المزيد.....

عقدة (الطابور) في الشخصية العراقية


فارس كمال نظمي
(Faris Kamal Nadhmi)


الحوار المتمدن-العدد: 1466 - 2006 / 2 / 19 - 09:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أجيال من العراقيين أضاعت زهور شبابها وكهولتها في الطوابير: طوابير الى جبهات الحروب؛ وطوابير للبحث عن أسماء الشهداء والمفقودين والمعدومين والمعتقلين؛ وطوابيرعند أسوار السجون الأمريكية وسط بلادهم؛ وطوابير للحصول على فرصة عمل أو جواز سفر أو حصة تموينية أو صك مهلهل يعوض عنها؛ وطوابير لتسلم دراهم الراتب التقاعدي؛ وأخيرها وليس آخرها طوابير للفوز بقنينة غاز أو بضعة ألتار من النفط أو البنزين لإدامة ميكانيكة حياتهم الباردة لبضعة ساعات اضافية.
ما هي طبيعة البناء النفسي لإنسان قضى معظم حياته يتنقل بين هذه الطوابير،وما زالت بانتظاره طوابير أخرى مجهولة الهوية؟ يتطلب الجواب تحليلاً متأنياً لـ((عقدة الطابور))، بافتراض أنها أمست ركناً أساسياً ويومياً من سلوك الشخصية العراقية المعاصرة. ويستمد هذا الافتراض أحقيته من التعريف السيكولوجي لمفهوم "العقدة" Complex في إطارها العام، إذ توصف العقدة بأنها ((مجموعة مركبة من ذكريات وأحداث وخبرات مؤلمة مكبوتة ومتكررة، مشحونة بشحنة انفعالية قوية من الذعر أو الغضب أو الاشمئزاز أو الكراهية أو الشعور الخفي بالذنب، تتخذ وظيفة استعداد لا شعوري مكبوت يقسر الفرد على أنماط غير سوية من التفكير والشعور والسلوك)). إن هذا التوصيف لمفهوم "العقدة" يجد صداه في سيكولوجية الفرد العراقي المتصلة بإدمانه على الطوابير طوال عقود من الأزمات والمآسي، وما رافقها من ذكريات وأحداث وخبرات مؤلمة وصادمة.
ومع ذلك، لا يجدر التسليم بصحة الافتراض أن "عقدة الطابور" قد استوطنت في النفس العراقية، ما لم يتم اخضاع هذا الافتراض لتشريح متعدد المباضع والمجاهر والغايات:
طابور أم قطيع؟!
الطابور (بمعناه الأزماتي) حشد من الغرباء عن بعضهم، يجتمعون لغاية صراعية أو خضوعية، بعد ان فشل النظام الاجتماعي بايجاد حلول تعاونية أو عدالوية لمشكلاتهم. وقد اقترن الطابور شرطياً في الذاكرة العراقية الجمعية بالأزمات المفتعلة، وبفساد ذمم الحكام، وبالخوف من القادم، وبالعجز والتسليم بقدرية المآسي، وبالتهميش المبرمج لدور الفرد وفاعليته الاجتماعية، وبالازدراء الكامل للكرامة البشرية، من خلال خطف الانسان من نسقه الطبيعي وسط الحياة اليومية وزجه في طوابير تلغي آدميته وتدمغه بختم القطيع.
وبتحديد أشد، أصبح هاجس "القطيع" بدوره مقترناً شرطياً بمعنى الحياة نفسها. فلكي يحيا الفرد العراقي عليه أن يتقبل فكرة أنه موجود قطيعياً لا إنسانياً، وإن الحياة بحد ذاتها في النهاية ليست أكثر من فرصة "كونية" يمارس فيها الانسان "قطيعيته" مخاطباً نفسه: المعنى أن تكون بلا معنى، وأن تحذف وقتك الشخصي المعبأ بالخصوصية والتأمل والاختيار، لصالح زمن شمولي جبري تنحشر وسط طوابيره التي أعياها الحرمان والذل وكره الحياة! القطيع حقيقتك المعدة لك سلفاً، أما فردانيتك التي تنشد، فحلم يقظة عابر!
الغربة وسط الجموع:
وهكذا جرى استبدال المجتمع (بوظيفته الانتمائية الآمنة) بطابور موحش يكرس غربة الفرد وعزلته الصلبة وانقطاعه النفسي عن الآخر الذي يجاوره، بوصفه منافساً أو نداً له، وفي أحسن الأحوال بوصفه غريباً تشيأ حد فقدان الاحساس بوجوده!
فالمحشور في الطابور العراقي، ينتابه شعور بالوحدة ذو طبيعة مركبة. فهو وحيد وغريب وخائف ومشمئز وسط من يُفترض أنهم ناسه وأقرانه في الهوية والمصير، وهو مقصي وعاجز ومخذول وغاضب وسط عالم يشعر أنه تآمر عليه ليلف حبل هذا الطابور حول عنقه، دونما ذنب يستحقه، فلا يكون أمامه إلا إطلاق تبرير انهزامي يخفف به لا معقولية مصيره، فيصبغ الظلمَ بالعدل مسوغاً آلامه بالقول: ((نستحق نحن العراقيون ما يحصل لنا، فلولا ذنوبنا وآثامنا، ما اقتص الله منا بهذه الطريقة))!
إخدم نفسك بنفسك:
دأبت الدولة العراقية منذ أربعة عقود وحتى اليوم، على دفع الفرد الى ادمان عدم الثقة بها، وسيّجته بعقدة الشك والتهكم المرير نحو كل ما يصدر عنها، حتى غدا تفكيره الاجتماعي في معظمه بنية ً اضطهادية تتغذى على "نظرية المؤامرة" بوصفها المنطق الوحيد "الممكن" لتفسير بؤسه الاجتماعي وعزلته الحضارية. فأصبح الطابور واحداً من مجالاته "الحيوية" لتنفيذ حكمته (عقدته) الجديدة القديمة: ((إخدم نفسك بنفسك أيها العراقي))، والمستقاة من استبداد الدولة وفسادها على مدى عقود، ومن آثام الاحتلال وساديته في الحقبة الأخيرة، إلى جانب مجالات أخرى ترتبط بالطابور ولا تقل عنه مأساوية، مثل اضطرار هذا الفرد الى: توفير الكهرباء ذاتياً، وتعقيم المياه ذاتياً، وتسليك مجاري الفضلات ومياه الأمطار ذاتياً، وتوفير الأمن الشخصي والعائلي ضد الجريمة بأنواعها ذاتياً، والاكتفاء في مجالات التعليم والصحة والمواصلات ذاتياً، وتوفير لقمة العيش ذاتياً باتباع ستراتيجية "المسطر"!
ثقافة الطابور:
فماذا كانت نتيجة هذا المخاض النفسي؟ الطابور في السيكولوجيا الاجتماعية بنية مؤقتة، تستوجبها ضرورات تنظيمية لشؤون الأفراد في حقل ما من حقول الحياة البشرية اليومية. إلا أن الطابور في الحياة العراقية اتخذ منحى مستقراً ودائماً حد البديهية. فانفراط عقد طابور ما، هو ايذان ببدء العد التنازلي لانخراط الفرد في طابور جديد من نوع مشابه أو مغاير. وقد أدت ديمومة هذه الطوابير وتسرطنها الى نشوء ثقافة لفظية وسلوكية، قد يصح تسميتها بـ((ثقافة الطابور))، أصبحت تشغل حيزاً عميقاً من الوعي الاجتماعي للفرد العراقي، حتى يمكن القول أن الطابور استوطن تدريجياً في العقل الباطن للشخصية العراقية، فأمسى "عقدة" تحرك سلوك الفرد لاشعورياً نحو التعامل بإسلوب "أزماتي" حتى مع الظروف الطبيعية التي تقع خارج إطار الأزمات، فصرنا نرصد انتشاراً واسعاً لنمط ((الشخصية الكانزة)) التي تحيط نفسها بكل ما تحتاجه أو لا تحتاجه، إذ يحركها قلق المستقبل والخوف المكبوت من طوابير جديدة قد تختفي وراء الأفق!
تفتيت العقدة:
"عقدة الطابور" هذه ليست عصية على التفتيت، فالاقترانات الشرطية المضادة لها (إن وجدت) ستكون كفيلة بتعديل مسارات السيكولوجيا العراقية تدريجياً، لتتخذ وجهة عقلانية التعامل، فكرياً وانفعالياً، نحو الصعوبات (وحتى الأزمات) السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرشحة للظهور والتكرار باستمرار. غير إن كلمة السر للمباشرة الناجحة بعملية هدم هذه العقدة، تتمثل في المباشرة ببناء الصلة النفسية الآمنة بين الفرد من جهة والمجتمع والدولة من جهة أخرى، أي تنمية شعوره بالثقة والتصديق نحوهما. وهو شعور سيظل تحقيقه مرهوناً بمدى نزاهة الساسة، وتعففهم، ومصداقيتهم، وقدرتهم على تجسير الهوة (ولو جزئياً) بين أقوالهم وأفعالهم. إن عملية اصلاح المجتمع العراقي، إنساناً ودولة، تتطلب حرثاً جذرياً، وبذاراً خصباً، وصبراً واعداً، لعقود طويلة قادمة؛ لكن ذلك لا يعني زج الفرد العراقي في طابور جديد عنوانه: ((انتظار المعجزة))، بل يجدر التعجيل بإشاعة المناخات السياسية الملائمة لجعله يتحسس جزئياً بأنه ليس رقماً محجوراً عليه في طابور جياع لا نهاية له تائهٍ وسط حقول النفط، بل هو قادر على أن يطل برأسه وحتى أن ينأى بنفسه أحياناً عن صرامة هذا الطابور لبضع دقائق، ليشم عطر كرامةٍ...لعلها قادمة!



#فارس_كمال_نظمي (هاشتاغ)       Faris_Kamal_Nadhmi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية(دراسة ميداني ...
- هل كان (مؤيد نعمة) معالجاً نفسياً؟
- الهوية الاجتماعية العراقية...إلى أين؟
- يحملون الجنسية العراقية ويسكنون في العراء وتحت الجسور
- سيكولوجية (الحصة التموينية) لدى فقراء العراق
- الثقافة الدستورية لدى سكان مدينة بغداد – دراسة ميدانية
- اللغة البشرية بين فطرية جومسكي وبنيوية بياجيه
- الـدمـاغ والـعـقـل:جدلية متجددة
- سيكولوجية الحب الرومانسي لدى المرأة
- الاضــطرابـات الـنـفـســية الناجمة عن استخدام الحاسوب والانت ...
- الثقافة العلمية والصحة النفسية للمجتمع
- ثقافة السلاح تنخر شخصية الطفل العراقي
- سيكولوجية الانتخاب لدى الفرد العراقي
- سيكولوجية البطالة لدى حملة الشهادات الأكاديمية في العراق
- المنظور الماركسي للحب بين الجنسين
- رؤية نفسية في صور تعـذيب السجناء العـراقيين في أبو غريب : سا ...
- العنف الجنسي ضد المرأة العراقية
- سيكولوجيا الفوضى المرورية في المدينة العراقية
- التحليل النفسي لشخصية العسكري الأمريكي في العراق


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فارس كمال نظمي - عقدة (الطابور) في الشخصية العراقية