|
المحكمة أضاعت مباديء الوصول إلى دفين ما اقترفه صدام ونظامه
خالد عيسى طه
الحوار المتمدن-العدد: 1466 - 2006 / 2 / 19 - 09:09
المحور:
حقوق الانسان
دردشة على فنجان قهوة
هذا الشعب من أبسط حقوقه أن يرى من أرهبه ومن أجاعه وجوّعه وأذله وزرع الموت في كل دار من الدور العراقية في تعميم يكاد يكون مطلقاً لولا بعض الاستثناءات التي شملت منطقة تكريت العوجة وحلقات الناس المقربين ، ناثري البخور ، مقدمي الولاء المطلق ، وكأنهم وقود لاستمرار ماكينة النظام. إن حتى البسطاء من العراقيين ما كان يتوقع أن يتابع جلسات محكمة تتسم بصفات القضاء العادل وحثها على تمكين المتهم من توضيح موقفه وتبرير أعماله كما يضمنه القانون ويرتب للمتهمين جواً يجيبون فيه على أسئلة المدعي العام. ما هي أسباب فجورهم وثبورهم وارهابهم الذي وصل الى أعلى مراحل الارهاب ويزيد عمّا مرّ بالعراق من سواد. كان المتوقع أن يشاهد العراقي على شاشة التلفزة جواً يبيّن له ما غاب عنه من أسباب ودوافع دفعت الرئيس السابق ونظامه ليقدم على ما أقدم عليه ولفترة خمسة وثلاثون عاماً. مع شديد الأسف وجد العراقيون أنفسهم أمام اتهامات متبادلة وعدم ثقة بين المتهمين والمحكمة وبين المحكمة والمتهمين ، وعلو التشنج رغم كل ضبط العصاب واظهار الهدوء ، إلا أن ما يظهر على تقاسيم وجه رئيس المحكمة كان يدل على مدى اشمئزازه من الوضعية كاملة ، مما يدفع الناس أن ينقسموا فيما بينهم الى مدرستين مختلفتين ، الأولى ترغب في معاملة صدام حسين كرئيس جمهورية وتمكينه من التعليق والصبر عليه حتى وإن تجاوز الخطوط الحمراء مما يتطلبه قانون أصول المحاكمات الجزائية والقانون رقم 10 الصادر سنة 2003 في تشكيل المحكمة الجنائية العليا لمحاكمة رموز النظام السابق ، ومدرسة أخرى تطالب باعدامه بأسرع وقت ممكن. ما كان أروع من حلقات محاكمة تنساب بشكل تعرية حقيقية عما جرى في العراق من مآسي هذا وحده بالتأكيد يرضي أكثر الناس ألماً وأفجعهم مصيبة إذ إن في رأيي صدام حسين لم تدفعه طائفية أو حقداً مزاجياً على أحد وإنما كان يحقق ذاته ويحقق نفسيته الغير طبيعية. لو كان للمحكمة إدعاء عام متمرس بالشكل الذي يوازي أهمية صدام وذكائه الفطري ، وبعض ثقافته القانونية كان يستطيع أن يضع صدام في قفص الاتهام عارياً من كل صفات الرئيس الحريص على شعبه وعلى أمته . أنا لا أدري كيف كان صدام يجيب على الاسئلة التالية التي كنت سأوجهها لو كنت أنا أمثل الادعاء العام: السؤال الأول: أنت متهم بقتل أقرب الأقربين وهم أصهارك وذوي قرباك بالاضافة لقتلك وزير الصحة . السؤال الثاني: لقد تجاوزت حدود رئيس حزب يوم أمرت بمحاكمة صورية لكادر متقدم من حزب البعث الاشتراكي الذي أنت رئيسه ، ومثال ذلك عبد الخالق السامرائي ومحمد عايش وآخرون ، وجرى إعدامهم بالرصاص والقائمين على الاعدام هم رؤساء فرق من الحزب الحاكم ، ثم الرئيس أصرّ أن هؤلاء خونة ومارقين ومن حقه أن يعاملهم بهذا الشكل ، وأثناء الجلسة تتراقص أمام المشاهد ألف ألف سؤال . هذه الأمثلة تأتي من كلام برزان التكريتي وأخوه رئيس الجمهورية ، اتفقا الاثنين أن حياة الناس وأمنهم وأعراضهم متروكة لشخصين فقط ، رئيس الجمهورية ورئيس المخابرات افتخر أن الأمريكان لم يستطيعوا خرق جهاز المخابرات التي أنشأها ورتبها بارشاد دول أوربية متمرسة وخاصة ألمانيا الديمقراطية في نظامها الشمولي المشابه ، وأكد أن الأوامر يصدرها صدام وتغلف بكيس يوقع عليه شخصياً ولا يفتحه الا رئيس المخابرات ، فما كان يقدمه رئيس المخابرات من تقارير ومعلومات تأتي عليها الهوامش، وهي لا تمييز ولا طعن بها ولا حتى النقاش ، ولا علم لأي أحد من الدولة بما يجري. إني كمحامي محترف تراود ذهني أثناء كلامه أن المتهم المعدوم الدكتور سفيان حسن سامي التتر وزميله الدكتور الأخصائي هشام ماهر السلمان واثنين من مدراء المستشفى ورفعت المخابرات له أن في حفلة جيء بسيرة الرئيس وعلى نكتة غير متعمدة فضحك الدكتور هشام ماهر بصوتٍ عالٍ ، وأحيلت القضية إلى المحكمة العسكرية الخاصة وحكم عليهما بالسجن سنتين ولكن الرئيس وبالتعاون مع مدير المخابرات جعل العقوبة إعدام بدلاً من السجن لمدة سنتين، واعدموا فعلاً بدون إجراء محاكمة ودفعوا ثمناً لضحكة . أليس من حق الشعب العراقي أن يواصل قلقه على مجريات هذه المحاكمة التي يجب أن تشفي غليله على الأقل ، ولماذا جاءت هذه الجرائم ، وأين الحرية وأين الديمقراطية ، وكيف كان البلد يسير بإرادة الرئيس فقط ودائرة مخابرات أقوى مخابرات في المنطقة ويرأسها الأخ الغير شقيق للرئيس. هذا الرأي ليس فيه تحامل على الرئيس ولا على المتهمين بل على العكس ، ولكننا نحمل مصابيحاً في أيدينا في مسيرتنا لسبر غور هذا الظلم والظلمة التي أحاطت بالشعب العراقي على مدى 35 سنة ، فكنا نتوقع أن تكون المحكمة في المستوى الذي يستطيع صدام حسين أن يفسر لماذا ، وسبب ما قام به ويترك للشعب المظلوم قبول أو عدم قبول عذره ومقابر الشعب الجماعية منتشرة على جغرافية العراق ، وحلبجة التي تعفنت جثث المصابين بالكيمياوي ، والروضه الحيدرية والمدن المقدسة ، ضربت بكل مهانة للدين وقدسية الأبرار. نحن كمحامين وأصحاب فكر قانوني ، نتمنى أن نرى المحاكمات القادمة أكثر قرباً إلى مشاعر الناس ، مشاعر المظلومين ، مشاعر الثكالى ، مشاعر الأيتام ، وذوي الشهداء الذين قبروا بملابسهم وبدون قراءة الفاتحة على أرواحهم .
#خالد_عيسى_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للعدل وزير لا يؤمن بعدل القانون
-
الخيانة القانونية قد تكون مقبولة .. ولكن فلسفتها.. مستحيلة -
...
-
الخيانة القانونية قد تكون مقبولة .. ولكن فلسفتها.. مستحيلة -
...
-
وعْيُنا.. درعُنا الوطني
-
الفساد الاداري في ظل المحاصصة
-
المحامي العراقي بين زمنين
-
الدستور الجديد : بين القبول والرفض
-
الديمقراطية تحت المحك
-
النفط العراقي والسياسة
-
أيرحم الارهابيون اطفالنا في العيد
-
أيرحم الارهابيون اطفالنا في العيد !
-
ما يدين صدام حسين عند محاكمته
-
حكومة الجعفري بين الوعود والنتائج
-
دور المرجعية الدينية في الانتخابات - ضمن التقسيمات العراقية
...
-
بين الولاء الطائفي الامريكي وبين تشريع وطني الدستور يتأرجح
-
صياغة دستور ... لا يتضمن الديمقراطية،بل حسن التطبيق هو الاهم
-
من المستفيد من تفجير عاصمة بلد الضباب؟
-
الكل تحت مظلة ..عراقية..
-
تأملات في الحياة السياسية العراقية
-
من يكتب الدستور
المزيد.....
-
قائد الثورة : اصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو غير كاف بل يجب
...
-
قائد الثورة: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكيان الصهيون
...
-
حملة اعتقالات بالضفة تطال 22 فلسطينيا بينهم صحفي وجريح
-
هيومن رايتس:-إسرائيل- استهدفت صحافيين بلبنان بأسلحة أميركية
...
-
عاجل | المرشد الإيراني: إصدار قرار الاعتقال لقادة إسرائيل لا
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|