|
- أحمد يونس - ... محطات من حياته
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5674 - 2017 / 10 / 20 - 02:34
المحور:
سيرة ذاتية
توفي والدي في بداية سنة 1968 ، وأنا لم أبلغ الثالثة عشر بعد ، في بغداد ، فتكفل بي أخوايَ الكبيران أحمد وسردار . أحمد الذي يكبرني بستة عشر عاماً وسردار يكبرني بإثنَي عشر عاماً . لم يكُن أحمد أخي الأكبر فقط ، بل كان بمثابة أبي في الواقع . ومن حقهِ عليّ ، بعد أن فارَقَنا قبل أيام ... أن أستذكر بعض المحطات من حياته : * لم يكمل أحمد السنة الأولى من عمره بعد ، في 1940 ، حين اٌلقِيَ القبض على والده " يونس " في العمادية ، حيث سُجنَ في الموصل ، لمدة سنة بتهمة إنتماءه لتنظيمٍ سياسيٍ محضور " حزب هيوا " . * كانَ والدِنا يونس ، مُنخَرِطاً منذ شبابه ، في نشاطات سياسية ، ومُنحازاً للفقراء والفلاحين ضد الإقطاع والآغوات .. فلم يكن غريباً على أخي أحمد أن يعتنق الأفكار الثورية اليسارية ، منذ شبابه المبكر . * شاركَ أحمد في المظاهرات المُنددة بالعدوان الثلاثي على مصر في 1956 في دهوك وأربيل ، وكان مُنتمياً حينها للحزب الشيوعي العراقي . * بعد دراسته في إعدادية الآلات والمكائن الزراعية في أربيل " ربما اسم الإعدادية ليس دقيقاً ، لكنها على أية حال ، كانت تختص بالمككنة الزراعية " ... إنتقلَ أحمد إلى بغداد نهاية الخمسينيات وإستقر فيها . عمل في الشورجة عند تاجرٍ معروف ، وتدرج بُسرعة من عاملٍ عادي إلى محاسب وإداري بسبب إخلاصه ومثابرته في العمل . * في أواخِر 1959 ، نُفِيَ أبي من العمادية ، بعد أحداث " معركة السوق " التي جرَتْ بين مُؤيدي الحزب الشيوعي من جهة ومؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة أخرى . فنُفِيَ بضعة أشخاص من مؤيدي الديمقراطي ، وآخرين من مؤيدي الحزب الشيوعي حيث كان والدي واحداً منهم . فبقينا سنةً في ناحية كنعان في بعقوبة . وبعد إنتهاء مُدة النَفي ، توجهنا إلى بغداد ولم نَعُد الى العمادية . فتكفل أحمد بتأجير دارٍ لنا في بغداد الجديدة ، في منطقة الأمين الأولى . * نالَ أحمد ، نصيبه من عذابات ومُعاناة الإنقلاب الفاشي في شباط 1963 ، حيث بَقِيَ لأيامٍ في قصر النهاية سيئ الصيت . وحين كان مسجوناً ... فَلتْنا نحنُ بقية عائلته من المُلاحقة والإنتقام ، بمُفارقةٍ غريبة ... حيث ان أخي الراحل سردار ، كان له صديقٌ مُقّرَب في المحَلة أسمه " عدنان " ، تبينَ في صبيحة الثامن من شُباط الأسود ، أنه من نُشطاء الحرس القومي . فنصحَ سردار أن يلبس زَي الحرس القومي ، وأعطاهُ زَياً ومُسدساً أيضاً ... فلم يقترب أحدٌ من منزلنا ! . في تلك الأيام العصيبة المجنونة المليئةِ بالعنف والدم ... شهَدْنا أنا ووالديَ وأخواتي وضعاً في غاية الغرابة : أخي الشيوعي أحمد في قصر النهاية .. وأخي سردار الشيوعي أيضاً أو المتعاطف على الأقل ، مُتخفِياً في زي الحرس القومي ! . لا زلتُ أتذكر عدنان ، صديق أخي سردار .. عدنان الخلوق الطيب .. وأتعجبُ كيف أن شخصاً مثله ينتمي إلى تشكيلٍ فاشي مثل الحرس القومي . لا زلتُ أذكر أرغفة خبز التنور التي تخبزها أم عدنان الطيبة . طوبى لعدنان الذي أنقذنا حينذاك .. وطوبى لأخي سردار لمجازفته الخطِرة . فلتَ أحمد من قصر النهاية بعد مُدّةٍ ، بإعجوبة ... فكان أول شئٍ قام بهِ هو إنتقالنا إلى دارٍ اُخرى في النعيرية . * إنحاز أحمد إلى جماعة القيادة المركزية أي عزيز الحاج . اُلقِيَ القبض على أحمد في نهاية الستينيات ، وسُجِنَ في الفضيلية . أتذكرُ جيداً المَرّة التي ذهبنا فيها للمواجهة ، حيث أخّذْنا معنا طعاماً وسكائِر وملابس ... إندهشتُ عندما رأيتُ أحمد ورفاقه في سجن الفضيلية ، وهُم بمعنويات عالية والشعارات الثورية مكتوبة هنا وهناك . بعد وقوع عزيز الحاج نفسه ، في أيدي سلطات البعث ، وظهوره على التلفزيون وإعلانه تخليه عن المواصلة . اُفرِج عن جميع المعتقلين . كانتْ هذه نهاية العلاقة التنظيمية لأحمد مع الحزب الشيوعي العراقي . ولم ينتمِ بعدها لأي حزبٍ أو تنظيمٍ آخَر على الإطلاق . تفرَغَ أحمد بعدها ، وكافحَ من أجل شق طريقه في عالم الأعمال ، مُستغلاً خبرته وإندفاعه وعلاقاته الجيدة مع الناس . وإستطاعَ في بداية السبعينيات ، أن يشتري داراً لنا في منطقة الغدير ، فتخلصنا من مشاكل الإيجار لأول مرّة . .......................... - توزعتْ حياة أحمد ، من الناحية المادية ، بينَ مَدٍ وجَزر ... وكانتْ إنعكاساً لطبيعة حياتنا المضطربة كعراقيين أولاً وكُرد ثانياً . فطيلة الستينيات ، عانَينا نحنُ العائلة الكبيرة عدداً ، من شظف العيش في بغداد ، ولا سّيما في الفترات التي كانَ فيها ، والدنا مُلاحَقاً بسبب إخباريات كيدية مُرسَلة من العمادية من ذيول الإقطاعيين ، وأحمد مُنخرطاً بحماس في نشاطه الحزبي المحفوف بالمخاطِر مع عمله في الشورجة وأماكن أخرى ، وسردار إلى جانب إكماله الدراسة المسائية في ثانوية التفيُض ، ثم بعدها تخرجه من كلية الإدارة والإقتصاد ، كان يعمل قبل تعيينه في دائرةٍ حكومية ، في إدارة مطعم ثم في محلٍ للمرطبات .. الخ . النصف الأول من الستينيات في بغداد ... بالنسبة لنا كعائلة ، تخلَلَتْه فترات صعبة عانَينا فيها من العَوز والحرمان . حتى في تلك السنوات ، كانَ أحمد لا يتوانى عن تقديم يد العَون قَدر الإمكان ، لكُل مَنْ يطلب منه ذلك ولا سيما للطلبة من أهالي العمادية الدارسين في بغداد . تحسنتْ أوضاعنا نسبياً في النصف الثاني من الستينيات ... حيث تعينَ سردار، وفتحَ أبي دُكاناً في سوق بغداد الجديدة ، وإستمرَ أحمد في تحسين أوضاعنا تدريجياً . - في بداية السبعينيات بدأ أحمد مرحلة جديدة من حياته ، بالعمل في المقاولات الإنشائية .. التي نجحَ فيها . - ينطبق القَول ( هناك نوعان من الأشخاص : أشخاصٌ عندهم مالٌ وفير .. وأشخاصٌ أغنياء ) على أحمد . ففي الثمانينيات والتسعينيات ، كانتْ هنالك فترات يمتلك فيها أحمد أموالاً طائلة ، قلما كان غيره يمتلكها ... وفي مراحل أخرى وتحت ظروفٍ مُغايرة ، كان لا يمتلك شيئاً . لكن في جميع الأوقات كانَ " عاطِياً " .. فأحمد كان يتمتع بفضيلة العطاء دوماً ... أي أنهُ كانَ ( غَنِياً ) على طول الخَط ... سواء كان عنده فلوس أو لم يكن عنده . في حين هنالك أشخاصٌ لديهم أموالٌ طائلة ، لكنهم ليسوا " أغنياء " لأنهم يفتقدون مَلَكة العطاء والكَرَم . - من فضائِل أحمد ، أنه كان ذو قابلية كبيرة على تحّمُل الضغوطات ومُجابهة الأوقات الصعبة ... فطالما عانى في سنواته الأخيرة من صعوبات مادية جّمة وضغوطات متنوعة ... كان يُجابهها بإرادةٍ فولاذية ، متمتعاً بتفاؤلٍ دائمي . - من أبدع صفات أحمد .. أنهُ لم يكُن مُتلوناً إنتهازياً . فترك السياسة في جانبها التنظيمي نهاية الستينيات .. ولم ينتمِ إلى أي حزبٍ بعدها رغم الضغوطات الكبيرة من جانب والإغراءات الكبيرة من جانبٍ آخَر . وكان يفتخر دوماً بتأريخ نضاله ضمن صفوف الحزب الشيوعي . أحمد كانَ إنساني النزعة بإمتياز مُتخطِياً كافة الإنتماءات الفرعية . - لا يوجد إنسانٌ مِثالي .. ولا يوجد بشرٌ مُتكامِل ... وإخي الراحِل أحمد ، كانَتْ له سلبياته وسقطاته أيضاً ... لكني لا أجانب الحقيقة ، إذ أقول أن كَفَة حسناته وفضائله أثقل كثيراً من الكَفةِ الأخرى .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حمكو المجنون يقول : الإنتخابات ستُؤجَل
-
صِراعٌ على الحدود
-
بين أربيل وبغداد
-
رسالة إلى الشوفينيين العَرَب والكُرد
-
عَنْ وحَولَ إستفتاء كردستان
-
دعوةٌ إلى التعقُل والهدوء
-
مَعَ ... ضِد
-
القميص
-
إستفتاء الإنفصال .. مُلاحظات بسيطة
-
على هامش إستفتاء إنفصال كردستان
-
مُذكرات خَروف
-
مِن هُنا وهُناك
-
أني أحْتَج
-
خواطِر من روبار العمادية
-
- شيائِكة -
-
عن الموصل ، ثانية
-
فوضى اليوم ... فوضى الغَد
-
في إنتظار - العيدية -
-
- دَولة كردستان -
-
ألَنْ ديلون .. وإسماعيل ياس
المزيد.....
-
ترودو يعلن تعليق الرسوم الجمركية الأمريكية على كندا لمدة 30
...
-
مصر.. وفاة أحد أشهر مذيعي الإذاعة المصرية
-
صحيفة -معاريف- تكشف عن سببين يدفعان نتنياهو لإقالة رئيس -الش
...
-
ترامب يتجنب الإجابة عن سؤال حول ضم إسرائيل للضفة الغربية
-
نجل ترامب مشتبه به في الصيد غير المشروع في شمال إيطاليا
-
قراءة في صحافة السعودية لزيارة الشرع للمملكة ولقائه الأمير م
...
-
الشرع عشية زيارته لتركيا: قسد- مستعدة لحصر السلاح بيد الدولة
...
-
بعد محادثة مع ترامب.. رئيس الوزراء الكندي يعلن تعليق التعريف
...
-
البيت الأبيض: ترامب يعتزم أن يتحدث مع شي جين بينغ خلال الـ 2
...
-
الخارجية الروسية تحدد شروط ومحتوى المفاوضات المحتملة بشأن أو
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|