|
لماذا الحديث عن تأسيس تيار وطني ديمقراطي اجتماعي في سورية
معقل زهور عدي
الحوار المتمدن-العدد: 1466 - 2006 / 2 / 19 - 09:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
نشر موقع البديل لنشطاء مناهضة العولمة في سورية نص وثيقة مقترحة لتأسيس تيار وطني – ديمقراطي – اجتماعي ، ويهمني في هذا المقال مناقشة الخلفية الفكرية السياسية التي تستند اليها تلك المبادرة في محاولة لتبين مغزاها ودلالتها في سياق تطور الصراع الاجتماعي – السياسي الجاري في سورية . خلف المشهد السكوني الراهن والذي يتكون من عناصر متعددة ومتداخلة تتضافر وتتكثف حول ضرورات ملحة ( الحريات العامة ، دولة القانون ، محاربة الفساد ، الديمقراطية ) تختفي تشكيلات متنوعة من المصالح الاجتماعية والتيارات الفكرية يرتبط بعضها بآخر صيحات العولمة الرأسمالية ، وبعضها الآخر مازال يرتبط بتشكيلات اجتماعية مغلقة وقديمة تحاول يائسة الدفاع عن وجودها ومصالحها المهددين . طرح ( اعلان دمشق ) التغيير الوطني الديمقراطي كمهمة تاريخية ، وسعى الى ايجاد تحالف واسع ليكون حاملا اجتماعيا لها ، وفي رؤيته ( التاريخية ) تلك أظهر استعدادا للتنازل عن الايديولوجيات لصالح الامساك باللحظة التاريخية الراهنة والبناء عليها . للوهلة الأولى تبدو تلك النظرة واقعية تحاول الاستفادة من دروس الماضي . المشكلة هنا في رؤيوية تلك النظرة ، فاللحظة التاريخية لاتطرح التغيير الديمقراطي فقط ، أو هي لاتطرحه معزولا ، ولكنها تطرحه من جهة وتطرح مسائل اجتماعية – سياسية أخرى بنفس الحدة يؤدي التقليل منها ليس فقط الى عدم الامساك باللحظة التاريخية ، ولكن الى احتمال تحويل التغيير الديمقراطي الى مسخ قد يتمخض عن مجرد تغيير في شكل النظام السياسي وانفراج عام دون الانتقال الى ديمقراطية حقيقية ( ديمقراطية مصرية أو اردنية ) أو بالانتقال الى دولة محاصصة طائفية وعرقية ( ديمقراطية عراقية ) . يمكن القول بتحفظ أنه اذا كانت المسألة مسألة تغيير في شكل النظام مع انفراج عام فتلك مسألة قد حسمها مجمل تطور الوضع السياسي السوري آخذين بالاعتبار العلاقة بالسياسة الدولية وتكاد تكون في متناول اليد . اما اذا كانت المسألة مسألة تأسيس ديمقراطية حقيقية بعيدة عن الاشكال الطائفية ، ديمقراطية مشاركة شعبية وليس ديمقراطية شكلية لأصحاب الأموال والمافيات وأمراء التعصب الفئوي والعشائري فهذا سيحيلنا ثانية للوحة الصراع الاجتماعي – الداخلي في علاقته مع الصراع الاجتماعي الجاري على نطاق العالم . في اعلان دمشق رؤية تحاول الركوب على نتيجة حسمها تاريخ الصراع السياسي وستنفذ غالبا ليس بيد قوى اعلان دمشق بل خارجها . المبادرة التي تطلقها الوثيقة المقترحة لتأسيس تيار وطني – ديمقراطي اجتماعي تتوجه الى الأحزاب السياسية داخل وخارج التجمع الوطني الديمقراطي والتي تقف بتراثها السياسي على أرضيات متشابهة بينما تعاني اليوم من تاثير الرؤيوية التي رافقت اعلان دمشق والتي تحاول تحويل الاعلان من مقترح برنامج مرحلي تكتيكي الى شيء يشبه الايديولوجيا الجديدة ، ايديولوجيا تمزج داخلها عناصر فكرية متباينة لتخرج وكأنها الايديولوجيا البديلة عن برامج الأحزاب السياسية للتجمع الوطني الديمقراطي ، ولكون تلك الأحزاب تعاني بصورة طبيعية من ضعف تجديد برامجها السياسية التي فقدت جاذبيتها بسبب تدهور الروح النقدية فقد أصبحت قابلة لاستقبال الايديولوجيا الجديدة والتأثر بها . ثمة مسافة بين البرنامج المرحلي التكتيكي الذي تمليه موازين القوى والمرتبط بهدف التغيير الوطني الديمقراطي وبين تحويل ذلك البرنامج الى خط سياسي – فكري بديل يلغي الخط السياسي الفكري للتجمع الوطني الديمقراطي . هذا الفرق يتضح بسهولة حين يستعرض المرء الخط السياسي الفكري للتيار الليبرالي الذي يمثله أفضل تمثيل السيد رياض سيف الذي لانملك سوى أن نحترم رأيه بقدر ما نختلف معه . وبهذه المناسبة لعل من المفيد التذكير بالفرق بين ليبرالية السيد رياض سيف ( وريثة الليبرالية التقليدية ) ذات القاعدة الاجتماعية والجذور التاريخية وما يمنحه ذلك لها من حس بالانتماء وبين الليبرالية الجديدة ( اليسار الليبرالي ) التي لاتملك مثل تلك الجذور ، وتدفعها أزمة الانتماء لمواقف سياسية متناقضة تقف في بعض الأحيان على يمين الليبرالية التقليدية . وفي الاسقاط على أرض الممارسة يتضح الفرق بين النظرة التي تميز الخط الفكري السياسي عن البرنامج المرحلي التكتيكي بكونها تسعى الى ايجاد آليات عمل مشتركة وتجد ان جوهر وظيفة أية هيئة قيادية تمثل البرنامج المرحلي ( التحالف ) تكمن في التنسيق ووضع تكتيكات تسمح بتوسيع أرضية التحالف واستخدام الأدوات المتاحة كالاعلام والرأي العام للوصول الى الناس والى معسكر النظام أيضا لكسب من يمكن كسبه او تحييده والنفاذ الى عمق المجتمع عن طريق مختلف الهيئات المدنية والاجتماعية . أما النظرة الأخرى التي تدمج البرنامج المرحلي بالخط السياسي الفكري فتندفع باسم اعلان دمشق الى متاهات السياسة الخارجية وتحليلات الأوضاع الاقليمية وايجاد قاموس جديد للمصطلحات والمفاهيم كالمنظومة العربية ، بل ومهاجمة خطوط فكرية سياسية أخرى ، وفي المقابل تظهر بؤسا في التعامل مع المجتمع وما يفرزه من تعابير مدنية وثقافية وسياسية هي أكثر تنوعا وغنى من أية مخططات مسبقة التصميم . سعت الوثيقة المقترحة لتأسيس تيار وطني ديمقراطي اجتماعي الى اعادة ابراز الانتماء الأصلي لتيار التجمع الوطني الديمقراطي باعتباره الخط الفكري السياسي للكتلة التاريخية ( الطبقات الوسطى والفقيرة وجزء من الليبرالية الوطنية ) هذا الخط يقوم على تمسكه بأهداف ثلاثة : الهدف الديمقراطي ، الهدف الوطني – القومي ، الهدف الاجتماعي ، معتبرا ان من غير المقبول في أي وقت التفريط بأحد تلك الأهداف لصالح هدف آخر . ولكون الحامل الاجتماعي الحقيقي للديمقراطية في مفهومها الوطني – التشاركي ( ديمقراطية وطنية لاطائفية ) لأوسع فئات الشعب وليس لأصحاب الثروات ، تكفل حدا من العدالة الاجتماعية ولاتدوس على مصالح الملايين من أجل حفنة من الأغنياء ، تحفظ للبلاد سيادتها وانتمائها الحضاري العربي الاسلامي ولاتفرط بهويتها وارادتها تحت ضغط قوى العولمة ، هذا الحامل الاجتماعي لمثل تلك الديمقراطية لايمكن ان يكون سوى الكتلة التاريخية التي يتكون جسدها الأساسي من الطبقات الشعبية والوسطى ومن ينحاز اليها من الليبرالية الوطنية ، من أجل ذلك كان ثمة تلازم بين المضي قدما في الديمقراطية الحقيقية وبين تبلور الوعي السياسي للحامل الاجتماعي لها . هذا الخط السياسي الفكري قد تم طمسه أو تشويهه منذ فترة بفعل تيار اليسار الليبرالي الذي حاول استبداله بوهم ايديولوجي واضعا المسألة الديمقراطية في مواجهة المسألة الوطنية – القومية والمسالة الاجتماعية ومحاولا وضع الآخرين أمام خيارين لاثالث لهما : اما ان تكونوا مع الديمقراطية بمفهومها الرأسمالي دون تحفظ وبالتالي تضعوا أهدافكم الوطنية – القومية والاجتماعية على الرف أو تسلموها لنا لنعيد انتاجها لكم بصيغ أكثر لطفا وأناقة ( المنظومة العربية ) أو تكونوا مع الاستبداد والقومجية واليسارية والعياذ بالله . لقد كشف تيار اليسار الليبرالي عن نفسه ( رغم محاولات التنكر المستمرة ) في عدة مواقف ، فهو لايعترف بمشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة ، ولايهمه ماجرى في العراق من قتل وتدمير وتفكيك ( في الواقع هو يعتبره انجازا ديمقراطيا ) ، وفي الموقف الملتبس من المسألة الفلسطينية وخط المقاومة ، وكذلك في مسألة الانتماء العربي ، وموقفه من الديمقراطية الطائفية ، ودعمه غير المشروط لاقتصاد السوق . مشكلتنا مع تيار اليسار الليبرالي أنه لايستطيع العمل سوى داخل الأحزاب والتيارات الوطنية – القومية – الديمقراطية – اليسارية أو بالقرب منها باذلا جهده لحرفها بالاتجاه الليبرالي . من أجل ذلك كان ضروريا ظهور الوثيقة المقترحة لتأسيس تيار وطني – ديمقراطي – اجتماعي . في الحقيقة لاشيء جديد ، فالتيار المفترض هو ذاته تيار التجمع الوطني الديمقراطي مضافا اليه بعض الأحزاب والقوى المتشكلة حديثا كمناهضة العولمة ،وبعض اللجان والهيئات المدنية ، هو تيار الكتلة التاريخية ، ماهو مطلوب أن لانسمح للتيار الليبرالي بنسفه أو اختطافه ، وان نهتم بنقده وتجديده في ذات الوقت ، خاصة في المسألة الديمقراطية ، آخذين بالاعتبار الشروط المستجدة لمرحلة العولمة . هي دعوة لوعي البرنامج السياسي الفكري لذلك التيار وتميزه خارج اعلان دمشق و داخله على حد سواء .
#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول المسؤولية في التطاول على النبي الكريم
-
درس في الديمقراطية من القدس
-
نقد الفكر المعارض في سورية
-
هوامش على كتاب سمير امين وفرانسوا اوتار ( مناهضة العولمة – ح
...
-
هوامش على كتاب سمير امين وفرانسوا اوتار ( مناهضة العولمة – ح
...
-
هوامش على كتاب سمير امين وفرانسوا اوتار ( مناهضة العولمة – ح
...
-
السباحة عكس التيار
-
خيارات اعلان دمشق
-
تضامن ونقد لاعلان دمشق
-
برنامجان للتغيير الديمقراطي في سورية
-
تبدل التوازنات السياسية الداخلية في سورية بعد اعلان دمشق
-
قراءة في مسودة الدستور العراقي ومشروع الفدرالية 2/2
-
قراءة في مسودة الدستور العراقي ومشروع الفدرالية 1/2
-
أمريكا-هل مازال يباركها الرب؟
-
تجديد اليسار العربي-اليسار الديمقراطي اللبناني نموذجا 2/2
-
تجديد اليسار العربي- اليسار الديمقراطي اللبناني نموذجا 1/2
-
انكسار الحلم الصهيوني في غزة
-
مؤشرات لانكفاء القوة الأمريكية
-
تجديد اليسار العربي
-
الليبرالية ليست هي الحل
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|