علي عامر
الحوار المتمدن-العدد: 5673 - 2017 / 10 / 19 - 14:42
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
فلسفة هيغل عن التعليم- الجزء الأوّل
عنوان النص الأصلي: Hegel on Education
رابط المقال الأصلي: https://www.marxists.org/reference/archive/hegel/help/hegel-on-education.htm
تعريب: علي عامر.
ملاحظة: هذا تعريب لجزء واحد فقط من المقال الأصلي.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كان أوّل ما اشتغله هيغل بعد إكمال دراسته, التعليم عند عائلة "فون ستايجر" في بيرن, ما بين العامين 1793-1796, ثمّ عمل لمدة قصيرة معلماً عند عائلة "جوهان غوغول" في فرانكفورت, هذا قبل أن ينتقل إلى يينا عام 1801. من عام 1801 حتى عام 1807, عمل محاضراً دون أجر, كما ألّف حينئذ بواكير أعماله. بعد نشر "الظاهريات" والفترة القصيرة التي قضاها كمحرر لصحيفة "بامبرغر", كان هيغل هو مدير معهد الجمناز في نوريمبيرغ لمدة سبع سنوات, هذا بفضل دعم صديقه الأعزّ نايتهامر, مفوّض التعليم في ميونخ, والذي وجّه إليه هيغل تقريره عن تعليم الفلسفة عام 1812. خلال تلك الفترة, نُشِرَ "علمُ المنطق", وترقّى هيغل إلى بروفيسور في هايدلبرغ ومن ثمّ برلين, حيث حاضر في الطلّاب والعامّة حتى وافته المنيّة عام 1831. رغم صعوبات النطق التي أثّرت عليه أثناء محاضراته, إلّا أنّه خارج مجال التواصل الشخصي, كان معلماً أكثر بكثير من كونه كاتباً. فبدون جهود طلّابه في إشهار أعماله بعد وفاته, لربما ما تذكره أحد, فقد كانت كتاباته تقريباً غير مفهومة. إلّا أنّ طلّابه فهموه جيّداً وأثبتوا دورهم كمتواصلين مؤثرين.
رغم تلك الفترة من حياته التي أمضاها كمعلّم, والتي أثبتت كفاءته التعليمية في نظام فيلهالم فون هبولدت التعليمي البرّوسي, والذي شكّل نموذجاً لأنظمة التعليم احتذت به دول كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان, إلّا أنّ هيغل لم يصغ نظرية نسقية عن للتعليم. مع ذلك, فمن الممكن استنباط أفكاره حول التعليم من أعماله الأخرى التي لا تخلو من التعليقات والإشارات إلى مسائل التعليم. في "الروح الذاتية", يوجد إضافات موسّعة عن تطوّر العقل في سياق الحياة, والذي احتوى تعليقاتٍ واسعةٍ على القضايا التعليمية, وتقريره لنايتهامر مفيدٌ جداً وغنيٌّ بالمعلومات.
إلى مدى بعيد, اتفق هيغل مع أرسطو في اعتقاده أنّ مهمة التعليم العملية هي إعداد الفرد ليكون مواطناً صالحاً في دولة صالحة.
عوضاً عن تقديم عرضٍ نسقيٍّ, سنعرض هنا لآراء هيغل في مجموعة من القضايا التعليمية الهامة.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
{التعليم هو حق ومسؤوليّة على الطفل والدولة معاً}
"على المرء أنْ يكسب لذاته الموقع الذي ينبغي عليه أن يحققه, فهو في موقعه الآن ليس بفعل الموهبة الطبيعية أو الغريزة. بناءاً على هذه الحقيقة, يستند حق الطفل في التعليم... فالخدمات التي تطلب من الأطفال, يجب أن يكون التعليم غايتها الوحيدة, وأن تكون مرتبطة به, يجب ان لا يكون لها غاية نهائية في ذاتها, فطفلٌ في عبودية, هو أكثر الأوضاع لا أخلاقية على الإطلاق" (Philosophy of Right, §174a).
"من حيث خصّيصته كعائلة كليّة, يملك المجتمع المدنيّ الحق والواجب في الإشراف والتأثير على التعليم, بالقدر الذي تتحمله قدرة الطفل على أن يكون عضواً في المجتمع. حقّ المجتمع هنا, اساسيٌّ ويسمو على تفضيلات واختيارات الآباء الاعتباطية والعَرًضِيَّة, خاصة في تلك الحالات التي يُستكمل فيها التعليم ليس بالآباء بل بآخرين. لنفس الغاية النهائية, يجب على المجتمع توفير مؤسسات التعليم العامّة بقدر توفيره للمؤسسات العملية.... يملك المجتمع الحق في التصرّف والسلوك بناءاً على مبادئ فحصها بخبرته, وإجبار الآباء إرسال أبناءهم إلى المدارس, وتطعيمهم, الخ" .
(Philosophy of Right, §239)
في الأسرة, يتم قبول الطفل في فرديته المباشرة immediate individuality, سيلاقي الطفل الحب بغض النظر أكان سلوكه جيّداً ام سيئاً. في المدرسة, على الصعيد الآخر, مباشرية immediacy الطفل لا يعتدّ بها, هنا سينال الإحترام فقط بقدر ما يستحق, بناءاً على إنجازاته, لا يكون محبوباً وفقط, بل أيضاً سيتعرّض للنقد والتوجيه بناءاً على المبادئ الكليّة, سيُقَوْلَبُ بالتعليمات المعتمدة على القواعد الثابتة, بشكلٍ عام, سيُعَرَّضُ للأوامر الكليّة التي تُحرِّم الكثير من الأشياء البريئة في ذاتها, لأنّه لا يمكن السماح للجميع بفعلها. لذا فالمدرسة تشكّل الإنتقال من الأسرة إلى المجتمع المدني. ولكن بالنسبة للأخير, فالصبيّ لا يملك بدايةً إلّا علاقة غير معرّفة, اهتمامه مازال منقسماً بين التعلّم واللعب."
(Subjective Spirit §396n)
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
{يهدف التعليم إلى تحقيق إمكانيّات الفرد}
"...عقلُ الطفلِ كطفل في البداية داخليٌّ مجرد, من حيث شكل إمكانياته أو مهامه الطبيعية, إلخ. وفي نفس الوقت, فعقل الطفل له شكلٌ خارجيّ, الخارجي المجرد, على شكل إرادة والديه, مساعي معلميه, وكل عالم العقل الذي يعيش الطفل في كنفه. تعليم وتوجيه الطفل يهدف إلى أن يصير الطفل عيانياً ولذاته, بعد أنْ كان في البداية ممكناً (في طور الإمكان, غير متحقق: إضافة من المترجم) وبالتالي لللآخر, بالقوّة, لأصدقاءه الناضجين. العقل الموجود في الطفل بدايةَ كإمكانية داخليّة, يتحقق (كحقيقة خارجية: إضافة من المترجم) من خلال التعليم: وبالعكس, الطفل من خلال هذه الوسائل, يعي أنّ الخير, والدين, والعلم, الذين نظر إليهم بدايةً كسلطة خارجية, ليسوا إلّا طبيعته الذاتية".
(Shorter Logic §140n)
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
{"التفكير لذاتك" عبارة لا معنى لها}
"التفكير لذاتك" عبارة يستخدمها الناس أحياناً وكأنّ لها أهميّة خاصة. الحقيقة أنّه بقدر استحالة أنْ يأكل ويشرب الفرد من أجل الآخر, يستحيل أن يفكر لنفسه. من ناحية المضمون, فالفكر صحيح فقط بمقدار ما يغمس ذاته في الحقائق, ومن ناحية الشكل, فالفكر ليس نشاطاً خاصاًّ بالذات (أو بالأنا), بل بالأحرى سلوك الوعي حيث الذات المجردة وقد تحررت من كل تحديداتها الخاصة التي ترتكز عليها حالاتها العادية, وحددت ذاتها بذاك الفعل الكليّ الذي تتطابق فيه مع كل الأفراد"
(Shorter Logic, §23)
"بالنسبة للجنون الحديث, خاصة في علم التربية, حيث لا يتعلم الفرد مضمون الفلسفة, بقدر ما يتعلّم التفلسف الخالي من أي مضمون. هذا يشبه أنْ يسافر الفرد إلى مالانهاية, بدون أن يلتقي على طول الطريق, بأيّة مدن, أو أنهار, أو دول, أو بشر, إلخ."
...
"لذا, بتعلّم مضمون الفلسفة, لا يتعلَم الفرد التفلسف فقط, بل إنّ تعلّم مضمون الفلسفة هو نفسه تفلسف."
...
"الدفع المؤسف نحو تعليم الفرد أنْ يفكر لذاته وأنْ يكون منتجاً ذاتياً, خيّم بظلاله على الحقيقة. وكأنّي بتعلّمي لأي مضمون أو حجة أو أي شيء, لا يعني أني كنت أفكر حينذاك. وكأنّي بتعلمي لها, لم أعِد إنتاجها في تفكيري, بل ألقيت بها في رأسي كالحصى. وأيضاً, كأنّي حين أتبصر في حقيقتها, في إثباتاتها, في علاقاتها المركبة, وتحوّلاتها الديالكتيكية, لا أكون قد تشرّبت تلك البصيرة بنفسي, وكأني بتعلمي للحقائق لا أكون قد أقنعت نفسي بها. وكأنّي حين أُلِمّ بنظرية فيثاغورس وإثباتاتها, سأفشل في معرفة هذه النظرية وإثبات صحّتها بنفسي! بقدر ما هي دراسة الفلسفة في ذاتها ولذاتها نشاطاً ذاتيّاً, بقدر ما هي تعلّم: تعلّم علم موجود ومتطوّر سابقاً. هذا العلم هو كنزٌ من المضمون المتشكّل المُعَد سلفاً, والمكتسب بمشقة."
هذا الإرث الجاهز في متناول اليد, يجب على الفرد اكتسابه أي تعلّمه من جديد. المعلّم يمتلك هذا الكنز, المعلّم فكّر به مسبقاً, الطلّاب يعيدو التفكير به. العلوم الفلسفية تحتوي على الفكر الكليّ الصحيح لمواضيعها. العلوم الفلسفية تشكّل الناتج النهائي لشغل الفكر العظيم عبر كل العصور. هذه الأفكار الصحيحة تتفوّق على ما يمكن أن يخلص إليه شابٌّ يافعٌ متعلمٌ من خلال التفكير الذاتي, بقدر الفرق بين المجهود التاريخي المكثّف في هذه الكتلة من العمل المُلْهَم ومجهود شاب واحد. النظرات الأصيلة والفريدة للشباب في المواضيع الضرورية هي في جزءٍ منها ماتزال فارغة وعاجزة كليّاً, ولكنها في جزءٍ آخر, في جزءٍ أعظم بما لا حد له, فهي رأي, ووهم, ونصف حقيقة, وتشويه, كما يغيب عنها التحديد والدقة.
"علاوة على ذلك, عبر تفكيره التجريدي يتعلّم الفرد أن يفكر بشكل تجريدي. بالإمكان محاولة البدء من الملموس والمحسوس, وإعمال الفكر به نحو التجريد عبر التحليل, وبالتالي اتباع النسق الطبيعي الظاهر, أي النسق الذي يتقدم من الأسهل إلى الأصعب. أو بالإمكان البدء مباشرة من التجريد نفسه, بأخذه في ذاته ولذاته, وتعليمه, وجعله مفهوماً. بدايةً بالمقارنة بين هاتين الطريقتين, فالأولى بالتأكيد أكثر توافقاً مع الطبيعة, ولكنها لذلك السبب بالتحديد, غير علميّة. رغم أنّه من الأقرب للطبيعة, الحصول على دائرة من قرص من جذع شجرة, والذي بالكاد يكوّن شكل دائرة, عبر تدويره من خلال حفّه من الزوائد والبروزات الخشبية الصغيرة, نحو الوصول لأقرب شكل للدائرة, إلّا أنّ هذه ليست الطريقة التي يعمل بها المهندس (عالم الهندسة), فعوضاً عن ذلك, يستخدم المهندس أدوات دائرية (الفرجار مثلاً: إضافة من المترجم), أو يرسم باستخدام حركة اليد الحرّة دائرة مجرّدة دقيقة. ولأنّ ما هو نقي, وأعلى, وصحيح بدأ من الطبيعة أوّلاً, فإنّ العملية الملائمة للقضية نفسها, لا بد أن تبدأ بالعلم أولاً. كون العلم عكس الطبيعي المحض, أي اللاروحي أو المتجسّد. ما هو نقي يوجد بدايةً في الحقيقة, والعلم ينبغي عليه العمل بتوافق مع الحقيقة. في المقام الثاني, إنّه من الخطأ الكامل, افتراض أنّ المسار الذي يبدأ طبيعياً من المضمون الملموس, لينطلق نحو الفكر أسهل. بل على العكس أصعب"
(Report to Niethammer, 23 October 1812)
#علي_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟