|
مهرجان الغايات و الوسائل
حيدر سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5673 - 2017 / 10 / 18 - 02:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مهرجان الغايات و الوسائل تنطلقُ الاشياء المكملة من كونها رافدة الى أن تكون بحرا ً ، و منذ بداية التاريخ زحفت المُكملات الى النص ، الى صدر الساحة . وزحف النص الى الهامش . كان الموضوع غافياً حتى أيقظته " جروبات " القراءة في الفيسبوك حيث اخذت منشورات فواصل الكُتب حيزاً اكبر من المواضيع التي تتحدث عن الكتب ، فهذه تتباهى بخيالها الجامح الذي شكّل هيئة لفاصلة مذهلة ، و تلك تحدثها عن فاصلة تعمل على إكمالها منذ مدة ، وذلك الفتى الذي جلبَ معه فاصلة من بلد بعيد . و بقيتُ مندهشاً ، و تسائلتُ : هذه الفواصل غاية أم وسيلة ؟ لكنني لم أجب ! إكتفيتُ بإستذكار التحولات اللامحدودة بين الغايات و الوسائل . لطالما شاهدتُ الصور التي تعجّ بها مواقع التواصل الاجتماعية ؛ من أُناس يُظهرون يومياتهم الشخصية كغايةٍ يُراد منها أخذ تعليقاً / أخذ وجودهم من خلال إعجاب " like " أو تعليق " Comment " . إن العلاقة بين الغاية و الوسيلة حركة إرتدادية ، متفاعلة باستمرار حسب الموقع الاجتماعي . وبصورة أدق ، إن الاقتصاد كان عاملاً محفزا ً لهذه الحركة " الارتدادية " بين الوسيلة و الغاية . و هناك الكثير من الامثلة التي نراها بشكل مستمر ، الثياب على سبيل المثال ، كانت في البداية وسيلة للحماية من التغيرات التي تطرأ باستمرار على الطقس ، لكن تطور علاقات الانتاج التي خلقت الطبقات داخل المجتمع حددت الثياب حسب قيمتها المادية ، او جعلت قيمة الاجر تحدد نوعية الالبسة لدى الافراد . يذكر شريف يوسف عن الملابس الاشورية " لا شك أن نوع الملابس و شكلها و ما فيها من زينة دلالة كبيرة على مقدار تقدم الامة الاقتصادي و الاجتماعي " (*1) ، ويستمر بسرد كيف كانت ثياب الملوك و الوزراء و حاشية الملك مُزخرفة . إذا ، هذا التحول ليس حركة هوجاء داخل التاريخ ، بل لها مُحركها الاساسي . هذه وسيلة متحولة الى غاية ، ماذا عن الغاية التي تتحول الى وسيلة ؟ يذكر لنا الدكتور علي كمال " إن من المُسلم به أن الحاجة للجنس قد وجدت في الانسان كما وجدت في غيره من الكائنات الحية " و ان الممارسة الجنسية ضرورية للانسان و انها " عمليات فيزيولوجية تحدث في الجسم " (*2). إن هذه الحاجة الجنسية او حاجتنا للغذاء ، إنقلبت علينا مع التفاقم الذي حصل في التاريخ بطريقة متطورة / تراكمية ، حيث نشوء العمل و علاقات الانتاج ، إنقلبت حاجاتنا لتاكلنا ، وبدل ان ناكل تفاحة ، صارت الاعراض المرضية تأكل أقدام العمال قبل أن ياكلوا بإجورهم التفاحة ، و صار دخلهم لا يسعهم لان يكونوا بيتاً و عائلة ، بالمقابل الحاجة لا توقفها الظروف ، و صارت ممارسة الجنس من غاية أو بكلمة أقل حدة " حاجة " الى وسيلة ، فتكاثرت بيوت الدعارة . حتى العشيرة مثلاً ، أصبحت علاقية فخرية ، بانتماء الافراد الى قبيلة او عائلة ، فهذا عنترة يُنشِد عن عبس : لله در بنو عبسٍ فقد نسلوا من الأكارم ما قد تنسل العربُ أسودُ غابٍ ولا أنياب لهم إلاّ الأسنة والهندية الغضبُ. بين الافراد تكثر المُفاخرة بالانساب ، لكن فريدريك انجلس يحيلنا الى بدايات نشوء هذه العلاقات . لم توجودة هذه العلاقات من اجل المُفاخرة و إرتفاع اصوات الشعراء بابياتهم ، لكنها وجدت كعلاقة إجتماعية طورتها حاجة الفرد البدائية في القنص و الصيد و حماية غذاءهم المُكتنز من المجاميع التي تروم نهبهم . و إن هذه العلاقات الجماعية ارتبطت ونشات و تطورت حسب الحاجة ، حتى القبائل التي تقبل الغرباء ، تقبلهم من اجل حاجة لهم ، يذكر انجلس لنا إن " في كثير من الاحيان ، كانت بعض العشائر المُستضعفة لاسباب قاهرة تقوى على هذا النحو عدداً بتبني أعضاء عشيرة اخرى بالجملة ، بموافقة هذه العشيرة الاخرى " . و ايضا عن العشيرة اليونانية كانت من اسسها " الواجب المُتبادل في تقديم العون و الحماية و المُساندة ضد أعمال العنف " و ايضا " امتلاك اموال مشتركة ، في بعض الاحوال على الاقل ، يشرف عليها زعيم و خازن خاصان " (*3) . و هذه و سيلة أخرى تتحول الى غاية . ذكر انجلس ان العمل كان مقتصرا على الكفاف ، اي ما يسد الجوع ، فانه من اليد الى الفم ، من الصيد او القنص . كان العمل وسيلة لسد الجوع حتى اصبح غاية ابو بكلمة أدق " لعبة " مع ظهور الملكية . اصبح للعمل قيمة يشتريها الرأسمالي ، فللعمل قيمة نقدية تحسب على ساعات العمل التي ينتجها فيها العامل ، خالقة هذه المعادلة فائض القيمة الذي درسه كارل ماركس ( 1852 - 1859 ) حسب هنري لوفيفر (*4) ، وان ما يسميه الراسمالي " الربح " هو كلمة مشوهة " للسرقة " ، يقول كارل ماركس في الاجور و الاسعار و الارباح " اذا كان سعر قوة عمله ثلاث شلنات تجسدت فيها ست ساعات عمل ، و اذا كان الى جانب ذلك يشتغل 12 ساعة ، فانه لا محالة يرى هذه الشلنات الثلاثة قيمة او سعر 12 ساعة عمل ، مع ان هذه الساعات الاثنتي عشر تتجسد في قيمة قدرها 6 شلنات " (*5) . إذا ، العمل تحول أيضاً الى وسيلة بشعة . اللغة ، الم تكن وسيلة ؟ و حملت في مرحلة من تاريخنا مهمة الترويج عن البضائع (*6) . هذه وسيلة اخرى تتحول الى غاية . هنالك الكثير من الاشياء في حركة دائمة بين الغاية و الوسيلة ، متاثرة بالاقتصاد او بمؤثرات اخرى ! لعل هذه الحركة لن تنتهي ، وستبقى الغايات تتحول الى وسائل ، و العكس . ونحن دائما نعيش في مهرجان من الغايات و والوسائل . انتهى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*1) مقال شريف يوسف "الملابس الاشورية " مجلة التراث الشعبي / العدد الثاني عشر سنة 1975 (*2) الجنس و النفس في الحياة الانسانية / الدكتور علي كمال (*3) اصل العالة و الملكية الخاصة و الدولة / انجلس / مختارات ماركس و انجلس الجزء الثالث / دار التقدم (*4) الماركسية / هنري لوفيفر (*5) الاجور و الاسعار و الارباح / كارل ماركس / مختارات ماركس و انجلس الجزء الثاني / دار التقدم (*6) ملامح من تاريخ اللغة العربية / دكتور احمد نصيف الجنابي
#حيدر_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن جدي و الشهد و الدموع
-
عجين مريدي - قصة قصيرة
-
عن سوق مريدي - مقال
-
عن سوق مريدي ( 2 ) - مقال
-
جدار الاوراق _ قصة قصيرة
المزيد.....
-
على ارتفاع 90 مترًا.. عُماني يغسل سيارته مجانًا أسفل شلال -ا
...
-
في إسطنبول نوعان من القاطنين: القطط والبشر في علاقة حب تاريخ
...
-
بينها مرسيدس تُقدّر بـ70 مليون دولار.. سيارات سباق أسطورية ل
...
-
هل فقد الشباب في الصين الرغبة بدفع ضريبة الحب؟
-
مصدر دبلوماسي لـCNN: حماس لن تحضر محادثات الدوحة حول غزة الخ
...
-
مقاتلتان من طراز -رافال- تصطدمان في أجواء فرنسا
-
حافلة تقتحم منزلا في بيتسبرغ الأمريكية
-
دبابات ومروحيات أمريكية وكورية جنوبية تجري تدريبات مشتركة با
...
-
كاميرا ترصد الاعتداء على ضابط شرطة أثناء المظاهرات في فيرجسو
...
-
طلاب بنغلاديش من المظاهرات إلى تنظيم حركة السير فإدارة الوزا
...
المزيد.....
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|