موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5672 - 2017 / 10 / 17 - 17:25
المحور:
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
ما الماركسية اليوم ؟ .
الماركسية اليوم أمسى لها ألف ألف وجه ، و مع إنهيار الإتحاد السوفييتي و تزعزع الإيمان بغدٍ يوحد البشر أمست التعددية مذهبا سائدا في الوسط الماركسي ، و التعددية هذه وصلت الذروة لتحوي اليسار بأوسع معنى ممكن لليسار (و هو معنى يحتضن لا المُختلف فقط بل و المُتناقض في الفكر) ، و الحوار المُتمدن هو في النهاية تمثيل لهذه التعددية ، و هو يمثل تجسيدا لمفهوم (( اليسار الإلكتروني )) الذي استعمله المنسق العام رزكار عقراوي في حوار معه .
الماركسية اليوم هي نفسها : التعددية في الوسط الماركسي (الماركسيات الألف) ، اليسار بشكل عام (و اليسار الإلكتروني إحدى تمثيلاته) .
الواجب التنبيه إليه أن ماركسية اليوم ليست هي نفسها ماركسية ماركس أو لينين ، ماركسية اليوم تبتلع ماركسية ماركس و لينين كما تبتلع أناركية باكونين و لاهوت التحرير (و ... إلخ) ، و الإعتراض على هذا الأمر (من أجل ماركسية صحيحة لا تحريفية) ينتهي إلى جوف ماركسية اليوم .
لكن لأي درجة ماركسية اليوم هي تعددية ؟! .
يقول جان بودريار : (( اليسار يقوم و من تلقاء ذاته بعمل اليمين . فضلا عن أنه من السذاجة العثور هنا على ضمير حي . لأن اليمين يقوم هو أيضا و بعفوية بعمل اليسار ، فكل فرضيات التلاعب قابلة للإنعكاس في دوارة بلا نهاية )) ، إذ أن (( كل شيء يتحول إلى حده النقيض ليتمكن من البقاء في شكله المنقح )) ، لأننا (( نعيش في منطق الإصطناع الذي لا علاقة له أبدا بمنطق الوقائع و نظام الأسباب )) .
و قبل الحُكم على بودريار لنتمعن قول ماركس نفسه حين قال : (( السرقة وحدها التي تستطيع الآن إنقاذ الملكية ، و الزور وحده يستطيع إنقاذ الدين ، و النغولة تستطيع إنقاذ العائلة ، و الفوضى تستطيع إنقاذ النظام ! )) .
إذا فماركسية اليوم تعددية إلى درجة تجعلها تنزلق في اليمين ، لكن أيضا اليمين هو الآخر ينزلق في اليسار .
***
اليوم أبناء ماركس أو أطيافه في كل مكان ، في البحرين و الأردن ، في بريطانيا و اليابان ، في الرواية و الجامعة ، مع ترامب و ضد ترامب ، مع المثلية و ضدها ، مع إسرائيل و ضدها ، مع الأسد و ضد الأسد ، (... إلخ) ، اليوم كلهم أبناء ماركس أو كلهم أطيافه .
لكن الماركسية في الأغلب لا تزال تؤخذ بكلها ، صحيح أنها خضعت و لا تزال تخضع للتغيير و التبديل و التأويل لكن لا تزال تؤخذ ككل ، و ما نعاينه من تعددية و توسعية في ماركسية اليوم إنما نتيجة لأزمة الماركسية (أزمة الماركسية هي هي تحقيق الماركسية ؛ أي التجارب التي حملت إسم الماركسية) ، فأليس الأولى و الأنسب تشظية الماركسية ؟ .
تشظية الماركسية لا تعني التفريق بين ماركسية صحيحة و أخرى تحريفية ، التشظية تعني التفريق و التقطيع في الماركسية نفسها ، فما دام تحقيقها كان أزمتها فالأجدر البحث فيها هي لإستئصال الأورام أو بتر ما يستوجب بتره ، لذلك فما ينتج عن ذلك لن يكون ماركسية .. و إن كانت تحويها ماركسية اليوم .
(وحدة النظرية و التطبيق) الماركسية التي تتنفس من خلال (وحدة الوجود و الفكر) الهيجلية ، الديالكتيك الطلسم ، ديكتاتورية البروليتاريا بلا بروليتاريا ، الطليعة التي صارت مؤخرة ، التحول من الطبقية إلى الشعبوية أو الإنسانوية ، المادية التاريخية التي أمست إخبارية عقائدية ... إلخ ، لا أقول أن الماركسية بحاجة لإستئصال أو بتر لتمسي صحيحة ، نحن من يحتاج لهذه العمليات .. لنأخذ الصالح منها و نترك الفاسد و ننبّه إلى القابل للفساد فيها ؛ (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض) .. لم نؤمن لنكفر .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟