مولود مدي
(Mouloud Meddi)
الحوار المتمدن-العدد: 5669 - 2017 / 10 / 14 - 15:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد وفاة أبي بكر بويع عمر بن الخطّاب بناء على وصيّة من أبي بكر, الملاحظة الأولى التي نستخرجها من فترة حكم عمر هي أنه لم تقم أي مناسبة للفتنة بسبب شخصية عمر المتشدّدة و الحازمة, و مع ذلك لم يكن بعيدا عن روح الشورى عكس بقيّة الخلفاء, فخطّة اكتساح بلاد الفرس على سبيل المثال كانت نتيجة مشاواراته مع الأحنف بن قيس, و يمكن أن نقول أن طريقة حكمه بعد وفاة الرسول كانت الأفضل لو قارناها ببقية الخلفاء.
وعمر بن الخطّاب على عكس ما يتم الترويج له, كان لا يمتلك نزعة دينية مفرطة, لقد كان قائدا عسكريا و سياسيا و داهية محنّك, وليس رجلا دينيا مثلما يدّعي المؤرخون المسلمون, و ليس في هذا اهمال لعاطفته الدينية الواضحة, لكن هذه العاطفة لم تكن تتغلّب على تكتيكاته و دهائه و محاولاته في التوفيق بين مقاصد الشريعة الاسلامية و الفترة التاريخية لحكمه.
كانت اختيارات عمر بن الخطّاب للقادة العسكريين تحاول أن تجمع بين النزاهة و الكفاءة, لكن قلّما اجتمعا هذا العاملين في وقت واحد عند المسلمين, لكن في كل مرّة يقوم باسقاط شرط النزاهة لحساب الكفاءة, و يكشف تاريخ الكثير من أعوان عمر عن مؤهلات عسكرية و ادارية تقترن بعدم النزاهة كـمعاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص, بل و ذكر الطبري أن عمر استعان بغير المسلمين في ادارة العراق و رفع عنهم الجزية.
كان عمرو بن العاص يرحل الى مصر للتجارة فيها و ذلك قبل الاسلام, فلمّا زار الخليفة عمر بن الخطّاب الشام لقسمة المواريث بعد طاعون عمواس, اختلى به عمرو و قال: ائذن لي ان اسير الى مصر, فانا ان فتحناها كانت قوّة للمسلمين و عونا لهم, و هي أكثر الأرض أموالا, و أعجزهم عن القتال .. يعني أن كلام عمر بن العاص واضح جدّا وهو غزو مصر من أجل استغلال قدراتها الاقتصادية و البشرية في خدمة الاحتلال العربي لأسيا و الشام, فأين نشر الاسلام هنا ؟ وقوله " أعجزهم عن القتال " دلالة أن حملة عمرو بن العاص على مصر لا علاقة لها بتاتا بقضيّة الاسلام فمنذ متى فكّر المبشّرون بالأديان بقوّة البلدان العسكرية من ضعفها ؟, لكن عمر بن الخطّاب تخوّف من ذلك وقال: هذا تغرير بالمسلمين لأن حسبه أن قدم المسلمين لم ترسخ بعد في البلاد التي احتلّوها قبل غزو مصر, فقد كانت جيوشهم موزّعة في الشام و العراق و أرمينيا وغيرها و قد أفنى الطاعون جيوش اسلامية بأكملها, و مازال عمرو بن العاص يحرّضه على فتح مصر لديه و يعظّم من أمرها و يهوّن فتحها عليه حتى ركن الى قوله و أذن له في المسير, لكن لماذا تراجع عمر عن قراره ؟ لا يجب ان ننسى ان فترة غزو مصر, تزامنت مع عام الرمادة, و هي موجة جوع و قحط أصابت المدينة المنوّرة و ما حولها أي عاصمة دولة الخلافة و ماجاورها, لذلك عرض عمر بن الخطّاب على ابن العاص المعونة بجميع الطرق حتى و أن أدّى ذلك الى خراب مصر الاقتصادي فقال عمر قولته المشهورة لابن العاص: " اعمل فيها و عجّل’ اخرب مصر في عمران مدينة رسول الله ".
لقد كان الهدف من الاحتلال هو ضمان تمويل الجيوش العربية بالطعام و الرجال و المال اللازم, فقد سجّل التاريخ أن مصر كانت تموّن روما بالغلال, و كانت الاسكندرية أهلة بالسكّان, و يقصدها الناس من كل فج للاقامة فيها, حتى صارت هي المدينة الثانية بعد روما في الامبراطورية الرومانية, و كانت مصر تعاني بسبب سلب المحاصيل من طرف الرومان, لذلك كان الأهالي مستعدّين على الدوام للقيام بثورة ضد الرومان, و هذا يفسّر تعاون سكّان مصر مع الغزو العربي ضد الرومان, على أمل في الحصول على الحريّة, لكنهم لم يعلموا أنهم فتحوا الأبواب لغزو أخر اشدّ و أخطر من الرومان.
ان ما فعله العرب لم يكن إلا تطبيقاً لقواعد عصرهم ورغبتهم فى الاستحواذ على العالم، وكما جاءت الحروب الصليبية إلى المنطقة بنزعة استعمارية واضحة تتخفى وراء الصليب و استعادة بيت المقدس من الكفّار المسلمين بل و تم الضحك على الانسان الأوروبي من طرف القساوسة ووعدوه بالجنّة و الخلاص، نفس الشيء مع المسلمين فقد,خرجت جيوش العرب فى عهد الصحابة والتابعين تريد الاستحواذ على معظم العالم بنزعة استعمارية اختفت وراء القرآن والإسلام ونشر الدين، وأطلقوا عليها الفتوحات تشبّهاً بفتح مكة! و هذا هو التعسف بعينه, فتم تحريف فكرة نشر الإسلام والخروج بها من سياقها الصحيح, و ظهر إسلام السيف والقتال و الجزية والإكراه وحد الردة الذي ليس من الاسلام في شيء، واختفى إسلام لا إكراه فى الدين, فظهر من الفقهاء من يخلط بين طريقة حكم الرسول و غزواته المدعومة من الوحي و بين حكم البشر و السبب ان فور موت الرسول تم خلافته من طرف صحابي فأصبح الرسول و الصحابي في منزلة واحدة, فما بالك بالعامة الذين يخلطون بين فتح مكّة و الذي عاد فيه الرسول الى دياره, و بين غزوات الصحابة و التابعين و الأمويين و العبّاسيين على بلاد غريبة عنهم لم تعتد عليهم, و كل هذا بسبب بسبب المال و السلطة و امتلاك الجواري والهاء المعارضة السياسية بالحروب الخارجية فتسببوّا بتخريب بلدان بأكملها و اسقاط حضارات بأسرها.
لذلك على الفقهاء المسلمين التوقّف بل و السكوت عن الحديث حول الحريّة و محاولة ربطها بالفتوحات, لقد سجّل الطبري الفقيه السنّي المتعصّب وقائع فتح مصر الواضحة التي لا تقبل التأويل, ثم يأتي القرضاوي ليقول أن الفتوحات الإسلامية لم تكن أبداً استعماراً ولا احتلالاً ولا نشراً لعقيدة الإسلام بالإكراه بين الأمم والشعوب كما يزعم بعض الغربيين الذين عميت أعينهم عن حقائق التاريخ, فيقول " أنها أرادت كسر شوكة السلطات الطاغية والمتجبرة التي كانت تحكم تلك البلاد، وتحول بين شعوبها وبين الاستماع إلى كلمة الإسلام، ودعوة القرآن التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام لأن هذه السلطات تريد أن يبقى الناس على دينها ومذهبها، ولا يفكر أحد في اعتناق دين آخر، ما لم يأذن له كسرى أو قيصر، أو الملك أو الأمير فالناس في تلك الأزمان كانوا على دين ملوكهم، ولا يجرؤ أحد على تغيير دينه، فأراد المسلمون أن يردوا الأمور إلى نصابها، وأن يعيدوا للشعوب اعتبارها واختيارها، لاسيما في هذه القضية الأساسية المصيرية التي هي أعظم قضايا الوجود على الإطلاق . قضية دين الإنسان الذي يحدد هويته ويحدد غايته ومصيره ", انظروا الى هذه الكلمات المعسولة التي تنفع في خداع السذّج الذين لا يقرأون تاريخ دينهم, فقد قال أن السلطات الاستعمارية قبل الاسلام منعت حرّية الأديان, و كأن الخلفاء المسلمون سمحوا بها, حتى شككت أن الليبراليين هم الذي اخترعوا حد الردة و ليس دهاقنة الاسلام!! .. فاذا لم يكن نشر الاسلام بعد الرسول بحد السيف فكيف كان اذن ؟ هل أخذ الغزاة معهم أئمة الحديث و القرأن ليناظروا كهنة أهل البلدان غير المسلمة ؟ لماذا اذن نذكر " خالد بن الوليد و " عمر بن العاص " كلّما اثير موضوع الفتوحات الاسلامية عوض ذكر من نشروا الاسلام بطريقة انسانية ودون قتل و تخريب ؟ الم يكن هؤلاء القادة هم قادة السيف و ليس قادة الكلمة و القلم و الحجّة ؟ أليست غزوات المسلمين بعد الرسول حملت شعار " الاسلام أو الجزية أو القتال " ؟, الم يكن المسلمين على دين خلفائهم أيضا ؟.
عندما نتحدّث عن الخلافة و الفتوحات يجب أن نتحدّث عنها بالسياسة و ليس بالدين, فليس للغزوات الاسلامية أي علاقة بالتوحيد و الايمان و الرسل و الملائكة, و الذين يقولون أن لولا هذه الفتوحات لما عرفنا الاسلام, هذا يعني أن لولا السيف لما انتشر هذا الدين, فلماذا نلوم غير المسلمين على اتهامهم لنا بالارهاب و الدموية ؟, ان بمجرد ذكر هذه الغزوات الا و يعتري ذلك جرائم و فتن متعاقبة لم يسلم منها حتى المسلم, رغم أن الاسلام لم يدعوا الى الغزو و القتل و نسبة ذلك القتل الى الله عزوجل بل دعى الى الدفاع عن الاسلام و المسلمين و قت الاعتداء عليهم, ان الأديان لم تاتي لكي تغزو و تنهب و الا كانت أديانا مزوّرة, ان غاية الأديان هي مصلحة الانسان و الحفاظ على وحدة البشر و أمنهم, و الحفاظ على ثوابتهم الأخلاقية, لكن يبدوا ان قدرنا نحن المسلمين هو طمس تاريخنا و التستّر عليه خوفا من أن يقال عنّا ما لا نريد سماعه و يحرجنا.
#مولود_مدي (هاشتاغ)
Mouloud_Meddi#