|
التعددية ، في وصفة بعثية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1465 - 2006 / 2 / 18 - 10:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في مأزقه المستفحل ، الناتج عن عقم سياساته الداخلية والخارجية ، لجأ النظام السوري ، كعادته ، إلى كهانة السِحْر ووصفاته . كان الأب القائد ، وارث الأرض وما عليها ، قد رحل دونما ضجة ، مخلفاً لوريثه ، وليّ العهد الجمهوري ، تِركة ً ثقيلة من المعضلات والتأزمات ، وعلى كل الصعُد . حكماء العشيرة ، أيضاً ، حلّ بهم التشتت ؛ فمن أبعد عن " المجلس " قسراً أو بالتراضي ، إلى من إنفضّ عنه بفعل السنّ أو رغبة النجاة بالجلد . من جهته ، ما عاد العالم ، بمتغيراته الأخيرة ، العاصفة ، ليحتمل التعامل مع عقلية متحجرة ، غير حضارية ، كالتي يمثلها البعث السوري ؛ خاصة بعدما إنكشفت على الملأ عورة شقيقه ، العراقي ، المدحور : بالمقابر الجماعية ، المكتشفة هنا وهناك ، أو المستترة بعد ، وبملفات الفساد والقمع والإرهاب والإحتلال .
قبل سقوطه المخزي ، حاول صدام حسين تجميل صورة نظامه القبيح ، بإدعاءات التعددية المصاحبة لأناشيد الوحدة الوطنية . وكما هو معلوم ، فلم يستجب لمبادرته الخادعة تلك ، من المعارضة العراقية ، سوى بعض ذوي النفوس الضعيفة ، أو المريضة بداء الكراهية للغرب . وها هو بشار الأسد ، على مشارف إندحاره من لبنان ، المؤذن بقرب سقوط نظامه أو ربما إنهياره التلقائيّ ، يحاول تكرار اللعبة نفسها . إنّ ما سُمي ب " مسيرة التجديد والإصلاح " ، المفتتح به رئيسنا عهده ، قد أضحى في عهدة المجهول : فلم يرَ المواطن ، بعد أكثر من خمس سنوات ، سوى تجديد وجوه الفساد والنهب ، الحكوميّة ، من جيل بائد إلى آخر واعد ؛ وما من إصلاح متحقق ، إلا للآلة الأمنية ، الجهنمية .
لا غروَ ، إذاً ، أن يخرج مشروعُ " قانون الأحزاب " ، المقترح ، على شاكلة واضعيه ، القميئة والمشوّهة . هذا ما يستشفه المرءُ من مطالعته للقانون المقترح من لجنةٍ ما ، في " مجلس الشعب " ؛ القانون المُصمّم على قياس الحزب الحاكم ، ليظلّ أبداً " قائد الدولة والمجتمع " . لن ندخل هنا في تفاصيل مواد ذلك المشروع ، إذ وفاها بعض الأخوة حقها في المناقشة والدحض ؛ على إننا في كل الأحوال ، لن نهمل الإشارة إليها في حينه . إنّ ما يهمنا في ذلك القانون ، هو المتصل بمسألة التعددية ، وخصوصاً قضايا مكوّنات الوطن السوري ، التي باتت تشغل حيزاً كبيراً من نقاشات أهل المعارضة ونخبة السلطة سواءً بسواء . جدير بالتنويه هنا ، تلك اللعبة المزدوجة ، الخبيثة ، التي دأب النظام البعثي على ممارستها ، فيما يتعلق بالقضية الكردية ؛ وهي الأكثر إلحاحاً الآن . إنّ تصريحات رأس النظام للفضائيات العربية أو الأجنبية ، عن " تفهمه " لألوان النسيج الوطني السوري ، المتعددة ، هو في العادة للإستهلاك الخارجي ، لا أكثر . حتى أنّ وسائل الإعلام الحكومية ، المختلفة ، تقوم بكل بساطة بممارسة الرقابة على تلك التصريحات ، وحذف أية إشارة ، ولو عابرة ، تخصّ المسألة الكردية ، متجاهلة حتى ما يُفترض أن يمثله مقام رئاسة الجمهورية ، المقدّس !
على خلفية ذلك القانون ، المقترح ، لتنظيم عمل الأحزاب السورية ، شغلنا في الآونة الأخيرة بمداخلات عديدة ، مختلفة الميول والمقاصد ، أو بمساجلات على ذات الوتيرة ، كان مكانها صفحات الإنترنيت ، غالباً . الملاحظ أنّ مفهوم التعددية ، والمسائل المتصلة به ، كان الأكثر حضوراً في تلك المداخلات والمساجلات ؛ خاصة ً ما يتعلق بمسألتيْ الإسلام السياسي والأثنية الكردية . ثمّ جاء مشروع قانون الأحزاب ، الجديد ، متوّجاً لذلك الحراك ؛ دون أن يكون نتيجته ، بالضرورة : ففي دولة البعث ، بحسب المشروع العتيد ، لا مكان لأحزاب ذات صفة مذهبية ؛ علاوة على الرفض القاطع ل " نشوء " تنظيمات لها هوية عرقية ، غير العربية . لا بل وتنفى الصفة القانونية ، وفق ذات المشروع ، عن أيّ حزب يقرّ برنامجه بحقوق الأقليلت الأثنية ، أو يستعمل لغة غير العربية بأيّ وجاهة كانت . هذا القانون ، المقترح ، وبغض النظر عن عدم شرعية الهيئة المنبثق عنها ؛ وهي هنا " مجلس الشعب " ، يضعنا للحقيقة في صورة النظام البعثي ، عند منعطف خريف عمره ، البائس : إنّ محاولة تقليد النموذج التركي ، المتجلية في مشروع قانوننا ، غير خافية ؛ التقليد الذي أضحى سمة لنظام مستبدٍ ، غير حضاريّ ، لا " إبداع " لديه إلاّ في تدبير الإغتيالات والتفجيرات والإعتقالات والفتن ، وغير ذلك من إنشغالاته الإرهابية ! فكأنما هذا النظام البعثيّ ، صار من عمى البصيرة حدّ أنه لا يُدرك مدى الهوة السحيقة التي تفصل بينه وبين نظام أنقرة ، الدستوريّ ، الممثل من قاعدته إلى قمته وفق مبدأ الإنتخاب الحرّ ، الديمقراطي . فضلاً عن حقيقة تغابيه ، الأكثر فداحة ، لمسألة الصعود المحلق للإسلام السياسي في تركية ، على حساب الأحزاب القومية والليبرالية واليسارية ؛ وكما تجلى بحزب رئيس الوزراء أردوغان ، ذي الشعبية حتى في المناطق الكردية .
لم يعد يخفى على أيّ مهتم ، أنّ المسألة الكردية في سورية ، بحسب تفكير أهل النظام ، قد تمّ حشرها في زاوية المواطنة ؛ أو " خانة اليَكْ " ، بحسب القول الشعبي ، الشائع ! يعني حينما يفرغ المعنيون من إعادة النظر في إحصاء عام 1962 ، الإستثنائي ، الذي حُرم بموجبه مئات ألوف الأكراد من الجنسية السورية ، تكون المسألة الكردية قد وجدت " حلاً مثالياً " . ولكن الموضوع لم ينتهِ ، عند هذا الحدّ ، أيضاً : فها هو رئيس الوزراء ، العطري ، يخرج علينا بأحد تصريحاته ، الكوميدية ( بغض الطرف عن خفة أو ثقل دم صاحبها ) ، مقدراً عدد المشمولين ب " مكرمة " السيّد الرئيس ، بحدود التسعين ألفاً ؛ أما البقية ، بحسب تصريحه الحرفيّ : " فقد عادوا إلى مناطقهم الأصلية في شمال العراق " . يعرف السيّد العطري ، جيداً ، أنّ هذا غير صحيح ؛ كما إننا نعرف أنّ الهدف من كلامه هو الإيحاء لأولئك المجردين من الجنسية ب " الطريق الوحيد " لهم ، المتاح في دولة البعث : الهجرة أو التهجير من أرض آبائهم وأجدادهم ؛ الطريق الذي ما فتئت السلطة الديكتاتورية تدفع الكردَ وغيرهم من أقوام الجزيرة ، بإتجاهه سعياً منها إلى تغيير ديموغرافية هذه المنطقة ، الغنية بالنفط ، تمهيداً لتعريبها ؛ في الوقت الذي تحوّل عائداتها المالية ، الضخمة ، إلى حسابات آل الأسد ومخلوف ، تحديداً !
الواقع ، أنّ الأدبيات البعثية ، ومنذ فضيحة الإحصاء الإستثنائي ذاك ، دأبت على الترويج لما أسمته " هجرة الأكراد غير الشرعية ، من جنوب تركية إلى شمال شرقي سورية " ، ولم تذكر مرة ً واحدة ، إسم " شمال العراق " ، بوصفه مصدر تلك الهجرة : هذا الموقف الخسيس ، الجبان ، قدّام تركية ، هو تتويجٌ لجميع التنازلات المذلة ، المهينة ، التي قدمها نظام بشار الأسد ، في الآونة الأخيرة ، لجارتنا اللدودة ؛ وعلى رأسها التخلي عن لواء إسكندرون ومحو تفاصيل حدوده من خريطة سورية . فمن أجل خلط الأوراق ، إقليمياً ، بوهم قدرته على الهروب من إستحقاقاته الداخلية والخارجية ، يصرّ هذا النظام المستبد ، على أن يجرّع الوطن أقداح المذلة والمهانة ؛ ممثلة بتخليه عن أراض سورية عزيزة ، غالية . فعلاوة على إسكندرون ، ها هو الجولان باق ٍ تحت السيطرة الإسرائيلية ، منذ ما يقارب أربعة عقود طويلة ، برفض النظام البعثي التفاوض بشأنه . وفيما تغيب أي إشارة ل " مقاومة وطنية " عن تلك البقعة السورية ، يقيم هذا النظام الدنيا ولا يقعدها حول ما يسميه " حق المقاومة اللبنانية في تحرير مزارع شبعا " ؛ المزارع نفسها ، السورية على مرّ التاريخ والجغرافية ، التي يبدي إستعداده للتنازل عنها للدولة اللبنانية ، فقط ، لهدف وحيد : إشعال تلك المنطقة بنيران حزب الله ، الإيرانية ، لإلهاء المجتمع الدولي والشعب اللبناني بخاصة ، عن مجريات التحقيق في قضية إغتيال الشهيد رفيق الحريري ، الملوثة بها أيدي زبانية ذلك النظام الإرهابي .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيدُ الحبّ البيروتي
-
عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
-
المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
-
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
-
القصبات الكردية (2 / 2)
-
الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
-
رؤيا رامبو
-
الميلاد والموت
-
القصبات الكردية
-
المهاجر الكردية الأولى
-
كي لا ينام الدم
-
سنوات النهضة الكردية: مدرسة الشام
-
المصادر الاسطورية لملحمة ياشار کمال ..جبل آ?ري
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|