|
ليس عليك أن تخشى من العقاب... فأنت مسلم!
وجدي وهبه
الحوار المتمدن-العدد: 5668 - 2017 / 10 / 13 - 03:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بينما كان القمص سمعان شحاته في أحد الشوارع في منطقة المرج بالقاهرة، هاجمه شاب مسلم بساطور وأنهال عليه بالطعن في الرأس والبطن ولم يتركه حتى فارق الحياة. وفورًا جاء التعليق الذي اعتاده الأقباط من الإعلام المصري، ألا وهو أن القاتل مختل عقليًا، وهناك مصادر أخرى قالت إن ما حدث ليس قتلًا على الهوية لكنها مجرد جريمة جنائية. لا شك أن الكثير من الأقباط يحتفظون في ذاكراتهم بالعديد من القصص المشابهة التي فيها يتم تقديم الجاني المسلم إعلاميًا وأمنيًا على أنه مختل عقليًا مثل قصة رجل الشرطة المسلم الذي استهدف الأقباط حصريًا في قطار سمالوط بالمنيا عام 2011 فقتل قبطيًا وأصاب 5 آخرين، وكذلك المسلم الذي قام بذبح سيدة قبطية في عزبة النخل القاهرة عام 2017، وبالطبع قيل إنه مختل عقليًا. والحقيقة أن الدولة المصرية بما فيها من أجهزة أمنية وسياسية وإعلامية مبدعة في أساليب تمييع قضايا الاعتداء على الأقباط بداية من عدم معاقبة الجناة بدعوى شيوع الجريمة مثلما حدث في أحداث الكشح أو القبض على مسيحيين إلى جانب المسلمين لجعل القضية تبدو متعادلة وتظهر كأحداث عنف متبادل، وهناك أيضًا الادعاء بأن القضية ذات طابع جنائي وليس طائفي. خلاصة هذه القصص التي ندركها جميعًا أن الجناة لن يتم معاقبتهم أو على الأقل سوف يكون العقاب أقل كثيرًا من حجم الجريمة. وهذا ما يطلق عليه "ثقافة الإفلات من العقاب". ثقافة "الإفلات من العقاب" هي تلك التي يشاع فيها بصورة علنية أو مُبطّنة أن فئة ما من المجتمع لديها حصانة من تفعيل القانون عليها، وبالتالي فإن أعضاء هذه الفئة لا يخشون من عواقب جرائمهم سواء من جانب القانون أو حتى من المجتمع ذاته بصورة عامة. بل قد يصل الأمر في بعض الأحيان أن تصبح الجرائم التي تقع على أساس طائفي أو عرقي أمرًا مستحسنًا من قبل السلطة أو المجتمع. ولا يمكن الزعم بأن ثقافة الإفلات من العقاب في مصر هي أمر حصري في القضايا الطائفية التي يكون الضحية فيها من الأقباط أو الأقليات الدينية الأخرى غير السُنية، فالإفلات من العقاب شائع كذلك فيما يتعلق بجرائم المنتسبين إلى أجهزة الدولة والشرطة وغيرهم من أصحاب النفوذ والسلطة والمال. وعلى الأغلب يكون السبب هو عدم تفعيل القانون على الجميع، والذي يفترض فيه أن يضمن المساواة والعدالة لجميع المواطنين. غير أن ثمة مشكلة أخرى لا يمكن تجاهلها حينما يتعلق الأمر بالقضايا ذات البعد الطائفي وهي وجود تحيز واضح لا لبس فيه من أجهزة الدولة والإعلام ورجال إنفاذ القانون وبالطبع القضاة لصالح الجاني المسلم. هناك من يرى أن هذا إنما يعود فقط لأسباب ثقافية أو اجتماعية أو لعله ناجم عن مصالح سياسية محضة وليس للأمر أي علاقة بمعتقد الجاني. بينما يؤكد آخرون عدم إمكانية استبعاد التراث الديني الإسلامي الذي في كثير من آدبياته وخاصة السلفية قد رسّخ لمبدأ عدم مساواة المسلم بغير المسلم، مثل الحديث النبوي الشهير "لا يُقتَل مسلم بكافر" وهو مذكور في صحيح البخاري وسنن أبي داود. ويكفي هنا الاطلاع على فتوى الأزهر التي أكدت نفس المبدأ التشريعي، ورجحت هذا الموقف رغم وجود بعض الاختلاف حول تفسير هذا الحديث خاصة بين أتباع المذهب الحنفي. وكما أشرت، هناك تباين في الآراء في هذا الشأن، لكن مجرد مناقشة تفاصيل مثل هذا الحديث والآراء الفقهية التابعة له إنما يعكس حالة من اللاومساوة والتمييز بين أفراد الوطن الواحد بناءً على انتمائتهم الدينية أو الطائفية أو حتى الفكرية. فمجرد كونك مسلمًا يمنحك امتيازًا وحصانة من العقاب خاصة إذا كان الضحية غير مسلم أو "كافر". لا شك أن التوسع في تطبيق روح هذا الحديث يضمن تلقائيًا الكثير من التمييز والمحاباة للمسلم على كافة الأصعدة. تدريجيًا يصبح المجتمع أكثر قسوة وظلمًا وعداوة تجاه شرائح واسعة ممن يمكن وصمهم بالكافرين. وقائمة الكافرين قد تتسع أو تتقلص بناءً على عوامل عديدة، حتى أنها كثيرًا ما تتضمن أناس من ذوي الآراء المخالفة للرأي الديني السائد كما حدث مع الشهيد فرج فودة حينما أفتى الشيخ الغزالي بكونه كافرًا ومن ثم يستباح قتله بواسطة أي من أفراد الأمة ولا عقوبة على قاتله حتى لو كان هذا افتياتًا على حق السلطة. وهكذا تأتي وتذهب قضية أخرى يتم فيها القتل على الهوية، ولا يتوقع أحد أن يتم تنفيذ حكم عادل ورادع لمثل هؤلاء الجناة الذين تشربوا بثقافة نرجسية ترى في دم غير المسلم مرتبة أدنى وأحقر من أن تتساوى بدم المسلم. ربما ليس باستطاعة أحد أن ينزع الكراهية من القلوب، ولكن بكل يقين يمكن للدولة والإعلام والقانون أن يتعامل بكل حزم مع هذه الجرائم لكي يرسل رسالة واضحة مفادها أنه لا مكان لثقافة الإفلات من العقاب على أساس ديني في بلادنا، وهو ما لم يحدث وللأسف ربما لن يحدث. ستظل تلك الثقافة سائدة طالما أن مجتمعنا يمتلئ بخطاب الكراهية والاستعلاء الإسلامي، وطالما ظلت وسائل إعلامنا تتستر وتبرر بل وترسخ للظلم والتمييز والمحاباة، وطالما لا يتم تطبيق قانون عادل وموضوعي لا يفرق بين الناس.
#وجدي_وهبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإصلاح الديني بين مارتن لوثر والواقع الإسلامي المعاصر
-
إلى أي حد يمكن الدفاع عن الإسلام؟
-
هل حقًا يكره الأقباط الإسلام؟!
-
السخرية في النقد الديني
-
الأقباط بين سلطة الكنيسة ومستجدات الواقع المصري
-
ألم يحن الوقت لمراجعة تحالف الكنيسة مع السلطة في مصر
المزيد.....
-
هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال
...
-
الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
-
الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا
...
-
الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم
...
-
الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس
...
-
الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن
...
-
حماس تشيد بالدور المحوري للمقاومة الإسلامية في لبنان
-
دول عربية واسلامية ترحب بتوقف العدوان عن لبنان وتدعو الى توق
...
-
دول عربية واسلامية ترحب بتوقف العدوان على لبنان وتدعو لوقفه
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|