أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - السياسي الوضيع















المزيد.....

السياسي الوضيع


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5667 - 2017 / 10 / 12 - 05:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تبدو معضلة السياسي في الوطن العربي أنها تؤشر بالأساس إلى التـفكك و الانفصال عن الواقع و المشترك العام الأشمل، و الانزياح عن الفكري الحضاري. لأجل ذلك فهو حلول جزئية مهما ادعـت الشمولية التي تـتخيل في كونها قادرة على صنعها أو هي تـتملكها بفعل الإيديولوجي الذي يعزز وهم الانفصال عن الواقع برغم إمكانية فعلها الجزئي فيه..لأجل ذلك وجدنا واقعا مدهشا شبه حيواني حيث ظهرت فيها الحداثة ضعيفة أمام المد الاسلاموي المتخلف..
تكشفت معضلة السياسي بشكل فاضح و عاري تماما بعد ثورة الشعوب العربية ضد الاستبداد السياسي في 2011.تـفكك سياسي ضحل لازال يتعمق يوما فيوما و نرجسيات مقيتة تسيطر على مشهد سريالي مجنون يعبر عنه الرأي العام اليوم بقوله:
"كلهم يتـفـقون على أمر وحيد..يتـفـقون على الكذب..كل يخيط ثوبه الخاص بأكاذيبه الخاصة.. النتيجة كلهم كاذبون لأجل السلطة و الثروة.. لأجل استغلالنا.. أما الشعب فليس له إلا الله يدعوه أن يمحق جميع السياسيـين.."..
السياسي العربي في القرن العشرين أفصح عن غرور يرتكز إلى منطق القوة الرادعة التي تحيي و تميت. السياسي يتخيل نفسه إلاها بل يشرع لنفسه أن يستعمل الإلاه لما تـقـتـضيه مصلحته في السلطة التي تكون هي نفسها بالنسبة له المصلحة العامة، مثلما يتـشبع خطابه السياسي بتلويناته المختلفة للمصلحة العامة. السياسي يستـتبع الفكر و المفكر حسب ما يرتئيه هو من حسابات بينما الوضع الطبيعي هو أن يكون هو ضمن مشروع فكري حضاري أشمل منه. لذلك برزت ظاهرة استعمال المثـقـف و المفكر ليس في إطار مشروعه الفكري الحر النابع من ذاتيته و بحثه الخاص عن الحقيقة و إنما في سياق ما يحدده السياسي سواء السلطوي منه أو المعارض..
نعم. حتى السياسي المعارض كان و لا يزال لا يعترف بالفكر الحر و إنما هو مجرد مستعمل رديء لبعض الافكار التي ما هي في النهاية سوى بعض خيالات مصدرها عالم آخر. السياسي المعارض مجرد ممثل "كومبارس" في مسرح وهمي لا يوجد إلا في مخيلته.
السياسي يعتبر نفسه هو المفكر الأخير و الأصلح. هذا هو أصل الداء لمعضلة السياسي العربي..
يقول المفكر السوري "مطاع صفدي":
" إن الإسلام العربي لم يتمكن من الحفاظ على شكل الإمبراطورية الدينية طويلا القائمة على حطام نموذجي الإمبراطورية الفارسية الاستبدادية المطلقة، و البيزنطية اللاهوتية الشرقية المنفصلة عن البابوية الأوربية. سرعان ما تخطت الحضارة الخلافة، و أصبح الانتماء إلى الهوي الإسلامي طاغيا و متغلبا عمليا على التبعية لأية سلطات مركزية مطلقة، مما ساعد على تعددية الدول و الإمارات و الملكيات المحلية و الاقوامية في ظل مدنية إسلامية عالمية.
و ذلك ما يفسر طغيان الحضاري العام على السلطوي السياسي إبان الازدهار الإسلامي، ثم الانحلال الحضاري، و تبدد السلطوي السياسي معه إبان انحطاط الأزمنة الإسلامية..".
فالحضاري الإسلامي قد انحل و انتهى و لم يتبقى منه سوى بعض الصور المبهمة التي تُستغل بطريقة متـناقضة انتـقائية سواء لدعاة العودة إلى السلف الصالح أو لدعاة الشر المطلق للتاريخ الإسلامي..
ففي القرن الرابع الهجري اجتمعـت ثلاث خلافات إسلامية في نفس الوقت. العباسية مركزها بغداد و الفاطمية القاهرة و الأموية في الأندلس و كلها كانت تابعة لنفس العنوان الحضاري الإسلامي الموحد، برغم أن الدولة الفاطمية شيعية إلا أنها لم تـتمكن من فرض تـشيعها و إنما فقط تمثل المصريون لبعض مقولات الشيعة بصيغة توافقية، و في النهاية فالشيعة من ضمن الهوي الإسلامي الذي ابتلع دون تحديد فكري واضح لصراع سياسي بين فكرة امتداد السلطة النبوية و فكرة انفصال السلطة عن النبي محمد. أي انه الصراع بين إرادة تعسفية على التاريخ لأجل استمرار المعطى النبوي الاستـثـنائي الطارئ زمنيا و تاريخيا، و بين قوة العصبية القبلية التي تمثل البنية الأساسية للسلطة في الانثروبولوجية العربية وفق ما كشفه العلامة "ابن خلدون"..
الشعوب جميعها كانت موحدة حضاريا مما يعزز إحساس الانتماء الواسع و بالتالي الإحساس بالقوة و الاقـتدار، إضافة إلى التضامنية العامة بكل ما تخلقه من أخلاقيات تحدد مجمل السلوكيات الضرورية لأجل تعزيز الترابط لكتلة بشرية حضارية متجانسة برغم امتدادها الجغرافي الواسع..
السياسي هنا هو ضمنها و منها و إليها و لا ينظر إليه كعنصر غريب و بالتالي مكروه و هو كذلك لا ينظر بشكل عدائي إلى الرعية. فالعنصر الفارسي الذي تغلغل في السلطوي العراقي كان متـشربا من نفس الينبوع الحضاري. كان يحفظ الشعر العربي و ينتجه، و كان ينتج العلوم و الفكر باللغة العربية و بروحية إسلامية عامة حتى و إن كان زرادشتيا. كذلك كان الأمر مع اليهود و المسيحيين و جميع الأقوام اللذين تعـربوا سواء من أصول أوربية أو بربرية، لان مفتاح الانـفـتاح الحضاري كان التساوي التام مع الذي يعلن إسلامه و بالتالي التـفاعل التام و ذاك هو سر التعرب و التأسلم التام..
هكذا كان زمن القوة و الاقـتدار لم يصنعه السياسي بل هو امتداد لمخاضات فكرية و اجتماعية و حضارية أشمل. صحيح أن المأمون تبنى المدرسة المعتـزلية ذات المنزع العقلي لكنه لم يدعي انه صانعها أو اختـزلها في شخصه بل كان خادما للمعرفة و الفكر بسخاء كبير. المأمون خليفة أعظم إمبراطورية على وجه الأرض في القرن التاسع ميلادي وضع نفسه في وضع الخادم للفكر و التـنوير بمثل ما شارك فيه، و كم هي المسافة شاسعة ما بينه و ما بين مقولة القائد المفكر الملهم الحزب الشعب البلد عبر تاريخه بمجمله، و الذي جعل مفكري بلاده الأحرار يهربون من طغيانه و الذي قاد البلد إلى المحرقة الشاملة..
من خلال هذه المقارنة فمعضلة السياسي العربي اليوم هي انه فـقاعة حتى و إن أنجز قـفزة في حياة الشعب. فقاعة لأنه لم يبني سبل الاستمرارية لطريق الانجاز. انقطاع الاستمرارية ما هو إلا نتيجة لافتـقاد المشروع الفكري و الحضاري الشامل. هذا المشروع الذي لا يمكن للسياسي أن يبنيه لأنه ليس بنبي أو مفكر فهو على أقصى تـقدير يملك تحديدات فكرية معينة، و بالتالي فان دور السياسي الحقيقي باعتبار الانجاز الواقعي الذي يسهم في تحقيق الاستمرارية هو تـشجيع الفكر الحر و تحفيزه ماديا لصناعة مشروع حضاري جديد..
فالمشروع الناصري انقطع و لم يستمر لأنه لا يمكن لمشروع حضاري شامل ان يتسمى باسم شخص.
فمعضلة السياسي العربي السلطوي و المعارض انه لا ينبع من الأسفل سواء لمن يدعي الماركسية العلمية أو العلمية، أو لمن يدعي المشروع الإسلامي النهضوي لان الإسلام في حقيقته الاجتماعية انتهى أن يكون مشروعا حضاريا، فهو اليوم دين فقط مع بعض المتعلقات الثـقافية التي يستـشعر المجتمع فعل إعاقـتها لإمكانيات الحياة المعاصرة يوما فيوما، أو كذلك بالنسبة للوسطيـين اللذين يقـفون على البرزخ بين المحافظة و التحديث و اللذين أنتجوا ما يسمى بسياسة الأمر الواقع و التي ما هي في نهاية الأمر سوى سياسة استـفحال الأزمة العامة شيئا فـشيئا..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفق البديل السياسي المطلوب في تونس
- قاون المصالحة يقلب المشهد السياسي التونسي
- مصالحة ألامصالحة
- النداء التقدمي
- تاريخية القرآن ( من خلال سيرة ابن هشام)
- الرئيس التونسي يتحدى الشرق البائس
- زقاق الجن
- الأيادي القذرة
- نهاية الفصل الأول من الثورة
- الدوامة السورية إلى أين؟
- معركة -بدر-
- من يخون من؟
- ضرورة الانبعاث الفكري للثورة العربية
- انبعاث ثورية السلطة في تونس
- معركة -المصالحة- في تونس
- الأخلاق حرية
- يوم الإضراب العام
- دولة الثورة
- الهجوم الصاروخي الامريكي على سوريا
- الثورة المخاتلة


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - السياسي الوضيع