داود سالم
الحوار المتمدن-العدد: 1465 - 2006 / 2 / 18 - 10:27
المحور:
حقوق الانسان
ربما ليس من ألائق أن يستعير احدنا عنوانا لمقالته سبق وان وسم به آخرون كتبهم أو مقالاتهم ولكني اضطررت لإستعارة عنوان جمهورية الخوف من الكتاب الموسوم بنفس العنوان للدكتور كنعان مكية المغترب في بريطانيا على حد علمي , نظرا لانطباق العنوان شبه التام على ما تتحدث به مقالتي بخصوص مجريات الجلسة الثانية عشر لمحاكمة الطاغية صدام حسين ومساعديه ,كما ويشفع لي في ذلك عند الدكتور مكية تناوله لشخصي في كتابه ألأخر الموسوم القسوة والصمت (فصل قضية عمر ) كوني احد المعتقلين أواخر عام 1987 والذين تعرضوا لتعذيب وحشي وسرَد الكتاب حكايتنا , اعترف إنني فوجئت بالتداعي الغريب للهرم الوهمي الذي كان يصدم الناس بخيلائه وعنفه...كانت السنوات والعقود التي حكم الطاغية فيها الشعب مليئة بالتفاصيل والزوائد ولكنها تفاصيل مؤامرة تجعل الناس في تيه يلهثون وراء ألألعاب الشيطانية للنظام ,ولكن لا احد يعرف خارطة الطريق التي يتبناها الدكتاتور والمسالك التي يمضي بها في أدارة الدولة .... والغريب أن سويعات قليلة كانت كفيلة بسقوط هذا الوهم ,و وثيقتان أو ثلاثة مزقت غشاء الصمت ألأسود الذي كان يستر الأصابع الإدارية المحركة لكيان الحكم والمطبقة بعنف على رقاب الناس ,ثلاثة شهود أدلوا بالقليل من المعلومات المرعبة ومتهمان ارتفعت حمى الإدانة في جسديهما فراحا يثرثران ويرطنان ثم يهذيان ...جلس حامد يوسف حمادي ذليلا شاحبا يخرقه البؤس وهو الذي كان يطعن بكلماته جسد وكيان الثقافة العراقية يوم كان وزيرا لها ...جلس ذليلا ذلك الشرطي الذي اقتطع بمقصه الكبير كل ما لا يجده ملائما لرغبات القائد الضرورة ولذي رقص طويلا على معزوفات القائد الدموية و طبّل حتى صٌمت أذاننا لحروب بطل التحرير ...هل ينسى حمادي ألفاظه الشارعية عن ألأدباء والمبدعين ؟ هل ينسى ما قاله لمخلد المختار حين كان يزور المعرض التشكيلي عام2000 فيما يسمى مركز صدام للفنون التشكيلية في شارع حيفا وسط بغداد ؟ وكيف وصف احد الفنانين الكبار الذي رسم لوحة لا تتطابق مع فكر قائد الحملة ألإيمانية ؟ هل ننسى تهديده للكثيرين من ألأدباء بأنه سوف يدفعهم إلى المجهول إذا لم يساهموا في تعبئة الشعب للحروب ولمقارعة أمريكا ؟ أين هو ألآن من تلك المقارعة ؟لقد كان ذليلا وطاعن في الهزيمة والعجيب في ألأمر انه دوّن إفادات أمام قضاة التحقيق وصادق عليها في المحكمة بعضها ليس من اختصاصه وكان بإمكانه التملص من ألإجابة عليها أمام التحقيق بسهولة أو أن يتنصل عنها أمام المحكمة خصوصا وإنها تتعلق بجهاز المخابرات وليس بدائرته (دائرة المراسيم ) لقد أطاح الخادم بسيده وجعلنا نمسك بطرف الخيط الذي أدلنا على خارطة طريق الحكم لدى صدام .
كنا نسمع بان صدام لا يثق حتى بأصابعه ,ولكن تلك الكلمات لم تكن سوى استنتاجات وتحليلات لسياسيين كان البعض يطعن بمصداقيتها كونها تصدر من معارضين لنظام صدام حسين وربما أعداء مطلوبين لمحاكمه الجائرة وبعضهم محكوم غيابيا بالموت .
و ماهي ألا بضع جمل من فاضل صلفيج العزاوي ابن خالة الرئيس المخلوع واحد قادة جهاز المخابرات ومثيلاتها من جمل صدرت من فم الخادم حمادي حتى انهار تل العفونة وتمزق الغشاء, فراح صدام وبرزان يصفان خارطة حكمهما للناس ..لقد كانت تلك الخارطة مرعبة حقا لا احد من رجال ألأمن المقربين من الدكتاتور يعلم ماذا يحصل في حاكمية برزان !؟ وبرزان ألأخ غير الشقيق لا يعلم ماذا يحصل في ألأمن العامة !؟ والحرس الخاص لايستطيع كشف المغلفات ألأمنية وسكرتيره ممنوع من الأطلاع على الدائرة السرية التي تتسع لتشمل العراق كله والتي يحيط سيده نفسه بها .
ما تلك الدائرة؟ ما طبيعتها ؟ إنها بحر من دماء وجماجم وذبح أبرياء غير مصادق على أحكامهم الجائرة بدلا من أبرياء أيضا ولكن مصادق على أحكامهم ...وألأنكى من كل هذا أن الدائرة السياسية التي تتمثل بالقيادات الحزبية (قطرية وقومية ) وغيرها لا تعلم أي شئ مما يدور في هذه ألأقبية و واجبها الوحيد ألالتزام حرفيا بخطب القائد و وصاياه واقتياد الناس عبر التقارير إلى المؤسسات ألأمنية و المخابراتية ثم لا يحق لهم إطلاقا التحري عن مصائرهم . و بعد قال الرئيس المخلوع انه يضع توقيعه على المغلف من كل أركانه لكي لا تسول نفس احد من حاشيته الخاصة بالإطلاع على ما في المغلف ..هكذا قالها بصراحة.أما برزان فقد وصف الحاكمية وكأنها دهليز من دهاليز جهنم , أبواب مقفلة بالسلاسل وأخرى سرية وممرات يمنع التحدث بها بين شخصين أو أكثر حتى من قبل المنتسبين من رجال المخابرات الذين يعملون في تلك الدائرة وغرف لا يراها ولا يصلها أي من المنتسبين إلا من يخوله هو شخصيا , أما زوار ذلك السجن من التشكيلات ألأمنية و الأستخباراتية فأنهم يقادون من و إلى المراجع وكأنهم معتقلين . وقال صدام أن رئيس ديوان الرئاسة لا يعلم ماذا يفعل رئيس مكتب أمانة السر و لا هذا يعلم ماذا يفعل رئيس الديوان !؟ وينطبق ألأمر على السكرتير وعلى الحماية الخاصة ... لقد تذكرت فورا المقولة الشهيرة للباحث حسن العلوي حين قال أن ألاختلاف بين هتلر وصدام يمكن وصفه بجملة واحدة (هتلر حاكم أجرم وصدام مجرم حكم ) لقد تبن تماما سلوك المافيا وخارطة المجرمين ...وأضاف برزان إلى ما قاله سابقا هل يجرؤ احد على سؤالي وأنا أواجه الرئيس ؟ كان يضع سبابته أمام انفه وهو يطلق تلك الكلمات , أشارة إلى أن القيادات والكروش التي كانت تتقلب على كراسيها الدوارة أمام شاشات التلفزة من أعضاء الحزب ماهي ألا إمعات جبانة لا تعرف حتى مصائرها ... قال صدام :- أقولها دون تردد لا احد يستطيع إعطاء ألأوامر غيري ...وبهذا فقد اعترف الطاغية نهارا جهارا بمسؤوليته عن قضية الدجيل التي يحاكم عليها ونسف كل أقواله ودفاعاته وكل أقوال أخيه ودفاعاته في الجلسات السابقة وكل محاولاتهم المحمومة بإلصاق التهمة بشخص مدير أمنهم وقتها المتوفى فاضل البراك . لقد توضح تماما إن تلك العائلة المافيوية المكونة من المجرم وإخوته و أبنائه يسلكون طرقا وخرائط سرية للبت في حياة العراقيين والتحكم بمصائرهم , كل شئ في العراق كان مخيفا ومرعبا .. دهاليز و معتقلات ومقابر على امتداد الأرض ... أكداس من الجماجم والجثث ومختبرات سرية لصناعة أسلحة الموت والدمار وفساد ودعارة وغرف حمراء وسوداء ,بينما كانت الكاميرا تتنقل بين وجوه المتهمين الثمانية والأدلة تدمغهم , أراهم بوجوه مشوهة و أنياب تقطر دما .
#داود_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟