|
صورة سيلفى مع المعجزة
أحمد على حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5658 - 2017 / 10 / 3 - 00:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تدين الحضارة الانسانية لعلمائها وعباقرتها الافذاذ الذين هم أنبياء الحضارة الإنسانية ومخلصيها من سيطرة الأسطورة والخرافة، اللتان لعبت الأديان دوراً سلبياً للأسف فى نموهما وسيطرتهما على الإنسان لآلاف السنين ... وستظل المعركة بين التخاريف "المنسوبة للدين" والعلم محتدمة حتى إنتصار العلم .. وأى محاولة تلفقية للتعايش بينهما ستبوء بالفشل .. فما بالك بالمحاولات الصبيانية التلفيقية والجاهلة لأمثال مروجى الإعجاز العلمى والعددى والطبى وأحياناً الهندسى!!... وأدواتهم لا تتعدى مزيج غير متجانس من الخلطة العجيبة لبعض الآيات أو الأحاديث النبوية واللعب المكشوف فى معانى ولى ذراع بعض ألفاظها .. ثم مقارنة النص مع بعض الحقائق أو التظريات العلمية!! .. وربما لجؤوا لإختراع بعض الأكاذيب وتلبيسها ثوباً علمياً أو نسبها لأى إسم مزيف بإعتباره أحد العلماء ... ثم تجريع هذ الخلطة للسذج والجهلة الموهومين.
رحلة الحياة
حسب الحسابات العلمية فقد نشأ الكون منذ حوالى 13.5 مليار سنة، فى حين أن عمر كوكب اللأرض الذى نعيش عليه منذ منذ ما يقرب من 4.50 مليار سنة، و بدأت الحياة على سطح الأرض منذ حوالى 3.80 مليار سنة، وظلت سلسلة التطور تدور حتى أنتجت الإنسان " كآخر حلقات التطور" منذ حوالى 4.4 مليون سنة فقط. أما شكل الإنسان على هذا الشكل الذى نحن عليه الآن فلم يعرف قبل 35 ألف سنة فقط، كذلك فإن هذه الفصيلة الإنسانية كحلقة شديدة التطور من حلقات الحياة، لم يكتمل شكلُها دفعة واحدة. فقد نشأ ما لا يقل عن عشرة أنواع من الإنسان ظهرت على وجه الأرض، وإختفت تمامًا، قبل أن يظهر الشكل الذى هو عليه شكلناالحالى. ورغم كل تلك الدراسات والإكتشافات العلمية والتى تحدد بدقة عمر الكون وتكون مجموعتنا الشمسية .. ثم تصلب القشرة الخارجية للأرض .. ومن بعد بداية ظهور الحياة وتطورها حتى أنتجت جنس الإنسان ، فمازالت الحسابات الدينية لحياة الإنسان مختلفة كثيراً عن الحسابات العلمية. فلا يقتصر الإختلاف بينهما على رفض نظرية التطور التى قال بها تشارلز دارون، فحسب وجة نظرهم فقد نشأ جنس الإنسان بشكل مستقل حسب القصة الدينية المعروفة، ويمتد الإختلاف كذلك لتقدير عمر الإنسان على كوكب الآرض، فحسب التوراة ما بين آدم أول البشر ونوح وبدقة متناهية 1056 سنة، ثم إختلفت التقديرات ما بين نوح وحتى موسى ثم المسيح، فقد قدروها مابين: 4004 سنة, وآخرين قدروها بأنها: 5001، أما أقصى تقدير فكان: 5008 سنة. أى أن الإحتلاف فى حدود ألف سنة فقط، وعلى ذلك وبإضافة 2017 سنة وهى المدة التى تفصلنا الأن عن ميلاد السيد المسيح، فعمر الإنسان على سطح الآرض يتراوح بين 7700 سنة و 8700 سنة فقط!!.
تاريخ ممتد من الخرافة
إذا كان هناك امر واحد فقط قد صاحب مسيرة الإنسان ومنذ نشأته فهى الخرافة، فقد وقف الإنسان القديم عاجزاً أمام ظواهر الطبيعة المختلفة، وأمام الأمراض التى قد يصاب بها، وحتى أصوات الحيوانات المرعب فى الظلام والتى تخيلها أشباحاً وكائنات غير مرئية قد تتخطفه، وساهم فى ذلك عدم تناسب قدراته العقلية المتعاظمة حقبة وراء حقبة وقدراته الجسدية والعضلية المحدودة، فأنشأ الأسطورة لتجيبه عن أسئلته الحائرة تجاه الكون والحياة، كما أمدته الأسطورة بأوهام السيطرة على قوى الطبيعة وأخطارها ببداية إختراعه للآلهة، فجعل لكل قوة من قوى الطبيعة إله، فتعددت الآلهة، ونسجوا الأساطير حول تلك الآلهة وجعلوا المعجزات تجرى على أيدى من ترضى عنهم هذه الآلهة، ثم إبتدعوا الطقوس الدينية والقرآبين لكسب ود تلك الآلهة وتجنب غضبها، فنشأت طائفة رجال الدين الذين حظوا بمكانة إجتماعية مميزة، وحققوا بالإضافة لذلك مكاسب مادية وكلمة مسموعة مصحوبة بالرهبة. ومن غريب أن نجد تشابهاً كبيراً فى أساطير تلك الشعوب القديمة والقصص الدينية "الحديثة نسبياً" والتى جاءت بها الديانات السماوية، والقائمة طويلة لتلك التشابهات ليس ذلك مجالاً لتعدادها، ولكن على سبيل المثال: فكرة أن الماء هو أصل الحياة .. أو عرش الإله الذى كان على الماء .. فكرة الحصان المجنح الذى يصعد به الذى يختاره الإله للصعود للسماء .. فكرة الطوفان .. فكرة الثالوث المقدس .. وغير ذلك.
الكاميرا ذلك الإختراع المدهش
إذا كانت الكاميرا فى عصرنا الحالى هى وسيلة توثيق الحدث بالصورة، فقد كان الإنسان شغوفاً طوال التاريخ بهذا التوثيق عن طريق الصورة أيضاً وحتى قبل إختراع اللغة المكتوبة نفسها ، ونجد ذلك فى الرسومات البدائية فى كهوف إنسان ما قبل التاريخ .. وعندما تقدم الإنسان فأصبح لا يكتفى فقط بتسجيل الأحداث الهامة أو تاريخ الملوك وحروبهم، بل أصبح حريصاً على تسجيل كل ما يخص حياته، ونرى ذلك فى الحضارة الفرعونية "على سبيل المثال" فلا يخلو نشاط إنسانى فى مصر الفرعونية من التسجيل بالصورة على شكل منحوتات وجداريات بالإضافة للتسجيل باللغة المكتوبة .. بحيث نقلوا لنا عبر آلاف السنين صورة شبه كاملة عن تاريخهم وتفاصيل حياتهم الإجتماعية والسياسية وآدابهم ومعتقداتهم الدينية. كان للعالم العربى الحسن بن الهيثم السبق فى علم دراسة الضوء، وذلك خلال فترة سجنه بأمر الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر لله، فسجل الحسن بن الهيثم ملاحظاته لمرور الضوء خلال فتحة صغيرة فى حائط الزنزانه ناقلاً صورة مهزوزة لشجرة خارج السجن، أما أهم ملاحظة دونها فكانت أن تلك الصورة قد إنتقلت "مقلوبة" عبر أشعة الضوء التى تمر بشكل مستقيم عبر تلك الفتحة الصغيرة فى الجدار، ثم تطور هذا الإكتشاف عبر إختراع العدسات لتقريب الصور البعيدة. أما أول كاميرا حقيقية أنتجت أول صورة فوتوغرافية فكانت عام 1826 على يد العالم الفرنسي جوزيف نيبس، وقد صنعت آلة التصوير هذه في باريس على يد الأخوان تشارلز وفينسينت شيفالير، ثم تطورت تلك الكاميرا الخشبية القديمة عبر السنين فأصبحت أصغر حجماً وشديدة الدقة والحساسية .. حتى وصلنا لغزو الكاميرا لكل تفاصيل الحياة فى زمننا الحاضر، بحيث أصبحت لا تفارقنا لحظة واحدة من الكاميرات بالشوارع والميادين والمبانى العامة والمولات والمحلات التجارية ، بل وحتى ملحقة بأجهزتنا المحمولة كالكمبيوتر وأجهزة الهاتف المحمولة وغيرها. بحيث أصبح يكاد يكون من المستحيل أن تجد أى حدث فى مجمل الحياة سواء أكان حدثاً عاماً أو يخص حياة الأفراد ومهما كان تافهاً دون أن يكون مسجلاً عبر الصورة أو الفيديو ... ولعل علماء التاريخ فى الأمم والحضارات فى المستقبل سيكونون محظوظين لإستطاعتهم تأريخ حياتنا الحاليةبسهولة تامة، لأنه ببساطة سيكون متاحاً لديهم سجلاً كاملاً لحياتنا بالصوت والصورة.
الكاميرا قاهرة الأشباح والخرافات
دعنا نتخيل تلك المعجزات التى تحدث عنها التاريخ الإنسانى عبر قرون طويلة وكأنها حدثت فى زمننا الحالى، فسيكون السؤال البديهى الذى سيطرحه الكثيرون: هل لديك توثيق بالصورة لتلك المعجزة!!؟ ... فالتسجيل بالصوت والصورة أصبح متاحاً فى كل وقت من حياتنا ونوثق به حتى أتفه أحداثنا اليومية، فما بالنا بحدث جلل يصل لحد المعجزة!!.... ثم نتعجب لماذا لم يأخذ صاحب المعجزة صورة سيلفى له بجوار معجزته. فنحن وبكل بساطة ندين للكاميرا بتراجع الأسطورة والخرافة فى حياتنا، فحتى وقت قريب جداً كان مايزال السذج والموهومين (وما أكثرهم) يصدق خزعبلات معجزات بعض ممن يسمون بالعارفين أو الأولياء، والذين ينتشرون فى كل الديانات دون إستثناء!!. وإن كانت تتركز وتزداد نسبتهم وتأثيرهم على حياة البشر فى البلاد التى يسودها الجهل ... فتحدثنا كتب التراث عن شيوخ أو أولياء أو قديسين طاروا فى الهواء!! أو مشوا على الماء !! أو شفوا الأمراض بلمسه يد أو برقية بعض الطلسمات .. وغير ذلك كثير جداً من الخرافات !! .... ولعل كتاب مثل جامع كرامات الأولياء وقد صدر فى مجلدين ليوسف النبهانى سيكون هو آخر تلك الكتب فى مثل تلك الخزعبلات والخرافات، وتراجع مزاعم هؤلاء إنما كان بسبب وجود الكاميرا فى حياتنا .. فعتدما يدعى أحدهم أنه طار فى الهواء أو مشى على الماء فهو يعلم أننا سنطالبه بالصورة التى توثق تلك الكذبة، ولعل من باب الطرافة أن تتحول تلك الخرافات القديمة للذين طاروا أو مشوا على الماء وغيرها لألعاب للتسلية من بعض الحواة فى زمننا الحالى تعينهم الخدع البصرية وبعض الحيل والأجهزة فى إنجازها.
فى النهاية فهؤلاء الذين ينتصرون للعلم " وأدعى أنى من هؤلاء" ليسوا فى حالة عداء مع الأسطورة ومن باب أولى فليسوا أيضاً فى حالة عداء مع الدين أو المعتقدات الدينية أى كانت ... ولكنهم فى حالة عداء مع الخرافة، والأهم م ذلك التأثير شديد السلبىة لتعاظم الخرافة وتحقير العلم المقصود لمزيد من الترويج للخرافة، فأصبحت الخرافة هى المتسلطة على عقول البسطاء والسطحيين، وخصوصاً فى بلداننا التى سبقتها بقرون تلك الشعوب التى نحت الخرافة جانباً، وأصبح العلم .. والعلم فقط هو المفسر لكل ظواهر الحياة .. بل وأحياناً هو المسيطر عليها، فى حين نكاد نحبو على طريق العلم.
#أحمد_على_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسى التاريخ
-
العقل العربى المقيد
-
أمام المرآة ...... المأزق -التاريخى- فى مواجهة داعش
-
قراءة لرفاعة الطهطاوى ........ عن التدين الشكلى وصعود السلفي
...
-
الدرر السنية والنصائح الذهبية لشيوخ السلفية ..... المعروفة ب
...
-
المنظومة الأخلاقية .... بين الدين وحاجات المجتمع
-
المنظومة الأخلاقية .. والدين .. وحركة المجتمعات
-
بائع الحمام ... و المادة 219 من الدستور المصرى
-
أيها الفقه .. كم من الجرائم ترتكب - أحياناً بإسمك !!؟
-
مغامرة رأس المملوك - باسم - !!!!؟
-
المتأسلمون ........ من الأتباع و المتبوعين
-
العريان يرقص ....... عارياً
-
الفلول و ضبط المصطلح ... و حكايتان حقيقيتان عن صديقين عزيزين
-
اليموقراطية أصلاً حرام ........ المعركة الفاصلة
-
المرأة فى مسودة الدستور المصرى
-
قراءة عصرية -عربية خالصة- لمسرح العبث......... مسرحيتى-سوء ت
...
-
العالم الذى وعدت به - لمى - ........... مهداة لروح الطفلة ال
...
-
الإلتفاف على النص الدستورى فى مسودة الدستور المصرى
-
الفقه الذكورى
-
هستريا جماعية فى جمعة تطبيق الشريعة
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|