التأمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يومي 19و20 شباط 2003، في اجتماع اعتيادي، تدارست فيه تطورات الاوضاع السياسية خلال الاشهر الستة التي انقضت على اجتماعها السابق، وتقريراً عن عمل هيئات الحزب القيادية خلال الفترة ذاتها.
وفي بداية الاجتماع نهض اعضاء اللجنة المركزية صامتين تحيةً لذكرى شهداء الانتفاضة الفلسطينية، خاصة من سقطوا في الايام الاخيرة برصاص جيش الاحتلال الاسرائيلي المتهستر، وشهداء حزبنا والحركة الوطنية العراقية، ومن فقدناهم في الاشهر الماضية من رفاق الحزب واصدقائه ومناضلي الحركة الوطنية.
وانطلقت اللجنة المركزية في مداولاتها من واقع ان شعبنا وبلادنا يمران اليوم بفترة عصيبة، غير عادية في تعقيدها وقسوتها وخطورتها.
فمن الخارج يتعالى قرع طبول الحرب، وتتزايد الحشود العسكرية، وتشتد الحرب النفسية، والى جانب ذلك يتسع نطاق النشاطات المخابراتية، وترتفع حمى التحركات في المحافل الدبلوماسية لتيسير طريق الحرب، او لكبحها وابعاد شبحها، وتصل الحملة الاعلامية على النظام الى مستويات لا سابق لها.
وفي الداخل يدفع ابناء الشعب الثمن الباهظ للتدابير الاحترازية والاستنفارية، التي يتخذها النظام في شتى الميادين للدفاع عن سلطته وحمايتها، والتي تزيد من انتهاك امن المواطنين واستباحة حقوقهم، ومن ترهيبهم وترويعهم، فضلاً عما تفضي اليه من شل للحركة الاقتصادية والتجارية الراكدة اصلاً، ومن تفاقم بالتالي للضائقة المعيشية والمحنة الحياتية العامة لملايين المواطنين.
ولاحظت اللجنة المركزية ان هذا الواقع المريع غير المسبوق في تاريخ بلادنا الحديث، والمتزايد قسوة مع اقتراب شبح الحرب من الخارج، وتزايد اجراءات النظام الرامية الى احكام تطويق وحبس جماهير الشعب، التي يخشى في الاساس انفجار نقمتها وثورتها، انما هو الحصيلة المكثفة لمجمل نهج النظام الدكتاتوري وسياساته منذ استيلائه على السلطة قبل حوالي 35 عاماً، وهو التتويج الملموس لمسيرته عبر هذه الاعوام الطويلة، مسيرة العسف والارهاب، والحرب والعدوان، والاستهتار بالشعب وحقوقه، والتفريط بالوطن ومصالحه.
فهذا النظام هو من يتحمل المسؤولية الاولى والاساسية عن كل ما عاناه شعبنا من محن وويلات طيلة السنين المديدة المنصرمة، وما تعرض له من حملات تقتيل وابادة، وما لحق بالوطن من دمار وخراب.
وهو مسؤول، مسؤولية جسيمة، بسياساته وممارساته والذرائع التي يوفرها من خلالهما، حتى عن المخاطر المحيقة بهما اليوم، والتي تهددهما بالمزيد من الموت والدمار والمآسي.
ولذلك فلا نهاية للمعاناة والمحن وللتفاقم المضطرد لأحوال الشعب والبلاد، ولا انطلاق لعملية الاعمار او استئناف لمسيرة التقدم، من دون الخلاص من هذا النظام.
الحرب واحتمالات اندلاعها
وتناولت اللجنة المركزية في بحثها خطر الحرب المخيم اليوم ثقيلاً على البلاد، واشارت في هذا الشأن الى ما يبديه النظام من تعاون يتسم بالتردد مع مفتشي الاسلحة الدوليين، ولا يتجاوز في اي حال الحدود المفروضة عليه.
لذلك جاء تقرير هانس بليكس ومحمد البرادعي الى مجلس الامن في 27 كانون الثاني غير حاسم. فهو لا يدين النظام كما انه لا يبرئه.
كذلك جاء، من حيث الجوهر، تقريرهما الأخير الى المجلس في 14 شباط .
ويقرّ المفتشون بان النظام يتعاون معهم، لكنهم يعتبرون تعاونه غير كامل، ولا يتيح لهم التأكد من كل شئ.
وازاء ذلك، وانطلاقاً من مواقف مسبقة في الغالب وليس من استنتاجات بليكس والبرادعي ذاتها، انقسم مجلس الامن الى من يقول ان النظام يتعمد اخفاء اسلحته ، فلا جدوى بالتالي من مواصلة التفتيش، ومن يرى ان من الواجب الاستمرار في عمليات التفتيش، والسعي الى مزيد من التحقق قبل اتخاذ القرار الخطير بالتوجه نحو الحرب.
على انه برغم تباين المواقف في شأن الحرب وخيارها، فان هناك اجماعاً تقريبياً داخل مجلس الامن على ان مسؤولية الخروج من هذا النفق تقع على عاتق النظام في بغداد.
وامتد صراع المواقف الى خارج مجلس الامن، حيث تجلت وجهة النظر الثانية الداعية الى كبح الاندفاع نحو الحرب في موقف دول الاتحاد الاوربي، لاسيما فرنسا والمانيا، والبرلمان الاوربي. فيما وجد الموقف الاول تعبيره الواضح في خطاب الرئيس بوش حول حالة الاتحاد في 28 كانون الثاني، ثم في المؤتمر الصحفي لبوش وبلير في 30 كانون الثاني، واخيراً في خطاب َاول امام مجلس الامن في 5 شباط.
ويظهر من ذلك كله وما يتصل به ان الآونة الماضية حفلت بمظاهر الدفع في اتجاه خيار الحرب. لكنها شهدت كذلك بروز المزيد من عوامل الدفع المضاد.
الا ان اندلاع الحرب يبقى في كل الاحوال الاحتمال الارجح.
سوى ان الاقرار بحقيقة الضغوط الكبيرة لتقريب يوم اندلاعها، لا يعني من ناحية ثانية استبعاد امكانية تأجيلها.
ان ضغوطاً كبيرة متقابلة تنشط في الاتجاهين المتعاكسين. وان الحاجة تزداد في ظل هذا الواقع لتكريس اهتمام اكبر للامم المتحدة، وميثاقها، وقراراتها، ولمنحها دوراً اكبر في حل الازمة المستفحلة، ولاستنفاد الوسائل الدبلوماسية والسلمية عموماً، وبضمنها الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول القضية العراقية، وتفعيل القرار 688 الصادر عن مجلس الامن.
التوجهات الامريكية المحتملة
وفي شأن تصورات الادارة الامريكية، وهي تكثف جهودها في اتجاه تهيئة مستلزمات الحرب، رأى الاجتماع ان ما يغلب فيها، تحضيراً وممارسة، هو الافادة من زخم الاستعدادات الحربية في تحقيق تغيير فوقي في النظام، من دون خوض حرب فعلية.
وفي هذا الاطار تعلَّق آمال على تنحي صدام عن السلطة، وهو امر لا ريب في ايجابيته كبديل للحرب المدمرة، لكن امكانية تحقيقه تبقى محاطة بالشكوك. كما تعلَّق على اقدام نفر من الدائرة المحيطة به على اغتياله، او الانقلاب عليه.
ويبدو ان المخططين الامريكيين لا يشطبون على احتمال تحقق هذا أو ذاك من الآمال المذكورة، حتى في المرحلة الاولى من الحرب، في حال اقدامهم عليها.
واذا لم يتحقق شئ من ذلك، فان حصيلة الحرب ستكون على الارجح حكماً عسكرياً أمريكياً مباشراً، يستعين "بمجموعة من الخبراء العراقيين لادارة الوزارات، وتحقيق النظام والامن، وتوفير الغذاء والمؤن باسرع وقت"، ويستمر ذلك امداً غير محدد، حيث "يجب منح بعض الوقت لظهور قيادات سياسية جديدة"، كما يقول المعنيون في الادارة الامريكية.
موقف الحزب من الحرب
واكدت اللجنة المركزية، وهي تتناول موقف الحزب من الحرب:
انه يرفضها، باعتبارها الخيار الاسوأ والاشد تدميراً وتخريباَ.
ان رفضه لها مبدأي - اخلاقي، ينطلق من واقع ما سيتعرض له شعبنا من أهوال في حرب شاملة، تستخدم فيها الاسلحة الحديثة عظيمة التدمير، ومن خسائر في الارواح قبل الممتلكات. ستكون كارثة، بكل معنى الكلمة، على صعيد الحاضر، كما ستمتد آثارها الى المستقبل.
انه يرفضها لانها، كذلك، ستأتي بالاحتلال والحكم العسكري ، ولن تجلب الديمقراطية.
ان رفضه لها كوسيلة للتغيير في بلادنا لا يعني التخلي، ولو للحظة، عن الايمان بضرورة التغيير ذاته، والخلاص من النظام الديكتاتوري واقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.
كما ان رفضه الحرب كخيار اوحد، لا يعني اطلاقاً ان يبقى متفرجاً على ما يحدث. وقد كان ومازال يسعى لايجاد وطرح خيارات افضل لانجاز عملية التغيير والخلاص من النظام، وهي تتركز في السعي لتأمين تبني مشروعه الوطني الديمقراطي، الذي يعتمد الشعب والقوات المسلحة ووحدة القوى الوطنية المعارضة، والعمل على ان يتمتع بدعم واسناد دوليين شرعيين.
وفي هذا السياق تساءل المجتمعون عما اذا يمكن تصور الحصيلة الكبيرة والمؤثرة في مجال زعزعة اركان النظام، لو ان الضغوط التي مورست من اجل تنفيذ القرار 1441، كانت قد وظفت لفرض تطبيق القرار 688!
واعربوا عن يقينهم انه كان بوسع ذلك ان يأتي بتغييرات ملموسة لمصلحة حرية جماهير شعبنا وقواه الوطنية، في مواجهة القمع والارهاب، وبما يمكّنها من تقرير مصيرها بنفسها من خلال انتخابات حرة، وباشراف الامم المتحدة.
موقف النظام واجراءاته
وبحثت اللجنة المركزية موقف النظام واجراءاته الملموسة ازاء التهديد من الخارج، وتعاظم النقمة الشعبية في الداخل، وسجلت :
استمرار الاستعدادات القصوى لمواجهة الحرب، وما يتوقع ان ينجم عنها من تحرك وانتفاض جماهيريين، بشتى التدابير، من توزيع للقوى، وتبديل لمواقع القيادات والمستودعات، وحفر للخنادق والآبار، وتدريبات واستعراضات، وتطوير للخطط والمواقع، وخزن للوقود والاغذية والضروريات الاخرى، وتوزيع للحصص التموينية، وملاحقة المشكوك في ولائهم ورصد تحركاتهم، واصدار توجيهات بمنع التجول عند وقوع الهجوم، وأوامر بالتحاق الموظفين بدوائرهم وغير ذلك.
ويبدو في ضوء هذه وغيرها من التدابير ان النظام يريدها حرب مدن، تتيح له تحويل ابناء الشعب المدنيين الى دروع بشرية، والاحتماء بهم!.
تواصل الاجراءات الامنية في اجواء الاستنفار المستمر للقوى والميليشيات الارهابية المسلحة، وتمريناتها و"ممارساتها" اليومية، وتدابيرها القمعية غير المنقطعة، رغم بعض التخفيف احياناً هنا وهناك، لغرض التنفيس .
استمرار اعتماد الرشوة في تأمين الولاء واسكات الناس، وذلك بزيادة رواتب البعض، ومخصصات البعض الآخر، والغاء الديون او الضرائب المستحقة على بعض ثالث، وتوزيع الاراضي السكنية، ومنح القروض، والسماح للباعة المتجولين بافتراش الشوارع، وغير ذلك، فضلاً عن الاستمرار في توزيع السيارات والعطايا المالية وصنوف "المكرمات" الاخرى.
الظهور الاعلامي المتواصل لصدام حسين، عبر خطابات يومية واجتماعات مع القادة العسكريين خصوصاً، لتدقيق الخطط ورفع المعنويات.
تضارب اقوال المسؤولين من جانب، وتناقضها مع افعالهم الملموسة من جانب آخر، فتصريحاتهم العنترية لا يقابلها سوى الحرص على تنفيذ القرارات والخضوع للتفتيش.
السعي على الصعيد العسكري للالتفاف على فاعلية الاجهزة الحديثة للتنصت والقطع والتعطيل، بالتخلي عن وسائل الاتصال المعتمدة كالتلفون واللاسلكي وغيرهما، واستبدالها بوسائل قديمة، وبالذات الرسل "سعاة البريد" الذين يستخدمون دراجات نارية او هوائية. وليس واضحاً ما اذا سينفع ذلك في مواجهة ضربة عسكرية يراد لها ان تكون سريعة، وهائلة في كثافتها النارية، وغير مسبوقة في ما تستخدم من اسلحة حديثة!
اللجوء الى المناورات السياسية، والتظاهر بالاستعداد للانفتاح، وللاصلاح الديمقراطي، وحل القضية الكردية. ولهذا الغرض يجري تسخير جثث سياسية اكل الدهر عليها، وعرض "ادلة" مثل "الاستفتاء" و"العفو" المزعومين وخفض رسوم السفر.
ومن الواضح ان هذه وغيرها من التدابير، التي تتخذ السلطات الخائفة المزيد منها باستمرار، لا تخفف من محنة الجماهير المعيشية ومعاناتها اليومية، ولا تحمل الى النفوس بعض انفراج، او تبدد شيئاً من القلق والتوتر والترقب المنهك، فهي بالتالي لا تحد من الغضب والنقمة العارمين في صدور المواطنين على الحكم والحكام، بل العكس هو الصحيح.
وقد تجلى ذلك ويتجلى في تواصل عمليات التصدي المسلحة من جانب ابناء الشعب، لجلاوزة السلطة وازلامها ومقراتها، وحتى في تنامي مظاهر المقاومة السلمية للنظام وسلطاته، مثل رفض تسديد الضرائب والرسوم، والتجمع والتظاهر احتجاجاً في حالات معينة او مطالبة بالكشف عن الابناء المغيبين وغير ذلك.
ويلاحظ ان القلق والتوتر ينعكسان على نطاق اوسع في صفوف اعوان النظام انفسهم، الذين تهبط معنوياتهم، وتهتز ثقتهم بالنظام وبقدرته على الصمود والبقاء، ويزداد سعيهم - لا سيما وهم يتحولون الى هدف يومي لنقمة الناس ومقاومتهم وتصديهم بالكلام والايدي وحتى بالسلاح - للبحث عن سبل للخلاص من ورطة الارتباط بالنظام، وذلك خصوصا عبر تحسين علاقاتهم مع ابناء الشعب.
لقد تحوّل التذمر والرفض للوضع القائم والتطلع الى التغيير، الى حالة عامة، يتساوى فيها الجميع عملياً، بغض النظر عن علاقتهم بالسلطة.
النظام والقرارات الدولية
وتداول الاجتماع آفاق تجاوب النظام مع قرارات الامم المتحدة والمطالب الدولية والضغوط الامريكية، ومدى استعداده للمزيد من التنازل والتراجع في سبيل درء خطر الحرب، ام انه، على العكس، سيواصل تعنته ومراوغته، ويستمر في عنجهيته، وفي تهديداته بضرب الكويت وضرب كردستان، والتلويح بارتكاب حماقات انتحارية، وغير ذلك من الادعاءات?
واشار الى ان الحفاظ على السلطة والبقاء متربعا في قمتها، هو الامر الاهم بالنسبة الى الطاغية وزمرته ، وهو ما يظلون مستعدين للتضحية في سبيله بكل شيء، وبضمنه مصير الناس والبلاد.
وهذا ما بدأ يدركه اليوم العالم كله.
كما صار يبدي، الى جانب ذلك، استعداداً أفضل لتفهم ضرورة تغيير النظام، واستبداله بآخر ديمقراطي، باعتبار ذلك من الوسائل الاكثر فعالية لدرء الحرب وحماية الشعب والوطن من خطر الموت والدمار المحدق. وهناك بالفعل فرصة واقعية للوصول الى هذه الغاية، فيما لو وحدت اطراف المعارضة قواها على اساس برنامج وطني ديمقراطي، وفيما لو توفر عند المجتمع الدولي حماس لتفعيل القرار 688، يوازي حماسه لتطبيق القرار1441.
ردود الفعل العربية
وبحثت اللجنة المركزية في اجتماعها كذلك ردود الفعل العربية على التطورات المتعلقة بالعراق والقضية العراقية، وبينت ان هدف الحرب التي تهيء لها الادارة الامريكية لا يقتصر على تغيير النظام في العراق. فالمطلوب، عبر هذا المدخل، بناء نظام اقليمي جديد يقوم على:
حل القضية الفلسطينية بما يرضي اسرائيل ويستجيب لمخططاتها.
اجراء تغييرات في الانظمة القائمة من خلال تجديدها ومقرطتها على الطريقة الامريكية.
وأد النزعات التحررية الوطنية و القومية.
الاستثمار المستقر والمجزي في ميدان النفط، وتأمين السيطرة عليه كأداة للهيمنة العالمية.
تحويل المنطقة الى منطلق استراتيجي لتعزيز النفوذ السياسي - العسكري - الاقتصادي في العالم.
ومن الطبيعي ان تكون ردود الفعل الرسمية والشعبية، في البلدان العربية، محكومة بالحقائق المذكورة، على رغم التباين والتمايز في منطلقات الجهات المختلفة منها، واهدافها ومناهجها.
وتبقى الحقيقة الاساسية المتمثلة في بؤس وهزال الدور الرسمي للاغلبية العظمى من الحكومات العربية، ماثلة للعيان ومتجسدة في العجز عن الفعل والتأثير في مجرى الاحداث، ومساعدة الشعب العراقي على الخلاص من محنته، التي يكمن في اساسها النظام الديكتاتوري المتوحش، الجاثم على صدره منذ ما يزيد على ربع قرن!
ويبقى السؤال عما اذا تستطيع هذه الحكومات وجامعتها، ان تكون عوناً للشعب العراقي ولشعوب البلدان العربية الاخرى، بالتشخيص الدقيق للعلة المتمثلة في الديكتاتورية، ومعالجتها، بما يتيح للشعب العراقي استعادة حريته وبناء بلده على اسس ديمقراطية، وبما يبعد عنه شبح الحرب والتدخل العسكري الاجنبي، وما يجرانه عليه وعلى المنطقة من دمار وويلات?
ردود الفعل العالمية
وفي شأن ردود الفعل العالمية اشارت اللجنة المركزية الى ان المصالح والاعتبارات النفعية، قريبة المدى وبعيدته، هي ما يكمن خلف مواقف الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي. لكن هذا الواقع ليس معزولاً عن الضغوط الشعبية - الاخلاقية المناهضة للحرب، ولا عن سعي الادارة الامريكية الى الانفراد في معالجة القضايا، او عن شطط سياساتها وازدواجية معاييرها، وتجاوزها الاعراف والقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة.
ومن الجليّ ان معالجة قضية معقدة وحساسة مثل القضية العراقية، تبقى مهمة عسيرة في غياب دور فعال للامم المتحدة، ودونما استناد الى ميثاقها.
وتتأكد هذه الحقيقة في ضوء الموقف المغاير لتوجه الولايات المتحدة، الذي اتخذته كل من فرنسا والمانيا بمبادرتهما التي يجري تداول افكارها في الايام الاخيرة، والتي يبدو انها تحظى بدعم معين من جانب روسيا والصين. كما يؤكدها الموقف الفرنسي - الالماني - البلجيكي في اطار حلف الاطلسي، والذي جاء اول الامر معارضاً للمساهمة في المجهود الحربي ضد العراق.
واذا كانت بريطانيا و7 دول اوربية اخرى قد اتخذت موقفاً مؤيداً لتوجه الولايات المتحدة الحربي في موضوع العراق، فان البرلمان الاوربي اعلن بجلاء معارضته للحرب.
وارتباطاً بما نشر من الافكار الفرنسية - الالمانية وعنها، تنبغي الاشارة الى انها ستجد الترحيب، اذا كانت تساعد في العثور على حل للقضية العراقية، بعيداً عن خيار الحرب وما يعنيه ويؤدي اليه من غزو واحتلال وحكم عسكري. واذا كانت تحترم الشرعية الدولية والقرارات الجماعية المنطلقة من ميثاق الامم المتحدة، وترفض التعامل الانفرادي من اي جهة جاء. وما دامت تعتمد الحل الدبلوماسي للاشكالات القائمة بين الامم المتحدة والعراق.
وبالرغم من عدم تبلور هذه الافكار في مبادرة رسمية واضحة المعالم، فانها يمكن ان تكون خطوة مناسبة في اتجاه معالجة القضية العراقية، اذا ما تناولتها في شمولها وكامل تعقيداتها، واتاحت الفرصة لمواصلة عمل المفتشين الدوليين من جانب، ووضعت في اعتبارها من جانب آخر، ولأجل درء خطر الحرب واجتثاث جذور المشكلة عراقياً، معاناة الشعب العراقي، وضرورة تأمين حقه في اختيار نظامه السياسي، في انسجام مع مبادئ حقوق الانسان والديمقراطية، وبعيداً عن العسف والارهاب، وبتفعيل القرار688.
وقد تكون الدعوة الى عقد مؤتمر دولي، لبحث القضية العراقية بجميع جوانبها وكامل ابعادها، وبمشاركة ممثلي الشعب العراقي من مختلف تيارات المعارضة الوطنية، مدخلاً سليما وعملياً لحل جذري للمشكلة، التي استنزفت البلاد، واقلقت المنطقة بل والعالم كله وارهقتها لسنوات طويلة.
الحركة المناهضة للحرب
وبحثت اللجنة المركزية في اجتماعها ايضاً، الجديد في الحركة المناهضة للحرب، وبيّنت في هذا الشأن ان عسكرة التوجهات السياسية الامريكية بعد 11 ايلول 2001، واصرار الادارة في واشنطن على التعامل الانفرادي على المستوى الدولي، ولجوءها المتعجل الى الاعتداء على الغير بحجة " الضربات الوقائية"، من دون مبررات مقنعة او سند شرعي، والتوجه نحو توسيع هذه الممارسات، واحدثها ما يتصل بالعراق، استثارت هذه الحركة العالمية الجبارة المدافعة عن السلام.
وتحولت هذه الحركة الى واقع ماثل لا يمكن تجاهله، يشمل المعمورة بكاملها ويقع مركز ثقله في اوربا والولايات المتحدة الامريكية ذاتهما. وصار يشارك فيها اليوم الملايين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، ومن شتى الاصول القومية والانتماءات الدينية، تجمعهم الرغبة في درء العدوان واستبعاد الحرب، والسعي الى حل الخلافات بالطرق السلمية، وعلى اساس من احترام الشرعية والقانون الدوليين.
وان ما يبعث على الرضا والارتياح في تطور الحركات السلمية اليوم، هو تنامي الربط بين رفض الحرب ومناصرة السلام من جانب، وبين النضال ضد الديكتاتورية ومن اجل الحرية والديمقراطية من جانب اخر.
الامر الذي يلقي على عاتق المعارضة الوطنية العراقية وجماهيرها في الشتات، مهمة السعي لتعميق هذا المنحى، وكشف زيف الوجوه التي تحاول تشويه تضامن الجماهير المناهضة للحرب مع شعبنا، وتجييره لمصلحة بقاء النظام الدكتاتوري.
وينبغي خصوصاً، في هذا السياق، تبصير حركات السلام والجماهير الرافضة للحرب، بالخطر الكامن في ابراز شعار مناهضة الحرب دون شعار ادانة الدكتاتورية.
فمن الواضح ان ذلك يمكن ليس فقط ان يتيح للنظام توظيف الحركة المعادية للحرب لمصلحته اعلامياً وسياسياً، بل وقد يجعله يعتقد ان هذه الحركة تقف حقاً في صفه، فيدفعه الى التعنت في مواقفه، وبالتالي الى تيسير اشعال الحرب!
الوضع في المعارضة
واولت اللجنة المركزية اهتماماً خاصاً للوضع في المعارضة العراقية، واكدت في هذا الشأن ان اقامة الوحدة المنشودة لقوى المعارضة العراقية، الوحدة الجديرة بالتعامل مع تعقيدات القضيةالعراقية، و مع تداخل وتشابك العوامل المتنوعة المؤثرة فيها، الوحدة المؤهلة لقيادة شعبنا الى الانتصار، وتخليصه من الدكتاتورية وشبح الاحتلال، وحمايته من شرور الحرب وما تجلب من موت وخراب، والقادرة على تأسيس عراق ديمقراطي فيديرالي موحد “ تتطلب ان تكون هذه الوحدة مجسدة لاستقلالية القرار العراقي المعارض، ومبنية على اساس برنامج وطني ديمقراطي، يعبر عن المصالح العليا للشعب العراقي، ومعتمدة حركة الجماهير ونهوض القوات المسلحة، وجامعة اياهما في تيار جارف، تتصدره قيادة سياسية - ميدانية ملتصقة بالناس وهمومهم وحاجاتهم الفعلية.. وحدة تستند في الوقت نفسه الى دعم دولي شرعي، رسمي وشعبي، يجسد مبادئ ميثاق الامم المتحدة.
ان مؤتمر لندن، الذي عقد باسم جمع اطراف المعارضة وتوحيد جهودها، لم يكن يمثل الطموح، وكنا نرغب ان يأتي في غير ما جاء عليه في تركيبته ومنهجه ومنطلقاته.
وقد ارتكبت في سياق التحضير له وفي ادارته، اخطاء عدة، وكانت التأثيرات الخارجية للاسف، ورغم ما بذل من جهود للتخفيف منها والتقليل من فعلها، كبيرة.
بل انه لم يستطع النطق بكلمة حق حول المسألة الاهم، ونعني عملية وآلية التغيير، خشية ان يضعه ذلك في موقع الرفض للحرب، وهي الخيار الذي تبشر به الولايات المتحدة وتهيء له، واكتفى برفض بعض نتائج هذه الحرب، كالاحتلال وتنصيب حاكم عسكري.
ولا شك ان وثيقتي المؤتمر تضمنتا صياغات جيدة في توصيف النظام القائم، وخطاباً مناسباً في شأن ضرورة مواجهته والخلاص منه، وتحديداً عاماً لاهداف المعارضة، المتمثلة في اقامة عراق ديمقراطي فيديرالي موحد.
غير ان هذا لا يلغي النقص الكبير في قرارات المؤتمر.
وما يسجل عليه خصوصا، انه وقع في فخ اعادة تركيب المعارضة الوطنية العراقية على اسس عرقية ودينية وطائفية، وعلى حساب المعيار الاساسي السليم: السياسي -الاجتماعي.
فمن الواضح ان ذلك سيضعف كيان المعارضة، ويحدّ من طاقتها، ويجعلها اكثر هشاشة امام الضغوط الخارجية، بل واكثر استعداداً للتشتت والتشرذم الاضافيين. ذلك انه يحفز موضوعياً اتجاهات التعصب القومي، والتخندق الديني، والانعزال الطائفي و المذهبي.
ومن شأن ذلك كله، دون ريب، ان يترك آثاراً سلبية على وحدة شعبنا، التي نريد لها ان تتأسس ديمقراطياً وعلى قاعدة المجتمع المدني، مع استبعاد المظاهر السلبية التي شجعتها الديكتاتورية والانظمة المعادية لمصالح الشعب.
كذلك كانت قضية الحصص والمواقع والصراع التنافسي حولها، والتزمت والتعنت في معالجتها، بل ونزعات الاستئثار، واحتكار التمثيل، والاستحواذ على مراكز صنع القرار، وتهميش القوى الاخرى وتجاهل ادوارها من طرف البعض “ كانت من النقائص الكبيرة في المؤتمر، التي ستؤثر في المدى البعيد على قدرته كمؤسسة على الاستمرار، وقبل ذلك على الفعل والتأثير في عملية التغيير، وفي مواجهة الضغوط والتدخلات الخارجية في الشأن العراقي.
تكوين المحاور في المعارضة
وفي السياق ذاته تداول اجتماع اللجنة المركزية موضوع تكوين المحاور في المعارضة العراقية، وافتعال كيانات ذات مسميات مختلفة، ونوايا متنوعة، واهداف متباينة.
واشار في هذا الشأن الى ان هناك، ارتباطاً باللحظة التاريخية التي نمر بها، تمايزاً وفرزاً متصاعدين في الموقف من العامل الخارجي.
ومن الواضح ان هذا الفرز وما ينتج عنه من تباينات، انما يؤذي العمل المعارض اذ يزيده تمزيقاً وتشتيتاً.
علماً ان من يعلنون تعويلهم على العامل الخارجي ليسوا جميعاً ذوي منطلق واحد وفهم متماثل، وليسوا كلهم من المعسكر نفسه. فمنهم من هو مرتبط اصلاً بالمشروع الامريكي. ومنهم من يشعر في اللحظة الراهنة باليأس من قدرة القوى الذاتية على تحقيق الاهداف المنشودة. ومنهم ايضاً من لا يقدّر الامور حق قدرها، ولا يستطيع ان يتصور جيداً النتائج اللاحقة لما يقدم عليه في اللحظة الراهنة.
ولقد عكس مؤتمر لندن نفسه تباينات ذلك كله وتناقضاته وتمايز قواه.
لهذا تبرز الحاجة الى استنهاض القوى الوطنية، وشد عزائمها وحضّ توجهها نحو مشروع وطني ديمقراطي،وتنشيط الاتصالات والتنسيق الثنائي والمتعدد الاطراف في ما بينها.
ولا شك ان الاحداث والتطورات ستكون عوناً لهذه القوى ومشروعها، خاصةً مع اتضاح حقيقة المشاريع الاخرى في الهيمنة والاستئثار، والعداء لمصالح الجماهير، وتهميش بقية القوى.
وفي المقابل لن يصب تكوين المحاور، وشق الصفوف، وتأجيج الصراعات بين اطراف المعارضة حول القضايا الثانوية، وما يرافق ذلك من توتر وتشنج وسجال لامبدئي، الا في خدمة المشروع الامريكي، ومساعي النظام وعملائه، او في خدمة بعض المتعطشين للصعود بكل وسيلة، واحتلال مواقع على حساب الشعب، وعن طريق السطو على جهود قواه المخلصة، وسرقة حتى شعاراتها السليمة المعبرة، وتشويهها والاساءة اليها.
مهمات آنية ملحة
واكدت اللجنة المركزية في نهاية مداولاتها ان الظروف التي يمر بها شعبنا ووطننا، وما تتسم به قضيتنا من تعقيد وتشابك، والغموض الذي يحيط بمواقف الكثيرين من المعنيين بحاضر بلادنا ومستقبلها، تلقي على عاتق حزبنا وعموم الحركة الوطنية العراقية، مهمات ملحة ذات طبيعة آنية، لكنها في الوقت نفسه ذات ابعاد استراتيجية، وسيعتمد الكثير في تسديد خطانا مستقبلاً على النهوض بها وحسن الاداء في تحقيقها:
مواصلة السعي المثابر - رغم كل المعرقلات والمعوقات - لجمع قوى واحزاب شعبنا الوطنية وتوحيد طاقاتها على اساس القواسم المشتركة، في برنامج وطني - ديمقراطي، وبالاعتماد على جماهير شعبنا والقوات المسلحة، وبالاستناد الى دعم دولي شرعي.
الاستمرار في فضح الدكتاتورية وجرائمها، وكسب القوى داخلياً وعربياً واقليمياً وعالمياً للعمل على اطاحتها، والتخلص من شرورها باعتبارها مصدر تخريب وعدم استقرار، وعامل توتر وعنف ودمار.
الترويج لخيارات اخرى لتحقيق التغيير، لا تراهن على الحرب او على المواقف المتقلبة للاطراف المتحمسة لها انطلاقاً من اعتباراتها الخاصة، خيارات فعالة في احداث الانعطاف السياسي والتغيير الجذري للنظام، بما يؤمّن قيام عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي موحد.
عدم قبول الاحتلال والحكم العسكري لبلادنا. فالقضية هي قضية شعبنا العراقي، والبديل للنظام الدكتاتوري المنبوذ، يجب ان يكون حكومة عراقية ائتلافية تعمل من اجل:
• الغاء جميع القوانين والمؤسسات والاجهزة القمعية المرتبطة بها، واصدار عفو عام وشامل عن السجناء والمعتقلين السياسيين واعادة الاعتبار والحقوق لهم وتعويضهم، والغاء قرارات التهجير، وتأمين عودة المهجرين من الاكراد الفيليين وكل العراقيين الذين اتهموا بالتبعية الايرانية، او اضطروا للهجرة بسبب سياسات النظام وعسفه، وضمان حقوقهم كاملة، وتقديم أقطاب النظام وكبار المسؤولين عن الجرائم المرتكبة الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل.
• اطلاق الحريات الديمقراطية بكافة انواعها وسن قانون ديمقراطي لانتخاب مجلس تأسيسي للبلاد، يشرّع دستوراً ديمقراطياً دائماً، يرسي الاسس القانونية لحياة ديمقراطية مستقرة راسخة، ويضمن التعددية والتداول السلمي، ويحل القضية القومية حلا عادلا على اساس اقرار حق الشعب الكردي في اختيار شكل العلاقة مع شقيقه الشعب العربي في العراق الديمقراطي الموحد.
• العمل على الغاء جميع العقوبات الدولية، وفي مقدمتها الحصار الاقتصادي، في سياق التعامل الايجابي مع المجتمع الدولي والسعي لكسبه الى جانب قضية شعبنا.
• الشروع باعمار البلاد واعادة بناء الاقتصاد الوطني وفقا للاولويات التي تمس حياة المواطنين، وصياغة سياسة اقتصادية ترتكز على تحقيق تنمية مستقلة ومتوازنة للاقتصاد الوطني، واعتماد سياسة نفطية عقلانية تتيح توظيف القطاع النفطي في خدمة التنمية الاقتصادية.
وشددت اللجنة المركزية على ان حزبنا ومنظماته ورفاقه وجماهيره، مطالبون اليوم اكثر من اي وقت مضى، بان يكونوا في اعلى درجات الادراك والمتابعة لما يحدث، وفي اتم الاستعداد مع جماهير الشعب للتعامل والتفاعل مع التطورات والمتغيرات.
هذا وفي ختام مداولاتها توجهت اللجنة المركزية بنداء حار الى ابناء الشعب العراقي كافة، داخل الوطن وخارجه، ان:
خذوا قضيتكم بايديكم، واعدوا لتقرير مصيركم ورسم مستقبلكم بانفسكم!
فلم يعد يمكن احتمال بقاء النظام الدكتاتوري الدموي يوماً اضافياً واحداً، خاصةً وهو يدفع شعبنا ووطننا، بتشبثه بالسلطة وغطرسته ومراوغاته وحماقاته، الى هاوية حرب مهلكة ومدمرة جديدة.
وليس من حقٍ لا للطاغية السفاح المجنون، ولا للادارة الامريكية، في استباحة شعبنا وبلادنا، والتصرف بهما كما يرغبون ويشتهون، وفق ما تمليه مصالحهم ونوازعهم.
فيا ايها العراقيون اينما كنتم!
تنبّهوا واعملوا على مواجهة واحباط ما يُدبّر لكم ولوطنكم، في وضح النهار وفي الظلام، من كوارث وبلايا جديدة!
يا جماهير شعبنا الصابرة المكافحة!
يا جماهير القوات المسلحة!
تهيأوا للنهوض الجديد في وجه الدكتاتور الباغي ونظامه الارهابي ولاطاحتهما، واجهدوا في الوقت نفسه لقطع الطريق على مخاطر الحرب الرهيبة المحيقة ببلادنا!
لا للنظام الدكتاتوري!
نعم للعراق الديمقراطي الفيديرالي الموحد!
لا للحرب ومآسيها!
نعم للسلام والامن لشعبنا ووطننا ولشعوب وبلدان الجوار والعالم باسره!
************