أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي ه-انتشار الحضارة العبودية ومرحلة النضوج 1-6















المزيد.....


من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي ه-انتشار الحضارة العبودية ومرحلة النضوج 1-6


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:17
المحور: القضية الكردية
    


هـ ـ انتشار الحضارة العبودية ومرحلة النضوج

عندما أثبت المجتمع السومري تفوقه الخارق على صعيد الإنتاج الاقتصادي الوفير، استطاع تحقيق الدليل الأساسي للدخول في وضع المجتمع المتفوق. وسيواصل التفوق في الإنتاج، في أن يكون مقياس ومؤشر قوة جميع الحضارات التي جاءت فيما بعد. إن المجتمعات المعطاءة هي مجتمعات قوية، ولذلك تشكل الموقع المركزي في حركة المد والجزر للانتشار والجذب، وقد تم تقدير التفوق عند السومريين بوصول الموقعة القمح والشعير إلى نسبة" 80 " ضعفاً، وإن هذه الظاهرة تكشف بشكل ملفت للنظر مدى القوة التأثيرية والانتشارية التي كان يمتلكها السومريون في تلك المرحلة. إن استخدام الوحدات المهنية والتجارية نتيجة فائض الإنتاج يعني فتح الطريق أمام التمدن والثورة المدينية السريعة حول المعبد الذي كان بمثابة المركز الإنتاجي. لقد أدت هذه المرحلة التي بدأت في سهل ميزوبوتاميا الدنيا إلى سرعة الوتيرة في التطور الاجتماعي وخلق تنظيم على نمط الدولة كهوية طبقية ومدينية من جهة، وكهوية سياسية وجماعية أساسية من جهة أخرى، وهذا يعني ثورة سياسية. وعندما أدت القيم المتراكمة قبل كل شيء إلى مشاكل أمنية، فإن الأهمية الكبرى لأدوات الدفاع والهجوم فرضت نفسها، وأوجبت بروز تقنية الحرب حسب هذه المرحلة، وتحولت تقنية البرونز والمحراث والفأس والبلطة التي لعبت دوراً هاما في الإنتاج الزراعي، إلى تكنولوجيا الحرب. لقد خلق السلاح البرونزي تفوقاً يماثل قوة السلاح النووي في الحاضر. وانطلاقاً من مقولة (( ان السلاح يعني التفوق ))، فإنه لم تبق أي قوة باستطاعتها مواجهة المجتمع السومري في تلك المرحلة.
عندما نضيف إلى نمط التفوق الثاني، التنظيم الأكثر تطوراً كتنظيم الدولة مع قوة المعبد الهائلة التي هي بمثابة طاقة ووقود النظام، حينها نكون بذلك قد عرفنا القوة التي ستبدأ التاريخ بخطوطها العامة مرة أخرى، نحن أمام نظام لا يكتفي بالإنتاج وحماية نفسه فقط، بل أنه يثبت نفسه عن طريق قوة التوسع الهائلة. إننا نفهم ذلك بشكل أفضل عندما نرى كيف تحول ذلك ولأول مرة في التاريخ إلى إمبريالية منظمة ومخططة مجسدة بشخص "سارغون" الذي أسس السلالة الأكادية، لقد بدأ بذلك عصر الإمبريالية المعتمدة على نظام الرق، ويمكننا القول عن ذلك بأنه أول مد وجزر للحضارة والتاريخ، أي مرحلة التوسع والمقاومة. ويمكن تقييم دور "سارغون" في التاريخ على أنه قام بتوحيد دول المدن الصغيرة والمتنازعة ونشر قوتها في الخارج، وقد قلدت جميع القوى التوسعية التي جاءت فيما بعد هذا المثال وطورته. ومعنى ذلك إننا مدينون للسومريين ليس بخلق الحضارة وتمأسسها وحسب، بل بالنظام الذي أخذ التوسع المذهل أيضاً. وإذا وقفنا عند أعوام 4000 ـ 2500 ق.م، وارتضينا على أنها مرحلة خلق وتمأسس، فإننا نلتقي بعد أعوام 2500ق.م مع المرحلة الإمبريالية والاستيطانية السومرية التي تثبت صحتها مع مرور الزمن ولازالت قيد البحث باهتمام. ويمكننا تعداد نقاط المنطق في هذه المرحلة بالخطوط العامة على الشكل التالي:
أ ـ إن التوسع يستند إلى الفائض الإنتاجي. والفائض يظهر الحاجة إلى سوق والذي يكبر مع مرور الزمن سواء من حيث مواد الخام أو التصنيع، وأن البيع والشراء في السوق يتمأسس لأول مرة ويدخل في مرحلة التطور. وكانت طبقة التجار المستندة إلى ذلك قد لعبت دور المحرك في التاريخ وفي التوسع.
ب ـ لقد أدى تطور تقنية الأسلحة المعتمدة على البرونز والإنتاج الكبير إلى خلق قوة عسكرية محترفة وتمأسسها ودخولها إلى مرحلة التوسع مع النظام. لقد تم فتح مرحلة الغنائم بشكل كامل ومخطط. وجعل الجنس البشري يبيد جنسه ممكناً لأول مرة في التاريخ، وبشكل مخطط له، بهدف كسب الغنائم والاستعباد، وأن هذه المسألة هامة استناداً إلى ما سيأتي: لم نشهد في عالم الحيوان قيام أي حيوان بعملية إبادة لجنسه، ناهيك عن أن تكون إبادة منظمة ومخططة، وأن أول من قام بذلك هو الإنسان، ولا شك أن ذلك تطور مع المجتمع الطبقي بكل تأكيد، إذ لم نشهد ممارسة كهذه في العصر النيوليثي الذي لم يكن قد تطور فيه التحول الطبقي ولا في العصور التي سبقتها، وقد أثبتت الأمثلة المتعلقة بأكلة لحوم البشر، أن القيام بذلك كان محدوداً ونمطاً من العبادة كضرورة هدف مقدس. إن النمط المذهل لهذه الممارسة هو قاعدة "قتل الملك"، لقد استمر هذا النمط من الممارسة التي تعبر عن التمثيل الإلهي الولادة والموت الموسمي على شكل التضحية بقرابين من الأقارب الشبيهين بأولادهم. لقد تطور الاعتداء المنظم والهادف إلى التدمير والإبادة اعتمادا على ممارسة الطبقة الاستغلالية ـ الحاكمة التي جعلته منظماً وأضفت عليه الشرعية وكأنه عملية تاريخية عادية، وأصبح عملاً بطولياً وحقاً مكتسباً وملحمياً، بعد أن تركزت عملية تقديس الدين المهيمن والعادات والتقاليد، وجعلت إحدى طبقات المجتمع أو مجتمع الفرز الطبقي ذلك هدفها الأساسي ورفعته إلى مرتبةالمهنة. وبذلك فقد بدأت مرحلة "الإنسان ذئب الإنسان". ويجب أن نرى إن مصدر اللعنة يكمن في هذا التطور، لأن ملحمة "اللعنة على أغاد"، تعتبر من أهم الملاحم السومرية ولها علاقة بقيام الأكاديين بتدمير المدينة المقدسة "نيبورNippur ". إن "أكاد" تلقت "اللعنة" لأول مرة في التاريخ لهذا السبب.
ج ـ جعلت الاحتياجات المتعاظمة التحول إلى الإمبريالية أمراً حتمياً في الوقت الذي أدت فيه النزاعات الداخلية لدول المدن الصغرى إلى هذه المرحلة. لقد كانت للمجموعات المشاعية السابقة توسعاً في عدة اتجاهات، الا ان توسعها لم يكن بهدف التدمير ولم يكن يستند إلى الهيمنة، وهذا وضع يعاش بشكل مكثف ويتطور بشكل مرتبط مع القاعدة العيش جنباً إلى جنب مستندة إلى الحاجات الطبيعية؛ يختلف تماماً عن ممارسات الإمبريالية الاستيطانية والتخريبية. باختصار بدأت الطبقة الاستغلالية الحاكمة المحصورة في الداخل مرحلة توجيه الضغوطات الداخلية نحو الخارج والتي تعتبر سياسة رئيسة من أجل التخلص من الضغوطات وتحقيق الربح بنفس الوقت.
د ـ إن الأسباب الثلاثة المذكورة تتحول إلى حقيقة (( تطوير وإعاشة )) الذات عن طريق الانتشار والتعاظم التي تعتبر القاعدة الأساسية للحضارة الطبقية، إن هذا الطراز هو سمة في طبيعة الحضارة، وتوجد أشكال عديدة للتوسع وكل حسب أهدافه، فهناك ما يهدف منها إلى النهب لفترة زمنية قصيرة، ومنها ما يستند إلى السيطرة الدائمة على موارد المواد الأولية الاستراتيجية كالحديد والنحاس حسب المرحلة، ومنها ما يهدف إلى إنشاء مستوطنات تجارية جديدة وتكوين المدن على اساسها، كذلك إلى جانب التوسع التجاري الذي يعتمد على تأمين المواد الخام وبيع المنتجات المصنعة، فهناك أمثلة عديدة مثل التوسع الديني والأيديولوجي الذي يعطي الأولوية لبناء معابد مشابهة لمعابدهم، وإن أشكال التوسع التي نراها كثيراً هي الاستيطان المؤقت أو الدائم حسب خصائص منطقة الانتشار. وتتحول الأشكال الدائمة إلى ساحات حضارية جديدة مع التجسيد والاندماج المتبادل بعد فترة مناسبة، إن منطق تكوين كهذا التكوين يلعب دوراً كبيراً في أساس التاريخ.
إن جميع الأبحاث والطروحات العلمية التي استندت إلى البحوث المتعلقة بمصادر الحضارة، تشير إلى أن السومريون هم مركز الانتشار من حيث الزمان والمكان. وأثبتت الدراسات العلمية أن نيوليثية الهلال الخصيب وميزوبوتاميا السومريين قد لعبتا دوراً مصيرياً في تكوين المراكز البارزة، وهذا ما تؤكده الإثباتات العلمية.



1 ـ الحضارة المصرية:

إن حضارة مصر ـ نيل، هي إحدى أولى المجتمعات العبودية التي ظهرت بعد السومريين مباشرة. وعند تقييمنا للحضارة المصرية، فإنه لم يثبت بعد استنادها إلى عصر نيوليثية شمال أفريقيا ولم يشاهد آثار انتشار لها. ومن أكبر الاحتمالات هو أنه مثلما انتشرت الثورة الزراعية التي نضجت في الهلال الخصيب في جميع الجهات، فإنها وصلت إلى هذه المنطقة أيضاً في الألفية السادسة قبل الميلاد، إن هذا التقييم يتناسب مع منطق التوسع من زاوية علم الزمان "الكرونولوجيا". ويتيح الطمي الخصيب لنهر النيل الإمكانية لثورة مدينة شبيهة، ورغم ذلك نرى آثار الثورة المدينة السومرية في منشأ الحضارة المصرية، لكن نسبة الخصوبة المرتفعة أدت مع مرحلة الهضم المبكر في مصر إلى ظهور البنية الجوهرية لها، إن اعتمادها على ثقافة العصر النيوليثي بشكل مبكر من جهة، وقابليتها للتجسيد والاندماج السريع من جهة أخرى، أدى إلى تأمين إمكانيات لاتخاذ مصر طابع الحضارة الأولي والجوهري وصورة مجتمع طبقي وليس طابع مستعمرة، ورغم جوهرية الحضارة المصرية، فإن عدم ظهورها لوحدها دون وجود الثورة الزراعية في الهلال الخصيب والثورة المدينية السومرية، هو حقيقة تاريخية. ومثلما لا يمكن التفكير بالحضارة المصرية دون النيل، فإنه لا يمكن التفكير بخصوبة النيل و بالحضارة المصرية بدون التفكير بالثورة الزراعية في الهلال الخصيب والثورة المدينية عند السومريين أيضاً. وأكبر دليل على ذلك، هو أن الظروف المناخية والجغرافية التي تحيط بالنيل، والأهم من ذلك أن الثقافة النباتية والحيوانية لا تتيح إمكانية ثورة زراعية في العصر النيوليثي، وليس في مصر ظروف تهيئ للثورة الزراعية، ولو كانت موجودة، لأصبح وادي النيل مهد الثورة الزراعية والمدينية بشكل مبكر، بسبب ظروفه التي لم تتغير حينذاك ولأحدث تطورات قبل التطورات التي أحدثتها الثورة الزراعية والمدينية في ميزوبوتاميا وليس بعدها. إن الدور الأساسي للنيل ينبع من خاصية الري للأراضي الخصبة والمناسبة. وقد شوهدت مرحلة الحضارة المصرية الخاصة والسريعة عند وصول التكنولوجيا الزراعية اللازمة.
لقد بدأت الحضارة المصرية في الألفية الثالثة قبل الميلاد تقريباً، واستمرت حتى بداية الميلاد دون تغيير يذكر. وأظهرت تطوراً مختلفاً عن السومريين في ميادين فن العمارة والمساحة وأنواع الكتابة المختلفة، وتمتلك تفوقاً في فن العمارة، لا يمكن مقارنته إلا بالفن المعماري لروما. وكانت عملية الشحن عن طريق السفن الشراعية متطورة أيضاً، وكانت حساباتهم السنوية والموسمية المعتمدة على الكواكب أكثر دقة. ومع أن تمأسس الدولة كان مركزياً، إلا أنه لم يتح الفرصة لقيام دولة المدن. وكان يوجد تقسيم إداري على شكل نمط المقاطعات على الأغلب، وقد تم إدارتها من قبل أكثر من ثلاثين سلالة على شكل مراحل باكرة ومتوسطة ومتقدمة كما كان عند السومريين واستطاع الملك تحقيق التفوق على الكاهن، بعد أن كان الكاهن أعلى مرتبة. كان مفهوم الإله ـ الملك هو المسيطر، وظهرت البنية الميثولوجية على شكل انعكاس واهن ومحدود، وذلك مقارنة مع البنية الميثولوجية السومرية. ويوجد هنا مركز إلهي قريب من الثالوث الأب ـ الأم ـ الابن، ويجعل نفسه ديار بكر للنظام السماوي على الأرض، ويبني بنية إيديولوجية إنسانية قوية ومهيمنة على هذا الأساس. لذلك ظلت تقليد الكهنة المصريين بشكل قوي حتى يومنا هذا، وتبقى محاولة الاستيطان الإمبريالي محدودة جداً، كما تؤثر العلاقة الكريتية ـ الفينيقية التجارية على تطور الحضارة التحتية هنا. لا يمكن للحضارة أن تقوم إلا بدور الرافد القوي في تغذية النهر الأساسي، وهناك مبالغة كبيرة في تقييم مصر على أنها تقوم بدور أبعد من رافد مغذي مقارنة مع المصدر الأساسي العائد للسومريين، لكن رغم ذلك، فإن حضارة مصر هي من إحدى الحضارات التي لها حصة أساسية في تطور الحضارة العبودية بخطوطها العامة منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد وحتى الميلاد، ولا يمكن غض النظر عن تغذيتها للحضارة اليونانية، والحضارة الرومانية حتى لو كان بشكل أقل وغير مباشر. ورغم عدم تمكنها من فتح أفريقيا على الحضارة، إلا أنها استطاعت تطوير التجارة إلى أعماقها، إن البدء بالتجارة الشراعية وتطورها في النيل والبحر الأحمر والبحر المتوسط مدين للحضارة المصرية بشكل كبير.
تمتلك مصر مكانة هامة في تطوير الأديان التوحيدية رغم افتقارها الى التصورات الميثولوجية مقارنة مع السومريين. ورغم تدخلها في تجربة الأديان التوحيدية، إلا أنها بقيت محدودة. وتعتبر طبقة الكهنة المصريين هي المركز التعليمي لكوادر الميثولوجيا والدين الإغريقي، بسبب دورهم التعليمي القوي. لقد تلقى رواد الكهنة والفلاسفة الإغريق غذاءهم من تعليماتهم وتدريباتهم في مصر وبابل إلى حد كبير حتى القرن الخامس قبل الميلاد.
تعتبر الحضارة المصرية في الموقع الثاني في تطور الحضارة العبودية بعد السومريين وان كان ذلك على صعيد التطور المبكر والأساسي أو على صعيد عظمة حجمها. كما تعتبر الحضارة المصرية مولداً منتجاً ومغذياً لنظام العبودية باستمرار، إنها استغلت العبودية لحدٍ كبير جداً، لاسيما الجهود التي بذلها العبيد من أجل بناء الأهرامات كانت مخيفة ومذهلة إلى درجة قد تركت إرثاً لعدة إمبراطوريات وفي مقدمتها روما، وبكل تأكيد فإنه لا يمكن غض النظر عن دور المورثات الاجتماعية التي زرعها النظام المصري، في مواصلة الاستبداد في الشرق الأوسط. ومثلما أعطت للرق فعالية عميقة فإنها جعلت السلطة السياسية والدينية متكاملة عن طريق التفعيل المقتدر. ومثلما كان دور السومريين هاماً في خلق وتطوير النظام العبودي في التاريخ، فإن دور المصريين هام أيضاً في نضوجه وتحقيق الاستمرارية له.

2 ـ حضارة هارابا"Harapa" وموهاندجادور"Mohenjadora" في الهند والبنجاب ووادي أنداس

نحن أمام فرع حضاري مدهش. نبت كما ينبت الفطر من الأرض في عام 2500 ق.م. هذه الحضارة تشبه شكلاً مصيرياً متجرداً أكثر، وقد ثبت أن تطورها في العمارة والكتابة كان محدوداً. ومن المتوقع أنه كان لها علاقة بالسومريين عن طريق المحيط الهندي، ومن المحتمل أيضاً أن تكون المنطقة قد بدأت بالتعرف على أشكال العصر الحجري في الألفية الخامسة قبل الميلاد عبر إيران، وأنها اكثر من أن تكون منتوجاً لثورة زراعية، والتي أخذت منبعها من هنا، فأنها قد تطورت على شكل مستوطنة تجارية مرتبطة بالسومريين، ويقبل على أنه مع الجفاف الذي شهدته المنطقة في الألفية الثانية قبل الميلاد، عاش هذا الفرع من الحضارة انقطاعاً لم يعرف سببه حتى الآن وبقي خارج التاريخ وانطفأ بسبب عدم مقاومته الأزمة التي شهدتها مناطق الحضارة، ونرى أنه لم يكتسب ميزة خاصة أو ديمومة مثل فرع مصر.
تبدأ الحضارة الهندية بالعيش وتأصلها وديمومتها منذ الألفية الأولى قبل الميلاد كنتيجة لارتباط المجموعات الآرية القوية باستيطانها.

3ـ الحضارة الصينية

لقد تعرفت الصين الموجودة في الحدود الشرقية لأسيا، على العصر الحجري الحديث المستند على الهلال الخصيب في الألفية الرابعة قبل الميلاد. ولا نرى أثراً للتطور الداخلي في الثورة الزراعية، ويلعب النهر الأصفر دور مماثل للدور الذي لعبه نهر النيل المصري وذلك بفضل خصوبة تربته المناسبة للري، وتناسب الجغرافيا والمناخ الثقافات النباتية عدا الري المصطنع. لقد تكونت في الصين إمبراطورية عبودية قوية مستندة إلى تطور المجتمع الطبقي في عام 1500 ق.م تقريباً، وتطورت بمركزية قاسية مثل السلالات المصرية، وإنها لم تتعرض للانقطاع كالذي رأيناه في مثال الهند، وقد استمرت إلى يومنا هذا بعد إن شهدت عدة مراحل انقسام وتمركز، وتمكنت من ان تجعل مصدر منشأها الداخلي يغذي نفسه بنفسه دائماً، رغم إننا لم نجد لها مساهمة خاصة بالحضارة. واستطاعت المشاركة بالقناة الأساسية للحضارة بازدياد الجريان مع مرور الزمن في بداية الميلاد والمرحلة الرومانية، حيث أكتسب روافد الحضارة الاجتماعية العديدة الكبيرة والصغيرة، سرعة في المشاركة بالنهر الأساسي بعد اتحاد آسيا وأوروبا في مسار الحضارة. ان النهر الأساسي يكبر ويزداد سرعة، وإن القوى الاجتماعية التي تتجه من الشمال والجنوب بشكل دائم نحو المسار الذي يمر عبر ساحات الحضارة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، تقدم مساهمة للغنى الذي نسميه بالتاريخ، وذلك عن طريق نقلها الخصائص الأساسية للمسار إلى تمأسساتها التحتية والفوقية بشكل دائم، وإضافة بعض الألوان من جوهرها إلى هذه الخصائص. وإن المعنى الملحمي لواقع طريق الحرير التاريخي، ينبع من الدور الذي يلعبه في هذا الغنى الحضاري.
وفي التقسيم القاري للحضارة جاءت حصة أمريكا للتعرف على العصر النيوليثي في الألفية الثالثة قبل الميلاد تقريباً والدخول في الثورة المدينية في القرن الخامس قبل الميلاد. إن هذه القارة التي شهدت تطوراً محدوداً في داخلها، لن تستطيع البدء بدورها في العالم إلا بشكل متأخر، وتحديداً في القرن العشرين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية استناداً إلى الرأسمالية الأوروبية الاستيطانية.
4 ـ لقد شهدت الساحات المجاورة التطورات الأساسية التي نجمت عن انتشار الحضارة السومرية، ومحاولة التصدي له. لقد دخلت كل من المجموعة التي سميت بـ الهوريون"horrıt" من أصل آري في الشمال والشرق والمجموعة التي سميت بالعمورية " amorıt" ذات الجذور السامية في الغرب والجنوب في حركة كبيرة ضد غنى وقوة السومريين المتصاعدة في وسطهم، إذ تعرضت حياتهم القديمة الهادئة المعتمدة على النظام الزراعي القروي المستقر ونظام الرعي المتنقل، إلى زلزال كبير، وكانت المجموعات الآرية في وضع لا يمكنها من تجاوز النظام الزراعي والرعوي الذي تعيشه بعمق، وكان السومريون قد حققوا هذا التفوق منذ أمد طويل، وكانت القبائل الرعوية العمورية بعيدة جداً عن حياة الزراعة والمدينة تخوض حرب البقاء عند ازدياد الجفاف في بعض الأحيان، وذلك في ظروف الصحراء القاسية، وكانت تتصاعد جنة بجانبهم، وكانوا في مواجهة مع اللعب بقدرهم إما أن يكونوا عبيداً خدماً أو فاتحين غزاة، وفي الغرب كانت الحضارة المصرية تواجه تطورات مشابهة، وكان امتحان الحضارة إما سيتفوق على هذه البربرية وينتشر أو أن يختنق وينطفئ.
وكان التاريخ يواجه لحظات حرجة لمرحلة ديالكتيكية بارزة. وفي الحقيقة، فإن المرحلة التي بدأها السومريون، كانت مرتبطة بحركة هذه القبائل. لكنهم ومع تفوقهم مهدوا السبيل أمام التباين والذي بدوره يؤدي الى التناقض.
عندما وصل التمدن إلى حدوده الطبيعية في أعوام 2500 ق.م، واحتدمت المنافسة والحرب على الملكية، تملص أعيان سارغون ذوو الجذور السامية وقمعوا التناقضات، وجعلوا تصدير التناقضات سياسة رئيسة لهم، إن ما تميز به سارغون هو أنه أخرج الانفتاحات على الخارج التي كانت تشاهد من قبل كعملية بطولية في بعض الأحيان ـ إن ملحمة كَلكَامش ثمرة من ثمار هذه التطورات ـ من أن تكون حوادث فردية، وأدخلها إلى مرحلة توسعية واستيطانية منظمة ومخططة. لقد بدأت في الاتجاهات الأربع مرحلة سيادة متداخلة مع التجارة عن طريق البر والبحر والأنهار، وتم شرح هذه المرحلة في الكتابات الحجرية بغرور، وانتشرت المستوطنات التجارية بين أعوام 2500 ـ 2000 ق.م من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود، ومن داخل إيران إلى جزر وسواحل خليج البصرة مثل كرة الثلج المتدحرجة. لقد أخذ كل من الفينيقين في شرق البحر الأبيض المتوسط، والحثيون في الأناضول الداخلية، والميتانيون في ميزوبوتاميا العليا والوسطى، والعيلاميون في إيران وزاغروس الشرقية بعد ممارساتهم الاستيطانية الأولى وضعهم الخاص بهم ووصلوا إلى القوة السياسية وتحولوا إلى دول، وذلك بعد مقاومة طويلة لم نعرف حقيقتها ألا أننا نجدها دامية من خلال الكتابات الحجرية. وذلك، مثل تكوين الفيدراليات والدول المحلية المشابهة للدولة والتي تشكلت بعد حروب المقاومة والتي تظهر كرد فعل في مرحلة الاستغلال الرأسمالي. وتؤدي المرحلة التاريخية الجديدة التي تتشكل مع تعاظم قوة الاستيطان الإمبريالي السومري والبنى المحلية التي تأثرت بذلك الاستيطان، إلى تطورات هامة. وإن الوصول إلى المجتمع الطبقي من خلال التجسيد والاندماج، والصعود إلى ساحة التاريخ كدول صغيرة، والصراع الناتج عن المنافسة المتزايدة،هي السمة النموذجية لهذه المرحلة.
عندما كان الاستيطان المستند إلى السومريين نزعة سائدة بين أعوام 2500 ـ 2000 ق.م تقريباً، نرى بأن المرحلة الجديدة التي تكونت من التشكيلات السياسية التي تطورت حول الاستيطان على الأغلب بعد الألفية الثانية قبل الميلاد، قد اكتسبت قوة اندفاعية مع مرور الزمن. وإن المرحلة التي عاشت ما بين أعوام 200ق.م وحتى القرن الخامس قبل الميلاد، فهي ذات معنى كبير في تاريخ الشرق الأوسط. وقد قدمت هذه التشكيلات مساهمة في تاريخ الإنسانية بمقدار المساهمة السومرية والمصرية الكلاسيكية على الأقل، وذلك من خلال تمهيدها السبيل لتطورات عديدة وضم غناها المحلي إلى هذا التاريخ. وهذا يعني أيضاً بقاء نظام الرق مسلطاً على رأس الإنسانية وكأنه قدر ومعايشته مرحلته الناضجة. لذلك يحمل تحليل الجوانب المتعددة للمرحلة الجديدة لحضارة الرق، أهمية كبيرة.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...


المزيد.....




- في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع ...
- سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون ...
- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي ه-انتشار الحضارة العبودية ومرحلة النضوج 1-6